الافـتتاحية
كان المهرجان الجماهيري الكبير الذي نظمه حزب الاستقلال بمدينة وزان يوم الأحد الماضي إحياءً للذكرى التاسعة والأربعين لوفاة زعيم التحرير علال الفاسي، مناسبة لتجديد تسليط الضوء على المنظومة الفكرية الرائدة لصاحب "النقد الذاتي" الكتاب الأبرز في المكتبة المغربية والعربية والإسلامية على وجه الإطلاق.
وفرصة مواتية للتأكيد على المضامين الثرة والأفكار الغنية والتوجهات السديدة التي أبدعها، في براعة نادرة ونبوغ مبكر، المفكر المستقبلي والمهندس الحضاري للنهضة وبناء الدولة المغربية المستقلة، علال الفاسي الذي تجمعت فيه شروط النظرية والتطبيق، في انسجام وتناغم قلما يجتمعان في شخصٍ واحد بلغ ما بلغ من سعة العلم وعمق الرؤية وشجاعة الرأي وبسالة النضال من أجل تحقيق مشروعه الفكري ذي الأبعاد المتعددة .
وهذه المعاني العميقة و الرؤى البعيدة ، أبرزها الدكتور نزار بركة الأمين العام لحزب الاستفلال، في العرض المذهبي الممنهج الذي وفق في صياغته في الكلمة الوافية البليغة والدالة، التي ألقاها بالمناسبة ، فأوضح في عبارات قوية، أن العدالة المجالية إحدى ركائز الإصلاح المجتمعي للزعيم علال الفاسي ، وجوهر تصوره للمشروع الوطني النهضوي لما بعد الاستقلال ، لاقتناعه الراسخ بدورها الأساسِ في تحقيق العدالة الاجتماعية الشاملة ، بما تتضمنه من إنصاف اجتماعي ومجالي، وتوفره من تكافؤ الفرص وتساوي الجميع في الوصول إلى الموارد الاقتصادية والتعليم والصحة والإسكان وفرص الشغل والتوزيع العادل للثروة .وهذا مستوى رفيع من التحليل المنهجي لإحدى خاصيات المنهج الفكري للزعيم علال .
وإذا البعد التاريخي لهذا المنهج التعادلي يعود إلى أواخر العقد الرابع و أوائل العقد الخامس من القرن الماضي ، فإن وثيقة التعادلية الاقتصادية والاجتماعية التي أبدعها المفكر المجدد علال الفاسي ، في 11 يناير سنة 1963 ، تعد في الحقيقة تأصيلاً للنظرية التي بلورها في" النقد الذاتي" وصاغها في أفكار بناءة رائدة بكل دلالات الكلمة . فهذه الوثيقة التي تزامنت مع ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير سنة 1944 ، تقدم مشروعاً مجتمعياً ينم عن نفَسٍ إصلاحي و وعي مبكر بمتطلبات مغرب الغد ، باعتبار نبوغ الزعيم و رؤيته الاستشرافية و قدرته على التأثير في الأحداث ومسايرة التطورات والمساهمة في مآلاتها وتوجيه مساراتها .وهذا ضربٌ بالغ التميز من استخلاص الدرس من وثيقة 11يناير سنة 1963 ، واستنباط الدلالات العميقة منها.
والحق الذي لا مراء فيه ولا يشوبه لبس ، وكما قال الأمين العام لحزب الاستقلال ، أن في صلب البعد الترابي عند الزعيم علال الفاسي ، يحضر البعد المجالي ، وهو الأمر الذي يجسد الطاقة الهائلة للاستشعار الاستشرافي الصادق والصافي، بضرورة إرساء عدالة اجتماعية ومجالية مواطِنةٍ يسودها الإنصاف التنموي ، مما يؤكد ، إن كان الأمر يحتاج للتأكيد، أن المنهج التعادلي في بٌعديه الاقتصادي والاجتماعي ، قد أثبت راهنيتَه ومرونتَه وتكيفًه مع المتغيرات وانسجامه مع مطالب المواطنين وانتظاراتهم ، وهو ما يجعل المنهج التعادلي دعامةً راسخةً للعدالة في شقيها الاجتماعي والمجالي ، رافعة للتنمية الشاملة المستدامة .
وخلص الأمين العام لحزب الاستقلال في كلمته التي ألقاها في المهرجان الحاشد ، إلى أن الأهداف النبيلة التي كافح زعيم التحرير علال الفاسي من أجلها ، هي ما تعكف الحكومة على تحقيقه ، من خلال إقرار الضريبة التضامنية الرامية لإرساء عدالة ضريبية منصفة ، مما يعد ، وبكل المقاييس ، دفعة قوية للبرنامج الوطني لمحاربة الفوارق ، دعماً وتعزيزاً للمشروع التعادلي المنفتح على المستقبل الذي أبدعه بعبقرية فذة المفكر المجدد و المنظر المجتهد الزعيم علال الفاسي ، وفي ذلك شهادة على أن الفكر العلالي يتفاعل مع الحاضر ويستشرف المستقبل ويرسخ قواعد النهضة الحضارية في بلادنا .
العلم