رئيسية 
الرئيسية 
العلم الإلكترونية - بقلم عبد الله البقالي
لم تنشغل الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي التي التأمت أخيرا بمدينة مراكش على مدى أسبوع كامل، بأزمة الديون الخارجية المستحقة لدى الدول الفقيرة وذات الدخل المحدود، واقتصر المشاركون في هذه الاجتماعات على تقديم وصفة علاجية ستزيد الأزمة استفحالا وتعقيدا. وهي الوصفة المؤلمة التي ترى أن "تعبئة مزيد من الموارد الجبائية في الدول العاجزة عن سداد ديونها الخارجية من شأنها الرفع من حجم المداخيل بنسبة 5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام بالنسبة للدول النامية، وبنسبة 9 بالمائة بالنسبة للدول الفقيرة وذات الدخل المحدود"، وهي وصفة مؤلمة حقا لأن تطبيقها وتنفيذها ستترتب عنه زيادات في قيمة الضرائب المفروضة على المواد الأساسية والخدمات، بما يعني أن المواطن العادي الذي يشكو ضيق الحال هو الذي سيدفع قيمة الديون المستحقة .
التفاصيل المتعلقة بهذه القضية جد معقدة، تدل على أن الأمر يتعلق بأزمة مركبة لا يمكن معالجتها بمنهجية تجزيئية، بل إن الأمر يتطلب ويستوجب اعتماد مقاربة شاملة يكون الهدف منها الوصول إلى حل شامل وموحد .
فمن جهة، فإن الجهات المانحة للديون من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والأندية الإقليمية المقرضة والخواص، ليسوا مستعدين للتخلي عن الديون الخارجية المستحقة لدى كثير من الدول، وليسوا مستعدين حتى للتخلي عن معدلات الفوائد المرتفعة على هذه الديون. وأقصى ما تقترحه هذه الأوساط من حلول يقتصر على إعادة الجدولة بمعدلات فائدة جديدة. وفي حال طلب مزيد من الديون فإن هذه الأوساط المقرضة تشترط دفاتر تحملات محددة تسمح بإملاء شروط معينة، غالبا ما تنص على عدم صرف المبالغ المحصلة من الديون على القطاعات الاجتماعية وعلى الإجبار على القيام بإصلاحات مالية هيكلية تتيح فرض مزيد من الضرائب. وفي مقابل ذلك فإن المشكل العويص بالنسبة للدول الفقيرة وذات الدخل المحدود المعنية بهذه الديون، لا يقتصر على أنها ليست قادرة على السداد في الآجال المحددة و بالمبالغ المستحقة، بالنظر إلى ضعف الموارد المالية من عائدات، وتشير البيانات المتعلقة بهذا الجانب إلى أن الدول الدائنة تصرف 90 سنتيما من كل دولار واحد على الأجور والرواتب وعلى خدمة الدين الخارجي، و لا يتبقى لها إلا 20 بالمائة من كل دولار تحصل عليه من عائداتها المالية لتغطية باقي الاحتياجات الحياتية، دون الحديث عن الاستثمارات العمومية في البنية التحتية وفي الخدمات وغيرها كثير. كما تؤكد هذه البيانات الحديثة أن حجم الديون الخارجية في عدد كبير من الدول الفقيرة وذات الدخل المحدود، خصوصا في القارة الأفريقية ،يتجاوز 50 بالمائة من حجم الناتج الداخلي الخام. ولذلك فإن خدمة هذه الديون من خلال تسديد الأقساط وقيمة معدلات الفائدة تشكل تشوها عضويا خطيرا في بنية اقتصاديات هذه الدول. بل يشمل المشكل أيضا وأساسا عدم قدرتها على إنكار هذه الديون وبالتالي رفض التسديد، لأن ذلك يعني القطيعة النهائية مع الجهات المقرضة، وأيضا نفورا شاملا للاستثمارات الأجنبية، وهكذا فإن هذه الدول توجد في قبضة مخالب حادة جدا، لا تترك لها مجالا حتى للتحرك .
الأكثر خطورة أن أزمة الديون ليست مرتبطة بمنطقة جغرافية محددة، و لا بدول معينة، وتكشف البيانات المتعلقة بهذا الجانب أن 50 بالمائة من دول العالم معنية بهذه الأزمة، بما يعني نصف مساحة العالم و نسبة عالية جدا من ساكنة الكرة الأرضية التي تدفع ثمن هذه الديون غاليا .
ويبدو أن المشاركين في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي المجتمعين مؤخرا بعاصمة النخيل في المغرب، لم يكترثوا للظروف الاقتصادية الصعبة للغاية التي يجتازها الاقتصاد العالمي، خصوصا الدول ذات الاقتصادات الضعيفة والمتوسطة. فقد ألقت جائحة كورنا بتداعيات ثقيلة وخطيرة على الاقتصاد العالمي، ودفعت الدول الفقيرة فاتورة هذه التداعيات غاليا، بسبب تدابير العزل والإغلاق وتوقيف سلاسل الإنتاج وتعطل مسالك التسويق والتوزيع، مما ألقى بملايين الأشخاص في هوامش البطالة والفقر. وما أن بدا الاقتصاد العالمي يتنفس بشكلٍ شبه طبيعي، وانطلق في مرحلة تعافي، حتى اشتعلت حرب ضروس ومدمرة في عمق القارة الأوربية تبدو في شكلها المباشر، أنها مواجهة مباشرة بين روسيا و أوكرانيا، ولكنها في حقيقتها مواجهة غير مباشرة بين حلفين عالميين قويين، تقود روسيا واحدا منهما، بينما تتزعم الولايات المتحدة الأمريكية ثانيهما. وإذا كان من المستحيل تقدير الخسائر المالية الإجمالية المترتبة كخسائر مباشرة عن هذه الحرب، فإن معطيات تؤكد أن القيمة المالية الإجمالية التي تلقتها أوكرانيا من الدول الغربية كمساعدات مباشرة لها في الحرب، ناهزت 170 مليار دولار أمريكي، يعني بما يكفي لمعالجة جزء مهم من أزمة الديون العالمية. وعادت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلى التردي، بعدما ألقت الحرب بتداعيات جديدة على سلاسل الإنتاج والتصدير والتسويق في العالم، وبسبب ذلك اتجهت المؤشرات المالية والاقتصادية العالمية إلى التدهور، وتجسد ذلك في الارتفاع المهول في أسعار العديد من المواد الاستهلاكية الأساسية والخدمات، وفي ارتفاع معدلات التضخم بنسب تكاد تكون غير مسبوقة خلال ربع قرن الماضي، وهذا ما دفع بالعديد من حكومات الدول إلى الزيادة في معدلات الفائدة على القروض الداخلية، بما ألحق أضرارا بالغة بالقدرة الشرائية للأفراد في مختلف بقاع المعمور، خصوصا في الدول الفقيرة وذات الدخل المحدود .
وفي ظل هذه الأجواء السلبية لم يكن بمقدور كثير من الدول توفير التكاليف المالية الإضافية المترتبة عن هذه التطورات فبالأحرى سداد أقساط ديونها الخارجية، وهذا ما لم تدرجه اجتماعات أكبر المؤسسات المالية في اهتماماتها، واقتصرت على اقتراح وصفة ليست ملائمة لعلاج الداء، بل تهدد بأن تزيده استفحالا.
لم تنشغل الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي التي التأمت أخيرا بمدينة مراكش على مدى أسبوع كامل، بأزمة الديون الخارجية المستحقة لدى الدول الفقيرة وذات الدخل المحدود، واقتصر المشاركون في هذه الاجتماعات على تقديم وصفة علاجية ستزيد الأزمة استفحالا وتعقيدا. وهي الوصفة المؤلمة التي ترى أن "تعبئة مزيد من الموارد الجبائية في الدول العاجزة عن سداد ديونها الخارجية من شأنها الرفع من حجم المداخيل بنسبة 5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام بالنسبة للدول النامية، وبنسبة 9 بالمائة بالنسبة للدول الفقيرة وذات الدخل المحدود"، وهي وصفة مؤلمة حقا لأن تطبيقها وتنفيذها ستترتب عنه زيادات في قيمة الضرائب المفروضة على المواد الأساسية والخدمات، بما يعني أن المواطن العادي الذي يشكو ضيق الحال هو الذي سيدفع قيمة الديون المستحقة .
التفاصيل المتعلقة بهذه القضية جد معقدة، تدل على أن الأمر يتعلق بأزمة مركبة لا يمكن معالجتها بمنهجية تجزيئية، بل إن الأمر يتطلب ويستوجب اعتماد مقاربة شاملة يكون الهدف منها الوصول إلى حل شامل وموحد .
