الافـتتاحية
الاستنتاج الأول الذي نخرج به من القراءة المتأنية لمشروع قانون المالية لسنة ،2025 هو أنه مكرس بالأساس لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية وبذل أقصى الجهود لرفعها والحد من تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، مع مواصلة البناء متعدد الامتدادات بثبات وتدرج وتحكم في المسار، في إطار الاستقرار المجتمعي والانفتاح الوطني على آفاق العصر، وفي ظل استيعاب عميق للمتغيرات التي يعرفها الاقتصاد العالمي، ومواكبة التحولات الجيوسياسية التي تنعكس على عمليات التنمية الشاملة المستدامة في مختلف دول العالم، طبقاً للتصريح المقلق الذي أدلى به أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، خلال الأسبوع الماضي، وقال فيه إن العالم يواجه أوقاتاً عصيبة ومضطربة.
وإذا كانت نادية فتاح وزيرة الاقتصاد والمالية، قد أتت على ذكر أربعة رهانات تمثل أهدافاً استراتيجية ستعمل الحكومة في إطارها خلال السنة القادمة، وذلك في العرض الذي ألقته أمام البرلمان يوم السبت الماضي، فإن هذه الرهانات متكاملة ومتداخلة ومتناغمة أيضاً ، ليس من سبيل لتجاوز أحدها، أو فصل بعضها عن بعض ، نظراً إلى أن مواصلة تعزيز أسس الدولة الاجتماعية، وهي اليوم تتصدر قمة انشغالات الحكومة ، تصب في قناة توطيد دينامية الاستثمار، الذي هو الرهان الثاني، وتُفضي إلى خلق فرص الشغل ، الذي هو الرهان الثالث، وتعد مواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، التي هي الرهان الرابع، حجرَ الزاوية في العمل الحكومي، وجزءاً لا يتجزأ من مشروع بناء الدولة الاجتماعية، الذي هو من المشاريع الحضارية الكبرى . ويأتي كسب هذه الرهانات موازاة مع الحفاظ على استدامة المالية العمومية، وهي المعادلة الصعبة التي تتعبأ الحكومة للتعامل معها بالحكمة والحزم وبالجدية والإحساس العميق بالمسؤولية.
ولما كانت الحكومة عازمة على أن تجعل من مشروع قانون المالية لسنة 2025، تجسيداً للتوفيق الأمثل وللتوازن الأكمل بين الطموحات والإمكانات، على النحو الذي يسمح بتعزيز مناعة المنظومة الاجتماعية والاقتصادية، فإن العمل في هذا الاتجاه، يشكل أحد التحديات الحادة والصادمة، إن لم يكن هو التحدي الأكبر. بَيدَ أنه كما عرفت المملكة تحقيق تراكمات في حجم الإنجازات ومكتسبات غير مسبوقة شملت المجالات كافة، فهي اليوم تمتلك ناصية القوة والقدرة وطول الخبرة وعمق التجربة، لاجتياز العقبات التي تعترض الطريق نحو الأمام، ولتذليلها وللحد من تأثيراتها.
ولعل سلسلة النجاحات التي أحرزت عليها الحكومة، خلال النصف الأول من ولايتها، سوف تكون محفزةً لتحقيق طموحات يتطلع المواطنون إلى ترجمتها في الواقع المعيش.
لقد عرفت المملكة، خلال هذا المسار، توطيد الجهوية المتقدمة، وتسريع مختلف الأوراش المرتبطة بها، في تكامل تام وانسجام متناغم، مع سياسة اللاتمركز الإداري، بما يضمن تحقيق مبدأ العدالة المجالية التي هي من جسم العدالة الاجتماعية، ويعزز الدينامية التنموية التي تعرفها مختلف جهات المملكة، لاسيما أقاليمنا الجنوبية، التي خصها جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله وأيده، بنموذج تنموي جديد ومتفرد، صارت جل مشاريعه اليوم جزءاً من واقع المنطقة، ومثالاً للتنمية المستدامة الجاذبة للاهتمام من طرف الدول الأفريقية بخاصة، ودول العالم بعامة.
إن مشروع قانون المالية المعروض أمام البرلمان، والذي استند إلى التوجيهات الملكية السديدة، وقام على أساس البرنامج الحكومي، يعكس المستوى العالي من القدرة على رفع التحديات الداخلية والخارجية، في سياق وطني استثنائي، وهو في الوقت نفسه، يستجيب للتحديات القائمة التي يتوجب التصدي لها عبر التنفيذ الحازم والفوري للتوجيهات الملكية التي بها تستنير الحكومة، وفي ضوئها تمضي على مسار البناء و النماء اللذين لا يتوقفان.
فهذا إذن، مشروع طموح لمواجهة التحدي، يعكس دينامية الإصلاح والتحديث والعصرنة والانفتاح على آفاق التقدم والازدهار، قصد امتلاك ناصيتهما.
العلم