Quantcast
2022 ماي 19 - تم تعديله في [التاريخ]

ليْس بَعيداً أن يُعْلِنوا الرّصاصة شهيداً !

افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 19 ماي 2022


العلم الإلكترونية - محمد بشكار

رصاصةُ الغدْر الصُّهيوني التي اسْتقرّت في رأس الزميلة شيرين أبو عاقلة، وتوّجتْهُ بِغَار الشهادة، لم تكنْ طائشة بل مُتَعمَّدة سدَّدها قناصٌ جبانٌ يحترف القتل دون مواجهة من بعيد، وهي نفسها رصاصة الغدْر التي تتجوّل بين ظُهْرانَيْنا بموافقة المُنتظم الدولي المتواطئ، هي نفسها الرّصاصة التي علّمتنا كيف نُصافح الموت يومياً بسلام، نُخصِّص لطوافها معنا في الحجِّ أو الفجِّ أو المقهى أو القمم العربية الهاوية، كرسياً مُعتبرا أشبه بهودج العروس، هي نفسها رصاصة الغدْر التي بادلت يوسف الحُبَّ بالجُبِّ، وتُبادلُنا اليوم السِّلْم بالحرب، وتجد بيْننا مَنْ يفتح ذراعيه بغباء ملء العناق ليتيح للرصاصة كل الفرص الممكنة والمستحيلة لتستقر في الجبين أو القلب، هي نفسها الرصاصة التي تَنْزِل معنا متضامنة في مسيرات مليونية، وتصيح بصوتها الجميل الذي ترتعش لزغردته المشاعر ويُؤلِّب الحنين: وين الملايين وين.. !

هي نفسها الرّصاصة التي نتبادل معها الجو والبحر والبر في رحلات سياحية، تأتي بالطَّلْقة ونأتي إلى المطار لنستقبلها بأعلى هيئة حكومية بالطَّبل والمزمار، هي نفسها الحَشَرة التي لَسَعتْ قبل شيرين الصحفي ياسر مرتجى والمُسْعِفة رزان النجار والطفل محمد الدرة، واللائحة بمن عليهم الدَّوْر لنيل فخر الشهادة ما زالت ستطول، هي نفسها الرصاصة التي وضع الحُكَّام العرب اليد في زِنَادها مُوقِّعين أكثر من معاهدة كَذِبْ، تأكل من خُبْزنا وتنشِّفُ فُرْشَتَنا المائية وتُضْمِر لأقْربِنا العَطَبْ !

هي نفسها الرصاصة التي ندفع ثمنها من جيوبنا ونحن نشتري سِلعاً إسرائيلية كانت تُروِّجها شركات وهمية، وهاهي الرصاصة تَكْبُر لا أعرف أمِدْفعية أو قنْبلة ذرية، بعد أنْ اكتسبتْ هذه الشّركات شَرْعِيتها بِقُدْرة مُعاهداتِ التَّطْبيع مع الدُّول العربية، وأصبحت علنِيّة تسْتثمر في كل خيراتنا، وكُلّما جَنَتِ الأرباح بِملْيارات الدولارات، تَرْتفع وتِيرتها الوحْشِيّة في إزْهاق الأرواح !

الرّصاصة الكاتمة التي اغتالتْ في شيرين الكلمة، هي نفسها فاكهة الأفوكادو التي تُنْتِجها شركات إسرائيلية على أكثر من أرض عربية، لم يعُد الكيان الصهيوني يكتفي بأراضي فلسطين، بل أصبح يوسِّع من رقعة الاستيطان، ويبحث خارجها عن تربة أخرى وطقساً جديدا يناسب مزاج البذور، ألسْنا ندفع ثمن الرصاصة من جيوبنا حين نمنح أرضنا مشتلا لفاكهة إسرائيلية، ما أحلى الأفوكادو، يصلح لاستخراج مواد التَّجميل ويقوي الباه، ولكن تصبح هذه الفاكهة مُرّة حين نُدعِّم بثمنها عمليّات التَّقتيل !

هي نفسها الرصاصة العارية قد تغدو بثوب في عرض للأزياء، الرصاصة الخرساء قد تُصبح بصوت في مهرجان الغناء، الرصاصة الرّكيكة قد تَصير بلمْسة كاتبٍ باع الضمير جُملة مبيدة، ألا إنّ السّاقطين بيننا بهذه الرّصاصة وهُم أحْياء، أكثر من الذين يتساقطون فُرادى بشرف في الميدان، ألا إنّ الشُّهداء هُمُ الأحْياء !

بينما شيرين ترْقُد في رمْسِها الأخير، وتَنْعم بحياةٍ أفضل بعد أن مَهَرَت رسالتها النّبيلة بتوقيع الشّهادة، تُصبح الرصاصة هي المطلوبة حيّة أو ميتة من طرف السلطات الاسرائيلية، تُريد أن تُجْري على جُثْمانها المُهْترِىء، تحاليل مَخْبرية لِتقيِّد الجريمة ضدّ مجهول، أو ربما تُريد أنْ تَنْحت للرّصاصة تمثال الجندي الشُّجاع في قلب تل أبيب، فما أيْسَر في واقع يسودُهُ الزَّيف والتَّهْريج ويَرْقص على أكثر من حبل، أنْ تدَّعي البُطولة وأنت مُجرَّد بَهْلوان، ولَيْس بعيداً أن يَجْترح الكيان الصهيوني للرّصاصة، عيداً يُسَمِّيه عيد الخلاص من كل ما يُهدِّد مشروعه الإرهابي، ليس بعيدا أن يُنْشِىء معبداً على هيئة الرصاصة يتّخِذ شريعة الغاب ديانة ويؤمه الذئاب، ليس بعيدا أن يعلنوا الرّصاصة نفسها شهيداً !

لا أعرف ماذا حدث حتّى ارتَخت عزائم الرجال، لا أحد يصِل لسانه بقلْبه ويتكلّم بأضْعفِ الإيمان، أين تلك الأفكار التَّحرُّرية الحيّة، كانت تجعل الصهاينة يعيدون الحسابات من الأوّل للآخر، أين تلك الأشعار، كانت تجعل العدو يتفقَّد كل حقائبه يريد الإنصراف في كلام عابر، لا أعرف ماذا حدث، فقدْنا كل شيء، فقدْنا الأرض وفرَّطْنا في العِرْض وانقلب تيههم اللَّعين في الصحراء، إلى جلاء لأبنائنا اللاجئين في كل عواصم العالم، لا أعرف ماذا حدث، فقدنا الماضي والحاضر، وأفْظع ما نفقده اليوم بين جيل وآخر هو الذاكرة !

ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 19 ماي 2022


              

















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار