Quantcast
2025 أبريل 11 - تم تعديله في [التاريخ]

الاحتكار آفة الأشْرار !

افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 10 أبريل 2025


الاحتكار آفة الأشْرار !
العلم - محمد بشكار

حرّيتي على قَدْرِ خطوتي القصيرة، لذلك لا أطمع إلا في بيت شِعْري من حُرِّ ألمي، فهو المسكن المفتوح على الجهات الأربع للسماء، وهو لليمام الشريد عشُّ العائلة، أليس في البيتين ننْعم بألفة شقائق الكلمات التي لا تُغذِّي الحرائق، كيف لا وقد تمزَّق في حبكة الحياة ترابطنا الأسري، ولا أعرف إذا كان جائزا ولو مجازا، أن أقول،  إن حصّتي من البيت الشعري الذي بنيته بعرق أحرفي في طوابق عالية، لم يعُد على هذه الأرض التي أصبحت مشروع حُفرةٍ من نار، حصتي من البيت الشِّعري، بعد أن قطع إخوة القلم الحبْل السُّرِّي أو الحبري إلى الأبد، أصبح في السماء "يوم تأتي كل نفْس تُجادل عن نفسها"، ويكفيني أنِّي أنفقت عمري وأدّيت الرسالة، في قوم استسلموا لجشع الحياة بجهالة، يكفيني نقاء حيِّز صغير ينبض في جانبي الأيْسر، لم يُسوِّده غدْر الأيام وما زال يتَّسع للخير !     

لا أملك أرضاً تعدو في مساحتها الشّاسعة الخيول، فأنا لا أدرك معنى الحُرية بمنطق القياسات الجُغرافية بعيدة السيقان، ولا أعجب إلا مِمّن يُراكم على قلبه الأجْوف، طبقات جيولوجية من الإسمنت المُسلَّح، بل وينتظر الترخيص لشراء بُقعٍ في السماء !

حرّيتي على قَدْرِ خطوتي القصيرة، لا تنتهك حُرِّيات الآخرين، ولا أملك سلطة مالية تجعلني أشتري حصّة أوسع في الكون، ليشقى من تبقّى بهامش ضيق، فثمة من ضاقت بهم الأرض بما رحُبت، فلم تعد تُسعفُهم حتى في المشي فبالأحرى السَّكن، أنا لا أملك غير الرصيف الذي يأخذني وآخذه في مسافة لا تتجاوز العمل والمقهى والسُّوق، فالحُرَّية لا تعني أن أُكَبِّرَ بطني لأبتلع حِصَّة كل البطون الصغيرة، لا تعني أن أنتفخ كالمنطاد أو أشبع من جوع الآخرين، فما أفظع أن أبرِّرَ وجودي بما أنْفُثه من غازات، الحُرِّية أن أتقاسم لذة العيش الكريم مع من يُكابد ألمها شظفاً لأستشعر لذَّةً أكبر، وأن لا أُنَشِّف ريق الفقراء بأنْ أجَفِّف كل منابع الثروات في البلد، مُدَّعياً وأنا أزيد السُّم في الحُقنة بالضغط الإقتصادي، أن الأزمة إبرة وصلت للعظم في العالم، حتى صار كل همِّ السواد الأعظم والأبكم من الناس، هو تحويل الرأس من أداة تفكير في العلوم والآداب، إلى قُفَّة بأذنين !

الحُرِّية لمن يعشق شارعه نظيفاً، ليست في كم موزة أُعرِّيها أمام الملأ، ليقع أحدهم في قشورها وترسله حُطاماً وليس غراماً إلى أقرب مستشفى، ليست الحُرية خرقاً للقانون يجعلني أُشهِر عدائي كالخنجر لأعترض سبيل الناس، أو حَرْقاً لشجرة لم يَصِلْها من الحب ماءٌ فصارت حطباً، أو رمياً للسُكان برصاص النفايات التي ليس أقبح من مشهدها على منصة الإعدام، الحرية أن أجعل كل ما أسكُنُه يسْكُنُني في قلبي دون وسواس شيطان، لأكون به أو يكون بي نظيفاً، دون أن تتدخل مِكنسة البلَدِيّة فُرشاةً بين الأسنان !

ليست الحرية أن أنتزع الحب من امرأة كُرهاً، أن نبالغ بالمساحيق في زينتنا لئلا يصبح الجمال قُبْحاً، وأنْ نذرَّ الرماد في العيون ونغفل أن بعض الرماد، يكتنف جِماراً نائمة قد تشبُّ فينا بالحريق جميعاً، وأن نزيد في يومنا ساعة، ألا تبّا للأشرار الذين بتسْريع حركة الحياة قصّروا الأعمار !

الحرية أن أسبق النهر في جريانه لأوقف صحراء تزحف بقبائلها على العقول، أن أضاهي البحر في هيجانه لأكسر صخرة تحجب الأفق، وتهوي بالشمس إلى أفول !

الحرية أن أنهض باكراً في أفكار الناس، ولا أخشى من شمس تُعاتبني، لا لشيءٍ أو فيْءٍ، إلا لأني بزغت قبْلَها مع باعة الغيوم المتجولين، فالسماء نعمة من الله للجميع، وليست سوقاً قابلة للإحتكار !
 
الحرية أن لا أقيّدَ أفكاري في ورق إلى جانب أرقام ديون تُقيِّدني، بل أن أكتب ما أريد ساعة أريد في أي مكان أريد، دون أن أسمع من أحد ما لا أريد حين أرفض ثمناً لضميري !

ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 10 أبريل 2025


              

















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار