وإذا كان استقلال المغرب حدثاّ تاريخياّ مشهوداّ، فإن الوصول إلى نيل الاستقلال قد مرٌ بمراحل من التضحيات الجسام التي شاركت فيها جميع أطياف الشعب المغربي، وكان العرش هو القائد والملهم في جميع المراحل، منذ سنة 1930 إلى أن طويت صفحة الحماية الاستعمارية، وقيام الدولة المغربية الحرة المستقلة. ذلك أن النضالات المريرة التي خاضها شعبنا تشكل نموذجاّ مشرفاّ يرقى إلى مستوى عالي الشأن من بين نماذج الكفاح الذي قامت به الشعوب المستعمرة من أجل تحريرها من نير الاستعمار. وبذلك كان استقلال المغرب نقطة تحوّل في تاريخ أفريقيا بخاصة، وتاريخ الشعوب المستعمرة في آسيا وأمريكا الجنوبية.
لقد دخل استقلال المغرب التاريخ، لأن طبيعته تختلف عن الاستقلالات في مناطق شتى من العالم، فقد استقل المغرب في مثل هذا اليوم من سنة 1955، وأجزاء من التراب الوطني لا تزال محتلة فى الجنوب والشمال والشرق، فكان الاستقلال ناقصاّ، استكمل في مراحل لاحقة، في اكتوبر سنة 1956 استرجع المغرب مدينة طنجة، وفي سنة 1958 استرجع طرفاية، وفي سنة 1969 استرجع إفني، وفي 26 من شهر فبراير سنة 1976استرجع الساقية الحمراء وعاصمتها العيون، وفي الرابع عشر من شهر غشت سنة 1979 استرجع وادي الذهب وعاصمتها الداخلة، ولا تزال أجزاء أخرى من التراب المغربي تحت الاحتلال الاجنبي. فهذا المنهج التراكمي في تحرير الوطن، يعطي لمدلول الاستقلال المغربي عمقاّ استراتيجياّ و يكسبه خصوصيةّ متفردةّ، ويجعله استقلالاّ ذا مكانة رفيعةّ وقيمة مضافة من بين استقلالات دول العالم.
لهذه الخصوصية الوطنية، يرقى عيد الاستقلال الذي نحتفل به اليوم، إلى ذروة الاحداث التاريخية الكبرى التي ترفع من قيمة الوطن وتشرّف المواطنين أجمعين. وفي ذلك من الدروس في النضال السياسي والصمود الوطني، ما يجعل هذا العيد مناسبة للتأمل والاعتبار والتعمق في فهم التاريخ وفي استخلاص العبر العظمى منه.
وبذلك يكتسب عيد الاستقلال هذه السنة، كما في جميع السنوات، المعنى العميق الذي نستخلص منه الدروس الوطنية التي تنير أمامنا الطريق نحو المستقبل بقيادة جلالة الملك باني المغرب الجديد، بفكر جديد، وبرؤية جديدة.