العلم الإلكترونية - محمد بشكار
كُلَّما عدتُ من رحلة الصَّيف وجدتُ الخريف ينتظرني ذابلا في مكتبي بالجريدة، ليس وحده طبعاً ولكن مع رزمة الأوراق المُؤجَّلة عبر الفصول، من أين أبدأ رحلة الشتاء من الأول أو أواصل من الأخير ولكن بطعام غير مُستهلك أو بائتٍ، لا يكفي التَّوقيت الزمني (شتنبر) ولا الحيِّز المكاني حيث تجري عملية الكتابة الآن في هذا الركن، دليلا مُقْنِعاً أو مُقَنَّعاً على الدخول الثقافي، لا يكفي أنْ نخرج من البحر وننْفض الأيادي من بقايا الرمل، إيذاناً بانطلاق موسم آخر في عمر الفصول، شتَّان بين الواقع وما تُفبْرِكه الأوهام الافتراضية على أرض المواقع، كما أنَّ الكتابة لا تخضع لمنطق الفُصول، قد تكون شتاءً أشدَّ وقْدةً من الهجير، وقد تنخفض درجةُ حرارة الكتابة ولو كان الطقس يقْتعد عوض كراسي الغيوم المجامير !
الأفضل أن أدبِّج نصائح كالتي لا تَصْدُر إلا عن مُغفَّل، ولكن رغم خُلوِّها من الفائدة والحكمة، قد تبعث في بعض الأنفس الأمل وتُبدِّد النِّقمة، أنصح العائدين من العُطَل السنوية أن يستمروا في تعطيل التفكير بعد الدخول للبيت، أن يتركوا الفوضى تتكفَّل بالفوضى كما تركوها قبل الانعتاق من النظام، ذلك أدْعى للسلامة العقلية التي قد تختلُّ حين يشْتدُّ بكثرة الالتزامات الازدحام، حذار فالدماغ ما زال في رفاهيته الوثيرة خاملا، ما زال هناك حيث كنتَ تقضي العطلة في الأقاصي مُتكلِّسا كالقواقع بملح البحر، وأبسط ضغْط قد يجعل هذا الدماغ ينكسر وتضيِّع بالصَّدْمة مع اللبن، مُتْعة شهر من الاستجمام !
لا تتفقَّدِ الأركان والجنبات وتحديداً السلال الفارغة من المؤونة في المطبخ، أقْرب دُكّان مَفتوح يَسد خصاصاً في البَطْن بوجبة غير كاملة، لا تتفقَّدْ بأعصاب مُتوترة بقية الأوراق النقدية هل تُغطي الأيام المتبقية في الشهر، أخشى عليكَ وأنت تَعُد هذه الأوراق التي لا تتجاوز أرقامها أكثر من صفر، أنْ تفقس إحدى الخلايا السَّرطانية قبل أن يكتمل النمو الطبيعي لبيضة الأجْرَة، ابتعِدْ عن الأماكن المدسوسة بالفواتير من قبيل تلك التي تحصي مع الأنفاس استهلاك الماء والكهرباء والقروض البنكية، فهي قدْ تُجدِّد عِوض الدماء المواجع وتُفْضي بأجمل اللحظات التي قضيْتَها إلى الهلاك، خُذْ نَفَساً طويلا كما لو تتجرَّع المرارة مع دخان سيجارة، ثم هُوبْ.. اقفز كالكنْغر على هذه الفخاخ التي تكون في الغالب مدْسُوسة تحت الباب، وحين تُصبح في الضِّفة الآمنة بأرجاء البيت المزروع بالألغام، افتح نافذةً تُلْقي بالبصر بعيدا إلى الخارج، قُل أنا لستُ هنا في الحاضر بقوَّة الذِّكْريات التي ما زلتُ أسير جاذبيَّتها، لستُ هنا في الموعد الذي أنهت بتاريخه ورقة الإدارة عطلتي السَّنوية، لستُ هنا حيث كمَّشْتُ بعصبية قبل السفر الأوراق المُكدَّسة بالمُقرّرات والأدوات المدرسية، وها هي الآن لائحة المُشتريات قد أطلقت الأسارير بعد انكماش، كأنها تسخر من العائدين من العُطل، كأنَّ هذه المُقررات تُطالب بحقها في تقرير المصير على حساب جيب الفقير، ماذا بقي من العُطْلة، ماذا بقي من البحر الذي خزَّنْتَ شمسه ومُلوحَته تحت الجِلْد، لقد تبخَّر كل شيء وأنتَ تمسح تفاصيل البيت بنظرة.. ألمْ أقلْ لك ابتعد عن النَّكَد ولم تَعْبأ بنصائح المُغفّل يا حسْرة!
أعْلمُ أن اليد تطول أحيانا بدافع الفضول، ولكن وأنْتَ تُلْقي حِمْل الحقائب الثّقيل وتُنِيخ كالجَمَل، إيّاك أن تمُدَّ هذه اليد وتُشغِّل إحدى قنوات التلفزيون الإخبارية، الأفضل تحاشي هذه العادة السَّيِّئة، فهي قد تُعيد للقلب كدَرَه وأنْتَ الذي أنْفَق لغسله ما أنْفَق بين الأمواج أو في الفجاج، ثمناً كفيلا بترميم أحقر فُنْدق، إيّاك والأخبار التي في مُوجزٍ تُقصِّر العُمر، ستجد السِّياسي يمْضَغ نفْس الكلام الذي فقد من فرْط التكرار على مدارِ العام حلاوته كالعَلَك، تجد السياسي يُطِل من الشاشة بلسان أطول من ربطة العُنق، يا ألله أيْن مشهد هذه الربطة البشِع من جمال ربْطات النَّعناع المُجعَّدة، تلك التي تُحرِّض برائحتها كل نحل المدينة للنزول إلى الشَّارع، لو كان في ربْطة عنق السياسي خيرا لأهل البلد، لرأيتَ البدويّة القادمة من تخوم الجبال، تبيعها إلى جانب أعراش النعناع على قارعة الطريق، ألم أقُلْ لا تُشغِّل التلفزيون، ها هو ذو الرَّبطة يلوث الآذان بالحديث عن الدخول السياسي، ها هو يُلوِّح بالأصبع حيث تضْطجِع مُتهالِكاً الآن.. ليْتَه يعْلم أنَّ الآفاق التنموية التي يزيِّن بالأكاذيب لُغتَها الخشبية، هي نفس المكان حيث تتكَّىء على جدار !
كُلَّما عدتُ من رحلة الصَّيف وجدتُ الخريف ينتظرني ذابلا في مكتبي بالجريدة، ليس وحده طبعاً ولكن مع رزمة الأوراق المُؤجَّلة عبر الفصول، من أين أبدأ رحلة الشتاء من الأول أو أواصل من الأخير ولكن بطعام غير مُستهلك أو بائتٍ، لا يكفي التَّوقيت الزمني (شتنبر) ولا الحيِّز المكاني حيث تجري عملية الكتابة الآن في هذا الركن، دليلا مُقْنِعاً أو مُقَنَّعاً على الدخول الثقافي، لا يكفي أنْ نخرج من البحر وننْفض الأيادي من بقايا الرمل، إيذاناً بانطلاق موسم آخر في عمر الفصول، شتَّان بين الواقع وما تُفبْرِكه الأوهام الافتراضية على أرض المواقع، كما أنَّ الكتابة لا تخضع لمنطق الفُصول، قد تكون شتاءً أشدَّ وقْدةً من الهجير، وقد تنخفض درجةُ حرارة الكتابة ولو كان الطقس يقْتعد عوض كراسي الغيوم المجامير !
الأفضل أن أدبِّج نصائح كالتي لا تَصْدُر إلا عن مُغفَّل، ولكن رغم خُلوِّها من الفائدة والحكمة، قد تبعث في بعض الأنفس الأمل وتُبدِّد النِّقمة، أنصح العائدين من العُطَل السنوية أن يستمروا في تعطيل التفكير بعد الدخول للبيت، أن يتركوا الفوضى تتكفَّل بالفوضى كما تركوها قبل الانعتاق من النظام، ذلك أدْعى للسلامة العقلية التي قد تختلُّ حين يشْتدُّ بكثرة الالتزامات الازدحام، حذار فالدماغ ما زال في رفاهيته الوثيرة خاملا، ما زال هناك حيث كنتَ تقضي العطلة في الأقاصي مُتكلِّسا كالقواقع بملح البحر، وأبسط ضغْط قد يجعل هذا الدماغ ينكسر وتضيِّع بالصَّدْمة مع اللبن، مُتْعة شهر من الاستجمام !
لا تتفقَّدِ الأركان والجنبات وتحديداً السلال الفارغة من المؤونة في المطبخ، أقْرب دُكّان مَفتوح يَسد خصاصاً في البَطْن بوجبة غير كاملة، لا تتفقَّدْ بأعصاب مُتوترة بقية الأوراق النقدية هل تُغطي الأيام المتبقية في الشهر، أخشى عليكَ وأنت تَعُد هذه الأوراق التي لا تتجاوز أرقامها أكثر من صفر، أنْ تفقس إحدى الخلايا السَّرطانية قبل أن يكتمل النمو الطبيعي لبيضة الأجْرَة، ابتعِدْ عن الأماكن المدسوسة بالفواتير من قبيل تلك التي تحصي مع الأنفاس استهلاك الماء والكهرباء والقروض البنكية، فهي قدْ تُجدِّد عِوض الدماء المواجع وتُفْضي بأجمل اللحظات التي قضيْتَها إلى الهلاك، خُذْ نَفَساً طويلا كما لو تتجرَّع المرارة مع دخان سيجارة، ثم هُوبْ.. اقفز كالكنْغر على هذه الفخاخ التي تكون في الغالب مدْسُوسة تحت الباب، وحين تُصبح في الضِّفة الآمنة بأرجاء البيت المزروع بالألغام، افتح نافذةً تُلْقي بالبصر بعيدا إلى الخارج، قُل أنا لستُ هنا في الحاضر بقوَّة الذِّكْريات التي ما زلتُ أسير جاذبيَّتها، لستُ هنا في الموعد الذي أنهت بتاريخه ورقة الإدارة عطلتي السَّنوية، لستُ هنا حيث كمَّشْتُ بعصبية قبل السفر الأوراق المُكدَّسة بالمُقرّرات والأدوات المدرسية، وها هي الآن لائحة المُشتريات قد أطلقت الأسارير بعد انكماش، كأنها تسخر من العائدين من العُطل، كأنَّ هذه المُقررات تُطالب بحقها في تقرير المصير على حساب جيب الفقير، ماذا بقي من العُطْلة، ماذا بقي من البحر الذي خزَّنْتَ شمسه ومُلوحَته تحت الجِلْد، لقد تبخَّر كل شيء وأنتَ تمسح تفاصيل البيت بنظرة.. ألمْ أقلْ لك ابتعد عن النَّكَد ولم تَعْبأ بنصائح المُغفّل يا حسْرة!
أعْلمُ أن اليد تطول أحيانا بدافع الفضول، ولكن وأنْتَ تُلْقي حِمْل الحقائب الثّقيل وتُنِيخ كالجَمَل، إيّاك أن تمُدَّ هذه اليد وتُشغِّل إحدى قنوات التلفزيون الإخبارية، الأفضل تحاشي هذه العادة السَّيِّئة، فهي قد تُعيد للقلب كدَرَه وأنْتَ الذي أنْفَق لغسله ما أنْفَق بين الأمواج أو في الفجاج، ثمناً كفيلا بترميم أحقر فُنْدق، إيّاك والأخبار التي في مُوجزٍ تُقصِّر العُمر، ستجد السِّياسي يمْضَغ نفْس الكلام الذي فقد من فرْط التكرار على مدارِ العام حلاوته كالعَلَك، تجد السياسي يُطِل من الشاشة بلسان أطول من ربطة العُنق، يا ألله أيْن مشهد هذه الربطة البشِع من جمال ربْطات النَّعناع المُجعَّدة، تلك التي تُحرِّض برائحتها كل نحل المدينة للنزول إلى الشَّارع، لو كان في ربْطة عنق السياسي خيرا لأهل البلد، لرأيتَ البدويّة القادمة من تخوم الجبال، تبيعها إلى جانب أعراش النعناع على قارعة الطريق، ألم أقُلْ لا تُشغِّل التلفزيون، ها هو ذو الرَّبطة يلوث الآذان بالحديث عن الدخول السياسي، ها هو يُلوِّح بالأصبع حيث تضْطجِع مُتهالِكاً الآن.. ليْتَه يعْلم أنَّ الآفاق التنموية التي يزيِّن بالأكاذيب لُغتَها الخشبية، هي نفس المكان حيث تتكَّىء على جدار !