أسواق المدن العتيقة تشهد رواجا استثنائياً استعداداً لشهر رمضان

مع اقتراب شهر رمضان، تعيش المدن المغربية العتيقة، ومن بينها المصنفة ضمن التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، ازدهارا استثنائيا حيث تتحول الأسواق التقليدية إلى فضاءات تعج بالحياة، استعداداً لاستقبال الشهر الفضيل. فمن فاس ومراكش إلى مكناس والدار البيضاء، تتجدد مظاهر العادات والتقاليد العريقة التي تميز الأحياء التاريخية، في تخليد للطابع الأصيل لهذه المدن التي ظلت على مدى قرون القلب النابض للحرف التقليدية والتجارة.  

 

وتمثل الأسواق العتيقة نبض الحياة الرمضانية، ومحور نشاطها التجاري خلال هذه الفترة، حيث يتوافد المتبضعون لاقتناء المستلزمات الرمضانية من أطعمة تقليدية، وملابس تراثية، ومنتجات حرفية، كما تشهد محلات بيع الحلويات التقليدية مثل "الشباكية"، "كعب الغزال"، و"البريوات" إقبالاً كبيرا عليها لما لها من ارتباط وثيق في الموروث المغربي في هذا الشهر، فانبعاث روائح "الزنجلان" و"حبة حلاوة"، وغيرها من أنواع الزريعة المستعملة في هذه الحلويات بكل أزقة ودروب المدينة العتيقة، يعطي للزائر احساسا روحانيا بدخول شهر هو عيد له ينتظر قدومه طوال العام، فضلا عن انتشار محلات التمور والفواكه الجافة التي تشكل مكونا أساسيا على موائد الإفطار.  

 

في المدينة العتيقة لفاس مثلا، تنفرد بعض الأسواق بتجارة محددة، مما يخلق تجربة تسوق غنية ومتنوعة. فـ "سوق الحناء" يجذب النساء الباحثات عن مستحضرات التجميل التقليدية، بينما تزخر "قيسارية الكفاح" بالألبسة التقليدية الراقية. أما "سوق النحاسين"، فتمتزج فيه أصوات الطرق على النحاس برائحة المعادن المنصهرة، حيث يتم إعداد أباريق الشاي والأواني النحاسية التي تضفي طابعاً تقليدياً على أجواء رمضان.  

 

من جهة أخرى، توفر "أسواق العطارين والعشابين" تشكيلة واسعة من التوابل التي تمنح الأطباق الرمضانية نكهاتها المميزة، بينما يعرض الجزّارون أفضل أنواع اللحوم والدواجن لتحضير أطباق الحريرة والطواجن الشهيرة.  

 

لا يقتصر نشاط الأسواق العتيقة على التجارة فحسب، بل يشكل فرصة لإحياء التراث المغربي العريق، حيث يتمسك الحرفيون بتقاليد البيع والشراء المتوارثة، ويحرص الزبائن على التفاوض بأسلوب يجسد روح الود والتآخي.  

 

ومع حلول الشهر الفضيل، تتحول الأسواق إلى وجهة لا غنى عنها، حيث يمتزج عبق الماضي بسحر الحاضر، في مشهد يعكس غنى الثقافة المغربية وخصوصية العادات التي تجعل من رمضان تجربة روحية واجتماعية بامتياز.