Quantcast
2024 نونبر 6 - تم تعديله في [التاريخ]

المسيرة‭ ‬الخضراء.. أول‭ ‬حركة‭ ‬تحرير‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬البشري‭ ‬لم‭ ‬ترق‭ ‬فيها‭ ‬قطرة‭ ‬دم‭ ‬واحدة


العلم - سعيد الوزان

هي‭ ‬مناسبة‭ ‬لا‭ ‬كالمناسبات،‭ ‬وعيد‭ ‬لا‭ ‬كالأعياد،‭ ‬ومحطة‭ ‬تاريخية‭ ‬لا‭ ‬كالمحطات،‭ ‬يحتفل‭ ‬فيها‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬قاطبة‭ ‬بذكرى‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬الغالية‭ ‬المظفرة،‭ ‬الملحمة‭ ‬التي‭ ‬عدت‭ ‬بحق،‭ ‬معجزة‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬كيف‭ ‬لا،‭ ‬وهي‭ ‬درة‭ ‬الكفاح‭ ‬المغربي‭ ‬الفريدة‭ ‬في‭ ‬عقد‭ ‬سجل‭ ‬النضال‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقلال‭ ‬والوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬والترابية‭ ‬للمملكة‭.‬
 
فوسط‭ ‬أجواء‭ ‬من‭ ‬الفخر‭ ‬والحماس‭ ‬الوطني،‭ ‬والتجند‭ ‬والتعبئة‭ ‬الدائمة،‭ ‬وعلى‭ ‬وقع‭ ‬الانتصارات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الباهرة‭ ‬والمنجزات‭ ‬التنموية‭ ‬الضخمة،‭ ‬يحيي‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي،‭ ‬اليوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬6‭ ‬نونبر،‭ ‬الذكرى‭ ‬49‭ ‬للمسيرة‭ ‬الخضراء،‭ ‬التي‭ ‬تختزل‭ ‬في‭ ‬عمقها‭ ‬وأبعادها‭ ‬المتعددة‭ ‬روح‭ ‬العبقرية‭ ‬المغربية،‭ ‬متجسدة‭ ‬في‭ ‬استرجاع‭ ‬أرض‭ ‬مغتصبة،‭ ‬ليس‭ ‬بالحديد‭ ‬والنار،‭ ‬بل‭ ‬بسلاح‭ ‬الإيمان‭ ‬والتضحية‭ ‬والعرفان‭.‬
 
ولم‭ ‬تكن‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء،‭ ‬إلا‭ ‬تجليا‭ ‬من‭ ‬تجليات‭ ‬العبقرية‭ ‬الفذة‭ ‬التي‭ ‬ميزت‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني،‭ ‬مبدع‭ ‬فكرة‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬والمشرف‭ ‬على‭ ‬دقائقها‭ ‬وتفاصيلها‭ ‬منذ‭ ‬أول‭ ‬إعلان‭ ‬عنها،‭ ‬إلى‭ ‬غاية‭ ‬انطلاقها‭ ‬يوم‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬نونبر‭ ‬1975،‭ ‬راسمة‭ ‬أبهى‭ ‬وأجمل‭ ‬وأعظم‭ ‬معاني‭ ‬الوطنية‭ ‬الصادقة‭ ‬والتلاحم‭ ‬منقطع‭ ‬النظير‭ ‬بين‭ ‬العرش‭ ‬العلوي‭ ‬المجيد‭ ‬والشعب‭ ‬المغربي‭ ‬البطل‭.‬
 
ففي‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬اليوم،‭ ‬وقبل‭ ‬49‭ ‬سنة،‭ ‬انطلقت‭ ‬جماهير‭ ‬المتطوعين‭ ‬أفواجا‭ ‬أفواجا،‭ ‬ممثلين‭ ‬لكل‭ ‬شرائح‭ ‬وفئات‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي،‭ ‬ومن‭ ‬سائر‭ ‬أرجائه‭ ‬وربوعه،‭ ‬بقلوب‭ ‬خفاقة‭ ‬وأفئدة‭ ‬متشوقة‭ ‬لربط‭ ‬شمال‭ ‬المملكة‭ ‬بجنوبها‭ ‬بأسلوب‭ ‬حضاري‭ ‬متفرد،‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬استثنائية‭ ‬وقف‭ ‬لأجلها‭ ‬العالم‭ ‬مندهشا‭ ‬من‭ ‬الحكمة‭ ‬المغربية‭ ‬المشرقة،‭ ‬وهو‭ ‬يشاهد‭ ‬بأم‭ ‬عينيه‭ ‬إقدام‭ ‬المغاربة‭ ‬وشجاعتهم‭ ‬النادرة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحرير‭ ‬وطنهم،‭ ‬دون‭ ‬إراقة‭ ‬نقطة‭ ‬دم‭ ‬واحدة،‭ ‬ب350‭ ‬ألف‭ ‬متطوع‭ ‬ومتطوعة،‭ ‬حاملين‭ ‬المصحف‭ ‬الكريم‭ ‬،‭ ‬وصور‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬،‭ ‬ومدثرين‭ ‬بالراية‭ ‬المغربية‭ ‬الحمراء‭ ‬القانية‭ ‬المزينة‭ ‬بالنجمة‭ ‬الخضراء‭.‬
 
هي‭ ‬مناسبة‭ ‬مترعة‭ ‬بالمعاني‭ ‬والدروس‭ ‬والعبر،‭ ‬يستحضر‭ ‬فيها‭ ‬المغاربة‭ ‬صفحة‭ ‬ذهبية‭ ‬من‭ ‬تاريخهم‭ ‬البطولي‭ ‬الحافل،‭ ‬مخلدين‭ ‬ذكرى‭ ‬أولئك‭ ‬الأفذاذ‭ ‬الذين‭ ‬ضحوا‭ ‬بكل‭ ‬غال‭ ‬ونفيس‭ ‬لأجل‭ ‬وحدة‭ ‬وطنهم‭ ‬من‭ ‬أقصى‭ ‬شماله‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬جنوبه،‭ ‬غير‭ ‬هيابين‭ ‬ولا‭ ‬مترددين،‭ ‬جنودا‭ ‬مجندين‭ ‬بنظام‭ ‬وانتظام‭ ‬وراء‭ ‬إرادة‭ ‬ملك‭ ‬عظيم،‭ ‬الملك‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه،‭ ‬تخلدها‭ ‬الأجيال‭ ‬متعاقبة‭ ‬بوفاء‭ ‬وإخلاص‭ ‬دائما،‭ ‬وتجعل‭ ‬منها‭ ‬فنارا‭ ‬تسترشد‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬بناء‭ ‬صرح‭ ‬المغرب‭ ‬الحديث،‭ ‬تحت‭ ‬القيادة‭ ‬الحكيمة‭ ‬المتبصرة،‭ ‬لجلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬نصره‭ ‬الله‭ ‬وأيده‭. ‬
 
دروس‭ ‬المسيرة‭ ‬لا‭ ‬تكفيها‭ ‬الألواح‭ ‬ولا‭ ‬الأقلام،‭ ‬فهي‭ ‬عديدة‭ ‬متعددة،‭ ‬فريدة‭ ‬متفردة،‭ ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬وهي‭ ‬أول‭ ‬حركة‭ ‬تحرير‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬البشري‭ ‬لم‭ ‬ترق‭ ‬فيها‭ ‬قطرة‭ ‬دم‭ ‬واحدة،‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬خضراء،‭ ‬طافحة‭ ‬بمعاني‭ ‬البطولة‭ ‬والسؤدد‭ ‬والأمجاد،‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬أمامها‭ ‬المحتل‭ ‬سوى‭ ‬الرضوخ‭ ‬لإرادة‭ ‬الملك‭ ‬والشعب‭ ‬في‭ ‬استكمال‭ ‬وحدة‭ ‬البلاد،‭ ‬وإعلان‭ ‬انتهاء‭ ‬عهد‭ ‬الحجر‭ ‬والاستعمار‭ ‬في‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية،‭ ‬لتلحق‭ ‬بمثيلاتها‭ ‬من‭ ‬الأقاليم‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬الحرية‭ ‬والاستقلال،‭ ‬ولتدرك‭ ‬ركب‭ ‬الازدهار‭ ‬والتطور‭ ‬والنماء‭.‬
 
