ندوة حزب الاستقلال بفاس: قراءة سياسية واستشراف لمستقبل مدونة الأسرة

​العلم الإلكترونية - بقلم أسامة الجناتي الإدريسي
 

في ظل النقاش الوطني الدائر حول مراجعة مدونة الأسرة، نظم حزب الاستقلال – مفتشية فاس (الدائرة الجنوبية) ندوة فكرية تحت عنوان “مراجعة مدونة الأسرة: المسار، المرجعيات، المضامين”، يوم الجمعة 7 فبراير 2025، بمقر المفتشية، بحضور ثلة من الباحثين والمختصين والفاعلين السياسيين.

 

الندوة، التي عرفت تفاعلًا كبيرًا من الحضور، حملت في طياتها مقاربة عميقة لملف مدونة الأسرة من زوايا مختلفة، انطلاقًا من التأصيل التاريخي للدكتور علال العموري، مرورًا بتحليل مضامين مذكرة حزب الاستقلال للإصلاح الذي قدمه الدكتور فؤاد مسرة، وصولًا إلى استعراض أهمية الوساطة الأسرية كأداة لتعزيز استقرار الأسر المغربية، من قبل الدكتورة حكيمة الحطري.
 

في مداخلته، قدم الدكتور علال العموري قراءة كرونولوجية لمسار مدونة الأسرة، متوقفًا عند محطاتها الأساسية، من قانون الأحوال الشخصية لسنة 1957، إلى التعديلات الجزئية سنة 1993، وصولًا إلى الإصلاح العميق الذي تم سنة 2004 تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس.

 

لكن ما ميز طرح الدكتور العموري، هو قراءته السياسية المتبصرة لدور حزب الاستقلال في هذه المراحل، حيث اعتبر أن الحزب لم يكن مجرد متابع، بل كان فاعلًا رئيسيًا في بلورة الإصلاحات، عبر تقديم تصورات متوازنة تحترم الثوابت الدينية والوطنية، وتستجيب في الوقت ذاته للتحولات المجتمعية.

 

وأكد أن مراجعة مدونة الأسرة اليوم يجب أن تتسم بالحكمة والتبصر، بعيدًا عن التوظيف السياسي أو الإيديولوجي، مشددًا على أن حزب الاستقلال كان وسيظل صوتًا للحكمة والتوازن في هذا النقاش الوطني الهام.
 

من جانبه، قدم الدكتور فؤاد مسرة تحليلًا دقيقًا لمضامين المذكرة التي رفعها حزب الاستقلال ضمن مساهمته في ورش إصلاح مدونة الأسرة.

 

المذكرة، التي جاءت منسجمة مع مبادئ الحزب في الدفاع عن العدل والإنصاف والمصلحة الفضلى للأسرة، ركزت على عدد من النقاط الجوهرية، من بينها:

* إصلاح منظومة الزواج والطلاق، بما يضمن حقوق الطرفين ويحد من النزاعات الأسرية.

* تعزيز دور القضاء الأسري وتوسيع صلاحياته في حماية حقوق الأطفال.

* إدماج الوساطة الأسرية كآلية أساسية لحل النزاعات قبل اللجوء إلى القضاء.

 

وأكد الدكتور مسرة أن حزب الاستقلال يطرح تصورًا يرفض الصدام الإيديولوجي ويدعو إلى مقاربة إصلاحية براغماتية تحافظ على استقرار الأسرة المغربية، معتبراً أن أي تعديل للمدونة يجب أن يكون نتيجة حوار وطني هادئ ومسؤول، وليس مجرد استجابة لضغوط ظرفية.
 

أما الدكتورة حكيمة الحطري، فقد ركزت على أهمية الوساطة الأسرية كأحد البدائل الناجعة لحل النزاعات داخل الأسرة المغربية.

 

وأوضحت أن التجارب الدولية أثبتت أن الوساطة تقلل من نسب الطلاق وتوفر حلولًا أكثر عدالة لجميع الأطراف، خصوصًا الأطفال، داعيةً إلى تقنين هذه الآلية بشكل أكبر داخل مدونة الأسرة.

 

كما شددت على ضرورة إعادة النظر في بعض الجوانب الإجرائية المتعلقة بالنفقة والحضانة، بما يضمن تحقيق الإنصاف والعدالة الأسرية، مؤكدة أن الإصلاح الحقيقي يجب أن يكون قائمًا على تعزيز استقرار الأسرة، لا فقط على معالجة القضايا بعد وقوع الأزمات.
 

تميزت الندوة بنقاش عميق بين الحضور والمتدخلين، حيث طُرحت العديد من التساؤلات حول مستقبل مدونة الأسرة في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية الراهنة، ودور الأحزاب السياسية في الدفع بإصلاحات عادلة ومنصفة.

 

وبدا واضحًا أن حزب الاستقلال، من خلال هذه الندوة، يؤكد مجددًا أنه ليس مجرد متفرج في هذا النقاش، بل هو طرف فاعل، يقدم رؤى عقلانية ومسؤولة، تراعي توازنات المجتمع المغربي، وتحمي كيان الأسرة من التقلبات العشوائية.

 

فهل سيكون التعديل المرتقب لمدونة الأسرة قادرًا على تحقيق هذا التوازن المنشود؟ أم أن النقاش سيظل رهينًا بالصراعات الإيديولوجية التي تحول دون التوصل إلى توافق وطني؟

 

الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال، لكن المؤكد أن حزب الاستقلال قد رسم مساره بوضوح: إصلاح متزن، بحكمة سياسية، وبرؤية تضع استقرار الأسرة المغربية فوق كل اعتبار.