
العلم - أنس الشعرة
نظّمت رابطة المحامين الاستقلاليين، أول أمس الإثنين، ندوة وطنية بالمركز العام لحزب الاستقلال، ناقشت خلالها "مشروع المسطرة الجنائية بين المكتسبات والتراجعات"، الذي أصبحَ يثير جدلًا واسعًا في الأوساط القانونية والحقوقية، حيث يتباين الموقف من المشروع بين من يرى فيه مكتسبات تعزز حقوق الأفراد واستقلالية القضاء، وبين من يعتبره خطوة إلى الوراء، خصوصًا في ظل مقتضيات يُنظر إليها على أنها تضييق على الحقوق والحريات الأساسية.
نظّمت رابطة المحامين الاستقلاليين، أول أمس الإثنين، ندوة وطنية بالمركز العام لحزب الاستقلال، ناقشت خلالها "مشروع المسطرة الجنائية بين المكتسبات والتراجعات"، الذي أصبحَ يثير جدلًا واسعًا في الأوساط القانونية والحقوقية، حيث يتباين الموقف من المشروع بين من يرى فيه مكتسبات تعزز حقوق الأفراد واستقلالية القضاء، وبين من يعتبره خطوة إلى الوراء، خصوصًا في ظل مقتضيات يُنظر إليها على أنها تضييق على الحقوق والحريات الأساسية.
الطرابلسي: مشروع تعديل المسطرة الجنائية يعاني من غياب واضح لضمانات المحاكمة العادلة
وفي هذا السياق، شدد خالد الطرابلسي، رئيس الرابطة، على أن مراجعة قانون المسطرة الجنائية "لا يمكن أن يمر في الظل"، مؤكدًا أن المحامين، بوصفهم طرفًا أساسيًا في منظومة العدالة، معنيون بشكل مباشر بهذه التعديلات.
وأوضح الطرابلسي، أن الدفاع يشكل "الجناح الثاني للعدالة"، ما يستوجب إشراكه الفعلي في أي إصلاح قانوني يمس ضمانات المحاكمة العادلة.
وأضاف أن المشروع المطروح يجب أن يُقيَّم وفق مدى ملاءمته للمعايير الدولية، مشيرًا إلى وجود مؤاخذات وتراجعات حقيقية داخله، الأمر الذي أثار موجة من النقاشات والانتقادات، مؤكدًا أن غياب الضمانات الكافية للمحاكمة العادلة في النص الحالي يمثل إحدى أبرز النقاط المثيرة للجدل، مما يستدعي إعادة النظر في العديد من مقتضياته لضمان احترام الحقوق الدستورية والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
وفي معرض رصده لما وصفه بـ"التراجعات الحقيقية" التي أثارت نقاشات واسعة وانتقادات حادة، أكد خالد الطرابلسي أن مشروع تعديل المسطرة الجنائية يعاني من غياب واضح لضمانات المحاكمة العادلة. وقال في هذا الصدد: "هناك العديد من الملاحظات الجوهرية، لكن أكتفي بالإشارة إلى نقطة أساسية، وهي غياب ضمانة حضور المحامي خلال مرحلة البحث التمهيدي أمام الضابطة القضائية، وهو إجراء جوهري لضمان حقوق الدفاع وحماية المتهمين من أي تجاوزات محتملة".
عزيز روبيح: مشروع المسطرة الجنائية لا يمنح المحامي الدور الحقيقي الذي ينبغي أن يؤديه إلى جانب المواطن
أما مداخلة نقيب المحامين بهيئة الرباط، عزيز روبيح، فقد تمحورت حول مبدأ قرينة البراءة، واستقلالية السلطة القضائية، وشروط المحاكمة العادلة، معتبرًا أنها تشكل الركائز الأساسية لمنظومة العدالة في المغرب.
عزيز روبيح: مشروع المسطرة الجنائية لا يمنح المحامي الدور الحقيقي الذي ينبغي أن يؤديه إلى جانب المواطن
أما مداخلة نقيب المحامين بهيئة الرباط، عزيز روبيح، فقد تمحورت حول مبدأ قرينة البراءة، واستقلالية السلطة القضائية، وشروط المحاكمة العادلة، معتبرًا أنها تشكل الركائز الأساسية لمنظومة العدالة في المغرب.
وأكد روبيح أن أي إصلاح قانوني يجب أن يضمن احترام هذه المبادئ، باعتبارها حجر الزاوية في تحقيق عدالة نزيهة وشفافة تحمي حقوق الأفراد وتصون المكتسبات القانونية.
وأعاد النقيب التأكيد على أن ركائز العدالة في المغرب تستند إلى المصادر التشريعية الأساسية، وفي مقدمتها الخطابات الملكية التي تشكل الإطار التوجيهي، ودستور 2011 الذي يُعتبر الضامن الأساسي للمنظومة القانونية برمتها، إضافة إلى القانون الجنائي. مشيرا، في سياق عرضه، إلى أن الدستور يعلي من شأن قرينة البراءة، ويكرس الحقوق والحريات، ويؤكد على استقلالية السلطة القضائية كركيزة أساسية للعدالة.
وتساءل روبيح عن طبيعة التشريع الحالي، مشيرًا إلى ضرورة الوقوف عند من يشرّع اليوم، وكيف تتم عملية التشريع، وهل يمارس المشرع الدستوري مهامه باستقلالية تامة، أم أنه يخضع لتأثير جهات خارجية لا تستند إلى الشرعية الدستورية؟ مبرزًا، في هذا الصدد، أن "قراءة مشروع تعديل المسطرة الجنائية تكشف عن تأثير جهات خارج المنظومة التشريعية، وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى استقلالية عملية التشريع في المغرب".
وحمّل روبيح المسؤولية السياسية، للحكومة والبرلمان في إخراج هذا المشروع، مبرزًا وضوح الدستور ومؤسساته، وحدود العلاقة بينهما، التي تكمن في التكامل بين السلط، مستدركًا "ينبغي مراعاة استقلالية بعض الجهات لأنه أحيانًا نقدس استقلالية بعض الجهات وهذا طبيعي جدًا ولكن لا يمكن أن نعتبرَ استقلال جهات أخرى هو ثانوي، ويمكن التشويش عليهِ لاعتبارات معينة، صحيح أن الدستور ينص أن كثير منَ الجهات لها حق إبداء الرأي، لكن لا ينبغي أن يتجاوزَ الحق في إبداء الرأي".
وأضاف المتحدث ذاته،" مادام الأفق مفتوحًا، والخطاب الملكي الصادر في 20 غشت 2009، الذي يؤكد بوضوح على تحديث المنظومة القانونية وتعزيز العدالة، فإن "المغرب يمتلك إرثًا حقوقيًا مهمًا شكّل محطة مفصلية في مسار الانتقال الديمقراطي، هذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة أفكار وإبداع مغربي أصيل، حافظ على الهوية والخصوصية الوطنية.
وأشار إلى أن المملكة انتقلت من مرحلة كانت فيها حقوق الإنسان تمر بأزمات حادة إلى واقع جديد، تجسّد في توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة والإصلاحات التي طالت قطاع العدالة، رغم أن بعض هذه الجهود ما زالت تواجه خطر التناسي والتجاهل.
وقال إن دستور 2011، أكد بشكل واضح على مبدأ التزام الصمت عند الإيقاف، وهو مقتضى لا جدال فيه، إذ لا يحق لضابط الشرطة القضائية مناقشة قضايا أخرى خارج نطاق الإيقاف، كما أن الموقوف قد لا يكون على دراية كاملة بأسباب توقيفه، موضحًا أن هذا الأمر يشكل خطورة كبيرة، ليس فقط على قرينة البراءة، بل أيضًا على مبدأ التزام الصمت ومن وضعه، مما يثير تساؤلات حول مدى احترام الضمانات القانونية للمتهمين.
وشدد روبيح على أن مشروع القانون الحالي يمثل تضييقًا غير مسبوق على حضور المحامي أثناء البحث التمهيدي، رغم أن جميع القوانين المقارنة تتيح وجوده في هذه المرحلة الحاسمة، سواء في البحث التمهيدي أو عند التلبس، معتبرًا أن هذا التوجه يعكس رؤية سياسية وأمنية لا تمنح للمحامي الدور الحقيقي الذي ينبغي أن يؤديه إلى جانب المواطن.
وأضاف أن هذا المقتضى يشكل "انقلابًا على مجموعة من المقتضيات الدستورية والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، والتي تكفل الحقوق والحريات الأساسية".
عبد الرحيم الجامعي: في حاجة إلى مسطرة جنائية تحمي كرامة المواطن
من جانبه، اعتبر النقيب عبد الرحيم الجامعي أن قانون المسطرة الجنائية في صيغته الحالية لا يمنح المواطن الشعور بالطمأنينة، بل يثير الدهشة والتخوف والاحتجاج، وقال بنبرة حاسمة: "المواطن بحاجة إلى قانون جنائي يحمي كرامته، لا أن يمسها بجرة قلم".
من جانبه، اعتبر النقيب عبد الرحيم الجامعي أن قانون المسطرة الجنائية في صيغته الحالية لا يمنح المواطن الشعور بالطمأنينة، بل يثير الدهشة والتخوف والاحتجاج، وقال بنبرة حاسمة: "المواطن بحاجة إلى قانون جنائي يحمي كرامته، لا أن يمسها بجرة قلم".
وأضاف متسائلًا: إذا كنا نقدّم أنفسنا كنموذج في المنطقة، فكيف نقبل بقوانين تثير الخوف والقلق بدل أن تعزز الثقة والعدالة.
وأكد النقيب الجامعي أن مشروع قانون المسطرة الجنائية يجب أن يضمن الحسم في الإثبات، وألا يظل فضفاضًا، مشددًا على أهمية منح المؤسسات القضائية المكانة اللائقة بها، بما يسهم في تحقيق العدالة الحقيقية، قائلا: "القانون هو الذي يصنع العدالة، وليس القضاة وحدهم"، مشيرًا إلى ضرورة أن يكون التشريع واضحًا وحاسمًا في حماية الحقوق وضمان المحاكمة العادلة.
ودعا النقيب الجامعي برلمانيي ونواب حزب الاستقلال إلى الامتناع عن التصويت على بعض النصوص القانونية التي تثير القلق والفزع، مؤكدًا أن "تمرير القوانين بالإجماع ليس مؤشرًا على الديمقراطية، بل على التحكم والاستبداد، حيث يسود رأي واحد دون نقاش حقيقي"، مشيرًا إلى أن أي قانون في الأنظمة الديمقراطية يخضع للنقاش والتعددية، وليس للموافقة المطلقة التي تلغي التعددية وتحدّ من استقلالية القرار التشريعي.
وشدد الجامعي على أن أي إصلاح قانوني يجب أن يأخذ بعين الاعتبار استقلالية قاضي التحقيق، محذرًا من أن المساس بهذه الاستقلالية قد يؤدي إلى زعزعة الثقة في المؤسسة القضائية، مضيفا في ذات السياق: "إذا فقد قاضي التحقيق استقلاله، دخلنا في متاهات تمس بمصداقية مؤسسات العدالة"، داعيًا إلى تقليص ارتباطه بجهاز الشرطة القضائية لضمان حياديته الكاملة.