وكانت‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬رنت‭ ‬إليها‭ ‬القلوب‭ ‬والعيون‭ ‬والمشاعر،‭ ‬لحظة‭ ‬رفع‭ ‬راية‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬حاضرة‭ ‬العيون‭ ‬الزاهرة،‭ ‬يوم‭ ‬28‭ ‬فبراير‭ ‬1976،‭ ‬وسط‭ ‬زغاريد‭ ‬النساء‭ ‬وتكبيرات‭ ‬الرجال،‭ ‬كإيذان‭ ‬على‭ ‬فيصل‭ ‬بين‭ ‬زمنين،‭ ‬زمن‭ ‬الاستعمار‭ ‬والحجر‭ ‬الإسباني‭ ‬الغاشم،‭ ‬وزمن‭ ‬الحرية‭ ‬والاستقلال،‭ ‬ولتتواصل‭ ‬الانتصارات‭ ‬العظيمة‭ ‬باسترجاع‭ ‬إقليم‭ ‬وادي‭ ‬الذهب‭ ‬في‭ ‬14‭ ‬غشت ‭ ‬1979.
 
وبعد‭ ‬ما‭ ‬ينيف‭ ‬عن‭ ‬عقدين‭ ‬ونصف،‭ ‬ووفاء‭ ‬لروح‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬وسبيلها‭ ‬القويم،‭ ‬يواصل‭ ‬المغرب،‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المفدى،‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬معززا‭ ‬بإجماع‭ ‬الأمة‭ ‬المغربية‭ ‬الراسخ‭ ‬الأكيد،‭ ‬الثبات‭ ‬على‭ ‬نهج‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوقه‭ ‬الشرعية‭ ‬دون‭ ‬تفريط‭ ‬أو‭ ‬كلل،‭ ‬باستماتة‭ ‬وتضحية‭ ‬ونكران‭ ‬ذات،‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬مغربية‭ ‬صحرائه،‭ ‬وعن‭ ‬تمسكه‭ ‬بمبادرته‭ ‬الجادة‭ ‬ذات‭ ‬المصداقية،‭ ‬لإنهاء‭ ‬النزاع‭ ‬المصطنع‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬أمده‭ ‬جراء‭ ‬تعنت‭ ‬وعناد‭ ‬خصوم‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬والمناوئين‭ ‬لحقوق‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬أراضيه‭ ‬المسترجعة‭.‬
 
هذا‭ ‬الإيمان‭ ‬الراسخ،‭ ‬وهذه‭ ‬الجذوة‭ ‬المشتعلة،‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لهما‭ ‬أن‭ ‬يستمرا‭ ‬ويتوهجا‭ ‬أكثر،‭ ‬دون‭ ‬تلك‭ ‬القيم‭ ‬الرفيعة‭ ‬والمبادئ‭ ‬السامية‭ ‬التي‭ ‬زرعتها‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي،‭ ‬مضافة‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬حافل‭ ‬من‭ ‬البطولات‭ ‬والأمجاد،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬نموذجا‭ ‬ساميا‭ ‬تسترشد‭ ‬به‭ ‬الشعوب‭ ‬والأمم،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬نتائجه‭ ‬الواضحة‭ ‬الساطعة‭ ‬المنيرة،‭ ‬تلكم‭ ‬الثورة‭ ‬التنموية‭ ‬الرائدة‭ ‬المسترسلة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شبر‭ ‬من‭ ‬أقاليمنا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬والتي‭ ‬قادت‭ ‬هذه‭ ‬الربوع‭ ‬الغالية‭ ‬إلى‭ ‬تسجيل‭ ‬أدنى‭ ‬معدلات‭ ‬الفقر‭ ‬ومستويات‭ ‬الفوارق‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وأفضل‭ ‬النتائج‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإنجازات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والخدمات‭ ‬الصحية‭ ‬والسكن،‭ ‬وأعلى‭ ‬نسب‭ ‬نمو‭ ‬الناتج‭ ‬الداخلي‭ ‬الخام،‭ ‬وأفضل‭ ‬أداء‭ ‬لسوق‭ ‬الشغل،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬بشكل‭ ‬مطرد‭ ‬جاذبيتها‭ ‬الاقتصادية‭.‬

              

















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار