Quantcast
2022 غشت 2 - تم تعديله في [التاريخ]

عن أزمة نظامنا التربوي


العلم الإلكترونية - بقلم أنس الشعرة

يتفق الباحثون، عن أن أزمة التعليم ببلادنا، غير مرتبطة بإصلاحات هيكلية، أو بمدى تنزيل برامج استراتيجية، وإن كانَت عوامل أساس في إنجاح العملية التربوية في المغرب، بيد أن الأزمة الحقيقية مرتبطة ببنى عميقة في المجتمع، تنطلق من ما هو تربوي-اجتماعي أساسًا، لتنتهي بما هو سياسي-اقتصادي، ولو شئنا توصيفًا دقيقَا لأزمة التعليم بالمغرب أمكننا القول: أن تاريخ التعليم بالمغرب هو تاريخ أزماته!

يتردد كثيراً بين الأوساط التعليمية، مسألة متعلقة بضحالة المستوى العلمي والمعرفي للطلاب، خصوصا من ذوي التوجهات الأدبية، بل أضحت هذهِ الشعب عنوانًا بارزاً لدى المجتمع، عن أجيال من الفاشلين، والعاطلين، الذين لفظتهم الجامعات ذات الاستقطاب المفتوح، دون عمل أو شغل. عندما أتجول في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي منصة الفيسبوك تحديدًا، أرصد عددا من التدوينات الناقمة، التي تتفرع إلى نقطتين أساسيتين:
ا
لنقطة الأولى: تفاقم حالة الغش في مباريات التعليم بالتعاقد، إذ هناكَ عدد من المترشحين الذين يجتازونَ هذه المباريات، وينجحون فيها بسبب الغش المفرط، وأخرون يضطرونَ إلى النزول إلى براثن الغش، في محاولة لإنقاذ مستقبلٍ قد يغدو مجهولا، إذا استسهلَ المرء مسألة الغش، واعتمدَ على جده وكده!

مستقبل يبتلعُ المرء في غفلة من أيامهِ، التي تتخفى وراء سراديب البحث عن العمل، ولا يخفى عن الكثيرين، أن بنياتنا التشغيلية تعاني من هشاشة قوية، وأقل ما يقال عنها، في هذا الصدد، أنه لا وجودَ حقيقي لشيء اسمه سوق الشغل بالمغرب، وفقا للمعايير المتعارف عليه في الدول الرأسمالي.

النقطة الثانية: تذمر العديدين، من شرط السّن، التي أحدثته وزارة شكيب بنموسى هذه السنة، وعازمة على المضي فيه، مهما كلفها الأمر، وفي ظل هذه الوضعية لا يبقى أمامَ هؤلاء الطلبة، إلاّ الالتحاق بـطابور البطالة الذي يبتلعهم فردًا فردًا.

وبالقياس إلى هاتين النقطتين، علينا أن نحلل الوضع التعليمي والاجتماعي، وعلاقته بسوق الشغل بالمغرب، بنوعٍ من الموضوعية والوظيفية في آن، وسيكون ذلكَ بناءً على مستويين اثنين:

المستوى الأول: في ظل غياب تكافؤ فرص حقيقية، أثناء اجتياز مباريات التعاقد، ما الذي يبقى لمن كد وجد، سوى باب الغش، فمن الناحية الموضوعية، سيضطر لنفس الممارسة، وإلاّ سيجد ذاته أمام ديناصور البطالة.

المستوى الثاني: لاينتبه الكثيرون إلى أن أزمة التعليم بالمغرب، مرتبطة ارتباطا كبيرًا، بالنظام التربوي وما يتبقى بعده، مجرد عمليات وظيفية، لتكريس هذا النظام التربوي، بطريقة أو أخرى.

يفسر المستوى الأول، أزمة كبرى لا تقف عندَ حدود تكافؤ الفرص وفقط، ذلكَ أنّ تكافؤ الفرص مطية من أجل أبعادٍ استراتيجية-سياسية. وإن شئنا توصيفا آخر لأزمة تكافؤ الفرص، فإن ذلكَ لا يعني سوى، تلكَ الشجرة التي تخفي ورائها الأجمة الكبرى، إنها على وجهِ الدّقةِ ركاما هائلا منَ المشاكل والأزمات البنيوية الغائرة في النسيج الاجتماعي، لغيابِ عدالة تربوية- تعليمية ببلادنا.

يتواشج المستويان معًا، الأول والثاني، إذ يصب الأول في مجرى الثاني، ففي ظل غياب عدالة تربوية-تعليمية، تصبح النتيجة، كما يلي: غياب تكافؤ الفرص، يعني تكريس غياب عدالة تربوية-تعليمية للجميع.

يعمل نظامنا التربوي، في مناسبات عدة، على اقتناص فرصة مضاعفة الأزمات، ليس أقلها: غياب الاستقلالية الفردية. إن نظامنا التربوي-الاجتماعي، أضحى يعاقب من يستقل بذاته، وهذا ما لا تتفطن له المدرسة المغربية، إذ أصبحت تفرخ الآلاف منَ العاجزين، عن بلورة تصور عن الحياة، ناهيكَ عن تنمية الفرد لذاته، لكي يخرجَ من متاهة البطالة التي تأكله يوميًا.

أؤمن بشكل قوي بحق الإنسان في العمل، وهذا ما يفشل فيه نظامنا التربوي-التعليمي، الذي يحصر دوره عندَ التكوين فقط، وهو في تقديري مقاربة مجانبة للصواب، ذلكَ أن العمل ومن منطلق حقوقي محض، هو أولوية الدولة في توفيره، لكن مُنتم لهذا الوطن.

وأعلم جيدًا، أن فرص العمل باتت كالكبريت الأحمر، إننا نخرب نظامنا التربوي-التعليمي بأيدينا، عندما نحد من أمال وأفاق وطموحات شابة. نجني على فرص الآلاف منهم كي يغيروا من وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية، نحد من الترقي الاجتماعي لهؤلاء، ونكرس مزيدًا من الفوارق الاجتماعية، وهذا يضعنا في مأزق أخرى.

فيما إذا أرادت الوزارات الوصية، الخروجَ من هذه الأزمة، عليها تنويع العرض التشغيلي لخريجي الجامعات ذات الاستقطاب المفتوح تحديدًا، وأن تعملَ على إدماجهم في وزارات عدة، ولن يكلفها ذلكَ سوى تكوين تقني، كي يباشروا العمل، فالفئة العريضة التي تترشح لمباريات التعليم بالتعاقد، لا تفعل ذلك، إلا هربًا من لهيب البطالة. ومن جهة أخرى عليها أن تجتهدَ أكثر لتقليص نسبة البطالة، بتوفير فرص شغل عمل حقيقة، وليس أنصاف فرص، هي بالأساس استمرارا للأزمة وإعادة إنتاجها بطرق أو أخرى.

وبخصوص شرط السن الذي وضعته الوزارة، ربما لا تنتبه إلى شيء أساس، وهو متعلق بالتحولات الديمغرافيا في المملكة، إذ أن الهرم السكاني بالمغرب تغير كثيرًا في العقدين الأخيرين وبالتالي؛ نحن أمامَ تغير في طبيعة الفئة الفتية القادرة على العمل مستقبلا، فما هو ما حيال تسقيف سن المباراة، هي الملاذ الوحيد لأغلبِ الشباب العاطلين عن العمل!
لا يمكن لوم المواطن المغربي اليوم، لأنه ذاته نتيجة لأزمات بنيوية، بل على الدولة أن تبدعَ فرصًا حقيقية للشغل، بالموازاة مع الوقائع الاجتماعية لطبيعة المجتمع المغربي.

أؤمن بشدة بدور التربية، فهي اعني أساسًا: الاستقلالية، والاستقلالية تعني بالضرورة إبداع الحول، بيد أن المدرسة المغربية فشلت في زرع بِذرة الاستقلالية فينا، ومن تم أقبرت الآلاف من الإبداعات والآلاف من الحلول!

              

















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار