خبير العلاقات الدولية الدكتور فؤاد فرحاوي يفكك لقراء العلم خلفيات و أثار اعتراف البيت الأبيض بسيادة المغرب الكاملة على صحرائه :
العلم الإلكترونية - انجاز رشيد زمهوط
في تقديره لحيثيات و آثار قرار البيت الأبيض بالاعتراف بالسيادة المغربية على كامل تراب الصحراء المغربية يعتبر خبير العلاقات الدولية و الدكتور فؤاد فرحاوي أن إعلان دونالد ترامب ليس اعترافا فقط بالسيادة المغربية حول الصحراء، ولكنه تصحيح لوضع مختل في العلاقات المغربية الأمريكية، أي أن الأمر لا يتعلق فقط بإنشاء حق -هو ثابت للمغاربة في كل الأحوال.أستاذ العلوم السياسية بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس يؤكد أن تاريخ نشأة وتطور الولايات المتحدة الأمريكية يسعف الدبلوماسية المغربية للدفاع عن قضية الوحدة الترابية للملكة، وينبغي استثماره إلى جانب العناصر الأخرى بذكاء ، و يعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى في المغرب كساحة من الساحات التي ستراهن عليها لمنع إنشاء "الخط الأطلسي" لطريق الحرير والحزام البحري الصيني.
في تفسير ترابط قرار الاعتراف بمسعى تحفيز التقارب المغربي الاسرائيلي يجزم خبير العلاقات الدولية أن الأفق الأمريكي في الاعتراف بالسيادة المغربية على صحرائه أوسع من مسألة إعادة تنشيط العلاقات الدبلوماسية المغربية الإسرائيلية..
تابعوا التفاصيل في الحوار الخاص بالعلم :
كيف تقيمون الإعلان الرئاسي لدونالد ترامب القاضي بالاعتراف بالسيادة المغربية على صحرائه؟ و ما هي خلفياته في نظركم ؟
مما لا شك فيه أن الإعلان الأمريكي يشكل منعطفا تاريخيا في العلاقات بين الرباط وواشنطن، وهو تتويج لعقود من تفاعل الإدارات الأمريكية المختلفة مع قضية الصحراء المغربية منذ المسيرة الخضراء. والملاحظ أنه بالرغم من الغموض الذي كان يكتنف الموقف الأمريكي من القضية في بعض المحطات، إلا أن الإدارة الأمريكية لم تصرح رسميا بدعمها لأطروحة انفصال الأقاليم الجنوبية للمغرب، هذا بالرغم من وجود أعضاء في الكونغرس الأمريكي يناصرون مفهوم "تقرير المصير" لجبهة البوليساريو. صحيح أنه كانت هناك توترات أحيانا بين البلدين حول مقاربة تدبير ملف الصحراء المغربية، إلا أنه ظل هناك ثابت أساسي في الرؤية الأمريكية للنزاع قائم على اعتبار الجغرافية السياسية للمغرب لها أهمية خاصة في العقل الاستراتيجي الأمريكي، وهذا ما نستخلصه عند تقييمنا للسياسة الأمريكية في الحوض المتوسطي أو في إفريقيا أو المحيط الأطلسي...
ولكن ينبغي الإشارة أيضا أن إعلان دونالد ترامب ليس اعترافا فقط بالسيادة المغربية حول الصحراء، ولكنه تصحيح لوضع مختل في العلاقات المغربية الأمريكية، أي أن الأمر لا يتعلق بإنشاء حق -هو ثابت للمغاربة في كل الأحوال ومستعدين للدفاع عنه بأي ثمن- ولكنه إقرار بهذا الحق من قبل دولة لها مكانتها على الصعيد الدولي. والدبلوماسيون المغاربة كانوا دائما يذكّرون واشنطن بأن المغرب هو أول دولة اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية عام 1777، وهذا يفترض في المقابل أن تؤيد المغرب في ملف وحدته الترابية. وفضلا عن ذلك يسجل التاريخ الأمريكي الدور الذي قام به المغرب خلال الحرب الأهلية الأمريكية، ففي عام 1862 قامت السلطات المغربية باعتقال دبلوماسيين أمريكيين في طنجة هم "هنري مايرز" و"توماس تونستول" المؤيدين لما كان يسمى بـ"الولايات الكونفدرالية الأمريكية"، التي كانت تتكون من ستة ولايات جنوبية حاولت أن تنفصل عن الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ثم إرسالهم إلى بوسطن تحت إشراف القنصل الأمريكي آنذاك في طنجة جيمس ديلونغ. هاتين المحطتين المفصليتين في تاريخ أمريكا وموقف المغرب منها كانت كافية من وجهة نظر المغاربة لتأييد واشنطن للرباط في قضايا وحدته الترابية وسيادته على الصحراء، وهذا ما قام به دونالد ترامب وعبر عنه في تغريدة له على التويتر حينما ربط بين الاعتراف المغربي باستقلال الولايات المتحدة واعتراف إدارته بالسيادة المغربية على الصحراء.
ولكن ينبغي الإشارة أيضا أن إعلان دونالد ترامب ليس اعترافا فقط بالسيادة المغربية حول الصحراء، ولكنه تصحيح لوضع مختل في العلاقات المغربية الأمريكية، أي أن الأمر لا يتعلق بإنشاء حق -هو ثابت للمغاربة في كل الأحوال ومستعدين للدفاع عنه بأي ثمن- ولكنه إقرار بهذا الحق من قبل دولة لها مكانتها على الصعيد الدولي. والدبلوماسيون المغاربة كانوا دائما يذكّرون واشنطن بأن المغرب هو أول دولة اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية عام 1777، وهذا يفترض في المقابل أن تؤيد المغرب في ملف وحدته الترابية. وفضلا عن ذلك يسجل التاريخ الأمريكي الدور الذي قام به المغرب خلال الحرب الأهلية الأمريكية، ففي عام 1862 قامت السلطات المغربية باعتقال دبلوماسيين أمريكيين في طنجة هم "هنري مايرز" و"توماس تونستول" المؤيدين لما كان يسمى بـ"الولايات الكونفدرالية الأمريكية"، التي كانت تتكون من ستة ولايات جنوبية حاولت أن تنفصل عن الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ثم إرسالهم إلى بوسطن تحت إشراف القنصل الأمريكي آنذاك في طنجة جيمس ديلونغ. هاتين المحطتين المفصليتين في تاريخ أمريكا وموقف المغرب منها كانت كافية من وجهة نظر المغاربة لتأييد واشنطن للرباط في قضايا وحدته الترابية وسيادته على الصحراء، وهذا ما قام به دونالد ترامب وعبر عنه في تغريدة له على التويتر حينما ربط بين الاعتراف المغربي باستقلال الولايات المتحدة واعتراف إدارته بالسيادة المغربية على الصحراء.
هذا يعني أن الخطوة الأمريكية لها عمق تاريخي أيضا ؟
أكيد و تاريخ نشأة وتطور الولايات المتحدة الأمريكية يسعف الدبلوماسية المغربية للدفاع عن قضية الوحدة الترابية للملكة، وينبغي استثماره إلى جانب العناصر الأخرى بذكاء. ونذكر في هذا السياق، أنه عندما عقد الكونغرس الأمريكي جلسة في 17 نوفمبر 2005 لتقييم حصيلة 30 سنة من نزاع الصحراء المغربية، ربط النائب عن ولاية كاليفورنيا السيد "Brad Sherman" بين تاريخ بلاده وتاريخ المغرب، وقد كان ملفتا أن يستدل في رفضه لاستقلال الصحراء والاعتراف بها كدولة مستقلة بكون عدد سكان لوس أنجلس يفوق كثيرا عدد سكان الصحراء، وبالرغم من ذلك لم يصل الوضع إلى المطالبة باستقلال ولاية لوس أنجلس عن الولايات المتحدة الأمريكية. وبالعودة إلى تاريخ هذه الولاية والصراع حولها مع المكسيك، نجد فيه بعضا من عناصر التشابه مع قضية الصحراء، وهو ما تدل عليه سياق وحيثيات معاهدة "غوادالوبي هيدالغو" الموقعة بين الولايات المتحدة والمكسيك عام 1848.
طيب لنتحدث عن الآثار الاستراتيجية لإعلان إدارة ترامب حول السيادة المغربية على صحرائه؟
إعلان إدارة ترامب مكسب كبير للدبلوماسية المغربية، ولكن التحدي الأكبر هو كيفية تحصينه والبناء عليه لتحقيق مكاسب أخرى، مع الانتباه إلى الآثار المحتملة للإعلان على رؤية الدول الأخرى لقضية الصحراء، خاصة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وما يسمى بـ"مجموعة أصدقاء الصحراء". ثم أنه لا ينبغي التعامل مع الإعلان على أنه صادر عن إدارة ترامب فقط، ولكن ينبغي وضعه في سياق أوسع والنظر إليه على أنه خيار للدولة الأمريكية بصرف النظر عن الإدارة أو الرئيس الذي أصدره، بمعنى آخر أن الخطاب السياسي والدبلوماسي لمختلف الفاعلين يستدعي استحضار الدوافع الاستراتيجية والبحث عن مختلف الجوانب التي دفعت إدارة ترامب لاتخاذ هذه الخطوة. وأود هنا الإشارة إلى أن الرسالة التي بعثها الرئيس الأمريكي "فرانكلين روزفلت" إلى السلطان محمد بن يوسف ويشكره فيها على تعاونه مع قوات الحلفاء ضد ألمانيا وإيطاليا إبان الحرب العالمية الثانية، خلقت انطباعا لدى الحركة الوطنية بأن الولايات المتحدة ستدعم مطالب المغرب لنيل الاستقلال، غير أن الحماس الذي ولده هذا الانطباع جعل الحركة الوطنية تغفل عن استحضار الأبعاد الأخرى للرسالة، ربما كانت أكثر أهمية، منها استراتيجية بناء وتوسيع القوات البحرية والجوية الأمريكية على طول المحيط الأطلسي والحوض المتوسطي لما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
أعتقد أننا في وضع مشابه لتلك المرحلة مع اختلاف السياق، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان التحدي الأكبر للولايات المتحدة هو الاتحاد السوفياتي، أما الآن فهو التصدي للتمدد الصيني في العالم. ويلاحظ أنه في السنوات الأخيرة أصبحت الولايات المتحدة تنظر إلى الجغرافية السياسية للمغرب كجزء من استراتيجيتها لمنع التمدد الصيني في غرب المتوسط والمحيط الأطلسي. وينبع القلق الأمريكي أساسا من البنيات وشبكة الاتصال الاقتصادي والأمني والاستراتيجي التي تبنيها بشكل هادئ على المحيط الأطلسي. وإذا كانت واشنطن قد اقترحت في السابق إعادة النظر في دور المينورسو، خاصة عندما كان جون بولتون مستشارا للأمن القومي الأمريكي، فينبغي وضع هذا المقترح في سياق مخاوف الإدارة الأمريكية من توظيف الصين لبعثات الأمم المتحدة عموما من أجل ترسيخ وجودها الأمني والعسكري في عدد من المناطق، منها غرب إفريقيا، وهذا ما عبر عنه بولتون بشكل واضح في العديد من المناسبات، خاصة بعد تقديمه لوثيقة "استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إفريقيا" في ديسمبر 2018.
ولقد سبق لمستشار الأمن القومي الأمريكي زبيغنيو بريجنسكي في عهد إدارة كارتر أن ربط بين موقف الولايات المتحدة من قضية الأوغادين في الصراع الصومالي الإثيوبي بالقرن الإفريقي خلال السبعينيات من القرن الماضي وبين موقفها من قضية الصحراء المغربية في سياق الصراع مع الاتحاد السوفياتي، لكون القضيتين محددتين للأمن القومي الأمريكي بين مضيقي جبل طارق والبحر الأحمر. واليوم تعبر الولايات المتحدة الأمريكية عن نفس المخاوف الجيوستراتيجية، لكن في سياق التمدد البحري الصيني، فبعد أن مكنت بكين لنفسها استراتيجيا في البحر الأحمر بعد بنائها لقاعدة عسكرية لها في جيبوتي، بدأت تخطو خطوات تدريجية لإنشاء بنية من العلاقات العسكرية في غرب إفريقيا على المحيط الأطلسي، وقد أثير نقاش لدى أوساط صناعة القرار الأمريكي حول خطط محتملة للصين لإنشاء قاعدة عسكرية في ناميبيا منذ 2015، مع إنشاء بنيات أخرى عبر الاتفاقيات العسكرية الثنائية وآليات حفظ السلام الأممية في عدد من دول المنطقة، منها ليبيريا ومالي ونيجيريا والكامرون وغانا والبنين والساحل العاج وساو تومي وجمهورية الرأس الأخضر وغيرها، كما عززت الصين أيضا علاقاتها الأمنية والعسكرية مع "مجموعة دول الساحل الخمس"، و"المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا".
أعتقد أننا في وضع مشابه لتلك المرحلة مع اختلاف السياق، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان التحدي الأكبر للولايات المتحدة هو الاتحاد السوفياتي، أما الآن فهو التصدي للتمدد الصيني في العالم. ويلاحظ أنه في السنوات الأخيرة أصبحت الولايات المتحدة تنظر إلى الجغرافية السياسية للمغرب كجزء من استراتيجيتها لمنع التمدد الصيني في غرب المتوسط والمحيط الأطلسي. وينبع القلق الأمريكي أساسا من البنيات وشبكة الاتصال الاقتصادي والأمني والاستراتيجي التي تبنيها بشكل هادئ على المحيط الأطلسي. وإذا كانت واشنطن قد اقترحت في السابق إعادة النظر في دور المينورسو، خاصة عندما كان جون بولتون مستشارا للأمن القومي الأمريكي، فينبغي وضع هذا المقترح في سياق مخاوف الإدارة الأمريكية من توظيف الصين لبعثات الأمم المتحدة عموما من أجل ترسيخ وجودها الأمني والعسكري في عدد من المناطق، منها غرب إفريقيا، وهذا ما عبر عنه بولتون بشكل واضح في العديد من المناسبات، خاصة بعد تقديمه لوثيقة "استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إفريقيا" في ديسمبر 2018.
ولقد سبق لمستشار الأمن القومي الأمريكي زبيغنيو بريجنسكي في عهد إدارة كارتر أن ربط بين موقف الولايات المتحدة من قضية الأوغادين في الصراع الصومالي الإثيوبي بالقرن الإفريقي خلال السبعينيات من القرن الماضي وبين موقفها من قضية الصحراء المغربية في سياق الصراع مع الاتحاد السوفياتي، لكون القضيتين محددتين للأمن القومي الأمريكي بين مضيقي جبل طارق والبحر الأحمر. واليوم تعبر الولايات المتحدة الأمريكية عن نفس المخاوف الجيوستراتيجية، لكن في سياق التمدد البحري الصيني، فبعد أن مكنت بكين لنفسها استراتيجيا في البحر الأحمر بعد بنائها لقاعدة عسكرية لها في جيبوتي، بدأت تخطو خطوات تدريجية لإنشاء بنية من العلاقات العسكرية في غرب إفريقيا على المحيط الأطلسي، وقد أثير نقاش لدى أوساط صناعة القرار الأمريكي حول خطط محتملة للصين لإنشاء قاعدة عسكرية في ناميبيا منذ 2015، مع إنشاء بنيات أخرى عبر الاتفاقيات العسكرية الثنائية وآليات حفظ السلام الأممية في عدد من دول المنطقة، منها ليبيريا ومالي ونيجيريا والكامرون وغانا والبنين والساحل العاج وساو تومي وجمهورية الرأس الأخضر وغيرها، كما عززت الصين أيضا علاقاتها الأمنية والعسكرية مع "مجموعة دول الساحل الخمس"، و"المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا".
هذا يعني أن موقع المغرب الاستراتيجي أضحى في صلب معادلة تصورات و أهداف البيت الأبيض ؟
إن التطورات المشار اليها إضافة إلى الاستغلال الاستراتيجي الذكي للمغرب لبعض مشاريعه الاقتصادية، مثل ميناء طنجة المتوسط، وميناء الناظور غرب المتوسط وميناء الداخلة الأطلسي، دفع الإدارة الأمريكية إلى أن ترفع من مستوى اهتمامها الاستراتيجي بالمغرب وجغرافيته السياسية. ويجب الإشارة هنا إلى أنه قبل إعلان ترامب الأخير حول السيادة المغربية على صحرائه وقعت واشنطن على اتفاقية عسكرية لمدة عشر سنوات مع المغرب، وفي 3 دجنبر 2020 تم وضع حجر الأساس لبناء قنصلية بقيمة تفوق 300 مليون دولار ينتظر منها القيام بأدوار اقتصادية كبيرة في علاقة واشنطن مع المغرب وغرب إفريقيا. وبمعنى أدق ترى الولايات المتحدة الأمريكية في المغرب كساحة من الساحات التي ستراهن عليها لمنع إنشاء "الخط الأطلسي" لطريق الحرير والحزام البحري الصيني. ويمكن القول أن إدارة بايدن لن تختلف عن إدارة ترامب في تقييمها لدور الجغرافية السياسية المغربية في استراتيجية المواجهة مع الصين، وقد كان واضحا أنه بالرغم من الخلافات بينهما خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة حول العديد من القضايا، إلا أن مسألة مواجهة الصعود الصيني لم تكن موضوع خلاف كبير. وأعتقد أن المغرب مدرك أنه سيكون أمام تحدي البحث عن التوازن في علاقاته بين واشنطن وبكين، ولعل رفضه استعمال ورقة تايوان وانفتاحه الاقتصادي على الصين من جهة، والبقاء في الفلك الغربي والأطلسي على الصعيد الاستراتيجي من جهة ثانية، جزء من محاولاته للموازنة بين القوتين الدوليتين.
لقد كان الرعيل الأول من الدبلوماسيين المغاربة بعد الاستقلال واعيين تماما بالمكانة الاستراتيجية لمناطق الصحراء المغربية وصلتها بالسياسة الأمريكية في المحيط الأطلسي وغرب إفريقيا. ويحضرني في هذا السياق تحليل للدبلوماسي اللامع عبد الكبير بن المهدي الفاسي رحمه الله في دراسة له نشرها عام 1962 بعنوان "الصحراء المغربية وإمكانيتها الاقتصادية"، حلل فيها الموقف الأمريكي من الوجود الإسباني في الصحراء المغربية، إذ أورد أن الحلف الأطلسي كان يرى في الوجود الإسباني في الصحراء فرصة لإنشاء قواعد تقوم بمهام حراسة السواحل الممتدة من جبل طارق إلى جزر ليبيريا مرورا بميناء إيتيان (نواذيبو) ودكار. والحال هذا، أنه لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا خريطة العقل الاستراتيجي التاريخي للمغرب عند تقييمنا لأي خطوة تقوم بها الولايات المتحدة تجاه المغرب، فما بين "رسالة روزفلت" و"إعلان ترامب" الكثير من الدروس والعبر والكثير من التحديات والفرص.
لقد كان الرعيل الأول من الدبلوماسيين المغاربة بعد الاستقلال واعيين تماما بالمكانة الاستراتيجية لمناطق الصحراء المغربية وصلتها بالسياسة الأمريكية في المحيط الأطلسي وغرب إفريقيا. ويحضرني في هذا السياق تحليل للدبلوماسي اللامع عبد الكبير بن المهدي الفاسي رحمه الله في دراسة له نشرها عام 1962 بعنوان "الصحراء المغربية وإمكانيتها الاقتصادية"، حلل فيها الموقف الأمريكي من الوجود الإسباني في الصحراء المغربية، إذ أورد أن الحلف الأطلسي كان يرى في الوجود الإسباني في الصحراء فرصة لإنشاء قواعد تقوم بمهام حراسة السواحل الممتدة من جبل طارق إلى جزر ليبيريا مرورا بميناء إيتيان (نواذيبو) ودكار. والحال هذا، أنه لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا خريطة العقل الاستراتيجي التاريخي للمغرب عند تقييمنا لأي خطوة تقوم بها الولايات المتحدة تجاه المغرب، فما بين "رسالة روزفلت" و"إعلان ترامب" الكثير من الدروس والعبر والكثير من التحديات والفرص.
في ظل كل هذا كيف تفسر التحليلات التي تربط بين "إعلان ترامب" وتنشيط العلاقات المغربية الإسرائيلية؟
الحقيقة، أنه إذا نظرنا إلى "إعلان ترامب" في سياق الوضع العربي وسياق الصراع العربي الإسرائيلي ومجمل الوضع الفلسطيني، فقد يبدو أن الأمر عبارة عن صفقة مقايضة بين الإدارة الأمريكية والمغرب، أي قضية الصحراء في مقابل فتح العلاقات مع إسرائيل. ولكن أعتقد أن السؤال الأهم الذي ينبغي أن يطرح هو: ماذا تريد الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المرحلة من العرب وإسرائيل معا؟ وحينما نتأمل في السياسة الخارجية الأمريكية في السنوات الأخيرة، سواء في الحوض المتوسطي أو المحيط الأطلسي أو آسيا أو أوروبا أو إفريقيا، فسنجد أنها تتركز حول كيفية بناء شبكة من العلاقات الإقليمية تستطيع من خلالها مواجهة الصعود الصيني بالدرجة الأولى وروسيا بالدرجة الثانية. وقد اختارت واشنطن بعض الدول الحليفة لها في كل منطقة من مناطق العالم للقيام بهذا الدور بشكل من الأشكال. وأعتقد أن واشنطن اختارت وتراهن على إسرائيل للقيام بهذا الدور خلال هذه المرحلة في شرق المتوسط بالتعاون مع دول أخرى، وفي الوقت نفسه تعمل على منع انزياح الدول العربية ذات الثقل الاستراتيجي والمالي إلى المحور الصيني.
لقد انزعجت الإدارة الأمريكية من المشاريع الصينية الاقتصادية في الحوض المتوسطي، خاصة مشاريع ما يسمى "طريق الحرير الرقمي" وكذلك من إدارتها أو بنائها لعدد من الموانئ، مثل حيفا وميناء ميناء بيريوس في اليونان وفي عدد من دول البلقان وميناء الحمدانية في الجزائر وغيرها، لأنها ترى فيها مشاريع مُؤطرة بخلفية عسكرية وليست مشاريع اقتصادية وحسب. ولكن المشكلة أن عددا من الدول لا يمكن أن تبقى مكتوفة الأيدي بسبب الأزمات الاقتصادية التي تمر بها وحاجتها للاستثمارات الأجنبية لتمويل مشاريعها، ومن هذا المنطلق تدعم واشنطن حلفائها، خاصة ذات الثقل المالي من أجل أن تمول هذه المشاريع لقطع الطريق على القوة المالية الصينية، وهذا ما يمكن رصده على سبيل المثال في المشاريع الخليجية الآن في منطقة البلقان.
وما ينطبق على الدور المفترض من إسرائيل والدول العربية من وجهة نظر أمريكية في الحوضين المتوسطي والأطلسي ينطبق أيضا على الهند واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية في شرق آسيا والمحيطين الهادي والهندي، إذ تعول واشنطن على هذه الدول من أجل ضخ استثماراتها على طول الدول التي تشملها وتركز عليها بكين ضمن مشروع طريق الحرير والحزام البحري. وفي هذا الإطار، تحركت واشنطن في الفترة الأخيرة من أجل تنشيط وإضفاء الطابع المؤسسي على ما يسمى بـ"QUAD Plus" وهو منتدى يتكون من الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا أنشئ أساسا لمواجهة الصعود الصيني، وبعد أزمة كوفيد وتصاعد التوتر الصيني الأمريكي شاركت كل من الفيتنام وكوريا الجنوبية ونيوزيلاندا في لقاءات هذا التجمع، ولكن ما هو مثير أنه في اجتماع هذه المجموعة يوم 11 ماي 2020 الماضي تم إشراك إسرائيل والبرازيل، مما يدل بشكل أوضح على رهان الولايات المتحدة على الدولتين لمجابهة الصين في الحوض المتوسطي والمحيط الأطلسي، خاصة بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي في بداية نفس الشهر عن سعي واشنطن إلى إنشاء ما أسماه بـ"شبكة الازدهار الاقتصادي" " Economic Prosperity Network "، لقيادة الاقتصاد العالمي، وتهدف هذه الشبكة أساسا إلى تفكيك سلسلة الإنتاج والتوريد للاقتصاد الصيني ونقل الاستثمارات الأمريكية وعدد من الدول من الصين إلى مناطق أخرى، وترشح واشنطن وحتى بعض الدول الأوروبية بعض حلفائها الذين يتمتعون بميزات جغرافية لاستقبال تلك الاستثمارات، بما فيها المغرب.
وتجدر الإشارة أيضا أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عندما صرح بأن المغرب فتح موانئه مباشرة بعد اعترافه بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1777، فكأنه يريد أن يقول للمغرب افتحوا لنا ميناء الداخلة لإنشاء "شبكة الازدهار الاقتصادي" مباشرة بعد اعترافنا بسيادتكم على الصحراء، أي أن واشنطن في حاجة إلى الصحراء لمجابهة الصين على الأطلسي وحماية استثماراتها على الساحل الغربي لإفريقيا، خاصة في مجال الطاقة. بكلمة , إن الأفق الأمريكي في الاعتراف بالسيادة المغربية على صحرائه أوسع من مسألة إعادة تنشيط العلاقات الدبلوماسية المغربية الإسرائيلية، وميزان التقييم عند واشنطن في هذه المرحلة هو مدى الاستجابة لاستراتيجيتها في مواجهة الصين، سواء تعلق الأمر بإسرائيل أو الدول العربية أو دول أخرى في آسيا وإفريقيا والقارة الأمريكية. وهذا مسار نهجته إدارة ترامب ويتوقع أن تستمر عليه إدارة بومبيو حتى وإن اختلفت الوسائل.
لقد انزعجت الإدارة الأمريكية من المشاريع الصينية الاقتصادية في الحوض المتوسطي، خاصة مشاريع ما يسمى "طريق الحرير الرقمي" وكذلك من إدارتها أو بنائها لعدد من الموانئ، مثل حيفا وميناء ميناء بيريوس في اليونان وفي عدد من دول البلقان وميناء الحمدانية في الجزائر وغيرها، لأنها ترى فيها مشاريع مُؤطرة بخلفية عسكرية وليست مشاريع اقتصادية وحسب. ولكن المشكلة أن عددا من الدول لا يمكن أن تبقى مكتوفة الأيدي بسبب الأزمات الاقتصادية التي تمر بها وحاجتها للاستثمارات الأجنبية لتمويل مشاريعها، ومن هذا المنطلق تدعم واشنطن حلفائها، خاصة ذات الثقل المالي من أجل أن تمول هذه المشاريع لقطع الطريق على القوة المالية الصينية، وهذا ما يمكن رصده على سبيل المثال في المشاريع الخليجية الآن في منطقة البلقان.
وما ينطبق على الدور المفترض من إسرائيل والدول العربية من وجهة نظر أمريكية في الحوضين المتوسطي والأطلسي ينطبق أيضا على الهند واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية في شرق آسيا والمحيطين الهادي والهندي، إذ تعول واشنطن على هذه الدول من أجل ضخ استثماراتها على طول الدول التي تشملها وتركز عليها بكين ضمن مشروع طريق الحرير والحزام البحري. وفي هذا الإطار، تحركت واشنطن في الفترة الأخيرة من أجل تنشيط وإضفاء الطابع المؤسسي على ما يسمى بـ"QUAD Plus" وهو منتدى يتكون من الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا أنشئ أساسا لمواجهة الصعود الصيني، وبعد أزمة كوفيد وتصاعد التوتر الصيني الأمريكي شاركت كل من الفيتنام وكوريا الجنوبية ونيوزيلاندا في لقاءات هذا التجمع، ولكن ما هو مثير أنه في اجتماع هذه المجموعة يوم 11 ماي 2020 الماضي تم إشراك إسرائيل والبرازيل، مما يدل بشكل أوضح على رهان الولايات المتحدة على الدولتين لمجابهة الصين في الحوض المتوسطي والمحيط الأطلسي، خاصة بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي في بداية نفس الشهر عن سعي واشنطن إلى إنشاء ما أسماه بـ"شبكة الازدهار الاقتصادي" " Economic Prosperity Network "، لقيادة الاقتصاد العالمي، وتهدف هذه الشبكة أساسا إلى تفكيك سلسلة الإنتاج والتوريد للاقتصاد الصيني ونقل الاستثمارات الأمريكية وعدد من الدول من الصين إلى مناطق أخرى، وترشح واشنطن وحتى بعض الدول الأوروبية بعض حلفائها الذين يتمتعون بميزات جغرافية لاستقبال تلك الاستثمارات، بما فيها المغرب.
وتجدر الإشارة أيضا أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عندما صرح بأن المغرب فتح موانئه مباشرة بعد اعترافه بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1777، فكأنه يريد أن يقول للمغرب افتحوا لنا ميناء الداخلة لإنشاء "شبكة الازدهار الاقتصادي" مباشرة بعد اعترافنا بسيادتكم على الصحراء، أي أن واشنطن في حاجة إلى الصحراء لمجابهة الصين على الأطلسي وحماية استثماراتها على الساحل الغربي لإفريقيا، خاصة في مجال الطاقة. بكلمة , إن الأفق الأمريكي في الاعتراف بالسيادة المغربية على صحرائه أوسع من مسألة إعادة تنشيط العلاقات الدبلوماسية المغربية الإسرائيلية، وميزان التقييم عند واشنطن في هذه المرحلة هو مدى الاستجابة لاستراتيجيتها في مواجهة الصين، سواء تعلق الأمر بإسرائيل أو الدول العربية أو دول أخرى في آسيا وإفريقيا والقارة الأمريكية. وهذا مسار نهجته إدارة ترامب ويتوقع أن تستمر عليه إدارة بومبيو حتى وإن اختلفت الوسائل.