العلم الإلكترونية - محمد بشكار
الامتحان الأخطر والعسير، هو ذاك المِحَك أو المِدك الذي يُعَزُّ فيه المُجتمع كَكُل أو يُهَان، وليس الذي تجري أطواره المؤقَّتة داخل الأقسام في نهاية الموسم الدراسي، ولا أعرف هل أشكر الميكروفون الذي استقبل التلاميذ المُمْتَحنين كالنُّجوم على أبواب المدارس، أم أذُمُّه متمنياً لو تركني في غفْلتي لا أذْن سَمِعت ولا قلب يُمزِّقه الوجَع، وددْتُ لو لمْ أسمع المستقبل يتحدَّث بالصوت والصورة كأنَّه ينطق من بعض الأفواه خلفاً، ولكن اللَّوم على بعض الصحف الإلكترونية التي تعْتاشُ من صناعة الفضيحة، هل يُعْقَل أنَّ هؤلاء المُمْتَحنين هم أكْتاف البلد وأعْمِدتها غدا، ألا يُوجد نموذجٌ أفْضَل يُشرِّفُنا يُمْكن أنْ يسْتقي الميكروفون من أقواله بعض الأمل، مُراهقةٌ تقول وقد أرْهَق قلبها الصغير جمال الأستاذ الذي حرس القسم، إذا رسبتُ فالسَّبب أنَّ الأستاذ وسيمٌ أكثر من اللازم، وتلميذٌ خرج من المدرسة مشْدوهاً كما لو خرج من كهف، قال إنَّ الآية المطْلوبة في الامتحان لا توجد في القرآن، أما أفظع الصُّور التي تَداوَلتْها مواقع التواصل الاجتماعي بكل ما أوتي من جراد، فتلك التي تُظهر ورقةً نَقْدية طَيَّ ورقة الاختبار رشوةً تُهينُ الأستاذ !
أبلغ ما يمكن أنْ نَسْتوحيه من هذه الظواهر غير البشرية، أنَّ الأسرة غائبةٌ كُلِّيا عن منظومة التربية، ودونها لا يُمْكن أنْ يتحقَّق أيُّ تعليم ولو شيَّدنا عوض السجن مدرسة كل يوم، لا يُمْكن للأفواه أن تنْطِق بما يُشْبه تدفُّق الواد الحار، إلا إذا كانت موصولة كالأنبوب بوَسطٍ موْبوء، لقد فقد الأبناء بسبب التفكُّك الأسري النَّبْع الذي بنقائه تَصِحُّ العقول في الأجسام، ولستُ أعْني بالتَّفكُّك كثرة الطَّلاق أو ما شابه من جروح اجتماعية، إنَّما أعني أنَّ الأبناء يعيشون كالأيتام في غياب كامل للآباء والأمهات، كلٌّ مُنصرِف إلى أُجْرته يُطاردها طيلة الشَّهر إلى آخر العُمْر، وموعدنا في المساء على مائدة العشاء !
صحيح أنَّ النَّزعة المادية أعْمت عيون الكثير من الأزواج، ولكن الدولة بِتكْريسها للغلاء الفاحش في الأسْعار، وتحلُّلها من مسؤولية توفير العيش الكريم، جَعَل عِبْء الإعالة يتوزَّع على أكثر من عاتقٍ، وإلا اخْتلَّ التَّوازُن الاقتصادي، نعلم أن المنظومة التعليمية في البلد، تعرف ترسانة من الإخفاقات بسبب برامجها الفاشلة، لكنَّ المدرسة سواء كانت حكومية أو خصوصية، مَهْما بلغت في نموذجيتها وطُرُزها التعليمية درجة النُّبوغ، لا يمكن أن تسُدَّ فراغ الأسرة في المُتابعة والتَّحْصيل وتلقين آداب السلوك، لا يُمكن للشَّارع حين يصبح هو المَضْجع والمرْجِع عوض البيت، إلا أن يبْتكر لُغة اليأس التي تَحُدُّ من أفُق التلميذ وتُطْفئ الشَّمس !
أعْلم أنَّ تغيير زاوية النظر لا يُغيِّر ما في الزَّوايا الأخرى من خطر، ولكن لولا نِعْمة الفصول الأربعة، لَاخْتنقت الرُّوح وأصبحت الحياة لا تُطَاق بشِعة، أعْلم أيضاً أنَّ البوْن شاسعٌ بين المناخ الطبيعي والمُناخ العام، فالأول قد يَرْحمُنا في شدة القيظ بالمطر، أمَّا الثاني فلا يزداد إلا اختناقاً دون أن ينْفرج بهبَّةِ ريح، ولا غرابة فالمُناخ العام من صنيع البشر!
نَحْتاج أحياناً أن نعود لطبيعتنا للتَّخلص من الالتزامات المادية للمجتمع، أن نتفقَّد أنفسنا في الأسرة فرْداً..فرداً، أنْ لا نُخْلف الموعد مع الفصل الذي بِتعاقُبه تنْغلق دائرةٌ في العمر، أنْ نُصفِّق لأول زهرة تتفتَّق في الربيع، ونصيح برافو للبذرة التي استطاعت رغم هشاشتها أن تُمزِّق التراب، أنْ تُعْلن عنْ نفسها دون أن تَعْلَم على أيِّ هيئة ستبدو في نظر العالم، ألمْ أقُل يجب تغيير زاوية النَّظر، ليس هرباً من الواقع، ولكن ما الضَّيْر في أنْ نُحاول العيش على الأرض في كوكب آخر !
أعْلَم أنَّنا أسْرى لِما يُثْقل لاشعورنا في الحُلم واليقظة من أعْباءٍ حياتية، وأنَّ العودة لطبيعتنا تحْتاج أن نتبادل الأدْوار مع حيِّ بن يقظان، أن نقْبَل بالغابة وطناً والعنزة مُرضعةً ومُربِّيةً، لكن للأسف مع طغيان النَّزْعة المادية التي حجَّرت الأفئدة، لا يحتاج الإنسان اليوم أن يَرْتدَّ إلى أزل الوجود، فقد تجاوز الغُراب في الحيلة المنْسُوبة كذِباً للحضارة، وتَعَلَّم كيف يدفن أخاه في الحياة !
ومع ذلك.. لا يُمْكنني إلا أنْ أغيِّر الآن زاوية النظر، لأنَّ ما تَنْقُله بعض الصُّحف الإلكترونية من عاهات، لا يُمْكن أنْ نَقِيسه على كلِّ الأسر في المجتمع، ولأنِّي أعْلم أنَّ العقْل المغربي عَصِيٌّ على الأفول، وأنَّ ثمّة بعض الأسماء لا تصلح للمُناداة فقط بل للغناء بأعلى الطَّبقات، ولا يُمْكن مُجاراتها في النُّبوغ بأطْولِ وتر !
الامتحان الأخطر والعسير، هو ذاك المِحَك أو المِدك الذي يُعَزُّ فيه المُجتمع كَكُل أو يُهَان، وليس الذي تجري أطواره المؤقَّتة داخل الأقسام في نهاية الموسم الدراسي، ولا أعرف هل أشكر الميكروفون الذي استقبل التلاميذ المُمْتَحنين كالنُّجوم على أبواب المدارس، أم أذُمُّه متمنياً لو تركني في غفْلتي لا أذْن سَمِعت ولا قلب يُمزِّقه الوجَع، وددْتُ لو لمْ أسمع المستقبل يتحدَّث بالصوت والصورة كأنَّه ينطق من بعض الأفواه خلفاً، ولكن اللَّوم على بعض الصحف الإلكترونية التي تعْتاشُ من صناعة الفضيحة، هل يُعْقَل أنَّ هؤلاء المُمْتَحنين هم أكْتاف البلد وأعْمِدتها غدا، ألا يُوجد نموذجٌ أفْضَل يُشرِّفُنا يُمْكن أنْ يسْتقي الميكروفون من أقواله بعض الأمل، مُراهقةٌ تقول وقد أرْهَق قلبها الصغير جمال الأستاذ الذي حرس القسم، إذا رسبتُ فالسَّبب أنَّ الأستاذ وسيمٌ أكثر من اللازم، وتلميذٌ خرج من المدرسة مشْدوهاً كما لو خرج من كهف، قال إنَّ الآية المطْلوبة في الامتحان لا توجد في القرآن، أما أفظع الصُّور التي تَداوَلتْها مواقع التواصل الاجتماعي بكل ما أوتي من جراد، فتلك التي تُظهر ورقةً نَقْدية طَيَّ ورقة الاختبار رشوةً تُهينُ الأستاذ !
أبلغ ما يمكن أنْ نَسْتوحيه من هذه الظواهر غير البشرية، أنَّ الأسرة غائبةٌ كُلِّيا عن منظومة التربية، ودونها لا يُمْكن أنْ يتحقَّق أيُّ تعليم ولو شيَّدنا عوض السجن مدرسة كل يوم، لا يُمْكن للأفواه أن تنْطِق بما يُشْبه تدفُّق الواد الحار، إلا إذا كانت موصولة كالأنبوب بوَسطٍ موْبوء، لقد فقد الأبناء بسبب التفكُّك الأسري النَّبْع الذي بنقائه تَصِحُّ العقول في الأجسام، ولستُ أعْني بالتَّفكُّك كثرة الطَّلاق أو ما شابه من جروح اجتماعية، إنَّما أعني أنَّ الأبناء يعيشون كالأيتام في غياب كامل للآباء والأمهات، كلٌّ مُنصرِف إلى أُجْرته يُطاردها طيلة الشَّهر إلى آخر العُمْر، وموعدنا في المساء على مائدة العشاء !
صحيح أنَّ النَّزعة المادية أعْمت عيون الكثير من الأزواج، ولكن الدولة بِتكْريسها للغلاء الفاحش في الأسْعار، وتحلُّلها من مسؤولية توفير العيش الكريم، جَعَل عِبْء الإعالة يتوزَّع على أكثر من عاتقٍ، وإلا اخْتلَّ التَّوازُن الاقتصادي، نعلم أن المنظومة التعليمية في البلد، تعرف ترسانة من الإخفاقات بسبب برامجها الفاشلة، لكنَّ المدرسة سواء كانت حكومية أو خصوصية، مَهْما بلغت في نموذجيتها وطُرُزها التعليمية درجة النُّبوغ، لا يمكن أن تسُدَّ فراغ الأسرة في المُتابعة والتَّحْصيل وتلقين آداب السلوك، لا يُمكن للشَّارع حين يصبح هو المَضْجع والمرْجِع عوض البيت، إلا أن يبْتكر لُغة اليأس التي تَحُدُّ من أفُق التلميذ وتُطْفئ الشَّمس !
أعْلم أنَّ تغيير زاوية النظر لا يُغيِّر ما في الزَّوايا الأخرى من خطر، ولكن لولا نِعْمة الفصول الأربعة، لَاخْتنقت الرُّوح وأصبحت الحياة لا تُطَاق بشِعة، أعْلم أيضاً أنَّ البوْن شاسعٌ بين المناخ الطبيعي والمُناخ العام، فالأول قد يَرْحمُنا في شدة القيظ بالمطر، أمَّا الثاني فلا يزداد إلا اختناقاً دون أن ينْفرج بهبَّةِ ريح، ولا غرابة فالمُناخ العام من صنيع البشر!
نَحْتاج أحياناً أن نعود لطبيعتنا للتَّخلص من الالتزامات المادية للمجتمع، أن نتفقَّد أنفسنا في الأسرة فرْداً..فرداً، أنْ لا نُخْلف الموعد مع الفصل الذي بِتعاقُبه تنْغلق دائرةٌ في العمر، أنْ نُصفِّق لأول زهرة تتفتَّق في الربيع، ونصيح برافو للبذرة التي استطاعت رغم هشاشتها أن تُمزِّق التراب، أنْ تُعْلن عنْ نفسها دون أن تَعْلَم على أيِّ هيئة ستبدو في نظر العالم، ألمْ أقُل يجب تغيير زاوية النَّظر، ليس هرباً من الواقع، ولكن ما الضَّيْر في أنْ نُحاول العيش على الأرض في كوكب آخر !
أعْلَم أنَّنا أسْرى لِما يُثْقل لاشعورنا في الحُلم واليقظة من أعْباءٍ حياتية، وأنَّ العودة لطبيعتنا تحْتاج أن نتبادل الأدْوار مع حيِّ بن يقظان، أن نقْبَل بالغابة وطناً والعنزة مُرضعةً ومُربِّيةً، لكن للأسف مع طغيان النَّزْعة المادية التي حجَّرت الأفئدة، لا يحتاج الإنسان اليوم أن يَرْتدَّ إلى أزل الوجود، فقد تجاوز الغُراب في الحيلة المنْسُوبة كذِباً للحضارة، وتَعَلَّم كيف يدفن أخاه في الحياة !
ومع ذلك.. لا يُمْكنني إلا أنْ أغيِّر الآن زاوية النظر، لأنَّ ما تَنْقُله بعض الصُّحف الإلكترونية من عاهات، لا يُمْكن أنْ نَقِيسه على كلِّ الأسر في المجتمع، ولأنِّي أعْلم أنَّ العقْل المغربي عَصِيٌّ على الأفول، وأنَّ ثمّة بعض الأسماء لا تصلح للمُناداة فقط بل للغناء بأعلى الطَّبقات، ولا يُمْكن مُجاراتها في النُّبوغ بأطْولِ وتر !