العلم الإلكترونية - بقلم عبد الناصر الكواي
غيرُ خافٍ على أحد، أنّ الغربَ أبدع في تسميات الصحافة، وذلك انطلاقا من مكانتها العليّة في المجتمعات الديمقراطية. فهي مهنة المتاعب والسلطة الرابعة، وهي صاحبة الجلالة.. بيدَ أن واقع الحال الذي يصفه أكثرُ من مقال، يجعلها في المغرب صاحبة العلالة.
ذلك أن كل معاني العلالة في قواميس اللغة تنسحب عليها، فالعلالة: "ما يُتلهَّى به"، ومهنتنا صارت أكبر لُهية، والعلالة: "بقية كل شيء"، وما أرى أنه بقي من مهنتنا شيء إلا ما رحم ربك، والعلالة أيضا: "الحَلْبةُ وسْطَ النَّهار بين حَلْبَتي الصباحِ والمَسَاء"، والصحافة وأصحابها منذ زمان بين فكي كماش ليلهم لا نهار له، ثم إن العلاَلَة يا سادة هي: "الجَرْيُ بعد الجري"، وما أكثر جرينا في مطبات صاحبة "العلالة"!
لستُ بطبعي سوداويَّ الرؤيةِ، فقد يقول قائل إن الصحافة باقية وهي على خير. سأجيبه بنعم ذلك ما نرجوه جميعا! لكن علاتها تنثال من السماء والأرض تترا؛ فالورقي يحتضر وآيات احتضاره شتى، منها أن مجموع مبيعاته في المغرب لا يتجاوز 25 ألف نسخة، على أحسن التقديرات، وأجور أغلب الصحافيين فيه أصابها الهزال منذ سنوات..
وهنا أستدل بما قاله نقيب الصحافيين، عبد الله البقالي، خلال يوم دراسي نظمه المنتدى المغربي للصحافيين الشباب بمقر البرلمان يوم 25 أكتوبر 2022، وهو يُعدّد صُنوفَ معاناة الصحافيين، من أن "قطاع الصحافة في المغرب هو الوحيد الذي تقل أجور أطره بنسبة 80 في المائة عن أجور باقي الأطر في مهن أخرى"، وأشار إلى "وجود صحافيين أحيلوا على التقاعد براتب 2000 درهم".
ولأنّ عجائبَ "صاحبة العلالة" لا تنقضي، فإنّ حصة الأسد من الإشهار الذي كان يُوجه إليها استولى عليه عمالقة التواصل الاجتماعي "GAFA"، وعمل الصحافيين أصبح عرضة لتطفل صُنّاع المحتوى، الذين يسمون عبثا مؤثرين، وبل إن الصحافة عموما كمهنة جاذبة اقتحمها الطفيليون ممن لا مستوى لهم دراسيا ومهنيا ولا حتى أخلاقيا.. فكل غبي امتلك هاتفا ذكيا صار صحافيا "غير" مواطن، وكل من توفر على "قشاوش" عاشوراء صار صحافيا، حتى إن المرء بات يخجل من المجاهرة بالانتماء إلى هذه المهنة المنتهكِ شرفُها!
وهنا يحضرُني ما قاله الكبير أمبيرتو إيكو: "تويتر وفايسبوك، وغيرهما، مواقع أصبحت تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى ممن كانوا يتكلمون في الحانات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا في أي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فورا. أما الآن فلهم الحق في الكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء".
ولكن أليس لنا جميعا قطنا من أسباب سطوةِ التافهين؟! ألا يجب أن نعترف بارتفاع منسوب الطلب على التفاهة في المجتمع؟!
إنّ الإشكال الحقيقي، ليس في إنتاج المحتوى التافه لأن تطويقه ممكن، لكنه يكمن في زيادة الطلب على التفاهة. وهذه القضية، بحسب محللين، لها علاقة بالتربية، والأسرة، والمدرسة، والشارع والمجتمع. وبالتالي، إذا أردنا مواجهة "نظام التفاهة" الذي أفرزته التحولات التكنولوجية، يجب أن نفعل ذلك وِفقَ مقاربة شمولية لا تخص وسائل الإعلام وحدها، ولكن تمتد إلى الأسرة والمدرسة والشارع..
ومنَ الحلول المقترحة، تحويل دعم الصحافة إلى استثمار، وإعادة تعريف الصحافي والمؤسسة الإعلامية ككل، لأنّ الرقمنة زادت الوضع تعقيدا، وبات الكل صحافيا، مع "التفكير في خلق تكتلات اقتصادية إعلامية، وتعزيز فرص الاشتغال في الميدان، لأنّ "قوة الصحافة هي الميدان"، كما يقول الإعلامي أحمد المكاوي، وما يتطلبه ذلك من الترافع لأجل هذه المهنة النبيلة، ومن الإرادة السياسية الحقّة..
عسانا نستبدل صفة "الجلالة" بـ"العلالة" !
غيرُ خافٍ على أحد، أنّ الغربَ أبدع في تسميات الصحافة، وذلك انطلاقا من مكانتها العليّة في المجتمعات الديمقراطية. فهي مهنة المتاعب والسلطة الرابعة، وهي صاحبة الجلالة.. بيدَ أن واقع الحال الذي يصفه أكثرُ من مقال، يجعلها في المغرب صاحبة العلالة.
ذلك أن كل معاني العلالة في قواميس اللغة تنسحب عليها، فالعلالة: "ما يُتلهَّى به"، ومهنتنا صارت أكبر لُهية، والعلالة: "بقية كل شيء"، وما أرى أنه بقي من مهنتنا شيء إلا ما رحم ربك، والعلالة أيضا: "الحَلْبةُ وسْطَ النَّهار بين حَلْبَتي الصباحِ والمَسَاء"، والصحافة وأصحابها منذ زمان بين فكي كماش ليلهم لا نهار له، ثم إن العلاَلَة يا سادة هي: "الجَرْيُ بعد الجري"، وما أكثر جرينا في مطبات صاحبة "العلالة"!
لستُ بطبعي سوداويَّ الرؤيةِ، فقد يقول قائل إن الصحافة باقية وهي على خير. سأجيبه بنعم ذلك ما نرجوه جميعا! لكن علاتها تنثال من السماء والأرض تترا؛ فالورقي يحتضر وآيات احتضاره شتى، منها أن مجموع مبيعاته في المغرب لا يتجاوز 25 ألف نسخة، على أحسن التقديرات، وأجور أغلب الصحافيين فيه أصابها الهزال منذ سنوات..
وهنا أستدل بما قاله نقيب الصحافيين، عبد الله البقالي، خلال يوم دراسي نظمه المنتدى المغربي للصحافيين الشباب بمقر البرلمان يوم 25 أكتوبر 2022، وهو يُعدّد صُنوفَ معاناة الصحافيين، من أن "قطاع الصحافة في المغرب هو الوحيد الذي تقل أجور أطره بنسبة 80 في المائة عن أجور باقي الأطر في مهن أخرى"، وأشار إلى "وجود صحافيين أحيلوا على التقاعد براتب 2000 درهم".
ولأنّ عجائبَ "صاحبة العلالة" لا تنقضي، فإنّ حصة الأسد من الإشهار الذي كان يُوجه إليها استولى عليه عمالقة التواصل الاجتماعي "GAFA"، وعمل الصحافيين أصبح عرضة لتطفل صُنّاع المحتوى، الذين يسمون عبثا مؤثرين، وبل إن الصحافة عموما كمهنة جاذبة اقتحمها الطفيليون ممن لا مستوى لهم دراسيا ومهنيا ولا حتى أخلاقيا.. فكل غبي امتلك هاتفا ذكيا صار صحافيا "غير" مواطن، وكل من توفر على "قشاوش" عاشوراء صار صحافيا، حتى إن المرء بات يخجل من المجاهرة بالانتماء إلى هذه المهنة المنتهكِ شرفُها!
وهنا يحضرُني ما قاله الكبير أمبيرتو إيكو: "تويتر وفايسبوك، وغيرهما، مواقع أصبحت تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى ممن كانوا يتكلمون في الحانات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا في أي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فورا. أما الآن فلهم الحق في الكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء".
ولكن أليس لنا جميعا قطنا من أسباب سطوةِ التافهين؟! ألا يجب أن نعترف بارتفاع منسوب الطلب على التفاهة في المجتمع؟!
إنّ الإشكال الحقيقي، ليس في إنتاج المحتوى التافه لأن تطويقه ممكن، لكنه يكمن في زيادة الطلب على التفاهة. وهذه القضية، بحسب محللين، لها علاقة بالتربية، والأسرة، والمدرسة، والشارع والمجتمع. وبالتالي، إذا أردنا مواجهة "نظام التفاهة" الذي أفرزته التحولات التكنولوجية، يجب أن نفعل ذلك وِفقَ مقاربة شمولية لا تخص وسائل الإعلام وحدها، ولكن تمتد إلى الأسرة والمدرسة والشارع..
ومنَ الحلول المقترحة، تحويل دعم الصحافة إلى استثمار، وإعادة تعريف الصحافي والمؤسسة الإعلامية ككل، لأنّ الرقمنة زادت الوضع تعقيدا، وبات الكل صحافيا، مع "التفكير في خلق تكتلات اقتصادية إعلامية، وتعزيز فرص الاشتغال في الميدان، لأنّ "قوة الصحافة هي الميدان"، كما يقول الإعلامي أحمد المكاوي، وما يتطلبه ذلك من الترافع لأجل هذه المهنة النبيلة، ومن الإرادة السياسية الحقّة..
عسانا نستبدل صفة "الجلالة" بـ"العلالة" !