Quantcast
2022 أكتوبر 7 - تم تعديله في [التاريخ]

العالم في مرحلة مخاض غير مسبوقة


العلم الإلكترونية - بقلم عبد الله البقالي

لا مجال للشك في أن التطورات المتسارعة المتعلقة بالحرب الروسية الأوكرانية تزيد المشهد غموضا، إذ بالقدر الذي تتم فيه المراهنة على عامل الزمن من أجل فك خيوط هذه الحرب البالغة التشابك، فإنه بالقدر نفسه، أو أكثر، تتجه هذه التطورات إلى مزيد من التعقيد. وكل ما يمكن للخبراء والمختصين استنتاجه إلى حدود هذه اللحظة، أن هذه الحرب لا تزال مصرة على أن تعمر زمنا آخر يستحيل التكهن بمداه. وهذا ربما عكس ما توقعته أطراف هذه الحرب نفسها. إذ لا شك أن موسكو كانت تراهن على الحسم في مصيرها خلال أمد جد منظور، واعتقدت أنها اختارت التوقيت المناسب جدا لإشعال فتيل الحرب للتخلص من الحصى التي وضعها الغرب في حذائها، وكان شديد الألم عليها و راهنت على أن دخول كييف و إسقاط نظامها السياسي مسألة وقت فقط . بيد أن الطرف الآخر، الذي ليس هو بكل تأكيد أوكرانيا، قدر أن محاصرة موسكو وإضعافها اقتصاديا وإنهاكها عسكريا وإجبارها على الاستسلام خلال مدى منظور، رهان يمكن كسبه في ضوء التطورات الكثيرة المتسارعة. إلى أن تبين اليوم أن حسابات هذه الأطراف لم تكن دقيقة، و أنها وجدت نفسها في ورطة حقيقية يصعب التخلص منها في الوقت الحاضر أو القريب جدا .

ثمة حقائق كثيرة أفرزتها تطورات هذه المواجهة المسلحة التي تدور على أطراف القارة الأوروبية .

فدول القارة العجوز بدت اليوم أنها ليست بتلك القوة التي سوقت لها طوال عقود من الزمن، فقد تبين أنها عاجزة حتى عن تحقيق أمنها الطاقي واكتفائها الغذائي خلال ظروف الشدة، و أن جزءا هاما من مكونات هذا الأمن الطاقي والغذائي كان يأتيها من الجهة التي لم تخف عداءها يوما عنها . وها هي اليوم في حالة قلق كبير وبليغ إزاء ما ينتظرها خلال الشهور القليلة المقبلة، وها هي اليوم تواجه غضبا متناميا من كثير من الشعوب الأوروبية التي تدفع من جيبها تكلفة غالية جدا لهذه الحرب الشرسة، وها هي اليوم تفتقد إلى قوة التأثير في تطورات الأوضاع العالمية المتسارعة، و بذلك بدت غير مؤثرة وتنتظر ما تقرره قوى عالمية كبرى أخرى. ولعل هذا ما يفسر تنامي بعض الأصوات المعبر عنها من جهات أوروبية رسمية المطالبة بالبحث عن مخرج لهذه الورطة الكبيرة .

والأكيد أن تكلفة الولايات المتحدة الأمريكية كانت أقل بكثير مما تحملته مجمل الدول الأوروبية، فهي لا تعيش حالة قلق و رعب إزاء العجز الطاقي بالنظر إلى حجم احتياطاتها الهائلة من المواد الطاقية، و أن عملتها الرئيسية لم تعرف فترة تعافي مهمة كما هي عليه اليوم، حيث قفز سعر الدولار في الأسواق المالية العالمية إلى مستويات قياسية تجاوز بها سعر العملة الأوروبية الموحدة .ثم إنها قبضت بزمام المبادرة والتحكم في سير التطورات المرتبطة بالأوضاع العالمية السائدة، وخلفت دول الاتحاد الأوروبي وراءها إلى مجرد تابعة وموالية تنتظر ما يتقرر في البيت الابيض الأمريكي .

وأيضا وجدت جمهورية الصين نفسها في وضعية لم تكن تتوقعها، حيث كانت القوى الغربية تلاحقها في كل كبيرة وصغيرة، خصوصا ما يتعلق بكل ما هو اقتصادي و تجاري، وحاليا فإن خصوم الأمس منشغلون في حرب ضروس، يضربون ألف حساب لتجنب قيام تحالف قوي ومتين بين روسيا والصين، لأن من شأن هذا التحالف أن يفسد جميع الحسابات . فهي على الأقل أجلت مواجهتها للمد الاقتصادي الصيني في العالم إلى حين. وتدرك بيكين أنه من الضروري القيام ببعض المناوشات التي من شأنها تكريس هذا الوضع إلى حين . وهذا ما يتأكد على الأقل في مشاركة الصين بقوة وحماس في القمة الثانية والعشرين لمنظمة (شانغاي) التي احتضنتها مدينة سمرقند عاصمة أوزباكستان قبل أيام قليلة من اليوم، وهي القمة التي انتهز فرصة انعقادها الرئيس بوتين لحشد مزيد من الأنصار المؤيدين لإحداث مراجعات عميقة في النظام العالمي الأحادي القطب، بما يتيح قيام نظام عالمي جديد متعدد الأطراف تفقد فيه الولايات المتحدة الأمريكية القوة على الهيمنة والتحكم. وهو نفس المسعى الذي تبتغيه بكين حيث كشف الرئيس الصيني عن ذلك بكل وضوح حينما صرح بأن "الصين ترغب ببذل جهود مع روسيا للقيام بدور القوى العظمى، ولعب دور توجيهي لبث الاستقرار والطاقة الإيجابية في عالم تهزه اضطرابات اجتماعية. "

مجمل التطورات المستجدة لا تكشف عن حقيقة ما يجري فوق الميدان، لأن كل طرف من أطراف هذه المواجهة يحرص على أن يظهر في حالة انتصار، والأكيد أن حقيقة التطورات ليست لدى وسائل الإعلام التي يروج كثير منها لأخبار مدروسة ومخدومة، في إطار الحرب الإعلامية التي لا تقل شراسة وخطورة عن الحرب العسكرية المباشرة، إن لم تكن تتجاوزها من حيث قوة التأثير عن المعنويات وعن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل الحقيقة موجودة فقط في الواقع الميداني الذي تخفيه محاولات و جهود التعتيم والتضليل .

لذلك كله وغيره كثير، فإن ما هو مؤكد حاليا، أن الحرب الدائرة رحاها حاليا بين القوى العظمى العالمية تتجاوز خطورتها المتوقعة في البداية، وأنها شرعت الأبواب أمام تطورات لا يملك أحد إدراك حجمها وتداعياتها على الأوضاع في العالم. فكل طرف يخرج ورقة جديدة كلما رأى وقدر ذلك مناسبا (إعلان حالة النفير الجزئي من طرف موسكو)، وتصعب عملية توقع مسار هذه المنهجية .

ولذلك لن تجد هذه الحرب الخطيرة نهايتها إلا حينما تقتنع جميع الأطراف باستحالة كسب رهانها، وأن تسويتها المؤقتة، على الأقل لن تكون لفائدة طرف على حساب الطرف الآخر، بل يمكن المراهنة على اقتناع هذه الأطراف باستحالة تحقيق ذلك وتلجأ مضطرة إلى الحوار والمفاوضات.

              



في نفس الركن
< >

الاثنين 18 نونبر 2024 - 12:06 تزامن بدلالات وخلفيات ورسائل
















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار