العلم الإلكترونية - سمير زرادي
وظفت الجمعية الوطنية للتقليص من مخاطر المخدرات كل جهودها للترافع من أجل تصحيح الإشكاليات التشريعية، ورفع مستوى التوعية والتحسيس بسلبيات المقاربة العقابية، وتغليب مقاربة الادماج والتتبع النفسي والعلاجي وضمان ادماج الاسري والمجتمعي، حيث عقدت الأخيرة يوم الاربعاء الماضي لقاء تحسيسيا حول إشكالية ظاهرة التعاطي للمخدرات وإبراز أهمية الترافع لتضمين مقاربة التقليص من هاته المخاطر في السياسات العمومية.
وظفت الجمعية الوطنية للتقليص من مخاطر المخدرات كل جهودها للترافع من أجل تصحيح الإشكاليات التشريعية، ورفع مستوى التوعية والتحسيس بسلبيات المقاربة العقابية، وتغليب مقاربة الادماج والتتبع النفسي والعلاجي وضمان ادماج الاسري والمجتمعي، حيث عقدت الأخيرة يوم الاربعاء الماضي لقاء تحسيسيا حول إشكالية ظاهرة التعاطي للمخدرات وإبراز أهمية الترافع لتضمين مقاربة التقليص من هاته المخاطر في السياسات العمومية.
وأفاد الأستاذ سعيد الطبل مستشار برنامج دعم والذي قام بتسيير أطوار هذه الحلقة النقاشية أن مقاصد الجمعية دق ناقوس الخطر وإدراك التهديد الحقيقي لهذه المعضلة على فئات اجتماعية مهمة في المجتمع، ورفع مستوى التوعية والتحسيس بضرورة رصد الإمكانيات المالية والتقنية قصد مساعدتها وإدراجها في مسلسل صحي، ما دام الوضع يتفاقم بالموازاة مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وما شهده العالم من نتائج وخيمة بسبب فيروس كورونا، أثرت نفسيا على الشباب، وخاصة المتمدرس في الثانويات بعدما وجد نفسه أمام فراغ قاتل.
ولم يفته التذكير باجتهاد قضائي صادر لأول مرة عن محكمة بالقنيطرة والذي حكم لفائدة علاج متعاطٍ للمخدرات وتغليبه على الحكم الزجري.
إشراك الفاعل السياسي والترابي
من جهته ذكر الأستاذ لحاج عنابة عضو مكتب الجمعية وأمين المال أن هذا اللقاء وسلسلة اللقاءات السابقة بما في ذلك لقاء طنجة يتوخى أهدافا متعددة الابعاد منها إدماج تقليص المخاصر في السياسات العمومية بما فيها النصوص التشريعية قيد المراجعة وضمان عودة مستهلكي المخدرات إلى الحياة الطبيعية، وهنا تتضح أهمية إشراك الفاعل السياسي والترابي إلى جانب الفاعل المدني في سياق تكامل الأدوار قصد تجويد القوانين وضمان فعالية التدخلات.
كما سجل أن الجمعية انطلقت في العمل منذ 2008 تماشيا مع المخطط الاستراتيجي لوزارة الصحة الرامي إلى حفظ الصحة العامة واعتماد مواكبة نفسية وصحية لمستهلكي المخدرات، مضيفا أن المقاربة العقابية والزجرية والرفض في بعض الدول خلفت نتائج عكسية وساهمت في رفع حالات الإصابة بالسيدا والكبد الفيروسي، وبخلاف ذلك كان المغرب سباقا في منطقة "مينا" إلى تبني مقاربة تقليص المخاطر بدءا بالناضور حيث انكمش معدل الإصابة بالأمراض المنقولة وسط المستهلكين فضلا عن ادماجهم داخل الوسط الاجتماعي.
وكشف ان العمل بداية تأسس على مقاربة تقليص الطلب والاستعمال خاصة داخل المؤسسات التعليمية، وعمد فرع فاس الى صياغة خارطة طريق وإشراك الفاعل السياسي والعمومي والترابي، سيما وان الجهات كانت تعد مخططاتها التنموية، وسعت الجمعية الى التواصل معها لأخذ ظاهرة التعاطي للمخدرات في الاعتبار، ومنح حيز مهم لسياسة القرب وخصوصا في الأحياء.
وانتقد بعد ذلك السلبيات التي تتولد عن تطبيق الفصل 8 من ظهير 1974 على غرار الحرمان من الإدماج والشعور بالإقصاء الاجتماعي، ومحدودية بنيات العلاج والاستشفاء، علما أن مكتسبات إيجابية حققها العلاج بالميثادون والتتبع النفسي وإعادة بناء علاقة متينة داخل الوسط الأسري والمجتمعي وتجاوز نظرة الوصم.
تجاوز النظرة السلبية عن الإدمان
في نفس الاتجاه، أشار فرانسوا دروني منسق برنامج دعم وأحد شركاء الجمعية أن مسلسل الحوار مهم جدا لتجاوز النظرة السلبية عن متعاطي المخدرات، ملفتا الى أن العمل المشترك أفرز عملا بحثيا مهما في الوسطين الحضري والقروي، و44 حصة للتكوين في كل من كلميم وللا ميمونة وفاس ومكناس وصفرو لتحسيس المنتخبين والمهتمين في كل دوائر المسؤولية، والترافع على أن الحل ليس وضعهم في الفضاءات المغلقة بل في تقديم الأجوبة الكفيلة بالوقاية وتقليل المخاطر، وضرب مثلا بمقولة للفيلسوف "طوكفيل" على أن مستوى حضارة الدول يقاس بمدى معاملتها للسجناء والفئات الهشة.
فشل الحرب على المخدرات ونجاح أنسنة الإشكالية
الأستاذ منصف بندريس قدم عرضا تحت عنوان " سياسة المخدرات بالمغرب بين التجريم ومقاربة التقليص من المخاطر" وتناول فيه بعض الاتفاقيات الدولية والمبادرات التي دفعت الى شن حرب على المخدرات، لكن هاته المعركة فشلت وبعكس المتوقع اتسعت المساحات المزروعة وازدادت المنظمات نشاطا وإجراما ناهيك عن ارتفاع الإصابات بالسيدا والالتهاب الكبدي.
هذا الوضع قلب المقاربة العقابية ومناصرة مبدأ التقليص من المخاطر، بمعنى احتواء الأضرار التي تهدد الأشخاص والوسط العائلي والصحة العامة، وهذا ما خلف نتائج مهمة في عدد من الدول، واظهرت أبحاث حول الإدمان ان علاج الميثادون فعال من الناحية الاجتماعية، وأحسن مردودية من البرامج الصارمة.
ووفق بعض الإحصائيات فان معدل السرقة في أوساط المستفيدين من هذا العلاج تقلص ب12 مرة، والجرائم المنزلية ب57 مرة، وسرقة السيارات ب56 مرة.، فضلا عن تراجع النسب في الاحتيال وبيع المخدرات والمس بالممتلكات.
وترتكز مقاربة التقليص من المخاطر على عشرة أسس منها تبادل الحقن (السليمة او المعقمة بالملوثة أو المهدِدة)، والعلاج بالبدائل، وتوفير المعلومات والتثقيف والتواصل، والوقاية من الجرعة المفرطة.
وبناء على بحث ميداني بمدينة فاس في 2018، اتضح أن من الأسباب الرئيسية لإقبال التلاميذ على المخدرات الهشاشة الاسرية والعنف الاسري والمدرسي، وغياب خلايا الاستماع او الأندية المدرسية أو محدودية عددها، وارتباط عملية التحسيس باحتفالية لا تتعدى يوما او أسبوعا واحتجابها طول السنة. لكن المعلومة الصادمة حسب الدراسة هي تفشي تعاطي المخدرات في الوسط المدرسي بالحاضرة العلمية ب40 في المائة !
بؤر ناشطة لتسريب المخدرات
وقالت النائبة البرلمانية فاطمة بنعزة إن عقد مثل هذه اللقاءات يعكس مدى خطورة الظاهرة اجتماعيا ومجتمعيا، وبحكم تجربتها المهنية كمحامية فإن 70 الى 80 في المائة من مجموع الملفات المعروضة يوميا على المحاكم سببها المخدرات سواء الجنحية أو الجنائية تتوزع بين الحيازة والاستهلاك والاتجار او الاستهلاك الناتج عنه جرم معين، بما في ذلك جرائم القتل وهتك العرض والاغتصاب.
ونبهت بناء على تجارب معاشة الى أن الانحلال الأسري الذي يعاني منه المجتمع المغربي سببه المخدرات، التي تعتبر بداية نشوة ثم تتحول إلى تعاطي وإدمان لا يمكن معهما العودة للوراء، دون أن تغفل الحديث عن المناطق الحدودية في الشمال والشرق كبؤر ناشطة لتسريب المواد المخدرة ومنها أقراص "الإكستازي".
فريق طبي إلى جانب النيابة العامة
وسجلت أن المقاربة الأمنية أو الزجرية لم تؤت أكلها، والظهير بمثابة قانون لـ11 ماي 1974 لزجر جرائم المخدرات لم يلحقه أي تغيير منذ ذلك الوقت، موضحة أن الفصل 8 من القانون يطرح إشكالية متشعبة وجدلا حيث يمنح في جزئه الثاني الخيار للمتعاطي أو المدمن بين العلاج في المستشفى وبين أن يُزج به في السجن، وبالتالي فالمسألة لا بد أن يشخصها الطبيب الذي ينبغي أن يكون مرابضا للنيابة العامة، أو وجود فريق طبي لتشخيص الحالة وإعداد خبرة بموجبها تتم إحالة الشخص على المستشفى، وهنا يُطرح استفهام عريض حول بنيات الاستقبال ومراكز العلاج. ولفتت إلى ان الجزء الثاني من هذا الفصل غير جامد بل معطل، على غرار مواد في قوانين أخرى تنتظر النصوص التنظيمية التي تحدد كيفية التطبيق.
وفي تقديرها فإن نجاح هذا الفصل ومده بالمرونة اللازمة يتطلب تعزيز شبكة البنيات واللوجستيك.
وأبرزت أن التقليص من مخاطر الإدمان قد يتطلب عقودا من النقاش لأن الإشكالية تتطلب التوعية والتحسيس، وانخراط كل الدوائر في المجتمع، وبالأساس الأسرة ولكيلا يبقى هذا الموضوع من الطابوهات، كما أن المشرع مطالب باستحضار المطالب بشأن العقوبات البديلة للمقاربات الردعية سواء في القانون الجنائي أو المسطرة الجنائية.
وأمام ما وصفته بنبذ الأسرة للشخص المدمن، نبهت إلى أن الأسرة بنفسها يجب أن تعترف بوجود المشكل وتحاول أن تحتضنه بناء على مقومات الوعي والتقبل بهدف إعادة إدماج المدمن، سيما في حالة قاصر الذي يكون ضحية طيش ويعتبر الأمر مجرد نشوة.
وبعدما اعتبرت بأن الموضوع حقيقة ذو شجون، ختمت بضرورة المراقبة المستدامة للأسرة، وتكثيف مراكز محاربة الإدمان المساعد أوتوماتيكيا على تقليص الاكتظاظ في السجون.