Quantcast
2023 مارس 17 - تم تعديله في [التاريخ]

عاداتي غير السيِّئة في رمضان!

افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 16 مارس 2023


العلم الإلكترونية - محمد بشكار

لا يُمْكن أن أخْتصِر ذكرياتي مع رمضان بخفَّة بائعٍ يُلوِّي الحمص والفول في ورقة، ثم أنثرها بتوابل من قَبيل الملح والكَمُون، فماذا يُجْدي أن يَسْتطيب الجميع طَعْمَها وهي مُرّة، وأجمل الذكريات مع رمضان كانت في الصِّغر حين كُنا نأكل طعام غيرنا.. وأقصد أهل البيت، وها هي نفس العادة السَّيئة قد اتَّسعت برُقعتها في الكِبر، وأصبحنا نرى من يأكلون طعام الغَيْر في كُلِّ الأيَّام وهم يقولون ساخرين: حقُّكم في الجنّة
!

أما أنا فقد اكتسبتُ عاداتٍ جديدة في رمضان، لا تبعُد كثيرا بمسافة سطر أو سطرين عن القصيدة، أقرأ في رمضان ما تساقط في غفلة منِّي، وترك في نفسي منطقة جوفاء تحتاج لامتلاء نفسي، فلا أنشغل إلا بالبدايات: بداية قصيدة، بداية، مقالة، بداية رواية قد تشبه في نكهتها وصيّة رجل فضَّل أن يبدأ الحياة من حيث يموت في الكتابة … وهكذا إلى آخر البدايات التي تنتظرني أنهيها بِقَدَرٍ أصنعه محتوما!

لا أقرأ في رمضان إلا ما أسلفتُ في كتابته طيلة العام، أنتهز فرصة جوعي لأشبع نهَم قصائدي التي لم تكتمل، أصالح الأسطر ببعضها بعد طول خصام ليستقيم المعنى ويصبح للصورة وجهٌ ترى به نفسها في مرآة الإبداع، أو قد أصالح كل القصائد التي كتبتْني في غفلة من وعيي الذي نهَبهُ تسارع الزمن، لأجمعها في ديوان أعلم أنني سأتعب في العثور على عنوان يليق بجنونه أكثر مما يتطلَّبه إيجاد ناشر!

أقرأ تعازي فيسبوك وما أكثر جنازاتها في رمضان، وأنشغل بتقديم أصدق المواساة عساني أظفر ببعض الحسنات في شهر الغفران، وأفكر في الأصدقاء الذين رغم رحيلهم من الدنيا ما زالت حساباتهم مفتوحة،  شتَّان بين الزرقة في فيسبوك والزرقة حيث هم في السماء !

وحده الموت ينهرني ويردع تسْليتي في هذا العالم الافتراضي ويهمس في أذني: فيسبوك ليس لعبة، إنه سيرة حياة توثِّق للإنسان في الفِراشين اللذين بين الولادة ونحن رُضَّع والنزع الأخير ونحن ذاهلون خُشَّع، بل ونتبع هذا الإنسان عبر فيسبوك دائماً لنشيعه حتى نردمه في حفرة، فيسبوك ليس لعبة في رمضان وطيلة العمر، يعلِّمنا أن نتواضع إلى الرُّكَبِ، لأن لا أحد يضمن أن لا يصعد أحدهم غدا بصورتك في إطار أسود وخط كوفي أنيق، ويكتب بحبر يقطر حداداً: إنا لله وإنا إليه راجعون!

الجميع في فيسبوك أصبح شاعرا، ناقدا، إعلاميا، وما عادت الكتابة بهالتها الأدبية المهيبة، حكرا على الأقلام التي تقف بكعب طويل تتجاوز كل القامات، وأجدني وأنا أرْتكب جريرة قراءة ما يُنشَر على هذا الحبل الطويل من غسيل، ألمس كعب حذائي القصير وأصرخ: لا..لا.. قد أقبل أي توصيف يحيق بالكتابة أو حتى يُرْديها بالمحْق محواً، إلا أن يعتبرها منْ لم يَعِشْ حياتها التي تسْري في شراييننا سُطوراً من الداخل، مُجرد شيء يقترفه من لا شُغْلَ يُلْهيه عن العضِّ بأنياب الكلام عميقاً في لحم الناس، حتى وقتٍ ليس بالبعيد في العقارب والسِّنين، كنا ننتظر بفارغ الصبر أن يُصْدِر روائي أو شاعر أو مفكر نُحِبُّه عملا جديدا نروي به ظمأنا للمعرفة والجمال، وكُنا حين يحُلُّ أديبٌ ضيفاً في إحدى الأماسي الرمضانية، نمضي رغم الفاقة مشياً على الأقدام لمسافات طويلة، لا نملك شيئا نخسره حتى الوقت ليس ملكنا، ألمْ ترَ أنَّه تحت سيطرة من نُسمِّيهم في بلدنا كدلالة على السلطة بـ (أصحاب الوقت)، أوَ ليس هم من يزيدون أو ينقُصون ساعة، ولكن يكفي أننا  نملك في النوم واليقظة الكثير من الأحلام !   

لا أتجاوز في قراءاتي الرمضانية الجُملة التي تعود عليَّ مُفرداتها بالنفع وتحفزني جمالياً أو إعلامياً على كتابة أخرى، عساها تفيد القارئ دون أن تستدر مع الضجر الدمع، وأقصد القراءة الشذرية التي نجدها في كتب المتصوفة أمثال النفري وابن عربي وبعض المُستظرفات في تُراثنا الأدبي العربي، وقَدْ أمضي بالتأمل قصيّاً في الحِكميَّات وأغترف من ديوان المتنبي، ناهيك عن قراءتي لكل المواد التي تفدني لملحق "العلم الثقافي"  وتأخذ من صدري قلباً كبيرا من الجهد من حيث التحرير والبحث عن الصور التي تُناغمها جماليا، وفيها الشعر والقصة والدراسة أو القراءة النقدية الأدبية والترجمة والإصدارات الجديدة والمقالة الفكرية، وهلم قراءةً حتى يتبين السطر الأبيض من السطر الأسود في ورق الجريدة !

*كلمة مزيدة ومُنقحة، مُسْتقاة من حوار أجراه معي منذ سنوات الإعلامي "محفوظ فضيلي" لـ "الجزيرة نت"


              

















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار