العلم الإلكترونية - بقلم عبد الله البقالي
احتدمت الحملة التي تقودها الدول الغربية على تطبيق (تيك توك) بشكلٍ لافت خلال الأسابيع القليلة الماضية، ووصلت حد إعلان العديد من حكومات الدول الغربية عن قرارات زجرية ضد هذا التطبيق. والواضح أن الحرب الخافتة التي تدور رحاها بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية انتقلت إلى الفضاء الإعلامي، خصوصا الافتراضي منه.
الغرب يبرر حملته الشرسة على تطبيق (تيك توك) بالقول بأن "هذا التطبيق تملكه شركة صينية تجمع بيانات شخصية عن مستخدميه من المواطنين الأمريكيين، وترصد حركاتهم وترسلها إلى الصين، بما يسمح لسلطات بيكين بالتجسس على موظفي الحكومات الغربية وتوظيفها لغرض الدعاية وترويج معلومات مضللة"، وبالتالي فإن حكومات الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة تعي جيدا خطورة استعمال أكثر من 150 مليون مواطن أمريكي ومئات الملايين من مواطني الدول الغربية لهذا التطبيق، لأن استعمالهم للتطبيق يعني تملك السلطات الصينية لجميع المعلومات المتداولة وحتى لميولات ومواقف واختيارات الأفراد والجماعات المستخلصة من محتويات الاستعمالات، بما يمكن من توظيف كل ذلك في الحروب الاقتصادية والتجارية والديبلوماسية الدائرة رحاها بين الغرب بريادة العم سام من جهة، وجمهورية الصين كقوة اقتصادية كبيرة من جهة أخرى.
تماما، كما يدرك هذا الغرب المنافق أن استعمالات مئات الملايين من الأشخاص في مجموع بقاع العالم للتطبيقات المملوكة للشركات الغربية، خصوصا الأمريكية منها، يتيح لحكوماته ومخابراته توظيف المحتويات الشخصية والجماعية الرائجة في المنصات والتطبيقات على شبكات التواصل الاجتماعي التي تملكها كبريات الشركات الغربية. وهكذا فإن الغرب يحظر على الصين ما يبيحه لنفسه، بما يكشف عن إصرار غربي على التحكم في تملك الهيمنة على شبكات التواصل الاجتماعي.
عود على بدء، لنذكر بأن جمهورية الصين التي تضم ساكنة تتجاوز المليار ونصف نسمة، بما يمثل خمس سكان العالم، كانت قد قررت في بحر سنة 2016 إطلاق تطبيق افتراضي على شبكات التواصل الاجتماعي، بالنظر إلى أنها تتوفر على سوق استهلاكي كبير، وبالتالي حرمان الشركات الغربية من عشرات الملايين من المستعملين الزبناء، وأيضا دخول مجال المنافسة في هذا السوق التجاري الذي يذر أرباحا خيالية، وأيضا وضع حد للهيمنة الغربية على هذا المجال. وفي مدة لم تتجاوز الست سنوات أضحى التطبيق الصيني منافسا حقيقيا قويا للشركات الغربية، مما وضعه محل استهداف من طرف الغرب، الذي لا يمكن أن يفرط في هيمنته على مجال استراتيجي. وهذا ما قد تكون الحكومة الصينية تفطنت إليه بصفة مبكرة. حيث بادرت ببيع 60 بالمائة من رأسمال هذه الشركة إلى مستثمرين دوليين أجانب، ولم تعد تملك الصين سوى 20 بالمائة من رأسمال الشركة، بينما يملك 20 بالمائة المتبقية موظفو الشركة ومن ضمنهم مواطنون من دول غربية، وخصوصا من الولايات المتحدة الأمريكية.
كما أوكل أمر تدبير الشركة إلى فرق تقنية مستقرة في مدينة لوس انجليس الأمريكية وفي سنغافورة، حيث يوجد مقراها الرئيسيان، كما فتحت مكاتب للشركة في العديد من عواصم العالم، في حين ارتأت السلطات الصينية ألا يوجد أي مكتب للشركة فوق التراب الصيني. لكن أمام التطور المذهل لهذا التطبيق الذي تحول إلى منافس شرس للتطبيقات الأمريكية، حيث تشير الإحصائيات الحالية إلى أن أكثر من مليار شخص يستعمل هذا التطبيق، بمن فيهم 150 مليون أمريكي، بما يمثل حوالي 10 بالمائة من مستخدميه في العالم، وحوالي 25 بالمائة من إجمالي المشاهدات في العالم.
إن التبريرات التي يدفع بها الغرب في حملته على نظام (تيك توك) لن تكون كافية لإقناع الرأي العام الدولي بشرعيتها وجدواها، لأن الادعاء بالمساس بالأمن القومي ونشر معلومات مضللة، هو نفسه الذي ينطبق بالتدقيق وبالتفصيل على التطبيقات التي تملكها الشركات الغربية (فايسبوك وتويتر وإنستغرام وغيرها من التطبيقات الغربية(.
بينما الوجه الحقيقي للحملة، سياسي بالدرجة الأولى يتمثل في الرغبة في مواصلة الهيمنة المطلقة على محتويات تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي، بما يمكن من التحكم في الرأي العام وتوجيه صناعة القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما يفسر سياسة الإدارة الأمريكية في هذا الصدد منذ عهد الرئيس ترامب، الذي كان قد هدد بإغلاق تطبيق (تيك توك) الصيني إذا فشلت شركة (مايكروسوفت) الأمريكية، أو أي شركة أمريكية أخرى في شرائه ليدخل بيت الطاعة في السياسة الخارجية الأمريكية في هذا المجال.
وهو الخيار الذي تمسكت به الإدارة الأمريكية الحالية، التي قررت حظر تطبيق (تيك توك) على الموظفين الحكوميين الأمريكيين، وتطالب فوق ذلك بأن ينسحب التطبيق من شركة (بايت دانس) ويباع لشركة أمريكية أو سيكون مصيره الحظر الشامل.
المفارقة العجيبة والمثيرة في هذا الخلاف، الذي ترتفع درجات سخونته، تتمثل في أن نظام (تيك توك) كفضاء حر للتعبير وإبداء الآراء وتجسيد التعدد والاختلاف، أطلقه نظام سياسي مغلق لا يسمح بممارسة هذه الحقوق في الداخل، لكنه يستميت في الدفاع عنها في الخارج، بيد أن الذين يحاربون حرية الاستثمار والحق في التعبير والرأي من خلال الحرب على (تيك توك) هي دول رأسمالية ليبرالية تدافع عن هذه الحقوق في الداخل، لكنها ترفضها وتحاربها في الخارج، خصوصا إذا كانت تدار من أطراف معادية لمصالحها السياسية والاقتصادية.
احتدمت الحملة التي تقودها الدول الغربية على تطبيق (تيك توك) بشكلٍ لافت خلال الأسابيع القليلة الماضية، ووصلت حد إعلان العديد من حكومات الدول الغربية عن قرارات زجرية ضد هذا التطبيق. والواضح أن الحرب الخافتة التي تدور رحاها بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية انتقلت إلى الفضاء الإعلامي، خصوصا الافتراضي منه.
الغرب يبرر حملته الشرسة على تطبيق (تيك توك) بالقول بأن "هذا التطبيق تملكه شركة صينية تجمع بيانات شخصية عن مستخدميه من المواطنين الأمريكيين، وترصد حركاتهم وترسلها إلى الصين، بما يسمح لسلطات بيكين بالتجسس على موظفي الحكومات الغربية وتوظيفها لغرض الدعاية وترويج معلومات مضللة"، وبالتالي فإن حكومات الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة تعي جيدا خطورة استعمال أكثر من 150 مليون مواطن أمريكي ومئات الملايين من مواطني الدول الغربية لهذا التطبيق، لأن استعمالهم للتطبيق يعني تملك السلطات الصينية لجميع المعلومات المتداولة وحتى لميولات ومواقف واختيارات الأفراد والجماعات المستخلصة من محتويات الاستعمالات، بما يمكن من توظيف كل ذلك في الحروب الاقتصادية والتجارية والديبلوماسية الدائرة رحاها بين الغرب بريادة العم سام من جهة، وجمهورية الصين كقوة اقتصادية كبيرة من جهة أخرى.
تماما، كما يدرك هذا الغرب المنافق أن استعمالات مئات الملايين من الأشخاص في مجموع بقاع العالم للتطبيقات المملوكة للشركات الغربية، خصوصا الأمريكية منها، يتيح لحكوماته ومخابراته توظيف المحتويات الشخصية والجماعية الرائجة في المنصات والتطبيقات على شبكات التواصل الاجتماعي التي تملكها كبريات الشركات الغربية. وهكذا فإن الغرب يحظر على الصين ما يبيحه لنفسه، بما يكشف عن إصرار غربي على التحكم في تملك الهيمنة على شبكات التواصل الاجتماعي.
عود على بدء، لنذكر بأن جمهورية الصين التي تضم ساكنة تتجاوز المليار ونصف نسمة، بما يمثل خمس سكان العالم، كانت قد قررت في بحر سنة 2016 إطلاق تطبيق افتراضي على شبكات التواصل الاجتماعي، بالنظر إلى أنها تتوفر على سوق استهلاكي كبير، وبالتالي حرمان الشركات الغربية من عشرات الملايين من المستعملين الزبناء، وأيضا دخول مجال المنافسة في هذا السوق التجاري الذي يذر أرباحا خيالية، وأيضا وضع حد للهيمنة الغربية على هذا المجال. وفي مدة لم تتجاوز الست سنوات أضحى التطبيق الصيني منافسا حقيقيا قويا للشركات الغربية، مما وضعه محل استهداف من طرف الغرب، الذي لا يمكن أن يفرط في هيمنته على مجال استراتيجي. وهذا ما قد تكون الحكومة الصينية تفطنت إليه بصفة مبكرة. حيث بادرت ببيع 60 بالمائة من رأسمال هذه الشركة إلى مستثمرين دوليين أجانب، ولم تعد تملك الصين سوى 20 بالمائة من رأسمال الشركة، بينما يملك 20 بالمائة المتبقية موظفو الشركة ومن ضمنهم مواطنون من دول غربية، وخصوصا من الولايات المتحدة الأمريكية.
كما أوكل أمر تدبير الشركة إلى فرق تقنية مستقرة في مدينة لوس انجليس الأمريكية وفي سنغافورة، حيث يوجد مقراها الرئيسيان، كما فتحت مكاتب للشركة في العديد من عواصم العالم، في حين ارتأت السلطات الصينية ألا يوجد أي مكتب للشركة فوق التراب الصيني. لكن أمام التطور المذهل لهذا التطبيق الذي تحول إلى منافس شرس للتطبيقات الأمريكية، حيث تشير الإحصائيات الحالية إلى أن أكثر من مليار شخص يستعمل هذا التطبيق، بمن فيهم 150 مليون أمريكي، بما يمثل حوالي 10 بالمائة من مستخدميه في العالم، وحوالي 25 بالمائة من إجمالي المشاهدات في العالم.
إن التبريرات التي يدفع بها الغرب في حملته على نظام (تيك توك) لن تكون كافية لإقناع الرأي العام الدولي بشرعيتها وجدواها، لأن الادعاء بالمساس بالأمن القومي ونشر معلومات مضللة، هو نفسه الذي ينطبق بالتدقيق وبالتفصيل على التطبيقات التي تملكها الشركات الغربية (فايسبوك وتويتر وإنستغرام وغيرها من التطبيقات الغربية(.
بينما الوجه الحقيقي للحملة، سياسي بالدرجة الأولى يتمثل في الرغبة في مواصلة الهيمنة المطلقة على محتويات تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي، بما يمكن من التحكم في الرأي العام وتوجيه صناعة القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما يفسر سياسة الإدارة الأمريكية في هذا الصدد منذ عهد الرئيس ترامب، الذي كان قد هدد بإغلاق تطبيق (تيك توك) الصيني إذا فشلت شركة (مايكروسوفت) الأمريكية، أو أي شركة أمريكية أخرى في شرائه ليدخل بيت الطاعة في السياسة الخارجية الأمريكية في هذا المجال.
وهو الخيار الذي تمسكت به الإدارة الأمريكية الحالية، التي قررت حظر تطبيق (تيك توك) على الموظفين الحكوميين الأمريكيين، وتطالب فوق ذلك بأن ينسحب التطبيق من شركة (بايت دانس) ويباع لشركة أمريكية أو سيكون مصيره الحظر الشامل.
المفارقة العجيبة والمثيرة في هذا الخلاف، الذي ترتفع درجات سخونته، تتمثل في أن نظام (تيك توك) كفضاء حر للتعبير وإبداء الآراء وتجسيد التعدد والاختلاف، أطلقه نظام سياسي مغلق لا يسمح بممارسة هذه الحقوق في الداخل، لكنه يستميت في الدفاع عنها في الخارج، بيد أن الذين يحاربون حرية الاستثمار والحق في التعبير والرأي من خلال الحرب على (تيك توك) هي دول رأسمالية ليبرالية تدافع عن هذه الحقوق في الداخل، لكنها ترفضها وتحاربها في الخارج، خصوصا إذا كانت تدار من أطراف معادية لمصالحها السياسية والاقتصادية.