العلم الإلكترونية - هشام الدرايدي
تبادل عبد الواحد أكمير أستاذ باحث في التاريخ وخبير في العلاقات الدولية أفكارا حول مفهوم "تحالف الحضارات" من خلال دردشة مع الباحث الإسباني "ماكسيمو كخال"، وبينما أثارت مفاهيم التلاقح والتحالف والحوار الحضاري نقاشًا، تفاجأ أكمير بذكر "ماكسيمو" للعالم ابن خلدون ودوره في هذا السياق، واهتمامه بالحضارات.
تبادل عبد الواحد أكمير أستاذ باحث في التاريخ وخبير في العلاقات الدولية أفكارا حول مفهوم "تحالف الحضارات" من خلال دردشة مع الباحث الإسباني "ماكسيمو كخال"، وبينما أثارت مفاهيم التلاقح والتحالف والحوار الحضاري نقاشًا، تفاجأ أكمير بذكر "ماكسيمو" للعالم ابن خلدون ودوره في هذا السياق، واهتمامه بالحضارات.
وحسب ما أدلى به أكمير، فإن ابن خلدون، يعتبر المؤسس الشهير لفلسفة التاريخ وعلم العمران، والذي يرتبط بمفاهيم السياسة والمجتمع، ولم يُعتبر العالم الأندلسي مهتما بمفهوم الحضارات، إلا أن "ماكسيمو" أشار إلى تضمين ابن خلدون لهذه المفاهيم في أعماله. وتحدث أكمير عن تفسير "ماكسيمو" لمصطلح "الدول" في نصوص ابن خلدون، حيث يُفسر عادة الدول بأنها تمثل الحضارة الأندلسية.
أكد "ماكسيمو" عند مناقشة دور الأندلس في مفهوم التحالف الحضاري، أن تجربة الأندلس كانت فريدة من نوعها وتعتبر أساسا مرجعيا لدراسة التحالف بين الحضارات، وبناء على ذلك، أوضح أكمير أهمية الأندلس كنموذج للتعايش الثقافي والديني، مستشهدا بأفكار "أميركو كاسترو" ودور ابن حزم في تاريخ الأدب الإسباني.
وباختصار، يرى "ماكسيمو" و"أكمير" أن الأندلس تمثل تجربة فريدة في التعايش الحضاري وتحالف الثقافات، مما يجعلها محوراً لأي دراسة حول هذا الموضوع..
وندرج المقال التحليلي كاملا على لسان الأستاذ أكمير:
منذ سنوات التقيتُ بأحد أوائل الذين استخدموا مفهوم "تحالف الحضارات" وهو الباحث الإسباني "ماكسيمو كخال"، وكانت لي معه مناقشة أريد أن أتقاسمها معكم. قلت له إنني أستغرب قليلاً لمفهوم "تحالف الحضارات"، لأن الحضارات تتلاقح ولكنها لا تتحالف، والتلاقح حتمي بينما التحالف إيرادي، وبالتالي ربما الأكثر تعبيراً عن واقع الأشياء هو الحوار وليس التحالف. رد قائلاً إن "تحالف الحضارات" هو مستوى أعلى من حوار الحضارات، لأن حوار الحضارات يعني التحاور مع إمكانية الاختلاف، أما التحالف فيعني بالضرورة الوجود في صف واحد رغم الانتماء إلى حضارات مختلفة.
إلى هنا كلامه منطقي، لكن الذي فاجأني هو قوله إن موضوع تحالف الحضارات لمَّح له ابن خلدون منذ قرون. أجبته أنني أعرف أن ابن خلدون هو مؤسس فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع، ولكن قضية الحضارات لم تكن في صلب اهتماماته.
ليؤكد لي العكس، جاءني "ماكسيمو كخال" بنص لابن خلدون يقول: "يحتاج صاحب هذا الفن (فن التاريخ)، إلى العلم بقواعد السياسة، وطبائع الموجودات، واختلاف الأمم، والبقاع، والأعصار (العصور)، والسير، والأخلاق، والعوائد، والنحل، والمذاهب، وسائر الأحوال، والإحاطة بالحاضر من ذلك، ومماثلة ما بينه وبين الغائب من الوفاق، أو ما بينهما من الخلاف، وتعليل المتفق منهما والمختلف، والقيام على أصول الدول والملل ومبادئ ظهورها، وأسباب حدوثها ودواعي كونها، وأحوال القائمين بها وأخبارهم".
بادرته بالقول إنني بعدما اطلعت على النص، لم أعثر على أي ذكر لمفهوم الحضارات. رد علي بأن كلمة دول التي تظهر في النص، يَقصد بها ابن خلدون الحضارة، لأن ابن خلدون يستعمل مفهوم الدول أحياناً بدلالة سياسية وأحياناً بدلالة حضارية. عندما يربط ابن خلدون الدول بالأديان كما فعل في النص الذي نتحدث عنه، أو عندما يربط الدول بالعمران، فهو يقصد بها الحضارة. الحضارة بالنسبة لابن خلدون هي قمة العمران. فاجأتني مرة أخرى قدرة "ماكسيمو كخال" على الغوص في الفكر الخلدوني.
وبسبب معرفته المسبقة باهتماماتي الأندلسية، قال لي "ماكسيمو كخال"، لعلك تعرف أن ابن خلدون ميز بين الحضارة الأندلسية والحضارات الأخرى، واعتبر أن الحضارات تدخل مرحلة الأفول عندما تقع ارتجاجات في السياسة. أجبته بأن ابن خلدون عندما قال هذا، استثنى الأندلس لأنه رأى بأن الحضارة الأندلسية هي بناء مرصوص، يقوم على الموروث الروماني اللاتيني الذي كان يوجد في أرض إسبانيا قبل وصول الإسلام، وبما أن الأساس متين فإن الصرح متين، لذا لم تتأثر الحضارة الأندلسية بارتجاجات السياسية.
انتقل "ماكسيمو كخال" من ابن خلدون إلى ابن رشد وابن حزم، وبدأ يقرأ لي بعض النصوص التي وردت عندهما، غايته إيجاد خيط ناظم بين "تحالف الحضارات" وبين الفكر الأندلسي. بعد الانتهاء من القراءة قال لي، إن وصول الإسلام إلى الأندلس، مثَّل بداية التعددية الثقافية والدينية التي تعتبر من أسس "تحالف الحضارات"، وإن الأندلس استفادت كثيراً من تلك التعددية لأنها سمحت لها بتكوين هوية متنوعة ومتعددة الجذور، وإن هذا ما استخلصه هو من نصوص ابن رشد وابن حزم.
قلتُ له إذا كان لا بد من الحديث عن تحالف الحضارات لدى ابن رشد وابن حزم، فإنني أرى أن مساهمتهما في هذا الاتجاه، يجب البحث عنها بالنسبة لابن رشد في "الظاهرة الرشدية" التي أسست للعقلانية الأوروبية منذ القرن الرابع عشر. ويجب البحث عنها بالنسبة لابن حزم، في علم حوار الأديان، والذي يعد ابن حزم أحد أهم مؤسسيه كما نستخلص من مساجلاته مع أهل الديانات. كما يجب البحث عنها ـ ودائماً عند ابن حزم ـ ، في الأدب، لأن كتاب طوق الحمامة، هو المرجعية الأولى للأدب الإسباني ما بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر. وأضفت أن ذلك هو ما خلص إليه "أميركو كاسترو" أحد أبرز منظري الفكر التاريخي في القرن العشرين، وقد خصص "كاسترو" في كتابه الموسوعي عن التعايش بين الثقافات الثلاث في الأندلس، مائة صفحة لابن حزم.
رد علي "ماكسيمو كخال" منهياً الكلام، بأنه يعتبر التجربة الأندلسية هي الأساس المرجعي لأية أطروحة حول تحالف الحضارات، بكل بساطة لأنه لم يعثر على أي تجربة مشابهة في كل الحضارات التي عرفها العالم ما بين القرنين الثامن والخامس عشر.