العلم الإلكترونية - محمد بلبشير
كانت ثورة 16 غشت 1953 الدامية و المسلحة بمدينة وجدة بمثابة المفاجأة القاسية التي ضربت الاستعمار الفرنسي، حيث لم يكن يتوقعها، و قد انطلقت بعد كلمة السر: (باسم الله) التي كانت من قيادة حزب الاستقلال بالرباط إلى مكتب الفرع بوجدة، صباح يوم الأحد 16 غشت 1953، عن طريق هاتف المرحوم المجاهد حمو بلعيد، و قد خلفت أحداثها ردود فعل قوية سواء على الصعيد الوطني أو العالمي، إذ أثيرت أحداث هذه الثورة من خلال وسائل الإعلام السمعي و المكتوب خارج الوطن، بل أكثر من ذلك فقد أثيرت داخل هيئة الأمم المتحدة التي طرح على مسئوليها أساليب العنف و القتل الجماعي، و كذا أساليب التعذيب التي نهجتها السياسة الفرنسية الاستعمارية مع المواطنين.
و حينما انكشفت المؤامرة الاستعمارية لحركة الكلاوي و الكتاني و كبار القواد و الباشوات المناوئين للملك و الشعب، توبعت خيوط هذه المؤامرة من طرف مكاتب فروع حزب الاستقلال بشرق المغرب بكل يقظة و حذر، و في تلك الفترة كانت فروع الحزب تتحدى الإدارة الفرنسية بتنظيم الإضرابات و تقديم الاحتجاجات و الاستنكارات و توجيه البرقيات و العرائض و قراءة اللطيف في المساجد و توزيع المناشر و إلصاقها على الجدران، داعية الشعب بأن يكون يقظا و حذرا و في كامل الاستعداد للتضحية و بذل كل غال و نفيس فداء للملك و الوطن.
و لما قام الكلاوي صحبة الكتاني بزيارة لمدينة وجدة و عقد اجتماعات مع ثلة من الخونة بأحد المنازل بحي بودير و الهادف إلى تنفيذ المؤامرة ضد جلالة المغفور له محمد الخامس، تشكلت جماعة من أفراد حزب الاستقلال و أعدت خطة هجومية و عملية فدائية لنسف هذا الاجتماع و القيام باغتيال الكلاوي و جماعته، إلا أن الحراسة المشددة حالت دون تنفيذ هذه العملية، و هكذا و بعد تخطيط دقيق اندلعت شرارة ثورة 16 غشت 1953 في الموعد المحدد لها، و قامت المجموعات الاستقلالية المنتظمة حسب الحرف و المهن بالعمليات المخططة لها في كل جهات المدينة بهجومات.. و خلالها تمكنت هذه المجموعات من قتل كل من وجدت في طريقها من شرطة و جواسيس و خونة و جنود.. و قامت بإحراق و تخريب و إتلاف الدور و المحلات و مراكز من كان يناصر السياسة الاستعمارية و من كان يعلن عداءه للملك و الوطن و الشعب، و هكذا بلغ عدد القتلى الذين سقطوا على يد الثائرين المجاهدين في مساء الثورة 29 قتيلا، فيما أصيب أزيد من خمسين من الخونة بإصابات خطيرة، في حين استشهد عدد من الثوار المجاهدين المغاربة.. كما استشهد 14 مجاهدا اختناقا في زنزانة بمركز الشرطة، و قد استمت المعارك الدامية بوجدة رغم نزول جيش الاحتلال بكثافة إلى الشوارع و إطلاق الرصاص في كل اتجاه و صوب على المجاهدين، و لم تتوقف هذه المعارك إلا بعد ما تدخلت الدبابات و المصفحات بالسلاح الثقيل و اكتسحت المدينة...
كانت ثورة 16 غشت 1953 الدامية و المسلحة بمدينة وجدة بمثابة المفاجأة القاسية التي ضربت الاستعمار الفرنسي، حيث لم يكن يتوقعها، و قد انطلقت بعد كلمة السر: (باسم الله) التي كانت من قيادة حزب الاستقلال بالرباط إلى مكتب الفرع بوجدة، صباح يوم الأحد 16 غشت 1953، عن طريق هاتف المرحوم المجاهد حمو بلعيد، و قد خلفت أحداثها ردود فعل قوية سواء على الصعيد الوطني أو العالمي، إذ أثيرت أحداث هذه الثورة من خلال وسائل الإعلام السمعي و المكتوب خارج الوطن، بل أكثر من ذلك فقد أثيرت داخل هيئة الأمم المتحدة التي طرح على مسئوليها أساليب العنف و القتل الجماعي، و كذا أساليب التعذيب التي نهجتها السياسة الفرنسية الاستعمارية مع المواطنين.
و حينما انكشفت المؤامرة الاستعمارية لحركة الكلاوي و الكتاني و كبار القواد و الباشوات المناوئين للملك و الشعب، توبعت خيوط هذه المؤامرة من طرف مكاتب فروع حزب الاستقلال بشرق المغرب بكل يقظة و حذر، و في تلك الفترة كانت فروع الحزب تتحدى الإدارة الفرنسية بتنظيم الإضرابات و تقديم الاحتجاجات و الاستنكارات و توجيه البرقيات و العرائض و قراءة اللطيف في المساجد و توزيع المناشر و إلصاقها على الجدران، داعية الشعب بأن يكون يقظا و حذرا و في كامل الاستعداد للتضحية و بذل كل غال و نفيس فداء للملك و الوطن.
و لما قام الكلاوي صحبة الكتاني بزيارة لمدينة وجدة و عقد اجتماعات مع ثلة من الخونة بأحد المنازل بحي بودير و الهادف إلى تنفيذ المؤامرة ضد جلالة المغفور له محمد الخامس، تشكلت جماعة من أفراد حزب الاستقلال و أعدت خطة هجومية و عملية فدائية لنسف هذا الاجتماع و القيام باغتيال الكلاوي و جماعته، إلا أن الحراسة المشددة حالت دون تنفيذ هذه العملية، و هكذا و بعد تخطيط دقيق اندلعت شرارة ثورة 16 غشت 1953 في الموعد المحدد لها، و قامت المجموعات الاستقلالية المنتظمة حسب الحرف و المهن بالعمليات المخططة لها في كل جهات المدينة بهجومات.. و خلالها تمكنت هذه المجموعات من قتل كل من وجدت في طريقها من شرطة و جواسيس و خونة و جنود.. و قامت بإحراق و تخريب و إتلاف الدور و المحلات و مراكز من كان يناصر السياسة الاستعمارية و من كان يعلن عداءه للملك و الوطن و الشعب، و هكذا بلغ عدد القتلى الذين سقطوا على يد الثائرين المجاهدين في مساء الثورة 29 قتيلا، فيما أصيب أزيد من خمسين من الخونة بإصابات خطيرة، في حين استشهد عدد من الثوار المجاهدين المغاربة.. كما استشهد 14 مجاهدا اختناقا في زنزانة بمركز الشرطة، و قد استمت المعارك الدامية بوجدة رغم نزول جيش الاحتلال بكثافة إلى الشوارع و إطلاق الرصاص في كل اتجاه و صوب على المجاهدين، و لم تتوقف هذه المعارك إلا بعد ما تدخلت الدبابات و المصفحات بالسلاح الثقيل و اكتسحت المدينة...
شهادات في حق ثورة 16 غشت 1953:
لقد جاء في خطاب جلالة الملك المغفور له محمد الخامس قدس الله روحه خلال زيارته لوجدة في شهر شتنبر 1956: "لقد كانت مدينتكم الزاهرة هذه في طليعة المدن التي اقتحمت بشجاعة غمرة الكفاح المستميت دفاعا عن كرامة العرش، و من أجل استرداد حرية البلاد و استقلالها، طيب الله ثرى الشهداء، و سقاهم بما صبروا جنة عالية، و أحلهم عنده مقعد أوليائه من النبيئين و الشهداء و الصالحين".
و قال جلالة المغفور له الحسن الثاني لدى استقباله لأعضاء مكتب أنكاد المغرب الشرقي يوم 06 دجنبر1994: "و كانت مدينة وجدة أعطت انطلاقة ثورة الشعب، ذلك الشعب الذي كان يحس بأن المأساة اقتربت، و أن المسألة سوف تنتهي و لابد أن تنتهي، إما بنفي الملك، و إما بتراجع الاستعمار، و صار ما صار، و أراد الله أن يكون اسمي شخصيا مقرونا بتلك الأحداث التي جرت في وجدة، الشيء الذي جعلني أحال غيابيا على المحكمة العسكرية و نحن في المنفى.."
و مما جاء في خطاب جلالة الملك محمد السادس حفظه الله الذي ألقاه بمدينة وجدة بمناسبة السنة الدولية لثقافة السلام: ".. و يكفي أن نذكر هنا ثورة 16 غشت 1953 و مشاعر الوطنية الحقة التي واجهت بها مدينة وجدة المجاهدة الاستعمار آنذاك، كما سبق أن اختارها جدنا محمد الخامس قدس الله روحه، ليوجه منها باسم الضمير العالمي نداءه التاريخي، لتعميم نعمة الاستقلال على جميع أقطار المغرب العربي و شعوبه و ضمان الوئام و السلام و الانسجام بين بلداننا و بينها و بين باقي دول العالم.."
و قال الأستاذ عباس الفاسي الأمين العام السابق لحزب الاستقلال بمناسبة الذكرى 46 لانتفاضة 16 غشت 53: " و إذا كانت انتفاضة 16 غشت 1953 و ثورة الملك و الشعب بداية لنهاية الاستعمار في بلادنا، فإنها كانت امتدادا لسلسلة الحلقات التي حفل بها الشعب المغربي من أجل العزة و الكرامة و التحرر.."
و من كلمة المجاهد أبو بكر القادري في الذكرى 47 لثورة 16 غشت 53 بوجدة: "لقد كانت ثورة 16 غشت1953 الشرارة الأولى لاستقلال المغرب و كانت مدينة وجدة وطنية برجالها و نسائها و أطفالها و حتى بجدرانها و سطوحها، حتى أن الفرنسيين ارتاعوا لما أدركوا أن أزيد من 70% من سكان وجدة انخرطوا في حزب الاستقلال..".
"الشعب يتحرك، وجدة تبدأ العمل الايجابي" تحت هذا العنوان تحدث الأستاذ عبد الكريم غلاب عن ثورة وجدة في كتابه (تاريخ الحركة الوطنية بالمغرب)، الجزء 2.. حيث يقول: "و في وجدة لم تكن المظاهرة متروكة للتلقائية، و الإحساس العاطفي، و لم يتجمع المتظاهرون ليقرؤوا اللطيف في المساجد و يجهروا به في الشوارع، و إنما اندفعوا في تنظيم محكم للهجوم على المناطق السكنية في الحي الجديد في المدينة، حيث يسكن الأوربيون، و قد بدا منهم تعاطف مع مخطط الإقامة العامة، و قد كان برونيل حاكم الناحية و الحجوي باشا المدينة في مقدمة من تحالف مع عصابة المتآمرين على المشروعية، و لهذا اندفعت الجماهير يوم 16 غشت لتعبر عن سخطها بأعمال عنف اصطدمت فيها مع الشرطة و مع المستوطنين الأجانب في معارك بالسلاح الأبيض، حيث قتل العديد، و حصدت الشرطة العديد من المتظاهرين و قدمت الوطنيين للمحكمة العسكرية الفرنسية.
لقد جاء في خطاب جلالة الملك المغفور له محمد الخامس قدس الله روحه خلال زيارته لوجدة في شهر شتنبر 1956: "لقد كانت مدينتكم الزاهرة هذه في طليعة المدن التي اقتحمت بشجاعة غمرة الكفاح المستميت دفاعا عن كرامة العرش، و من أجل استرداد حرية البلاد و استقلالها، طيب الله ثرى الشهداء، و سقاهم بما صبروا جنة عالية، و أحلهم عنده مقعد أوليائه من النبيئين و الشهداء و الصالحين".
و قال جلالة المغفور له الحسن الثاني لدى استقباله لأعضاء مكتب أنكاد المغرب الشرقي يوم 06 دجنبر1994: "و كانت مدينة وجدة أعطت انطلاقة ثورة الشعب، ذلك الشعب الذي كان يحس بأن المأساة اقتربت، و أن المسألة سوف تنتهي و لابد أن تنتهي، إما بنفي الملك، و إما بتراجع الاستعمار، و صار ما صار، و أراد الله أن يكون اسمي شخصيا مقرونا بتلك الأحداث التي جرت في وجدة، الشيء الذي جعلني أحال غيابيا على المحكمة العسكرية و نحن في المنفى.."
و مما جاء في خطاب جلالة الملك محمد السادس حفظه الله الذي ألقاه بمدينة وجدة بمناسبة السنة الدولية لثقافة السلام: ".. و يكفي أن نذكر هنا ثورة 16 غشت 1953 و مشاعر الوطنية الحقة التي واجهت بها مدينة وجدة المجاهدة الاستعمار آنذاك، كما سبق أن اختارها جدنا محمد الخامس قدس الله روحه، ليوجه منها باسم الضمير العالمي نداءه التاريخي، لتعميم نعمة الاستقلال على جميع أقطار المغرب العربي و شعوبه و ضمان الوئام و السلام و الانسجام بين بلداننا و بينها و بين باقي دول العالم.."
و قال الأستاذ عباس الفاسي الأمين العام السابق لحزب الاستقلال بمناسبة الذكرى 46 لانتفاضة 16 غشت 53: " و إذا كانت انتفاضة 16 غشت 1953 و ثورة الملك و الشعب بداية لنهاية الاستعمار في بلادنا، فإنها كانت امتدادا لسلسلة الحلقات التي حفل بها الشعب المغربي من أجل العزة و الكرامة و التحرر.."
و من كلمة المجاهد أبو بكر القادري في الذكرى 47 لثورة 16 غشت 53 بوجدة: "لقد كانت ثورة 16 غشت1953 الشرارة الأولى لاستقلال المغرب و كانت مدينة وجدة وطنية برجالها و نسائها و أطفالها و حتى بجدرانها و سطوحها، حتى أن الفرنسيين ارتاعوا لما أدركوا أن أزيد من 70% من سكان وجدة انخرطوا في حزب الاستقلال..".
"الشعب يتحرك، وجدة تبدأ العمل الايجابي" تحت هذا العنوان تحدث الأستاذ عبد الكريم غلاب عن ثورة وجدة في كتابه (تاريخ الحركة الوطنية بالمغرب)، الجزء 2.. حيث يقول: "و في وجدة لم تكن المظاهرة متروكة للتلقائية، و الإحساس العاطفي، و لم يتجمع المتظاهرون ليقرؤوا اللطيف في المساجد و يجهروا به في الشوارع، و إنما اندفعوا في تنظيم محكم للهجوم على المناطق السكنية في الحي الجديد في المدينة، حيث يسكن الأوربيون، و قد بدا منهم تعاطف مع مخطط الإقامة العامة، و قد كان برونيل حاكم الناحية و الحجوي باشا المدينة في مقدمة من تحالف مع عصابة المتآمرين على المشروعية، و لهذا اندفعت الجماهير يوم 16 غشت لتعبر عن سخطها بأعمال عنف اصطدمت فيها مع الشرطة و مع المستوطنين الأجانب في معارك بالسلاح الأبيض، حيث قتل العديد، و حصدت الشرطة العديد من المتظاهرين و قدمت الوطنيين للمحكمة العسكرية الفرنسية.
شهادة المجاهد المرحوم عبد الرحمان حجيرة: حزب الاستقلال تحدى الاستعمار و خطط لاسترجاع سيادة البلاد!!
خلال إحياء الذكرى 46 لاندلاع الثورة أدلى المرحوم المجاهد عبد الرحمان حجيرة بشهادة في الموضوع حيث قال: نتيجة لهذه الثورة و ما عرفته من معارك دامية، تعرض المواطنون الاستقلاليون الذين تم اعتقالهم إلى بطش فظيع و تعذيب وحشي و مخزني يستحيي المرء من ذكره من لدن المختصين و من لدن الجلادين سواء بمركز الشرطة أو بالسجون التي قضوا بها مدة اعتقالهم، و قد أصيب العديد منهم بعاهات أثرت على صحتهم.. و هكذا كانت ثورة 16 غشت 1953 بداية انطلاق مقاومة مسلحة و بداية تأسيس جيش تحرير وطني. و نتيجة لها ألقي القبض على الكثير من المجاهدين، فبلغ عدد المحكومين لدى المحكمة العسكرية بوجدة 96 من بينهم 15 حوكموا بالإعدام، 7 حضوريا و 8 غيابيا، التجئوا إلى المنطقة الشمالية، و هناك ساهموا في توطيد الاتصال بين جميع الإخوة الذين التجئوا مثلهم و ممن نجوا من الاعتقال و تركيز حركة المقاومة و جيش التحرير. أما المحكومين من طرف المحاكم العادية فكان عددهم يعد بالمئات .
لقد مضت فترة من الأهمية بمكان عن هذا الحدث الخالد، و كانت المنطقة الشرقية هي السباقة لخوض الجهاد كلما دعا الوطن لذلك، كما كانت الحصن الحصين في التصدي للعدوان و الوقوف في وجه الاستعمار و كل من خولت له نفسه الاعتداء عèلى سيادة الوطن.. ان انتفاضة 16 غشت دخلت دائرة الضوء بالرغم من كل شيء.. و ستبقى خالدة، و ها هي اليوم تفقد كل سنة العديد من أبنائها و صانعيها البررة، هؤلاء الذين أعطوا لهذا الوطن الشيء الكثير، و ضحوا بالغالي و النفيس سواء أيام معركة الكفاح ضد الاستعمار أو لدى بناء صرح الاستقلال.. لقد كانت نية المستعمر القضاء على السيادة المغربية و دفن الحركة الوطنية الشيء الذي أغضب المواطنين الأوفياء الذين ملئت صدورهم إيمانا بالدفاع عن كرامتهم و كرامة بلدهم.. أما في وجدة و بعد أن أعطت قيادة حزب الاستقلال بالرباط تعليماتها في الموضوع، و كان فرع الحزب بقيادة المناضل عبد الله بن عبد الواحد الزجلي يخطط للعمل الدفاعي، و من هنا يبدأ الحدث الهام في تاريخ مغربنا الحافل بالأمجاد، نظرا للصدى الواسع الذي خلفه داخل الوطن و خارجه.. الحدث الذي لفت أنظار العديد من رؤساء و ملوك الدول الإسلامية ممن تضامنوا مع شعب المغرب في نضاله المسلح الذي انطلق بانطلاق ثورة 16 غشت 1953.. و قال المرحوم من جهة أخرى: ان هذه الثورة لم تكن مظاهرة تلقائية أو عفوية كما يحسبها البعض، بل كانت ثورة صنعها و خططها الدهاة و نفذها الشجعان البواسل و استغلها الخونة.. و كانت ثورة أدت إليها تطورات عرفها وطننا العزيز، كانت نتيجة اليأس الذي غمر قلوب المغاربة الذين علموا بأن الاستعمار لا يمكن أن يفكر في مصلحة وطن ما أو أمة ما.. لقد شعروا بنهاية الحوار، و أصبح من المفروض تغيير الأساليب التي يجب أن يعامل بها المستعمر الدخيل..
هذا و قد تجند عدد كبير من شباب وجدة قبل قيام الثورة لكتابة مناشير محرضة تدعو إلى الثورة، وزعت في أرجاء المدينة، و مما جاء فيها: ( أيها الشعب الوجدي، لا تتأخر في إراقة دمك لحماية ملكك و تحرير وطنك.) و خلالها تم تجديد القسم بالنسبة لكافة خلايا الحزب استعدادا لكل الطوارئ.
و كانت بركان و أحفير و قبائل بني يزناسن و كذا القرى و المداشر حاضرة بقوة في معركة الاستقلال، فبقدر ما كانت الإدارة الاستعمارية تحاول بكل وسائل الدعاية و الإغراء و التهديدات و الإرهاب شل حركة حزب الاستقلال في بركان و أحفير و تريفة و تافوغالت و قبائل بني يزناسن بقدر ما كان المد الثوري و التحرري يتسع و يزداد و يترعرع في أوساط المواطنين.. و هكذا و صباح يوم الاثنين 17 غشت 1953 واجهت الحشود المتظاهرة في كل من أبركان و تافوغالت قوة عسكرية هائلة مجهزة بعشرات الدبابات و المدرعات و المصفحات التي كانت و كأنها في حالة حرب حقيقية، و قد نتجت عن الاصطدامات و المواجهات عدة اعتقالات أدت بعدد من المناضلين إلى المحاكمات و السجون و أنواع التعذيب.
خلال إحياء الذكرى 46 لاندلاع الثورة أدلى المرحوم المجاهد عبد الرحمان حجيرة بشهادة في الموضوع حيث قال: نتيجة لهذه الثورة و ما عرفته من معارك دامية، تعرض المواطنون الاستقلاليون الذين تم اعتقالهم إلى بطش فظيع و تعذيب وحشي و مخزني يستحيي المرء من ذكره من لدن المختصين و من لدن الجلادين سواء بمركز الشرطة أو بالسجون التي قضوا بها مدة اعتقالهم، و قد أصيب العديد منهم بعاهات أثرت على صحتهم.. و هكذا كانت ثورة 16 غشت 1953 بداية انطلاق مقاومة مسلحة و بداية تأسيس جيش تحرير وطني. و نتيجة لها ألقي القبض على الكثير من المجاهدين، فبلغ عدد المحكومين لدى المحكمة العسكرية بوجدة 96 من بينهم 15 حوكموا بالإعدام، 7 حضوريا و 8 غيابيا، التجئوا إلى المنطقة الشمالية، و هناك ساهموا في توطيد الاتصال بين جميع الإخوة الذين التجئوا مثلهم و ممن نجوا من الاعتقال و تركيز حركة المقاومة و جيش التحرير. أما المحكومين من طرف المحاكم العادية فكان عددهم يعد بالمئات .
لقد مضت فترة من الأهمية بمكان عن هذا الحدث الخالد، و كانت المنطقة الشرقية هي السباقة لخوض الجهاد كلما دعا الوطن لذلك، كما كانت الحصن الحصين في التصدي للعدوان و الوقوف في وجه الاستعمار و كل من خولت له نفسه الاعتداء عèلى سيادة الوطن.. ان انتفاضة 16 غشت دخلت دائرة الضوء بالرغم من كل شيء.. و ستبقى خالدة، و ها هي اليوم تفقد كل سنة العديد من أبنائها و صانعيها البررة، هؤلاء الذين أعطوا لهذا الوطن الشيء الكثير، و ضحوا بالغالي و النفيس سواء أيام معركة الكفاح ضد الاستعمار أو لدى بناء صرح الاستقلال.. لقد كانت نية المستعمر القضاء على السيادة المغربية و دفن الحركة الوطنية الشيء الذي أغضب المواطنين الأوفياء الذين ملئت صدورهم إيمانا بالدفاع عن كرامتهم و كرامة بلدهم.. أما في وجدة و بعد أن أعطت قيادة حزب الاستقلال بالرباط تعليماتها في الموضوع، و كان فرع الحزب بقيادة المناضل عبد الله بن عبد الواحد الزجلي يخطط للعمل الدفاعي، و من هنا يبدأ الحدث الهام في تاريخ مغربنا الحافل بالأمجاد، نظرا للصدى الواسع الذي خلفه داخل الوطن و خارجه.. الحدث الذي لفت أنظار العديد من رؤساء و ملوك الدول الإسلامية ممن تضامنوا مع شعب المغرب في نضاله المسلح الذي انطلق بانطلاق ثورة 16 غشت 1953.. و قال المرحوم من جهة أخرى: ان هذه الثورة لم تكن مظاهرة تلقائية أو عفوية كما يحسبها البعض، بل كانت ثورة صنعها و خططها الدهاة و نفذها الشجعان البواسل و استغلها الخونة.. و كانت ثورة أدت إليها تطورات عرفها وطننا العزيز، كانت نتيجة اليأس الذي غمر قلوب المغاربة الذين علموا بأن الاستعمار لا يمكن أن يفكر في مصلحة وطن ما أو أمة ما.. لقد شعروا بنهاية الحوار، و أصبح من المفروض تغيير الأساليب التي يجب أن يعامل بها المستعمر الدخيل..
هذا و قد تجند عدد كبير من شباب وجدة قبل قيام الثورة لكتابة مناشير محرضة تدعو إلى الثورة، وزعت في أرجاء المدينة، و مما جاء فيها: ( أيها الشعب الوجدي، لا تتأخر في إراقة دمك لحماية ملكك و تحرير وطنك.) و خلالها تم تجديد القسم بالنسبة لكافة خلايا الحزب استعدادا لكل الطوارئ.
و كانت بركان و أحفير و قبائل بني يزناسن و كذا القرى و المداشر حاضرة بقوة في معركة الاستقلال، فبقدر ما كانت الإدارة الاستعمارية تحاول بكل وسائل الدعاية و الإغراء و التهديدات و الإرهاب شل حركة حزب الاستقلال في بركان و أحفير و تريفة و تافوغالت و قبائل بني يزناسن بقدر ما كان المد الثوري و التحرري يتسع و يزداد و يترعرع في أوساط المواطنين.. و هكذا و صباح يوم الاثنين 17 غشت 1953 واجهت الحشود المتظاهرة في كل من أبركان و تافوغالت قوة عسكرية هائلة مجهزة بعشرات الدبابات و المدرعات و المصفحات التي كانت و كأنها في حالة حرب حقيقية، و قد نتجت عن الاصطدامات و المواجهات عدة اعتقالات أدت بعدد من المناضلين إلى المحاكمات و السجون و أنواع التعذيب.
شهادة المرحوم الحاج عبد الله بن محمد بن عبد الواحد زجلي رئيس منظمة ثورة 16 غشت 53:
عاش هذا الوطني الغيور رحمه الله طيلة أيامه في شبابه و رجولته مناضلا على جبهتين، الجبهة السياسية في حزب الاستقلال، الحزب العتيد الذي أخذ على عاتقه بفضل مناضليه الوطنيين المجاهدين أن يتخلص من نير الاستعمار و الواقع على أرقاب المغاربة، هذا الاستعمار الذي حاول بجميع الأساليب –يقول سيدي عبد الله زجلي في مذكرته التي عنونها ب "من أجل وطني" أن يمحو كل مقومات الأمة المغربية: أن يبعدها عن دينها الحنيف و عن لغتها عنوان هويتها و عن تاريخها المجيد و يلبسها شخصية أجنبية.. كما ناضل هذا المقاوم بالجبهة المسلحة في شكل إشراف على خلاياها.. و من خلال مذكرات رئيس المنظمة أن من أهم ما سجله التاريخ المعاصر لساكنة مدينة وجدة و مناضليها الأحرار هو يوم انتفاضة 16 غشت الخالدة سنة 1953، هذه الانتفاضة التي اندلعت شرارتها الباهرة دفاعا عن حوزة الأمة و كرامتها و سؤددها و مقدساتها.. انتفاضة تعالت فيها الأصوات و بحت مهللة مكبرة بحياة الملك راعي الأمة، و داعية لسقوط الاستعمار و جلائه الى ما وراء البحار.. انتفاضة تناغمت فيها أصوات مناضليها و صانعيها في عنان السماء و على بساط الأرض، هم متماسكون متحمسون صامدون في مواجهة العدو اللدود غايتهم الهمة و العلا لشعب سئم مرارة الذل و قسوة الحياة في ظل محتل عنيد جبار.. انتفاضة أشعرت العالم بما يحاك و يخطط له هذا المستعمر يومه في الخفاء من دسائس و مؤامرات خطيرة لإخضاع الملك و شعبه لإرادته، و للقضاء على كيان هذه الأمة و قيمها و حضارتها. هذه الانتفاضة لا تعدو كونها حلقة من سلسلة حلقات الكفاح الوطني التي تكونت كحركة وطنية سياسية في العقد الثالث من القرن العشرين بعد ثورة الريف، و من الأوائل الذين التحقوا بهذه الحركة الوطنية هم نخبة من شباب مدينة وجدة الذين كان سلاحهم قوة العزيمة و الدفاع عن سيادة الأمة..
و عن دور حزب الاستقلال في التخطيط للثورة و بصفته كان مسئولا عن الفرع قال المجاهد عبد الله زجلي تغمده الله برحمته الواسعة: لقد استغلت السلطات العامة بالمغرب أحداث سنة 1948 للقضاء على الحركة الوطنية، و فكرت في إبعاد المسئولين عن الحزب بوجدة و نواحيها، علما أن بوجدة كان المناضل محمد الدرفوفي مسئولا عن الحزب، و المناضل قدور الورطاسي بأبركان، و المناضل أحمد أفرج بمنطقة فجيج، و هكذا عمل الاستعمار على إبعاد كل من رآهم يسيرون دواليب الحزب و وضعهم تحت الإقامة الإجبارية، و لقد اعتقد أنه أنهى الأمر مع وجدة بإقصائه لكل المسئولين السياسيين و النقابيين حيث و في ظرف 5 سنوات ما بين 48 و 53 كانت الحركة الوطنية بوجدة و الإقليم أقوى مما كانت عليه من قبل، إلى درجة جعلت الجيوش الفرنسية و الإقامة تفاجأ أمام اندلاع الثورة و هذا بفضل حنكة الحزب بتخطيطاته.. كان من وراء ذلك 3 عوامل رئيسية أثارت غضب الفرنسيين فجعلتهم ينتقمون من كل من وجدوه أمامهم: العامل الأول هو انتشار الوعي الوطني و في مدة 5 سنوات، العامل الثاني: انتقال هذا الوعي من وجدة إلى جل نقط الإقليم.. أما العامل الثالث: تخوف المستعمر من تسرب هذا الوعي عبر الحدود المغربية الجزائرية إلى القطر الجزائري..
لقد رحل عن دنيانا عدد من المقاومين و رجال جيش التحرير الذين انتقلوا إلى رحمة الله و هم غير راضين عن أحوالهم بعد أن تركوا أسرا تئن تحت وطأة الحاجة و الفقر، و غير راضين أيضا عن الوضعية التي آلت إليها البلاد في غياب القيم الأخلاقية.. و المقاومون الذين كان لهم شرف الإسهام في تحرير الوطن و فكه من نير العبودية و الاستعمار، أصبحوا الآن في أوضاع تقتضي العناية، نظرا لتقدمهم في السن، و نظرا أيضا لأمراض الشيخوخة المزمنة المتنوعة و المتفاوتة الجسامة التي تهدد صحتهم و أبدانهم..
و من كلمة المجاهد أبو بكر القادري في الذكرى 47 لثورة 16 غشت 53 بوجدة: "لقد كانت ثورة 16 غشت1953 الشرارة الأولى لاستقلال المغرب و كانت مدينة وجدة وطنية برجالها و نسائها و أطفالها و حتى بجدرانها و سطوحها، حتى أن الفرنسيين ارتاعوا لما أدركوا أن أزيد من 70% من سكان وجدة انخرطوا في حزب الاستقلال.."
"الشعب يتحرك، وجدة تبدأ العمل الايجابي" تحت هذا العنوان تحدث الأستاذ عبد الكريم غلاب عن ثورة وجدة في كتابه (تاريخ الحركة الوطنية بالمغرب)، الجزء 2.. حيث يقول: "و في وجدة لم تكن المظاهرة متروكة للتلقائية، و الإحساس العاطفي، و لم يتجمع المتظاهرون ليقرؤوا اللطيف في المساجد و يجهروا به في الشوارع، و إنما اندفعوا في تنظيم محكم للهجوم على المناطق السكنية في الحي الجديد في المدينة، حيث يسكن الأوربيون، و قد بدا منهم تعاطف مع مخطط الإقامة العامة، و قد كان برونيل حاكم الناحية و الحجوي باشا المدينة في مقدمة من تحالف مع عصابة المتآمرين على المشروعية، و لهذا اندفعت الجماهير يوم 16 غشت لتعبر عن سخطها بأعمال عنف اصطدمت فيها مع الشرطة و مع المستوطنين الأجانب في معارك بالسلاح الأبيض، حيث قتل العديد، و حصدت الشرطة العديد من المتظاهرين و قدمت الوطنيين للمحكمة العسكرية الفرنسية.
و من خلال إحيائها لذكرى الانتفاضة كل سنة، مازالت منظمة ثورة 16 غشت 53 تطالب بمراجعة القوانين التي وضعت في الأصل إطارا للمقاومين و أعضاء جيش التحرير، و التي كشف الزمن عن خلل في بعض جوانبها، مما ألحق الضرر بهذه الفئة و بأبنائها و أسرها ماديا و معنويا.. و هناك قوانين لم توضع على أرض الواقع من أجل التطبيق رغم أن صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه أبرزها إلى الوجود و لسبب من الأسباب بقيت طريحة الرفوف، و تريد المنظمة بعد كل هذا أن يوثق المغرب لهذه الفترة من تاريخ بلادنا عن طريق تدوين ما أظهره أبناء شعبنا من ملاحم و بطولات في مقاومة الاستعمار الغاشم لانتزاع الاستقلال الذي كان ثمرة تضحيات جسام، و كفاح مرير أريقت فيه دماء، و قدم فيه الوطنيون شهداء من خيرة أبناء هذا الوطن، و هذا ما يجب أن تعيه الأجيال الحاضرة و اللاحقة...
عاش هذا الوطني الغيور رحمه الله طيلة أيامه في شبابه و رجولته مناضلا على جبهتين، الجبهة السياسية في حزب الاستقلال، الحزب العتيد الذي أخذ على عاتقه بفضل مناضليه الوطنيين المجاهدين أن يتخلص من نير الاستعمار و الواقع على أرقاب المغاربة، هذا الاستعمار الذي حاول بجميع الأساليب –يقول سيدي عبد الله زجلي في مذكرته التي عنونها ب "من أجل وطني" أن يمحو كل مقومات الأمة المغربية: أن يبعدها عن دينها الحنيف و عن لغتها عنوان هويتها و عن تاريخها المجيد و يلبسها شخصية أجنبية.. كما ناضل هذا المقاوم بالجبهة المسلحة في شكل إشراف على خلاياها.. و من خلال مذكرات رئيس المنظمة أن من أهم ما سجله التاريخ المعاصر لساكنة مدينة وجدة و مناضليها الأحرار هو يوم انتفاضة 16 غشت الخالدة سنة 1953، هذه الانتفاضة التي اندلعت شرارتها الباهرة دفاعا عن حوزة الأمة و كرامتها و سؤددها و مقدساتها.. انتفاضة تعالت فيها الأصوات و بحت مهللة مكبرة بحياة الملك راعي الأمة، و داعية لسقوط الاستعمار و جلائه الى ما وراء البحار.. انتفاضة تناغمت فيها أصوات مناضليها و صانعيها في عنان السماء و على بساط الأرض، هم متماسكون متحمسون صامدون في مواجهة العدو اللدود غايتهم الهمة و العلا لشعب سئم مرارة الذل و قسوة الحياة في ظل محتل عنيد جبار.. انتفاضة أشعرت العالم بما يحاك و يخطط له هذا المستعمر يومه في الخفاء من دسائس و مؤامرات خطيرة لإخضاع الملك و شعبه لإرادته، و للقضاء على كيان هذه الأمة و قيمها و حضارتها. هذه الانتفاضة لا تعدو كونها حلقة من سلسلة حلقات الكفاح الوطني التي تكونت كحركة وطنية سياسية في العقد الثالث من القرن العشرين بعد ثورة الريف، و من الأوائل الذين التحقوا بهذه الحركة الوطنية هم نخبة من شباب مدينة وجدة الذين كان سلاحهم قوة العزيمة و الدفاع عن سيادة الأمة..
و عن دور حزب الاستقلال في التخطيط للثورة و بصفته كان مسئولا عن الفرع قال المجاهد عبد الله زجلي تغمده الله برحمته الواسعة: لقد استغلت السلطات العامة بالمغرب أحداث سنة 1948 للقضاء على الحركة الوطنية، و فكرت في إبعاد المسئولين عن الحزب بوجدة و نواحيها، علما أن بوجدة كان المناضل محمد الدرفوفي مسئولا عن الحزب، و المناضل قدور الورطاسي بأبركان، و المناضل أحمد أفرج بمنطقة فجيج، و هكذا عمل الاستعمار على إبعاد كل من رآهم يسيرون دواليب الحزب و وضعهم تحت الإقامة الإجبارية، و لقد اعتقد أنه أنهى الأمر مع وجدة بإقصائه لكل المسئولين السياسيين و النقابيين حيث و في ظرف 5 سنوات ما بين 48 و 53 كانت الحركة الوطنية بوجدة و الإقليم أقوى مما كانت عليه من قبل، إلى درجة جعلت الجيوش الفرنسية و الإقامة تفاجأ أمام اندلاع الثورة و هذا بفضل حنكة الحزب بتخطيطاته.. كان من وراء ذلك 3 عوامل رئيسية أثارت غضب الفرنسيين فجعلتهم ينتقمون من كل من وجدوه أمامهم: العامل الأول هو انتشار الوعي الوطني و في مدة 5 سنوات، العامل الثاني: انتقال هذا الوعي من وجدة إلى جل نقط الإقليم.. أما العامل الثالث: تخوف المستعمر من تسرب هذا الوعي عبر الحدود المغربية الجزائرية إلى القطر الجزائري..
لقد رحل عن دنيانا عدد من المقاومين و رجال جيش التحرير الذين انتقلوا إلى رحمة الله و هم غير راضين عن أحوالهم بعد أن تركوا أسرا تئن تحت وطأة الحاجة و الفقر، و غير راضين أيضا عن الوضعية التي آلت إليها البلاد في غياب القيم الأخلاقية.. و المقاومون الذين كان لهم شرف الإسهام في تحرير الوطن و فكه من نير العبودية و الاستعمار، أصبحوا الآن في أوضاع تقتضي العناية، نظرا لتقدمهم في السن، و نظرا أيضا لأمراض الشيخوخة المزمنة المتنوعة و المتفاوتة الجسامة التي تهدد صحتهم و أبدانهم..
و من كلمة المجاهد أبو بكر القادري في الذكرى 47 لثورة 16 غشت 53 بوجدة: "لقد كانت ثورة 16 غشت1953 الشرارة الأولى لاستقلال المغرب و كانت مدينة وجدة وطنية برجالها و نسائها و أطفالها و حتى بجدرانها و سطوحها، حتى أن الفرنسيين ارتاعوا لما أدركوا أن أزيد من 70% من سكان وجدة انخرطوا في حزب الاستقلال.."
"الشعب يتحرك، وجدة تبدأ العمل الايجابي" تحت هذا العنوان تحدث الأستاذ عبد الكريم غلاب عن ثورة وجدة في كتابه (تاريخ الحركة الوطنية بالمغرب)، الجزء 2.. حيث يقول: "و في وجدة لم تكن المظاهرة متروكة للتلقائية، و الإحساس العاطفي، و لم يتجمع المتظاهرون ليقرؤوا اللطيف في المساجد و يجهروا به في الشوارع، و إنما اندفعوا في تنظيم محكم للهجوم على المناطق السكنية في الحي الجديد في المدينة، حيث يسكن الأوربيون، و قد بدا منهم تعاطف مع مخطط الإقامة العامة، و قد كان برونيل حاكم الناحية و الحجوي باشا المدينة في مقدمة من تحالف مع عصابة المتآمرين على المشروعية، و لهذا اندفعت الجماهير يوم 16 غشت لتعبر عن سخطها بأعمال عنف اصطدمت فيها مع الشرطة و مع المستوطنين الأجانب في معارك بالسلاح الأبيض، حيث قتل العديد، و حصدت الشرطة العديد من المتظاهرين و قدمت الوطنيين للمحكمة العسكرية الفرنسية.
و من خلال إحيائها لذكرى الانتفاضة كل سنة، مازالت منظمة ثورة 16 غشت 53 تطالب بمراجعة القوانين التي وضعت في الأصل إطارا للمقاومين و أعضاء جيش التحرير، و التي كشف الزمن عن خلل في بعض جوانبها، مما ألحق الضرر بهذه الفئة و بأبنائها و أسرها ماديا و معنويا.. و هناك قوانين لم توضع على أرض الواقع من أجل التطبيق رغم أن صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه أبرزها إلى الوجود و لسبب من الأسباب بقيت طريحة الرفوف، و تريد المنظمة بعد كل هذا أن يوثق المغرب لهذه الفترة من تاريخ بلادنا عن طريق تدوين ما أظهره أبناء شعبنا من ملاحم و بطولات في مقاومة الاستعمار الغاشم لانتزاع الاستقلال الذي كان ثمرة تضحيات جسام، و كفاح مرير أريقت فيه دماء، و قدم فيه الوطنيون شهداء من خيرة أبناء هذا الوطن، و هذا ما يجب أن تعيه الأجيال الحاضرة و اللاحقة...