العلم الإلكترونية - محمد بشكار
لسْتُ بما يسْتحوِذ على ذهني حدَّ الهوس، كائناً كُروِياً رغم أنَّ الرأس التي تُنْتج أعظم الأفكار، كُروِيّة في شكلها الهَنْدسي، إلا أنَّني قرَّرْتُ منذ بَدْء المونديال حتَّى انسدال السِّتار، أنْ آخذ بنصيحة وليد الركراكي وأغيِّر العقْلية، مع الاحتراز كي لا أصير مُسطَّحاً أنا الذي يُؤمن أيضاً بِكُروية الأرض، ولَمْ يخِب ظني، فقد صنع هذا الرجل المَجْد باسْتِماتة أبطال المُنْتخب الوطني، وتكرَّر مع الفرحة نفْسُ الحُلم في رُقْعة امتدَّت في التاريخ والجغرافيا، وثمَّة مَنْ رأى أنَّه يَعْصر عِنباً ولَمْ ير الكأس، وهل تَحْتاج الرؤيا لتأويل وقد كَشَفتْ ثمالتَها فرحةُ الشُّعوب العربية، فلا نحْتاج أن نقرع كأساً بكأس بعْد أنْ تذوَّقْنا بتوالي الانتصارات حلاوة النَّخْب !
نَحْتاج فقط أن نتجاوز بتغيير العقْلية الكُرة لِيشْمَلَ كلَّ قِطاعات البلد، نحْتاج أنْ يتجاوزَ الحلمُ الكأسَ لِنرْبَح الثِّقة في أنْفُسنا، أنْ نقْضِي مع أشْبَاح الماضي الذين يقفون حائلاً بيننا وبين الغد، فرنسا وغيرها من الأذناب الاستعمارية التي تُعَرْقل السَّيْرَ الطّبيعي للمستقبل، أن لا ننْظُرَ إلى ظلِّنا وهو يتمدَّدُ على جسد الآخر في الأفق، أنْ نَبْذُرَ في الحلم كلَّ ما أُوتِينا من طاقة نظيفة، نَبْذُرَ في الحُلْم على طريقة النُّطْفة التي يكْسُوها اللحم، كلَّ الأعضاء، ليغدو بأيادٍ وشفتين ونواجِد وأرْجُل تلعب الكرة أو أيَّ شيء آخر تَجُود به الفكرة، المُهم أن ننهي مع زمن التَّحْقير والدُّونِية المُتَوارثِ أباً عن جد، والأهَم أن لا نُورِّثه كالأمراض المُتنقِّلة عبر الدم، أن نَحْرق كتب التاريخ التي تُعمِّقُ في الأنْفُس خِطاب الهاوية، لِتجْعَل أجيالنا تقفُ عند مناطق الضُّعْف دون تجاوُز، وكأنَّها تُكرِّسُ الأمس كأقْصى ما يمكن أن تبلُغَهُ امْتداداتُنا في الغد!
لستُ كائنا كُرويّاً، رُبَّما لأنني شاعر، ومن منَّا ليس بشاعرٍ مع فَرْق أنَّ الأغلبية تكْتفي بالورقة بيضاء، بينما قِلَّة هُمُ الشعراء الذين يفتضون عُذْرِيَّتها بأحْرُفٍ لم يَعُد يَقْرأُها أحد، ومع فَرْق أيْضاً أنَّ النَّوادي الشِّعْرية قفرٌ بكراسيها الفارغة، بينما الأنْدِية الرِّياضِيّة رائجة تُنتج مع الأموال كبار اللاعبين والأبطال، بَلْ إنَّ هذه الأندية غير الشِّعْرية التي لا تحتاج لوزْنٍ أو قافية، تجاوزتْ الملعب إلى الشّارع الذي فَقَد الثِّقة في البرْلَمانات والحُكومات وفي كل الألوان السِّياسية، لِتُصْبح الكُرة مَسْرحاً لإنتاج خطاب سياسي مُغايرٍ يَنْدلِع بفتيل الألْسُن كالشِّعار فِي الهشيم، ومن يتذكَّر أقوال نيتشه أو غرامشي أو ماركس أو الجابري، بعد أن سمع مِنْ مُدرِّبٍ في ذِرْوة الحماسة التي أجَّجها المونديال في العروق، عِبارات بسيطة مثل (تغيير العقلية)، (النِّية)، (جْئْنا لنُقاتِل)، يَا للمفاهيم الجديدة لفلسفة كرة القدم، ويا لَعناوينها البارزة في الصَّفحات الأولى لأكبر الصُّحف العالمية، مَنْ يدْرِي لعلَّ الكُرة وهي مُجرَّد مُجلَّدٍ من هواء غيْر مَطْبُوع، تَنْجح فِي تَنْزِيل نَقْد العقل العربي على أرض الواقع، ولَقَدْ رَأيْنا شيْئاً مَهِيباً مِنْ عوْدة هذا الوعي، رأيْنَا كيْف انْدَثَرت الحُدود بين الشُّعوب العربية وهي تُشجِّع بلدا واحداً كأنَّهُ بلدها هو المغرب، كيف لَمْ تُفارِقْهُ رغْم ذلك المُفترق حيثُ تعثر الحظ، فهلْ تُجمِّعُنا يوما ما الطُّرق!
لستُ كائناً كُروِيّاً، ولا أحْتمِل جُمْهوراً يُفْرِغُ كل ما بجوفه من غضب أوْ فرحٍ في بُوق يُخرِّبٌ طبْلة أذْني، كما أنِّي لا أخْتزِن في رئتيَّ ما يَكْفي من الأنفاس لأغُوص في الموج الهادر لِلحَشْد البشري، ولَكنَّني أسْرعُ من ساعي البريد في استقبال الرسائل غير المُشفَّرة للكرة، قالتْ مثلاً إنَّ اللعب الحقيقي لم يَكُن على الملعب إنَّما بين السَّاسة بِتبادُل الأوراق تحت الطَّاوِلة، قالت إنَّ الفيفا تُفضِّل الكأس طريحةَ الصليب ولا يجب أن تُيمِّم شَطْرَ القِبْلَة مع سجْدةِ اللاعبين، والأدْهى أنَّ الكرة أدهى من أحابيل السياسة الماكرة، أوَ لَمْ تَرَ كيْف بِجرَّة قَدمٍ قدْ فَسَختْ كُلَّ اتِّفاقيات التَّطْبيع مع إسرائيل حين ارْتَفع عاليا عَلَمُ فلسطين، حقّاً إنَّ الكرة بما اجْتَرَحَتْهُ من أفاعيل تَسْتحِقُّ قصِيدةً بأجْمَلِ التفاعيل، ومَنْ منَّا ليس شَاعراً أمَام إغراءِ كلِّ الاستدارات إمَّا غَزلَاً في المرأة أو الكَوْن، أوَ ليْست الكُرة تَجْري على هيْئة القَمر والشَّمْس وتَسبحُ مع الأفْلاك فِي المَجرَّة !
لسْتُ بما يسْتحوِذ على ذهني حدَّ الهوس، كائناً كُروِياً رغم أنَّ الرأس التي تُنْتج أعظم الأفكار، كُروِيّة في شكلها الهَنْدسي، إلا أنَّني قرَّرْتُ منذ بَدْء المونديال حتَّى انسدال السِّتار، أنْ آخذ بنصيحة وليد الركراكي وأغيِّر العقْلية، مع الاحتراز كي لا أصير مُسطَّحاً أنا الذي يُؤمن أيضاً بِكُروية الأرض، ولَمْ يخِب ظني، فقد صنع هذا الرجل المَجْد باسْتِماتة أبطال المُنْتخب الوطني، وتكرَّر مع الفرحة نفْسُ الحُلم في رُقْعة امتدَّت في التاريخ والجغرافيا، وثمَّة مَنْ رأى أنَّه يَعْصر عِنباً ولَمْ ير الكأس، وهل تَحْتاج الرؤيا لتأويل وقد كَشَفتْ ثمالتَها فرحةُ الشُّعوب العربية، فلا نحْتاج أن نقرع كأساً بكأس بعْد أنْ تذوَّقْنا بتوالي الانتصارات حلاوة النَّخْب !
نَحْتاج فقط أن نتجاوز بتغيير العقْلية الكُرة لِيشْمَلَ كلَّ قِطاعات البلد، نحْتاج أنْ يتجاوزَ الحلمُ الكأسَ لِنرْبَح الثِّقة في أنْفُسنا، أنْ نقْضِي مع أشْبَاح الماضي الذين يقفون حائلاً بيننا وبين الغد، فرنسا وغيرها من الأذناب الاستعمارية التي تُعَرْقل السَّيْرَ الطّبيعي للمستقبل، أن لا ننْظُرَ إلى ظلِّنا وهو يتمدَّدُ على جسد الآخر في الأفق، أنْ نَبْذُرَ في الحلم كلَّ ما أُوتِينا من طاقة نظيفة، نَبْذُرَ في الحُلْم على طريقة النُّطْفة التي يكْسُوها اللحم، كلَّ الأعضاء، ليغدو بأيادٍ وشفتين ونواجِد وأرْجُل تلعب الكرة أو أيَّ شيء آخر تَجُود به الفكرة، المُهم أن ننهي مع زمن التَّحْقير والدُّونِية المُتَوارثِ أباً عن جد، والأهَم أن لا نُورِّثه كالأمراض المُتنقِّلة عبر الدم، أن نَحْرق كتب التاريخ التي تُعمِّقُ في الأنْفُس خِطاب الهاوية، لِتجْعَل أجيالنا تقفُ عند مناطق الضُّعْف دون تجاوُز، وكأنَّها تُكرِّسُ الأمس كأقْصى ما يمكن أن تبلُغَهُ امْتداداتُنا في الغد!
لستُ كائنا كُرويّاً، رُبَّما لأنني شاعر، ومن منَّا ليس بشاعرٍ مع فَرْق أنَّ الأغلبية تكْتفي بالورقة بيضاء، بينما قِلَّة هُمُ الشعراء الذين يفتضون عُذْرِيَّتها بأحْرُفٍ لم يَعُد يَقْرأُها أحد، ومع فَرْق أيْضاً أنَّ النَّوادي الشِّعْرية قفرٌ بكراسيها الفارغة، بينما الأنْدِية الرِّياضِيّة رائجة تُنتج مع الأموال كبار اللاعبين والأبطال، بَلْ إنَّ هذه الأندية غير الشِّعْرية التي لا تحتاج لوزْنٍ أو قافية، تجاوزتْ الملعب إلى الشّارع الذي فَقَد الثِّقة في البرْلَمانات والحُكومات وفي كل الألوان السِّياسية، لِتُصْبح الكُرة مَسْرحاً لإنتاج خطاب سياسي مُغايرٍ يَنْدلِع بفتيل الألْسُن كالشِّعار فِي الهشيم، ومن يتذكَّر أقوال نيتشه أو غرامشي أو ماركس أو الجابري، بعد أن سمع مِنْ مُدرِّبٍ في ذِرْوة الحماسة التي أجَّجها المونديال في العروق، عِبارات بسيطة مثل (تغيير العقلية)، (النِّية)، (جْئْنا لنُقاتِل)، يَا للمفاهيم الجديدة لفلسفة كرة القدم، ويا لَعناوينها البارزة في الصَّفحات الأولى لأكبر الصُّحف العالمية، مَنْ يدْرِي لعلَّ الكُرة وهي مُجرَّد مُجلَّدٍ من هواء غيْر مَطْبُوع، تَنْجح فِي تَنْزِيل نَقْد العقل العربي على أرض الواقع، ولَقَدْ رَأيْنا شيْئاً مَهِيباً مِنْ عوْدة هذا الوعي، رأيْنَا كيْف انْدَثَرت الحُدود بين الشُّعوب العربية وهي تُشجِّع بلدا واحداً كأنَّهُ بلدها هو المغرب، كيف لَمْ تُفارِقْهُ رغْم ذلك المُفترق حيثُ تعثر الحظ، فهلْ تُجمِّعُنا يوما ما الطُّرق!
لستُ كائناً كُروِيّاً، ولا أحْتمِل جُمْهوراً يُفْرِغُ كل ما بجوفه من غضب أوْ فرحٍ في بُوق يُخرِّبٌ طبْلة أذْني، كما أنِّي لا أخْتزِن في رئتيَّ ما يَكْفي من الأنفاس لأغُوص في الموج الهادر لِلحَشْد البشري، ولَكنَّني أسْرعُ من ساعي البريد في استقبال الرسائل غير المُشفَّرة للكرة، قالتْ مثلاً إنَّ اللعب الحقيقي لم يَكُن على الملعب إنَّما بين السَّاسة بِتبادُل الأوراق تحت الطَّاوِلة، قالت إنَّ الفيفا تُفضِّل الكأس طريحةَ الصليب ولا يجب أن تُيمِّم شَطْرَ القِبْلَة مع سجْدةِ اللاعبين، والأدْهى أنَّ الكرة أدهى من أحابيل السياسة الماكرة، أوَ لَمْ تَرَ كيْف بِجرَّة قَدمٍ قدْ فَسَختْ كُلَّ اتِّفاقيات التَّطْبيع مع إسرائيل حين ارْتَفع عاليا عَلَمُ فلسطين، حقّاً إنَّ الكرة بما اجْتَرَحَتْهُ من أفاعيل تَسْتحِقُّ قصِيدةً بأجْمَلِ التفاعيل، ومَنْ منَّا ليس شَاعراً أمَام إغراءِ كلِّ الاستدارات إمَّا غَزلَاً في المرأة أو الكَوْن، أوَ ليْست الكُرة تَجْري على هيْئة القَمر والشَّمْس وتَسبحُ مع الأفْلاك فِي المَجرَّة !