
العلم - بقلم عبد الله البقالي
لم تلتقط مراصد منظمة (فريدم هاوس) الأمريكية التي تروج لنفسها أنها تدعم الديمقراطية والحرية السياسية وحقوق الإنسان في العالم، ولا تتردد في وصف نفسها بأنها "صوت خالص للديمقراطية والحرية في جميع أنحاء العالم" في تقريرها السنوي لسنة 2024 غير "تسجيل تحسن ملحوظ في الأوضاع السياسية في جنوب آسيا"، ونقبت على دول مجهرية من قبيل واحدة تسمى (بوتان) يكاد لا يسمع بها أحد، والتي قالت عنها إنها "عززت التحول إلى الديمقراطية عبر انتخابات تنافسية". ولم تغفل المنظمة الأمريكية التي ترتدي لباسا غير حكومي التباكي على أوضاع الحريات على مستوى العالم خلال العام الماضي، التي قالت إنها تراجعت مع تشديد الأنظمة الاستبدادية قبضتها. مع تذكيرها بأن الحقوق السياسية "تعتمد إلى حد كبير على المؤسسات، وهذه من السهل تدميرها لكن من الصعب جدا بناؤها".
وصال وجال تقرير (بيت الحرية) في جغرافية العالم يلاحق تفاصيل الأوضاع السياسية في مختلف الأقطار، يصنف كل واحدة منها في خانات تتباين بين الحرة وغير الحرة وبينهما، ويطارد القادة السياسيين الذين تسببوا في التراجعات والانتكاسات، ويتابع الذين اقتلعوا من مناصبهم وفروا بسبب التغيير السياسي الذي حدث في بلدانهم. وأمسك صناع هذا التقرير بالقلم الأحمر ينقطون الحالات والتجارب حسب تقديراتهم المتناسقة تماما مع الحسابات السياسية والاقتصادية.
تقرير (بيت الحرية) مسح خريطة العالم، لكنه لم يتحدث عما وقع في غزة خلال نفس السنة المشمولة بالرصد. قد يبدو للوهلة الأولى أن الراصدين لم يكن لهم علم بما حدث. لم يعلموا أن حياة دمرت بأكملها، وأن خمسين ألف مواطن قتلوا، أكثر من ثلثيهم من الأطفال والنساء، وأن الملايين تم تهجيرهم قسرا، وأن أكثر من تسعين طنا من أكثر القنابل خطورة ألقيت على غزة، ومسحت الأرض من جميع معالم الحياة، وأن مستشفيات ومدارس وسيارات إسعاف قصفت ودمرت بصفة نهائية.
فإذا كان رصد المنظمة الذي قامت بتنزيله في تقرير ادعت شموليته وموضوعيته تخصص في تقييم أوضاع حقوق الإنسان، والقصد هنا ربما حقوق التعبير والانتخاب والتجمع والمشاركة السياسية وتأسيس الأحزاب والنقابات والجمعيات، وهي حقوق مركزية تتطلب فعلا متابعة ورصدا، فإن ما حدث في غزة يتجاوز هذا السقف في انتهاكات الحقوق بشكل أكثر من خطير، لأنه طال الحق في الحياة الذي يتقدم على باقي جميع الحقوق.
بماذا يمكن تفسير إحجام منظمة (فريدم هاوس) عن الحديث بكلمة واحدة عما جرى في غزة ؟ طبعا قد يقع التستر وراء القول بأن التقرير الذي أنجزته المنظمة الأمريكية تخصص في رصد ومتابعة وتقييم أوضاع حقوق الإنسان والحالة السياسية في كل قطر، من حيث التداول على السلطة بواسطة الانتخابات واحترام حقوق التعبير والرأي والاختيار، و إن ما حدث في غزة يتجاوز هذا الإطار ويتعلق تحديدا بمواجهات بين أطراف بخلفيات سياسية. لكن الحقيقة التي تسكن أعماق الأحرار والنزهاء في العالم تؤكد، أن ما حدث في غزة يصنف ضمن جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي ضد سكان مدنيين، وأنه يتعارض بصفة مطلقة مع جميع المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وبالحقوق السياسية، وأنه يناقض في الجوهر المفهوم الكوني لحقوق الإنسان. وأنه لم يقتصر على الحرمان من حقوق الانتخاب والتعبير والمشاركة السياسية، ولا على التداول السلمي على السلطة، ولا على قيام بناء مؤسسات تمثيلية حقيقية، بل تجاوز ذلك بكثير وتعداه إلى القضاء على مقومات الحياة الإنسانية. وبالتالي فالقول بغير هذا هو إنكار للواقع وتهرب منه لأسباب معلومة.
التفسير المنطقي لتجاهل (بيت الحرية) لجرائم الإبادة والتطهير العرقي وللجرائم ضد الإنسانية التي اقترفت في غزة لمساحة زمنية امتدت لأكثر من خمسة عشر شهرا يكمن، في زاوية النظر السياسية، إذ لا يمكن لمنظمة أمريكية تمول من الخزينة الأمريكية ومن مصادر تمويل مرتبطة بالمصالح الاقتصادية أن تزيغ عن خط السياسة الأمريكية الخارجية، وأن كل ما نسمعه ونتابعه عن منظمات حقوقية أمريكية ليس في حقيقته غير آليات سياسية بلباسات حقوقية وجدت ومولت، ولا تزال تمول، لممارسة الضغوط اللازمة من أجل فرض تحقيق المصالح التي تقتضيها السياسة الخارجية الأمريكية، وأنها في ضوء ذلك، مجرد مخالب حادة لتلك السياسة، وأقنعة متعددة لإخفاء الوجه الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية.
لذلك لم يكن ممكنا أن تتمرد هذه المنظمة وأمثالها في الولايات المتحدة الأمريكية وفي كثير من الدول الغربية على مواقف البيت الأبيض إزاء ما حدث في غزة، لأنها لا تمتلك شروط الاستقلالية والحيادية المطلوبين في الرصد الحقوقي والسياسي، وطبعا حينما يفتقد الرصد للمقومات ولمعايير المهنية يتحول إلى مجرد رجع صدى لما تأمر به مراكز القرار السياسي والاقتصادي.
لم تلتقط مراصد منظمة (فريدم هاوس) الأمريكية التي تروج لنفسها أنها تدعم الديمقراطية والحرية السياسية وحقوق الإنسان في العالم، ولا تتردد في وصف نفسها بأنها "صوت خالص للديمقراطية والحرية في جميع أنحاء العالم" في تقريرها السنوي لسنة 2024 غير "تسجيل تحسن ملحوظ في الأوضاع السياسية في جنوب آسيا"، ونقبت على دول مجهرية من قبيل واحدة تسمى (بوتان) يكاد لا يسمع بها أحد، والتي قالت عنها إنها "عززت التحول إلى الديمقراطية عبر انتخابات تنافسية". ولم تغفل المنظمة الأمريكية التي ترتدي لباسا غير حكومي التباكي على أوضاع الحريات على مستوى العالم خلال العام الماضي، التي قالت إنها تراجعت مع تشديد الأنظمة الاستبدادية قبضتها. مع تذكيرها بأن الحقوق السياسية "تعتمد إلى حد كبير على المؤسسات، وهذه من السهل تدميرها لكن من الصعب جدا بناؤها".
وصال وجال تقرير (بيت الحرية) في جغرافية العالم يلاحق تفاصيل الأوضاع السياسية في مختلف الأقطار، يصنف كل واحدة منها في خانات تتباين بين الحرة وغير الحرة وبينهما، ويطارد القادة السياسيين الذين تسببوا في التراجعات والانتكاسات، ويتابع الذين اقتلعوا من مناصبهم وفروا بسبب التغيير السياسي الذي حدث في بلدانهم. وأمسك صناع هذا التقرير بالقلم الأحمر ينقطون الحالات والتجارب حسب تقديراتهم المتناسقة تماما مع الحسابات السياسية والاقتصادية.
تقرير (بيت الحرية) مسح خريطة العالم، لكنه لم يتحدث عما وقع في غزة خلال نفس السنة المشمولة بالرصد. قد يبدو للوهلة الأولى أن الراصدين لم يكن لهم علم بما حدث. لم يعلموا أن حياة دمرت بأكملها، وأن خمسين ألف مواطن قتلوا، أكثر من ثلثيهم من الأطفال والنساء، وأن الملايين تم تهجيرهم قسرا، وأن أكثر من تسعين طنا من أكثر القنابل خطورة ألقيت على غزة، ومسحت الأرض من جميع معالم الحياة، وأن مستشفيات ومدارس وسيارات إسعاف قصفت ودمرت بصفة نهائية.
فإذا كان رصد المنظمة الذي قامت بتنزيله في تقرير ادعت شموليته وموضوعيته تخصص في تقييم أوضاع حقوق الإنسان، والقصد هنا ربما حقوق التعبير والانتخاب والتجمع والمشاركة السياسية وتأسيس الأحزاب والنقابات والجمعيات، وهي حقوق مركزية تتطلب فعلا متابعة ورصدا، فإن ما حدث في غزة يتجاوز هذا السقف في انتهاكات الحقوق بشكل أكثر من خطير، لأنه طال الحق في الحياة الذي يتقدم على باقي جميع الحقوق.
بماذا يمكن تفسير إحجام منظمة (فريدم هاوس) عن الحديث بكلمة واحدة عما جرى في غزة ؟ طبعا قد يقع التستر وراء القول بأن التقرير الذي أنجزته المنظمة الأمريكية تخصص في رصد ومتابعة وتقييم أوضاع حقوق الإنسان والحالة السياسية في كل قطر، من حيث التداول على السلطة بواسطة الانتخابات واحترام حقوق التعبير والرأي والاختيار، و إن ما حدث في غزة يتجاوز هذا الإطار ويتعلق تحديدا بمواجهات بين أطراف بخلفيات سياسية. لكن الحقيقة التي تسكن أعماق الأحرار والنزهاء في العالم تؤكد، أن ما حدث في غزة يصنف ضمن جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي ضد سكان مدنيين، وأنه يتعارض بصفة مطلقة مع جميع المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وبالحقوق السياسية، وأنه يناقض في الجوهر المفهوم الكوني لحقوق الإنسان. وأنه لم يقتصر على الحرمان من حقوق الانتخاب والتعبير والمشاركة السياسية، ولا على التداول السلمي على السلطة، ولا على قيام بناء مؤسسات تمثيلية حقيقية، بل تجاوز ذلك بكثير وتعداه إلى القضاء على مقومات الحياة الإنسانية. وبالتالي فالقول بغير هذا هو إنكار للواقع وتهرب منه لأسباب معلومة.
التفسير المنطقي لتجاهل (بيت الحرية) لجرائم الإبادة والتطهير العرقي وللجرائم ضد الإنسانية التي اقترفت في غزة لمساحة زمنية امتدت لأكثر من خمسة عشر شهرا يكمن، في زاوية النظر السياسية، إذ لا يمكن لمنظمة أمريكية تمول من الخزينة الأمريكية ومن مصادر تمويل مرتبطة بالمصالح الاقتصادية أن تزيغ عن خط السياسة الأمريكية الخارجية، وأن كل ما نسمعه ونتابعه عن منظمات حقوقية أمريكية ليس في حقيقته غير آليات سياسية بلباسات حقوقية وجدت ومولت، ولا تزال تمول، لممارسة الضغوط اللازمة من أجل فرض تحقيق المصالح التي تقتضيها السياسة الخارجية الأمريكية، وأنها في ضوء ذلك، مجرد مخالب حادة لتلك السياسة، وأقنعة متعددة لإخفاء الوجه الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية.
لذلك لم يكن ممكنا أن تتمرد هذه المنظمة وأمثالها في الولايات المتحدة الأمريكية وفي كثير من الدول الغربية على مواقف البيت الأبيض إزاء ما حدث في غزة، لأنها لا تمتلك شروط الاستقلالية والحيادية المطلوبين في الرصد الحقوقي والسياسي، وطبعا حينما يفتقد الرصد للمقومات ولمعايير المهنية يتحول إلى مجرد رجع صدى لما تأمر به مراكز القرار السياسي والاقتصادي.