العلم الإلكترونية - بقلم عادل بن حمزة
شكل الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، لحظة قدم فيها الملك محمد السادس رسالة عميقة للشعب والحكومة الجزائريين، فبلغة واضحة وشفافة تسير عكس تيار التجييش وزرع الفتنة والتمرد على قدر الجغرافية والتاريخ، أعاد الملك الدعوة إلى بناء صفحة جديدة في العلاقة بين المغرب والجزائر. هكذا عبر العاهل عن منظور استراتيجي يقر بأن الجغرافية والتاريخ لهما اعتبار وتأثير في مسار الشعوب والدول، وحيث أن قدر المغرب والجزائر أن يكونا جارين، فإن ذلك بمنطق العقل يفرض وجود تعاون وشراكة بين البلدين، ما تضمنه الخطاب الملكي أول أمس في موضوع العلاقات المغربية الجزائرية ليس جديدا، بل هو تأكيد لموقف مغربي رسمي ثابت يتجنب التصعيد ويسعى بكل قوة إلى بناء مرحلة جديدة وإنهاء التوتر، بحيث يظهر للجميع أنه في الوقت الذي يستثمر المغرب في بناء جسور للمستقبل، نجد في المقابل من لا يزال يحرض على القطيعة غير مكتف بالقطيعة الفعلية الممتدة على الأقل منذ ثلاثة عقود.
الملك محمد السادس يتصرف بمنطق الدولة في العلاقة مع الجزائر، وبذكاء استراتيجي يعرف بأن نجاحات المغرب مهما كانت أهميتها، فإنها ستكون ذات جدوى محدودة إذا هي تحولت إلى فوارق بين المغرب ومحيطه وهو ما أقرته إحدى الدراسات الألمانية في السنوات الأخيرة، كما أن التحولات التي يعرفها العالم، وخاصة عودة لعبة المحاور بين الشرق الروسي الصيني والغرب الأمريكي الأوربي على خلفية الحرب على أوكرانيا، توضح الحاجة لتكتل إقليمي يمكن من استثمار أجواء الأزمة وتحويل التحديات التي الأزمة الحالية إلى فرص.
لقد أظهرت المواقف الجزائرية بعد تنصيب تبون رئيساً للبلاد خلفاً للراحل عبد العزيز بوتفليقة، شحنة عدائية متطرفة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، بل إن أطرافاً داخل الجزائر سعت في السنوات الأخيرة إلى جعل العداء للمغرب، ولكل ما يتصل بالمغرب، حالة ذهنية ونفسية عامة، ليس فقط لأن المغرب يحضر في مخيال النخبة الحاكمة في الجزائر كعدو مثالي، بل لأن التركيبة الحالية التي تحكم قبضتها على الحكم وهي امتداد للنظام ذاته منذ انقلاب هواري بومدين، تفتقد أي مشروع أو شعار يمكن أن تقدمه للشعب الجزائري في هذه المرحلة، يصلح أن يكون عامل تعبئة وإجماع وطني، لذلك نلاحظ كيف تصاعدت موجة الاتهامات للمغرب، حتى أن بعضها مثل التسبب في حرائق الغابات بمنطقة القبايل، تفتقد، ليس فقط إلى دليل، بل أدنى مستوى من الجدية ومن سلوك دولة.
غير أن المؤسف حقاً هو أن سعي النظام الجزائري إلى تشكيل حالة ذهنية عدائية بين الشعبين ونخب البلدين، أضحت نتائجها ظاهرة للعيان من خلال تتبع مواقع التواصل الاجتماعي في البلدين معاً، بحيث ارتفعت حدة العداء ارتفاعاً غير مسبوق، تجاوزت سقف ما كانت تعرفه العلاقات بين البلدين حتى في أوج الخلافات المغربية - الجزائرية التي بلغت حد المواجهة العسكرية، ويظهر ذلك جلياً في كل ما يرتبط بكرة القدم. ففي وقت كانت تسعد جماهير البلدين بالنتائج الإيجابية للبلد الثاني وتتأثر بالنتائج السلبية، أضحت الحالة العامة هي لغة التشفي، مع استثناءات تبقى الأمل الوحيد في الحد من الانزلاق إلى مستوى منحدر من العداء بين الشعبين الشقيقين، وهذا ما سعى الملك محمد السادس إلى التنبيه إليه وإلى خطورته في أكثر من خطاب خلال السنتين الأخيرتين في خطاب العرش. فليس هناك حل اليوم لتطور المنطقة في ظل تداعيات فيروس كورونا والحرب على أوكرانيا وشح الاستثمارات ومشاكل الأمن والطاقة وأزمة الغذاء وارتفاع معدلات التضخم، سوى التكتل بدل التفرقة، التعاون بدل الحرب، وذلك لإنعكاس العامل الجهوي والإقليمي على ما يحققه المغرب من تقدم على المستوى الداخلي، وفي ذلك يقول جلالة الملك "إن التزامنا بالنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لا يعادله إلا حرصنا المتواصل، على معالجة أولويات المغرب، على الصعيدين الجهوي والدولي".
النظام الجزائري باستثماره في خطاب العداء والحرب، وبمهاجمته الموقف الدولي اتجاه قضية الصحراء المغربية، أضحى عملياً في حالة الدولة المارقة التي يعرفها أنتوني ليك بأنها الدولة التي "تظهر عجزاً مزمناً في التفاعل البنّاء مع العالم الخارجي"، وقد أثبت النظام الحاكم في الجزائر، أنه يفتقد القدرة والنضج الكافيين للتفاعل البناء مع المجتمع الدولي، ولفهم حجم التحولات التي عرفتها العلاقات الدولية، وأهمية منطقة غرب شمال أفريقيا في حسابات القوى الدولية الوازنة، بل إن النظام الجزائري ظل سجين منطق الحرب الباردة، ومراهناً على استعادة شروطها بخصوص النزاع المفتعل في الصحراء المغربية. هذا الأمر يوضح درجة العجز الشخصي المرتبط بالقيادة الجزائرية التي تنتمي كجيل إلى زمن الحرب الباردة، لذلك فهي عاجزة عن امتلاك زاوية أخرى للنظر إلى العلاقات مع المغرب إلا وفق تركة هواري بومدين والسردية المشروخة عن دعم الشعوب في تقرير المصير، وأساساً العجز عن النظر إلى المستقبل.
لقد استطاعت الجزائر أن تفلت من الموجة الأولى لما سمي ب"الربيع العربي"، وهذه النتيجة لم تتحقق بفضل إصلاحات سياسية عميقة تمس جوهر البنية المغلقة للسلطة في الجزائر منذ إجهاض المسار الديمقراطي بداية التسعينات من القرن الماضي، بل فقط بقدرة النظام الحاكم على شراء السلم الإجتماعي بفائض الأموال التي تحصل عليها في فترة قياسية نتيجة الإرتفاع الكبير الذي عرفته أسعار النفط قبل إندلاع الثورات في المنطقة وهو ما يمكن أن يتكرر اليوم على خلفية أزمة الطاقة وارتفاع الطلب عليها بفضل تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، كما أن حكام المرادية نجحوا لسنوات في توظيف حالة الرهاب الجماعية التي تملكت الشعب الجزائري، نتيجة عشرية الدم التي دفع الشعب الجزائري ثمنها، حيث نجح النظام في الجزائر في تخويف الجزائريين من المغامرة بأمن البلاد.
بين ذلك التاريخ وانطلاق الحراك الاجتماعي، جرت مياه كثيرة تحت جسر النظام الجزائري، بل إن تلك المياه تحولت إلى سيول جرفت رئيس الدولة وكثيرا من القيادات التي كانت تمثل الدولة العميقة بتشعباتها المختلفة، صحيح لم يسقط النظام كما شاءت الجماهير التي كانت تنزل كل جمعة إلى شوارع العاصمة وكثير من المدن الجزائرية الأخرى، لكن مياها كثيرة جرت تحت الجسر، فهل يستطيع حكام الجزائر الحاليين استيعاب رسائل الملك محمد السادس؟
شكل الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، لحظة قدم فيها الملك محمد السادس رسالة عميقة للشعب والحكومة الجزائريين، فبلغة واضحة وشفافة تسير عكس تيار التجييش وزرع الفتنة والتمرد على قدر الجغرافية والتاريخ، أعاد الملك الدعوة إلى بناء صفحة جديدة في العلاقة بين المغرب والجزائر. هكذا عبر العاهل عن منظور استراتيجي يقر بأن الجغرافية والتاريخ لهما اعتبار وتأثير في مسار الشعوب والدول، وحيث أن قدر المغرب والجزائر أن يكونا جارين، فإن ذلك بمنطق العقل يفرض وجود تعاون وشراكة بين البلدين، ما تضمنه الخطاب الملكي أول أمس في موضوع العلاقات المغربية الجزائرية ليس جديدا، بل هو تأكيد لموقف مغربي رسمي ثابت يتجنب التصعيد ويسعى بكل قوة إلى بناء مرحلة جديدة وإنهاء التوتر، بحيث يظهر للجميع أنه في الوقت الذي يستثمر المغرب في بناء جسور للمستقبل، نجد في المقابل من لا يزال يحرض على القطيعة غير مكتف بالقطيعة الفعلية الممتدة على الأقل منذ ثلاثة عقود.
الملك محمد السادس يتصرف بمنطق الدولة في العلاقة مع الجزائر، وبذكاء استراتيجي يعرف بأن نجاحات المغرب مهما كانت أهميتها، فإنها ستكون ذات جدوى محدودة إذا هي تحولت إلى فوارق بين المغرب ومحيطه وهو ما أقرته إحدى الدراسات الألمانية في السنوات الأخيرة، كما أن التحولات التي يعرفها العالم، وخاصة عودة لعبة المحاور بين الشرق الروسي الصيني والغرب الأمريكي الأوربي على خلفية الحرب على أوكرانيا، توضح الحاجة لتكتل إقليمي يمكن من استثمار أجواء الأزمة وتحويل التحديات التي الأزمة الحالية إلى فرص.
لقد أظهرت المواقف الجزائرية بعد تنصيب تبون رئيساً للبلاد خلفاً للراحل عبد العزيز بوتفليقة، شحنة عدائية متطرفة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، بل إن أطرافاً داخل الجزائر سعت في السنوات الأخيرة إلى جعل العداء للمغرب، ولكل ما يتصل بالمغرب، حالة ذهنية ونفسية عامة، ليس فقط لأن المغرب يحضر في مخيال النخبة الحاكمة في الجزائر كعدو مثالي، بل لأن التركيبة الحالية التي تحكم قبضتها على الحكم وهي امتداد للنظام ذاته منذ انقلاب هواري بومدين، تفتقد أي مشروع أو شعار يمكن أن تقدمه للشعب الجزائري في هذه المرحلة، يصلح أن يكون عامل تعبئة وإجماع وطني، لذلك نلاحظ كيف تصاعدت موجة الاتهامات للمغرب، حتى أن بعضها مثل التسبب في حرائق الغابات بمنطقة القبايل، تفتقد، ليس فقط إلى دليل، بل أدنى مستوى من الجدية ومن سلوك دولة.
غير أن المؤسف حقاً هو أن سعي النظام الجزائري إلى تشكيل حالة ذهنية عدائية بين الشعبين ونخب البلدين، أضحت نتائجها ظاهرة للعيان من خلال تتبع مواقع التواصل الاجتماعي في البلدين معاً، بحيث ارتفعت حدة العداء ارتفاعاً غير مسبوق، تجاوزت سقف ما كانت تعرفه العلاقات بين البلدين حتى في أوج الخلافات المغربية - الجزائرية التي بلغت حد المواجهة العسكرية، ويظهر ذلك جلياً في كل ما يرتبط بكرة القدم. ففي وقت كانت تسعد جماهير البلدين بالنتائج الإيجابية للبلد الثاني وتتأثر بالنتائج السلبية، أضحت الحالة العامة هي لغة التشفي، مع استثناءات تبقى الأمل الوحيد في الحد من الانزلاق إلى مستوى منحدر من العداء بين الشعبين الشقيقين، وهذا ما سعى الملك محمد السادس إلى التنبيه إليه وإلى خطورته في أكثر من خطاب خلال السنتين الأخيرتين في خطاب العرش. فليس هناك حل اليوم لتطور المنطقة في ظل تداعيات فيروس كورونا والحرب على أوكرانيا وشح الاستثمارات ومشاكل الأمن والطاقة وأزمة الغذاء وارتفاع معدلات التضخم، سوى التكتل بدل التفرقة، التعاون بدل الحرب، وذلك لإنعكاس العامل الجهوي والإقليمي على ما يحققه المغرب من تقدم على المستوى الداخلي، وفي ذلك يقول جلالة الملك "إن التزامنا بالنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لا يعادله إلا حرصنا المتواصل، على معالجة أولويات المغرب، على الصعيدين الجهوي والدولي".
النظام الجزائري باستثماره في خطاب العداء والحرب، وبمهاجمته الموقف الدولي اتجاه قضية الصحراء المغربية، أضحى عملياً في حالة الدولة المارقة التي يعرفها أنتوني ليك بأنها الدولة التي "تظهر عجزاً مزمناً في التفاعل البنّاء مع العالم الخارجي"، وقد أثبت النظام الحاكم في الجزائر، أنه يفتقد القدرة والنضج الكافيين للتفاعل البناء مع المجتمع الدولي، ولفهم حجم التحولات التي عرفتها العلاقات الدولية، وأهمية منطقة غرب شمال أفريقيا في حسابات القوى الدولية الوازنة، بل إن النظام الجزائري ظل سجين منطق الحرب الباردة، ومراهناً على استعادة شروطها بخصوص النزاع المفتعل في الصحراء المغربية. هذا الأمر يوضح درجة العجز الشخصي المرتبط بالقيادة الجزائرية التي تنتمي كجيل إلى زمن الحرب الباردة، لذلك فهي عاجزة عن امتلاك زاوية أخرى للنظر إلى العلاقات مع المغرب إلا وفق تركة هواري بومدين والسردية المشروخة عن دعم الشعوب في تقرير المصير، وأساساً العجز عن النظر إلى المستقبل.
لقد استطاعت الجزائر أن تفلت من الموجة الأولى لما سمي ب"الربيع العربي"، وهذه النتيجة لم تتحقق بفضل إصلاحات سياسية عميقة تمس جوهر البنية المغلقة للسلطة في الجزائر منذ إجهاض المسار الديمقراطي بداية التسعينات من القرن الماضي، بل فقط بقدرة النظام الحاكم على شراء السلم الإجتماعي بفائض الأموال التي تحصل عليها في فترة قياسية نتيجة الإرتفاع الكبير الذي عرفته أسعار النفط قبل إندلاع الثورات في المنطقة وهو ما يمكن أن يتكرر اليوم على خلفية أزمة الطاقة وارتفاع الطلب عليها بفضل تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، كما أن حكام المرادية نجحوا لسنوات في توظيف حالة الرهاب الجماعية التي تملكت الشعب الجزائري، نتيجة عشرية الدم التي دفع الشعب الجزائري ثمنها، حيث نجح النظام في الجزائر في تخويف الجزائريين من المغامرة بأمن البلاد.
بين ذلك التاريخ وانطلاق الحراك الاجتماعي، جرت مياه كثيرة تحت جسر النظام الجزائري، بل إن تلك المياه تحولت إلى سيول جرفت رئيس الدولة وكثيرا من القيادات التي كانت تمثل الدولة العميقة بتشعباتها المختلفة، صحيح لم يسقط النظام كما شاءت الجماهير التي كانت تنزل كل جمعة إلى شوارع العاصمة وكثير من المدن الجزائرية الأخرى، لكن مياها كثيرة جرت تحت الجسر، فهل يستطيع حكام الجزائر الحاليين استيعاب رسائل الملك محمد السادس؟