Quantcast
2021 نونبر 12 - تم تعديله في [التاريخ]

ما حدث.. ليس بريئا


العلم الإلكترونية - بقلم عبد الله البقالي
 
لن يكون كافيا و لا مقنعا تفسير ولا تبرير ما حدث بعامل الصدفة، بل الأكيد أن ما حدث له صلة واضحة و متينة بالتطورات والتقلبات المتسارعة التي يعيشها العالم بأسره، في خضم أزمة صحية تكاد تكون غير مسبوقة، كانت ولا تزال، لها تداعيات عميقة على المستويات كافة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية منها .

فأن تبادر الحكومة الصينية في اليوم الأول من الشهر الجاري إلى دعوة مواطنيها (إلى شراء وتخزين احتياجاتهم الأساسية لضمان تلبية الاحتياجات اليومية ولمواجهة حالات الطوارئ)، وارتأت هذه الحكومة تضمين هذه الدعوة في بلاغ رسمي نشرته وزارة التجارة الصينية على موقعها الإلكتروني. وزادت في التفاصيل المثيرة حينما طلبت الوزارة الصينية (من السلطات المحلية تسهيل الإنتاج الزراعي و تدفقه والإمداد ومراقبة مخزون اللحوم والخضروات والحفاظ على استقرار الأسعار) .

في العادة حينما تكون المخاطر حقيقية التي تهدد إمداد السوق بالمواد الاستهلاكية الأساسية فإن السلطات المركزية تتجنب جهد المستطاع التهويل من الوضع و تلتجئ إلى مختلف أشكال التواصل المؤثرة لخلق أجواء الاطمئنان والثقة والاستقرار، لأنها دون ذلك فإنها تسبب في سيادة مظاهر قلق و رعب و هلع خطيرة جدا تدفع بالحشود الهائلة إلى الازدحام في الأسواق لاقتناء أكبر الكميات من المواد الاستهلاكية المنتجة والمعروضة، وسيقود ذلك إلى الاحتكار والارتفاع المعمول في الأسعار، مما يوفر التربة المناسبة لتمرد شعبي عارم قد يدخل البلاد فيما لا تحمد عقباه .

والسلطات الصينية تدرك أكثر من غيرها، بحكم طبيعتها هذه الحقائق كافة، ولكنها مع كل ذلك أقدمت على ما أقدمت عليه في قضية بالغة الحساسية والخطورة. و أيضا لا يمكن أن يكون مقنعا ما روجته بعض الأوساط من أن نشر هذا البلاغ من طرف وزارة التجارة الصينية يعتبر سلوكا طبيعيا و معتادا منها، و هي اعتادت نشره قبل بداية كل فصل شتاء لدعوة المواطنين إلى تخزين المواد الاستهلاكية لمواجهة فصل الشتاء الصعب حيث تكثر الفيضانات في كثير من مناطق الصين مما يتسبب في عزلها بشكل نهائي .

أبعاد ما حدث تتجاوز بكثير الحدود التي حاولت بعض الجهات رسمها له، لأن الخبر الذي قيل إنه ينشر كل سنة لم نسمع به قبل اليوم، وحتى إن حدث دون أن يقع الانتباه إليه لأن وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في مختلف أرجاء المعمور لم توله هذه الأهمية كما حدث هذه المرة، حيث وبصفة مباغتة أضحى الخبر حديث المجالس، محتلا صدارة اهتمامات وسائل الإعلام السمعية والمرئية والمكتوبة والالكترونية، فإنه و ببساطة يجد تفسيره فيما تتعرض له أسعار الخدمات وأثمنة المواد الاستهلاكية في الأسواق العالمية والذي كان موضوع حديثنا في الأسبوع الماضي .

يمكن التقدير بأدنى مجازفة أن الأمر يتعلق بالحرب الاقتصادية التي تمثل في الظروف الراهنة العنوان البارز لمرحلة ما بعد خفوت شراهة الجائحة، و يساعدنا على ترجيح هذه الفرضية أنه وبعد مرور ساعات قليلة من صدور بلاغ وزارة التجارة الصينية نحا مؤشر أسعار العديد من المواد الاستهلاكية نحو الارتفاع في الصين نفسها قبل أن ينتشر في الأوراق العالمية بأسرها ، كما ارتفعت أسعار النقل الدولي لهذه المواد بشكل لافت جدا. فالصين التي كانت قبل سنتين من الآن مصدر الوباء الذي هز أركان العالم في ظروف لا تزال لحد اليوم مجهولة، إن لم تكن مشبوهة، لأنه لا أحد يملك الأجوبة الدقيقة والمقنعة حول الأسئلة المتعلقة بسبب خروج هذا الفيروس الفتاك إلى الوجود ولمبررات انتشاره السريع والمهول في جميع أرجاء الكون .

الواضح أن كبريات الشركات التي تتحكم في القوت اليومي للبشرية تحرص في هذه الظروف الدقيقة على تدارك ما فقدته من خسائر فادحة خلال السنتين الماضيتين ، حينما تسببت تدابير الإغلاق والعزل و توقيف سلاسل الإنتاج و النقل في خسائر مالية فادحة، لأن شيئا يبرر ألهبة النيران التي انتشرت في هشيم الأسعار بالأسواق العالمية، ولأن وحدات الإنتاج الفلاحية والصناعية لم تكن الوحيدة التي تضررت من تداعيات كورونا، بل جميع مناحي الحياة طالها الضرر، ولذلك فالمصيبة كانت واحدة وإذا عمت هانت.

في ضوء ذلك فالعالم يتعرض في هذه الظروف الدقيقة إلى مؤامرة ، قد تكون تداعياتها أخطر مما تسببت فيه الجائحة، و تتعلق بالأمن الغذائي العالمي . فكثير من الأوساط الاقتصادية لا تتعاطى مع الأوضاع الإنسانية العالمية بهواجس التضامن والمساعدة والتكافل و نكران الذات لمواجهة التحديات الطارئة، بقدر ما تتعامل معها بمنطق تجاري مالي يضع رهانات الربح في مقدمة أولوياته. ولذلك، و في غياب آليات قوية كفيلة بكبح جماح الجشع، والحد من شراهة الليبرالية المتوحشة، فإن البشرية ستكون معرضة في هذه الظروف الصعبة والدقيقة التي يجتازها العالم إلى أخطار كثيرة ليس أقلها الاختلالات الفظيعة والكبيرة التي يتعرض لها الأمن الغذائي، والتي سيدفع الصغار من الدول الفقيرة، التي تعتمد على إطعام مواطنيها على الاستيراد، تكلفتها الغالية، والتي تلقي بظلال انتشار مجاعة في أرجاء واسعة في الكون ستكون، لا قدر الله غير مسبوقة .
 
   للتواصل مع الأستاذ الكاتب : bakkali_alam@hotmail.com 
 

              



في نفس الركن
< >















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار