اللقاء يأتي تنزيلا للمبادرة التي أسبق أن أعلن عنها سنة 2018
الدكتور نزار بركة يترأس الندوة الوطنية حول "أحداث الريف لسنتي 1958 و1959 قراءة في الذاكرة: رؤى متقاطعة وشهادات"
الحسيمة ومنطقة الريف عموما تحظى بتمييز إيجابي مهم وبعناية خاصة من قبل جلالة الملك محمد السادس
اللقاء مناسبة للمكاشفة الحقيقية مع الذات والنقد الذاتي بل والاعتذار لساكنة الريف إن تبثث الادعاءات والمزاعم
حزب الاستقلال يسعى إلى الطي النهائي لهذه الحقبة أحداث الريف لسنتي 1958 و1959 المثيرة للجدل من التاريخ المشترك بعيدا عن الأحكام الجاهزة
مسلسل جبر الضرر الجماعي في المنطقة لم يكتمل ولم يحقق الأثر الاستدراكي والتنموي والرمزي المنتظر منه
ضرورة حفظ وتثمين ذاكرة المنطقة وخصوصيتها في إطار الهوية الوطنية الموحدة والمتميزة بتنوع مكوناتها
تحمل المسؤولية يُلزم تحصين الحاضر والمستقبل من انتهاكات الماضي وحتى لا يتم تكرار ما وقع
شدد الأمين العام لحزب الاستقلال، خلال ترأسه لأشغال الندوة الوطنية حول "أحداث الريف لسنتي 1958 و 1959 قراءة في الذاكرة: رؤى متقاطعة وشهادات" يوم السبت 27 مارس 2021، بالمركز العام لحزب الاستقلال، على الحاجة الماسة اليوم لاستكمال مسلسل جبر الضرر الجماعي في المنطقة بشِقَّيْهِ التنموي والرمزي والثقافي كذلك، و إقرار واجب الذاكرة الذي يقوم على فضيلة الاعتراف والمكاشفة والنقد الذاتي وتحمل المسؤولية، إن توفرت موجباتها، يُلزم الجميع بالعمل يدا في يد، في إطار قواعد القانون والمؤسسات، لتحصين الحاضر والمستقبل من انتهاكات الماضي، وحتى لا يتم تكرار ما وقع.
وتندرج الندوة في صلب المهمة المنوطة باللجنة الموضوعاتية التي تم تشكيلها من قبل اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال للانكباب على الأحداث التي واكبة تلك الحقبة من تاريخ المغرب بالتحري و البحث و الرجوع إلى الأرشيفات العامة والخاصة، وما كتب في حينه من تقارير رسمية أو إعلامية، والاستماع إلى شهادات من عايشوا المرحلة لتدقيق ما يهم مسؤولية حزب الاستقلال، وشحذ النظر العلمي والدرس الأكاديمي في سيرورة قراءة وطي هذه الصفحة المؤلمة من ترايخ البلاد، والتي مازالت تحجب عن البعض النظر إلى المستقبل بأمل.
وقد انصبت أعمال الندوة، ومداخلاتها على المحاور التالية، وهي دور الحركة الوطنية في مواجهة الاحتلال الأجنبي، و أحداث الريف لسنتي 1958-1959، رؤى متقاطعة، وحدود وأدوار الفاعل السياسي في الريف خلال ذات الفترة الزمنية، وتداعيات أحداث الريف و المصالحة غير المكتملة، وحزب الاستقلال وأحداث الريف.
وتضمن هذا اللقاء جلسة أولى ترأسها الأستاذ شيبة ماء العينين رئيس المجلس الوطني لحزب الاستقلال، وأطرها الاستاذين ميمون أزيزا أستاذ بكلية الأدب بمكناس المتخصص في تاريخ المغرب المعاصر، و الأستاذ بنعمر راشد أستاذ بكلية مكناس المتخصص في تاريخ المغرب المعاصر،أما الجلسة الثانية فترأسها الأستاذ نور الدين مضيان رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، وأطرها الأستاذ محمد معروف الدفلي أستاذ التاريخ المعاصر و الراهن بجامعة الحسن الثاني بعين الشق ورئيس جمعية الذاكرة و التاريخ بنفس الكلية، والأستاذ المصطفى بوعزيز المؤرخ و الباحث، فيما ترأس الجلسة الثالثة الأستاذ عبد الجبار الرشيدي عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال وعضو اللجنة المكلفة برصيد ذاكرة الحزب و المصالحة، وأطرها الأستاذ سعيد بنسعيد العلوي العميد السابق لكلية الآداب بالرباط، والأستاذ عبد الصمد الزاكي أستاذ باحث بكلية الآداب بالقنيطرة.
العلم- بدر بن علاش- تصوير حسني
أكد الدكتور نزار بركة أن تنظيم هذا اللقاء ذي الصبغة الأكاديمية، يأتي تنزيلا للمبادرة التي أسبق أن أعلن عنها سنة 2018 خلال زيارة مدينة الحسيمة، والتي تقضي بفتح ورش المصالحة الحزبية مع منطقة الريف من أجل كشف حقيقة المزاعم التي تُحمِّل الحزب مسؤولية ما جرى خلال أحداث 1958 و1959،والقيام بالمكاشفة الحقيقية مع الذات والنقذ الذاتي بل والاعتذار للساكنة إن تبثث تلك الإدعاءات والمزاعم.
وأضاف الأمين العام لحزب الاستقلال أن زيارته المذكورة لمدينة الحسيمة بمعية بعض أعضاء اللجنة التنفيذية كانت تفعيلا لاستراتيجية الحزب الجديدة، خاصة ما تعلق منها بالمصالحة في أبعادها الكبرى، وإعمالا لتواصل القرب وفضيلة الإنصات المباشر لهموم وانشغالات المواطنات والمواطنين، كما تمليه المسؤولية الوطنية والالتزام الحزبي. ومناسبة للتواصل المباشر مع المناضلات والمناضلين وساكنة المنطقة، في خضم ما عرفته المدينة من احتجاجات واحتقان اجتماعي، وعلى إثر صدور أحكام قضائية ثقيلة على خلفية الأحداث التي عرفتها المدينة.
وخلال هذه الزيارة، يستطرد الأستاذ بركة، تم التأكيد على أن منطقة الحسيمة، ومنطقة الريف عموما تحظى بتمييز إيجابي مهم وبعناية خاصة من قبل جلالة الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش، وحظيت بتضامن وطني غير مسبوق بعد زلزال الحسيمة، بلغ أوجَهُ حين أقام جلالة الملك في خيمة وسط الساكنة المتضررة، وأشرف شخصيا على عمليات الإسعاف والإنقاذ ودعم الأسر، هذه العناية جعلت الحسيمة ومنطقة الريف في مقدمة المناطق التي شملها مسلسل الإنصاف والمصالحة، بالاضافة إلى إطلاق الدولة للعديد من المشاريع والأوراش الكبرى من قبيل البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية والخدمات الاجتماعية.
حزب الاستقلال يسعى إلى رصد موضوعي لملابسات أحداث الريف
وأشار الأمين العام إلى أنه وبغية تدارك الخصاص المتراكم من سنوات التهميش والإقصاء التي عاشتها هذه الربوع طيلة عقود، كان من المؤشرات الكبرى التي عكست التمييز الإيجابي الذي تحظى به الحسيمة في ظل العهد الجديد وبعناية جلالة الملك والدولة بالمنطقة ككل، هو مخطط "منارة المتوسط" الطموح الذي يمكن إدراجه، وينبغي إدراكُه وتمثلُه، في إطار روح وفلسفة المصالحة وجبر الضرر الجماعي بالمنطقة، وفي هذا الصدد، أبان حزب الاستقلال عن استعداده لفتح ورش المصالحة الحزبية مع المنطقة، من أجل كشف حقيقة الادعاءات والمزاعم التي تحمل حزب الاستقلال مسؤولية ما جرى خلال أحداث 58 و59 الأليمة، والقيام بالمكاشفة الضرورية مع الذات، والنقد الذاتي الراسخ في الأدبيات الاستقلالية، وتصحيح العديد من المغالطات والافتراءات التي تم إلصاقها بحزب الاستقلال، والقيام، كذلك، ولِمَ لا بالاعتذار لساكنة المنطقة إن ثبتت تلك المزاعم والادعاءات.
