فمثل هذه المعطيات كانت معلومة ومعروفة منذ اليوم الأول، وكان لزاما أخذها بعين الاعتبار قبل إطلاق العنان لالتزامات يبدو أنها لم تكن مدروسة ولا مفهومة حتى.
الدفع بمثل هذه المبررات اليوم يؤشر على أن الحكومة لم تكن تتوفر على رؤية دقيقة وواضحة المعالم تأخذ في الحسبان معطيات العرض والتسويق في ظروف عالمية بالغة الدقة والحساسية، مما يعني أن تقديرات الحكومة في هذا الشأن البالغ الأهمية لدى الرأي العام الوطني كانت خاطئة، وإن الحكومة لم تحسن التعامل مع ملف هذه القضية.
يبدو أن الحكومة المغربية كانت تتوقع ظروفا مغايرة تماما لما يحدث اليوم، وكأنها كانت تتوقع غزارة في انتاج اللقاحات بما يستجيب لحجم الطلب الضخم في العالم، وكانت تتوقع أيضا ألا تلتجئ الشركات العالمية المصنعة للقاحات إلى المضاربات بهاجس الربح السريع، ولم تكن تتوقع أيضا أن تحرص جميع الدول المصنعة شركاتها لهذه اللقاحات على البداية أولا بشعوبها قبل التفكير والإقدام على التصدير إلى باقي الدول المحتاجة. والحكومة التي تتعامل مع قضية كبيرة وخطيرة في حجم جائحة كورونا بهذه المقاربة الساذجة، لا يمكن إلا أن تكون حكومة مفتقدة إلى الرؤية الواقعية والصحيحة في هذا الصدد.
الذي سمعه الرأي العام الوطني من حكومته قبل شهور خلت أنها اتخذت جميع الإجراءات والتدابير ليكون المغرب من أوائل الدول التي ستحصل على اللقاحات، وعززت ذلك بالقول إن بلادنا كانت شريكة فعلية في التجارب السريرية مع إحدى الشركات الرائدة في صناعة اللقاحات، وأنها وقعت اتفاقية مع السلطات الصينية لهذا الغرض، لكن الذي حدث اليوم هو أن المغرب أصبح من الدول المتخلفة عن الحصول على هذا اللقاح، بينما دول أخرى كثيرة حصلت عليه وشرعت في عملية التطعيم ضد هذا الفيروس الخبيث، بينما نحن في المغرب لا نتوفر على أي مؤشر، ولا على أي توقع يتعلق بموعد وصول اللقاح، ومثير جدا ألا تختلف الحكومة عن باقي الشعب في جهل موعد وصول اللقاح وبداية التطعيم.
وواضح اليوم أن الحكومة تحتمي وتختبئ في الترويج والتسويق للخطة الوطنية للتلقيح، وللاستعداد الكامل لإنجاح هذه المهمة، بينما السؤال المحوري الذي نشفق عليها في شأنه، لأنها تجهل الجواب عنه، هو متى يصل اللقاح إلى بلادنا؟
حبذا لو امتلكت الحكومة منسوبا عاليا من الشجاعة والوضوح منذ البداية، وكاشفت الرأي العام بالحقائق التي تبرر بها حاليا عجزها وفشلها، لأنه في هذه الحالة كان الرأي العام سيلقى ما يكفي من المبررات لعملية تأخر وصول اللقاحات ، المشكلة أن الحكومة تعاقدت مع الرأي العام بالتزامات واضحة ، لكنها اليوم تتبرأ من التزاماتها بمبررات تدينها ولا تبرئها، إنها التزامات رهنت صورة المغرب الخارجية و أضرت بها، لأن هذه الالتزامات كانت محل تنويه وإشادة من طرف العديد من وسائل الإعلام الدولية.
واليوم حينما يتضح أن هذه الالتزامات كانت مجرد مسكن لأوجاع ظرفية، فإن مصداقية المغرب تتضرر بسبب ذلك، وأن أعداء المغرب سينتهزون هذا الخلل لشرعنة استهدافهم لمصداقية المغرب . كما أن هذه الالتزامات قد تكون ورطت مؤسسات في بلادنا، لأن مصداقية هذه المؤسسات من حكومة وبرلمان وغيرهما سيلحقها الأذى من هذا الإخلال.
لا أحد يمكنه أن ينكر أن بلادنا نجحت بمنسوب عال جدا بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله الذي قاد بحنكة كبيرة إحدى أهم المراحل الصعبة في تاريخ المغرب الحديث، لكن الرأي العام وصل اليوم إلى مرحلة الشك في قدرة الحكومة على مواصلة مراكمة النجاحات في هذا الصدد، ومن العبث الاعتقاد اليوم بأن الدفع بمبررات كانت معلومة منذ أمد بعيد لتبرير العجز والفشل الذريع في التعاطي مع فترة حاسمةً من فترات التعاطي مع الوباء.
ما ينتظره المغاربة اليوم ليس استعراض الإكراهات المعروفة والتي تتحمل الحكومة وحدها مسؤولية عدم أخذها بعين الاعتبار وإيجاد البدائل والحلول لها، بل ما ينتظرونه هو أن تعلن حكومتهم عن موعد قريب جدا لوصول اللقاحات والبداية الفعلية لعملية التلقيح، أم أنها ترفع الراية البيضاء معلنة عن استسلامها لعجزها وفشلها الذريع.