فمن جهة، فإن الجهات المانحة للديون من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والأندية الإقليمية المقرضة والخواص، ليسوا مستعدين للتخلي عن الديون الخارجية المستحقة لدى كثير من الدول، وليسوا مستعدين حتى للتخلي عن معدلات الفوائد المرتفعة على هذه الديون. وأقصى ما تقترحه هذه الأوساط من حلول يقتصر على إعادة الجدولة بمعدلات فائدة جديدة. وفي حال طلب مزيد من الديون فإن هذه الأوساط المقرضة تشترط دفاتر تحملات محددة تسمح بإملاء شروط معينة، غالبا ما تنص على عدم صرف المبالغ المحصلة من الديون على القطاعات الاجتماعية وعلى الإجبار على القيام بإصلاحات مالية هيكلية تتيح فرض مزيد من الضرائب. وفي مقابل ذلك فإن المشكل العويص بالنسبة للدول الفقيرة وذات الدخل المحدود المعنية بهذه الديون، لا يقتصر على أنها ليست قادرة على السداد في الآجال المحددة و بالمبالغ المستحقة، بالنظر إلى ضعف الموارد المالية من عائدات، وتشير البيانات المتعلقة بهذا الجانب إلى أن الدول الدائنة تصرف 90 سنتيما من كل دولار واحد على الأجور والرواتب وعلى خدمة الدين الخارجي، و لا يتبقى لها إلا 20 بالمائة من كل دولار تحصل عليه من عائداتها المالية لتغطية باقي الاحتياجات الحياتية، دون الحديث عن الاستثمارات العمومية في البنية التحتية وفي الخدمات وغيرها كثير. كما تؤكد هذه البيانات الحديثة أن حجم الديون الخارجية في عدد كبير من الدول الفقيرة وذات الدخل المحدود، خصوصا في القارة الأفريقية ،يتجاوز 50 بالمائة من حجم الناتج الداخلي الخام. ولذلك فإن خدمة هذه الديون من خلال تسديد الأقساط وقيمة معدلات الفائدة تشكل تشوها عضويا خطيرا في بنية اقتصاديات هذه الدول. بل يشمل المشكل أيضا وأساسا عدم قدرتها على إنكار هذه الديون وبالتالي رفض التسديد، لأن ذلك يعني القطيعة النهائية مع الجهات المقرضة، وأيضا نفورا شاملا للاستثمارات الأجنبية، وهكذا فإن هذه الدول توجد في قبضة مخالب حادة جدا، لا تترك لها مجالا حتى للتحرك .
الأكثر خطورة أن أزمة الديون ليست مرتبطة بمنطقة جغرافية محددة، و لا بدول معينة، وتكشف البيانات المتعلقة بهذا الجانب أن 50 بالمائة من دول العالم معنية بهذه الأزمة، بما يعني نصف مساحة العالم و نسبة عالية جدا من ساكنة الكرة الأرضية التي تدفع ثمن هذه الديون غاليا .
ويبدو أن المشاركين في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي المجتمعين مؤخرا بعاصمة النخيل في المغرب، لم يكترثوا للظروف الاقتصادية الصعبة للغاية التي يجتازها الاقتصاد العالمي، خصوصا الدول ذات الاقتصادات الضعيفة والمتوسطة. فقد ألقت جائحة كورنا بتداعيات ثقيلة وخطيرة على الاقتصاد العالمي، ودفعت الدول الفقيرة فاتورة هذه التداعيات غاليا، بسبب تدابير العزل والإغلاق وتوقيف سلاسل الإنتاج وتعطل مسالك التسويق والتوزيع، مما ألقى بملايين الأشخاص في هوامش البطالة والفقر. وما أن بدا الاقتصاد العالمي يتنفس بشكلٍ شبه طبيعي، وانطلق في مرحلة تعافي، حتى اشتعلت حرب ضروس ومدمرة في عمق القارة الأوربية تبدو في شكلها المباشر، أنها مواجهة مباشرة بين روسيا و أوكرانيا، ولكنها في حقيقتها مواجهة غير مباشرة بين حلفين عالميين قويين، تقود روسيا واحدا منهما، بينما تتزعم الولايات المتحدة الأمريكية ثانيهما. وإذا كان من المستحيل تقدير الخسائر المالية الإجمالية المترتبة كخسائر مباشرة عن هذه الحرب، فإن معطيات تؤكد أن القيمة المالية الإجمالية التي تلقتها أوكرانيا من الدول الغربية كمساعدات مباشرة لها في الحرب، ناهزت 170 مليار دولار أمريكي، يعني بما يكفي لمعالجة جزء مهم من أزمة الديون العالمية. وعادت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلى التردي، بعدما ألقت الحرب بتداعيات جديدة على سلاسل الإنتاج والتصدير والتسويق في العالم، وبسبب ذلك اتجهت المؤشرات المالية والاقتصادية العالمية إلى التدهور، وتجسد ذلك في الارتفاع المهول في أسعار العديد من المواد الاستهلاكية الأساسية والخدمات، وفي ارتفاع معدلات التضخم بنسب تكاد تكون غير مسبوقة خلال ربع قرن الماضي، وهذا ما دفع بالعديد من حكومات الدول إلى الزيادة في معدلات الفائدة على القروض الداخلية، بما ألحق أضرارا بالغة بالقدرة الشرائية للأفراد في مختلف بقاع المعمور، خصوصا في الدول الفقيرة وذات الدخل المحدود .
وفي ظل هذه الأجواء السلبية لم يكن بمقدور كثير من الدول توفير التكاليف المالية الإضافية المترتبة عن هذه التطورات فبالأحرى سداد أقساط ديونها الخارجية، وهذا ما لم تدرجه اجتماعات أكبر المؤسسات المالية في اهتماماتها، واقتصرت على اقتراح وصفة ليست ملائمة لعلاج الداء، بل تهدد بأن تزيده استفحالا.