في سياق هذا المنظور للذاكرة والتاريخ، أوضح الدكتور بركة، أن حزب الاستقلال يسعى إلى رصد موضوعي لملابسات أحداث الريف خلال تلك الحقبة، من أجل إعادة قراءتها مجددا وإدراجها ضمن التملك الجماعي لهذا الماضي في أفق الطي النهائي لهذه الحقبة المثيرة للجدل من التاريخ المشترك، بعيدا عن الأحكام الجاهزة التي يتم الترويج لها من طرف البعض.
وتفعيلا لهذه المبادرة، أوضح الأمين العام، قرر حزب الاستقلال على مستوى اللجنة التنفيذية للحزب ( بتاريخ 9 يوليوز 2018) تشكيل لجنة يرأسها الأخ شيبة ماء العينين، رئيس المجلس الوطني للحزب، وعضو اللجنة التنفيذية المسؤول عن رصيد وذاكرة الحزب والمصالحة، يكون من مهامها استجماع المعطيات التاريخية المرتبطة بهذه الأحداث ، وبالفعل باشرت اللجنة منذ تشكيلها أجرأة مبادرة الحزب من خلال عقد لقاءات مع بعض الشخصيات الوطنية ذات الصلة، والتي عايشت المرحلة، كان من بينها المناضل المقاوم الأستاذ محمد بن سعيد آيت إيدر (الخميس 27 يونيو 2019) والمرحوم الأستاذ الباحث والمؤرخ الدكتور زكي مبارك والوطني الغيور المرحوم الأستاذ محمد المعزوزي، ومع الأستاذ ادريس اليزمي الرئيس آنذاك للمجلس الوطني لحقوق الإنسان (الثلاثاء 17 يوليوز 2018) بالإضافة إلى إطلاع اللجنة على وثائق وملفات تتعلق بالمرحلة في بعض الأرشيفات العامة والخاصة.
"الصحوة الذاكراتية" ظلت سجينة مقاربة وجدانية أو إيديولوجية
وأبرز الدكتور نزار بركة ان إنجاز هذه المهمة لن يكون بالشيء الهَيِّنِ واليسير، لأن هيئة الإنصاف والمصالحة نفسَها اعترفت في تقريرها الختامي بأنها لم تستطع الإحاطة بكل مجريات وملابسات هذه الوقائع، وظلت العديد من البياضات والتساؤلات بدون أجوبةٍ حولها.
مضيفا أن مسلسل جبر الضرر الجماعي في المنطقة لم يكتمل، ولم يحقق الأثر الاستدراكي والتنموي والرمزي المنتظر منه، وأن المشاريع التي تمت برمجتها لهذه الغاية كانت محدودة ولم تنجح خاصة في جانبها التنموي، عِلْمًا بأن هذا المسلسل وجد من حزب الاستقلال كل الدعم عندما كان في قيادة الحكومة مع الأستاذ عباس الفاسي، لكن الأمور تعثرت بعد ذلك ولم تكتمل، وبالتالي فإن "الصحوة الذاكراتية" التي انطلقت منذ نهاية التسعينيات، في إطار مسلسل المصالحة وطي صفحة انتهاكات سنوات الماضي، ظلت سجينة مقاربة وجدانية أو إيديولوجية، سواء كانت فردية أو جماعية، ولم تصل إلى عتبة البحث التاريخي وما يقتضيه من مقاربة علمية، ومسافة منهجية، واستقصاء موضوعي، وتمحيص نقدي للرصيد الوثائقي وللمادة التاريخية.
وذكر الأمين العام ،بالحاجة الماسة اليوم لاستكمال مسلسل جبر الضرر الجماعي في المنطقة بشِقَّيْهِ التنموي والرمزي والثقافي كذلك، و إقرار واجب الذاكرة الذي يقوم على فضيلة الاعتراف والمكاشفة والنقد الذاتي وتحمل المسؤولية، إن توفرت موجباتها، يُلزم الجميع بالعمل يدا في يد، في إطار قواعد القانون والمؤسسات، لتحصين الحاضر والمستقبل من انتهاكات الماضي، وحتى لا يتم تكرار ما وقع.
مواصلة تعميق البحث التاريخي لمعرفة الحقيقة بكل جرأة ومسؤولية
وفي هذا الإطار، شدد الأمين العام على ضرورة الاشتغال على الجانب الرمزي والثقافي في حفظ وتثمين ذاكرة المنطقة وخصوصيتها، في إطار الهوية الوطنية الموحدة والمتميزة بتنوع مكوناتها، مذكرا هنا بأن حزب الاستقلال ظل دائما يحيي ذكرى معركة أنوال، وتخليد المواقف المشتركة في المنفى بين الزعيمين علال الفاسي ومحمد عبد الكريم الخطابي من أجل الاستقلال، وفي هذا الصدد، ثمن إحداث متحف أو فضاءات لحفظ و"واجب الذاكرة" المحلية بالحسيمة والناظور، بما يعزز الانتماء إلى الوطن، ويذكر بمساهمة أبناء وبنات هذه المنطقة في بناء الوطن، وفي استقلاله، وفي معركة الكفاح الوطني والديمقراطي.
وقال الدكتور نزار إن الأمل يحدوه لأن يُسهم هذا اللقاء في القيام بقراءة موضوعية وأكاديمية لهذه المحطة التاريخية ذات الطبيعة الخاصة والمفصلية، التي تناسلت بشأنها العديد من التأويلات والمغالطات، للوقوف على الحقائق التاريخية من خلال الوثائق والدراسات العلمية وشهادات المؤرخين والشخصيات الوطنية، من أجل الإمساك بالخيط الناظم الذي يزيح ثقل الماضي بملابساته وطابوهاته، ويعبد الطريق نحو تقريب وجهات النظر وطي صفحة النفور السياسي في المنطقة. مضيفا أن المداخلات القيمة للأساتذة الأجلاء ستسهم ولا شك في إغناء النقاش وكشف مناطق الظل في هذه الحقبة التاريخية الهامة، أخذا بعين الاعتبار السياق التاريخي وتقاطبات المشهد السياسي والصراعات الداخلية للحزب فضلا عن مخططات القوى الاستعمارية وأطماعها بالمنطقة ومفاعيل الحرب الباردة وانعكاساتها على البلاد.
وشدد الدكتور بركة على مواصلة تعميق البحث التاريخي لمعرفة الحقيقة بكل جرأة ومسؤولية، في أفق المصالحة الشاملة مع المنطقة لتقوية الوحدة الوطنية، وتحصين الجبهة الداخلية وتعزيز روابط الانتماء للوطن.
وأوضح أن قراءة متأنية، موضوعية، وعميقة من هذا النوع، باتت ضرورية لإزالة الشوائب ودحض المزاعم والافتراءات وتصحيح المغالطات، التي تكرست مع مضي السنين والحقب، وتبين أن تبعاتها لازالت مترسخة عالقة في الأذهان، وخير مثال على ذلك ما حصل مؤخرا من تدنيس للعلم الوطني في قنصليتي المغرب بكل من مدينتي أوتريخت وديمبوس بهولندا.
وأكد الأمين العام في ختام تدخله، أن المعول على مخرجات هذه الندوة العلمية الهامة لرصد ملابسات تلك الأحداث واستجلاء الحقيقة، ولو في بعض جوانبها بهدف التنوير والمعالجة وإعادة الاعتبار للذاكرة التاريخية الجماعية.