العلم الإلكترونية - الرباط
قاربت ندوة نظمت السبت الأخير بفاس، بمشاركة باحثين جامعيين ومفكرين، مفاهيم حوار وصدام الحضارات في علاقتها بوسائل الإعلام. وحملت الندوة المنظمة بمبادرة من الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، عنوان: "بين حوار وصدام الحضارات: هل يتحول إذكاء النزاعات إلى أصل تجاري لوسائل الإعلام؟".
قاربت ندوة نظمت السبت الأخير بفاس، بمشاركة باحثين جامعيين ومفكرين، مفاهيم حوار وصدام الحضارات في علاقتها بوسائل الإعلام. وحملت الندوة المنظمة بمبادرة من الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، عنوان: "بين حوار وصدام الحضارات: هل يتحول إذكاء النزاعات إلى أصل تجاري لوسائل الإعلام؟".
وقال رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، عبد الله البقالي، إن “الشعبوية” بوسائل الإعلام نمت بشكل كبير، مشيرا إلى أن هذه الأخيرة، باتت تقدم محتويات بمنطق السوق، وليس بخلفية أداء أدوارها في الإعلام والإخبار والتثقيف والتوعية، “في مسايرة للتفاهة بدل مواجهتها”.
وأبرز البقالي في مداخلة له في ندوة لفيدرالية ناشري الصحف، السبت الأخير، أن وسائل الإعلام غيرت وظيفتها وأتاحت الشهرة لأشخاص أقل من عاديين، فيما كانت سابقا تتيح الشهرة للأشخاص وللأفراد على أساس جودة الأفكار وقوة البرامج.
وأشار رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، إلى أنه في المغرب أشخاص بسطاء عاديون، باتت معدلات مشهداتهم تفوق معدل مبيعات جميع الصحف الوطنية.
وشدد البقالي على أن شعبوية وسائل الإعلام في المغرب، نتجت عن متغيرات وتطورات مهمة عديدة، حدثت على المستوى الاقتصادي والاجتماعي العالمي، في ظل ما أسماه بالانتقال إلى الاقتصاد اليبرالي المتوحش.
وفي تطرقه لموضوع الندوة والتي سلطت الضوء على ” الإشكاليات المتعلقة بأدوار الإعلام في النزاعات في ارتباط بحوار الحضارات”، قال البقالي، إن حوار الحضارات أو الأديان من أكثر القضايا تعقيدا، لحساسية المفرطة، معتبرا أن الموضوع يبقى من أكثر القضايا التي “تحتاج عمليات جراحية دقيقة جدا، وأي خطأ مهني يكون قاتلا”, متسائلا إن المنتوج الإعلامي على دراية كاملة بحيثيات الإشكالية حين يتحدث عن الحضارات والثقافات والأديان؟
واعتبر ذات المتحدث أن وسائل الإعلام كثيرا ما تساهم في التحريض والتأجيج والتضليل عن دراية أو عن جهل، مضيفا أن “نزعة إذكاء الصراعات من طرف وسائل الإعلام ستزداد حدة في المستقبل".
وأضاف رئيس النقابة الوطنية للصحافة، أن المتلقي لم يعد في وضع الجمهور المستهلك للمحتوى الإعلامي، بعدما كان دوره استهلاكيا فقط، حيث تحول لصنع محتوى، ومشاركا في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وتوقع البقالي، أن تزداد حالة الفوضى بالمجال الإعلامي، وأن تزيد رقعة المنتوج الإعلامي الجيد ضيقا، على حساب التفاهة، مشددا على أنه “أحد يملك سلطة للحد من ذلك ولم يعد المتلقي يملك إلا ردة الفعل في هذا الإطار”.
من جانبه، أبرز رئيس جهة فاس مكناس، عبد الواحد الأنصاري، أن الخطاب الإعلامي اليوم يتصدر كل الخطابات المؤثرة في المجتمعات ولدي الشعوب، بل وحتى لدى الكثير من صانعي القرار على المستوى العالمي.
وشدد الأنصاري، على أن الجميع مدعو للإسهام في تعزيز الوعي الإعلامي لمحاربة التصورات الخاطئة والأحكام المسبقة، والخطاب المحرض على الكراهية، وكذا تثمين جهود الصحافة الموضوعية والمحايدة، التي ترتكز في أداء واجبها المهني على مبادئ وأخلاقيات المهنة.
وأكد رئيس جهة فاس مكناس، أن موضوع حوار وصدام الحضارات، من المواضيع التي أفاضت الكثير من الحبر، وتلاقحت فيها أقلام وأفكار المفكرين والباحثين من مختلف بقاع المعمور، ومن مختلف المشارب العلمية والأيديولوجية ، وبالموازاة مع ذلك، فهو من المواضيع المتجددة التي نعايشها بشكل يومي، فإن لم يكن ضمن مقترب الدراسة والتحليل، فعن طريق التعايش ، بين مجموعات بشرية من جنسيات مختلفة، بل ومن ديانات مختلفة، ومن ثقافات وإيديولوجية متمايزة ؛ تعيش وتتعايش في مكان واحد .
وأوضح أنه أصبح هذا التمظهر، النمط السائد في عالم اليوم ، عالم يغلب عليه التنوع ، وينشد التكامل، عالم تسمو فيه قيم التعاون والتضامن والتسامح ، بعيدا عن اعتبارات الهوية والثقافة والمعتقد .
وركز المتحدث، على الإعلام، واعتبر أن هذا الأخير يشكل اليوم آلية أساسية في بناء السلام وتكريس قيم الحوار والعيش المشترك ، بما يلعبه من دور مهم في هذا الجانب، "بل يمكن القول وبدون أي مبالغة، أن الخطاب الإعلامي اليوم يتصدر كل الخطابات المؤثرة في المجتمعات ولدي الشعوب، بل وحتى لدى الكثير من صانعي القرار على المستوى العالمي، لأننا أصبحنا أمام صناعة مكتملة الأركان والعناصر، من منتجين للخطاب الإعلامي ، ومستهلكين له ، ومروجين وغيرهم... وهو الأمر الذي أتى بفضل تطورات کبری ساهمت فيها أقلام ومنابر صحافية مرموقة".
واعتبر أن التطور التكنولوجي، " جعل من عالمنا بالفعل قرية صغيرة، والخبر والمعلومة والرأي، يمكن أن القول إنها أضحت أكثر الأشياء تداولا بدون قيود ، لا جغرافية ولا ثقافية ولا حضارية ولا لغوية".
وتابع: " الإعلام يوجد اليوم في قفص الاتهام، على خلفية أشكال من التلاعب بالرأي العام، وليس فقط من قبل أنظمة منغلقة، بل يتم ذلك حتى من طرف أنظمة ديمقراطية بتواطؤ مع مؤسسات إعلامية لغايات سياسية ضيقة، بل إن منها من بدأت تلعب دور التأجيج والتحريض، الذي اضطلع به بعض الفاعلين في هذا القطاع الحيوي، إبان العديد من النزاعات المسلحة وغير المسلحة ، من خلال ممارسة التضليل ، وترويج الإشاعة ، وتأجيج الخلافات ، والتحريض على العنف، وترسيخ خطاب الكراهية ، والنزعات العرقية، والسياسات الإقصائية ، والأفكار المتطرفة ، حيث كان الخبر المضلل والخطاب المحرض ، إما سببا في حروب دامية ونزاعات ، أو سببا في استدامتها ، أو توسيعها أو تطويرها ، من خلال آلة كبرى تستعمل كل الأساليب لغايات غير نبيلة ".
وسلط الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، عبد الله بوصوف، في مداخلته بالندوة الضوء على الإشكاليات المتعلقة بأدوار الإعلام في النزاعات في ارتباط بحوار الحضارات.
وتوقف بوصوف عند الأهمية التي تحظى بها مدينة فاس وخاصة جامعة القرويين كمنارة علمية في حوار الحضارات والتقارب بين الثقافات، وهي الجامعة التي يعود إليها الفضل في تعزيز الاستقرار الديني والسياسي الذي يتمتع به المغرب إلى اليوم بفضل تكوينها لأكبر رجال الحركة الوطنية، ونخبة العلماء المغاربة.
وأبرز بوصوف أن تطور الاعلام ارتبط بتطور النزاعات، واستعرض في هذا السياق محطات تاريخية من العلاقة المشتركة بين الإعلام والنزاعات مثل تطور الإذاعة مع الحرب العالمية الثانية وقدرتها على اختراق حدود العدو بما تبثه عبر موجاتها، ودور القنوات التلفزيونية في التمهيد وتأجيج النفسيات لتبرير التصعيد في النزاعات.
وشدد الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، على أن الإعلام الموضوعي والملتزم بأخلاقيات المهنة ليس هو من يؤجج الصراعات والانقسامات والحروب، ولكنها أدوار يضطلع بها الإعلام الذي جعل نفسه أداة في يد السلطة السياسية أو المالية لخدمة أجنداتها.
وفي مداخلته انطلق الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، أحمد العبادي، في عرضه بسؤال محوري: "هل يتحول إذكاء النزاعات إلى أصل تجاري؟"، ليقول ان جانبا من العالم الإسلامي كان عنده وعي عميق بالتراكم الحضاري وسعى لبلورة المهارات والكفاءات القادرة على مقاربة هذا الموضوع الحيوي.
وأضاف العبادي أن الغوص في حضارة من الحضارات يقتضي بناء المهارات والقدرات التي تمكن من ذلك تفاديا للاختزال وترويج أحكام مسبقة.
وأكد العبادي ضرورة تأسيس التجارب الفضلى المحلية لتكون تجارب ملهمة في الاضطلاع بدور اعلامي إيجابي يعزز كفة الحوار بين الحضارات كمطلب وظيفي.
وقال مدير التواصل والعلاقات العامة مصطفى، أومدجار في كلمة نيابة عن وزير الشباب والثقافة والتواصل، إن المغرب حرص على توفير أرضية قانونية وتنظيمية، تضمن ممارسة إعلامية سليمة ومحصنة ضد خطابات الكراهية والعنف.
وأضاف مصطفى أومدجار أنه تم تعزيز الوقاية من هذا النوع من الخطابات من خلال آليات ربط الممارسة الإعلامية السليمة، باحترام أخلاقيات مهنة الصحافة، والتي تنص على ضرورة التقيد بعدد من الضوابط المهنية التي تسمح بالنأي عن جعل الإعلام أداة لنشر الكراهية.
وأشار رئيس الفدرالية المغربية لناشري الصحف نور الدين مفتاح إلى أن الندوة تنظم بالموازاة مع المحطة الثامنة لتأسيس فرع جهة فاس مكناس للفدرالية، ويتماشى موضوعها مع خصوصية الجهة بثقلها الروحي والثقافي.
وكانت مدينة فاس قد شهدت الجمعة الأخيرة، الجمع العام التأسيسي لفرع الفيدرالية المغربية لناشري الصحف لجهة فاس مكناس.
وفي اختتام فعاليات الجمع العام التأسيسي لفرع الفيدرالية المغربية لناشري الصحف الثامن بجهة فاس مكناس، وبعد تنظيم الندوة الفكرية الكبرى حول الصحافة والتقارب الحضاري التي شارك فيها أساتذة وازنون بحضور جل الشخصيات الثقافية المؤثرة في الجهة، شهدت تميزت فعاليات اليوم حفل تكريم لشخصيات من الجهة بَصمت الإعلام الوطني، مع تكريم خاص للإعلامي والأديب والسياسي الوطني الراحل عبد الكريم غلاب، بحضور أعضاء المكتب التنفيذي والمجلس الفيدرالي ومسؤولين جهويين ومحليين وأكاديميين ومهتمين.