وفي ظل هذا السياق، قررت دول الاتحاد الأوروبي، اليوم، خفض استهلاك الغاز بنسبة 15 في المئة وخفض الاعتماد على إمدادات الغاز الروسي، ضمن خطة طوارئ لتقليل استخدامها لهذه المادة الاستراتيجية في فصل الشتاء، الذي يحل باكرا في أوروبا.
ويخشى الأوروبيون من سياسة روسيا الغامضة بشأن إمدادات الغاز.
وكانت روسيا أعلنت في وقت سابق من يوليو الجاري وقف إمدادات الغاز في خط "نورد ستريم1" الذي يمد ألمانيا بالغاز لأسباب قالت إنها تتعلق بالصيانة، وبعدما عادت إمدادات الغاز، قالت موسكو إنها ستنخفض مجددا بسبب تقني لم يقنع برلين.
ويرى خبراء اقتصاديون أن الأمور تتجه نحو تسعير "حرب الطاقة" بين الروس والأوروبيين، مع تواصل الحرب العسكرية في أوكرانيا، محذرين من أن هوامش التحرك تكاد تكون معدومة أمام الأوروبيين لتعويض الغاز الروسي، خاصة أن عامل الوقت يضغط عليهم، ففصل الشتاء عادة ما يحل باكرا في البلدان الأوروبية.
ويجادل مراقبون بأن من حق موسكو توظيف أوراق قوتها ومنها ورقة الطاقة في وجه العقوبات والضغوط الغربية، فيما يرى آخرون أن إقحام لطاقة وممارسة الابتزاز فيه لا يقل خطورة عن اللعب بورقة السلع الغذائية الاستراتيجية كالقمح، وما يشكله ذلك كله من مس بالأمن الطاقي والغذائي للعالم.
ركود يلوح في الأفق
ويقول المستشار الاقتصادي المتخصص في قطاع الطاقة، عامر الشوبكي: "قفزت أسعار الغاز أوروبيا بنسبة 12 بالمئة حيث وصلت إلى أكثر من 186 يورو لكل ميغاوات ساعة، وبالتالي فهذه أسعار بالغة الارتفاع تضغط على معدلات التضخم ارتفاعا، مما يؤكد صحة التوقعات بأن أوروبا مقبلة على الدخول لمرحلة الركود الاقتصادي لا محالة خلال المرحلة القريبة القادمة".
ليس هذا وحسب، يضيف الشوبكي :"فقد ضغطت هذه الارتفاعات على أسعار النفط كذلك على خلفية توقع أن يشكل النفط بديلا للغاز الشحيح في أوروبا، وهكذا فتبادل الاتهامات بين الروس والاتحاد الأوروبي حول مَن هو على حق ومن على باطل يبدو عقيما ولا يسهم في تذليل الأزمة، حيث من السهل سوق مبررات لقطع الغاز الروسي لأسباب فنية إذا ما أرادت موسكو ذلك".
وتابع: "ومن الصعب بالمقابل تأكد الأوروبيين من صحة ذلك، وكذلك فمن السهل إطلاق التهم من قبل أوروبا بأن موسكو تتعمد تقليص إمدادات الغاز لها، وهو ما يصعب التسليم به بشكل قاطع".
وهكذا تحتد الأزمة منذرة بعواقب وخيمة سيما وأن فصل الشتاء بات على الأبواب، كما يشرح الخبير بقطاع النفط والطاقة.
ويضيف الشوبكي: "المخزونات الأوروبية من الغاز الآن يسعى الاتحاد الأوروبي لملئها بنسبة 80 بالمئة حتى شهر نوفمبر القادم، وتسعى برلين من جهتها أن يبلغ حجم مخزونها 95 بالمئة، تحسبا لاحتمال إقرار روسيا قطع الغاز كلية قبيل أو خلال الشتاء، لكن المخزونات الأوروبية حاليا نسبتها أقل من 66 في المئة، وهذا يدفع باتجاه استنزافها وبالتالي ستنخفض هذه المخزونات مع منتصف الشتاء لأقل من 20 بالمئة و هي نسبة مقلقة وخطيرة جدا".
وقال الشوبكي إن احتمال قطع الروس للغاز عن أوروبا "واقعي ووارد جدا، مما يعني يرفع درجة الطوارىء الأوروبية القصوى".
تداعيات خطيرة
وأوضح أن ذلك يتمثل في "تحويل كميات كبيرة من الغاز للاستخدامات الاجتماعية الملحة في البيوت والمستشفيات على حساب بعض الصناعات، حيث ستتوقف مصانع عن العمل بفعل شح الغاز، كما أن هناك خطط أوروبية لإستحداث مساكن وقاعات عامة كبيرة لتدفئة بعض السكان ممن يفتقدون الغاز في منازلهم ولا يستطيعون الحصول عليه في الشتاء القادم (...)".
ويضيف الشوبكي :"هذا المشهد الكارثي ينبأ بحدوث قلاقل واضطرابات اجتماعية واحتجاجات شعبية كبيرة داخل البلدان الأوروبية، نتيجة ارتفاع الأسعار وعدم توفر مصادر الطاقة، وهو ما سيدفع نحو تأجيج الصراع الاقتصادي الروسي الأوروبي، فموسكو توظف ورقة الغاز والطاقة عموما الآن استباقا لأي عقوبات أوروبية جديدة، بل لدفع الاتحاد الأوروبي للتراجع حتى عن بعض العقوبات المفروضة حاليا".
واعتبرت مفوضة الطاقة بالاتحاد الأوروبي، كادري سيمسون، إعلان شركة غازبروم الروسية العملاقة للغاز أنها ستخفض مزيدا من عمليات التسليم إلى أوروبا هذا الأسبوع خطوة بدوافع سياسية.
وأضافت سيمسون لدى وصولها إلى بروكسل لحضور اجتماع لوزراء الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي "نعرف أنه ليس هناك سبب فني للقيام بذلك، هذا تحرك بدوافع سياسية وعلينا أن نكون على استعداد لذلك".
واعتبرت رئاسة الاتحاد الأوروبي أن خفض إمدادات الغاز "دليل جديد" على وجوب عدم الاعتماد على موسكو، فيما دعت الحكومة الألمانية المواطنين إلى خفض استخدام الغاز بعد إعلان "غازبروم" خفض إمداداتها.
واعتبر نائب المستشار الألماني ووزير الشؤون الاقتصادية وحماية المناخ روبرت هابك أن روسيا تلعب "لعبة ماكرة" بإعلانها عن خفض إمدادات الغاز عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1".
سكاي نيوز عربية