أيضا هناك الجانب التدبيري خصوصا على مستوى الأقاليم والجهات والتي تم فيها القطع تقريبا ما يمكن أن نسميه "ريع الحركات"، فقد سبق لنا أن تساءلنا في أحد الملفات السابقة هل يمكن أن يأتي يوم تلغى فيه عملية تدبير الفائض وإعادة الانتشار للموارد البشرية على المستوى الإقليمي بالطريقة التي كانت تتم بها؟ الجواب كان حينها ملتبسا بعض الشيء، نظير ما كانت تعرفه العملية من سلوكات لا علاقة لها بالتربوي، لأسباب ظاهرة يبقى أهمها لعبة شد الحبل بين بعض المديرين الإقليميين (النواب آنذاك) ورؤساء مصلحة الموارد البشرية من جهة وبعض التنظيمات النقابية من جهة أخرى. كما أن البعض كان يستغلها بطرق ملتوية ويصدر تكليفات حسب الأهواء لدرجة كانت فيها التكليفات بمثابة كعكة وريع تربوي يضرب مبدأ تكافؤ الفرص.
كان هذا رأينا، ولم نكن نتصور أن الأمر سيشمل الوطنية كذلك في جوانب متعددة وحتى الجهوية، لدرجة استفادة أكثر من 90 في المئة من العملية خلال الأربع سنوات الاخيرة. صحيح أن طرق الإصلاح لا تبدو سالكة بسهولة، وأن بعض "مسامير الميدا" هنا وهناك يحاولون رمي الأشواك في كل الاتجاهات، ولكن لم يخل ولن يخلو زمان من ذوي النيات الحسنة والغيورين على المدرسة العمومية المغربية، وعلى النشء عماد المستقبل ورجال الغد.
العملية قبل سنوات كانت تبدو على شكل صورة دراما هائلة حيث تفصل كل مديرية بالاتفاق مع بعض من شركائها تفصيلا محكما يلائم الجانبين خرائط المؤسسات التعليمية وطريقة التحاق الشغيلة بالوسط الحضري أو المؤسسات التعليمية القريبة منه، على شكل صورة سوريالية تارة يحتل فيها الفائض المرتبة الأولى ولو كان عين حالا، وأخرى تتسابق فيها ملفات اجتماعية مفبركة، مع إغفال عدد مهم من الذين قضوا ردحا من الزمن بالاشتغال بالبوادي أو بعيدا عن مقر سكناهم رغم توفرهم أحيانا على أضعاف نقط مستفيدين آخرين، والسبب كونهم ليسوا من جانب فلان أو علان، أو كون مؤسساتهم تشكو الخصاص...خلال العملية كان بعض المديرين الإقليميين يجيدون أنفسهم في حالة من الإزاحة الفيزيائية وفي مناخ متقلب إن لم يرضخوا فيه ستتدافع حولهم موجات الاحتجاج ويهتز فيه بيتهم الداخلي فلا يجد البعض بدا من المشاركة في اقتسام الكعكة.
بالنسبة لملف تدبير الموارد البشرية على مستوى الحركات نظن أنه يسير في الاتجاه الصحيح ويقطع مع ريع تربوي كان سائدا في الموضوع خلال سنوات خلت، الأمر مرشح للتصحيح أكثر باستحضار ثلاثة عناوين مترابطة : عدالة الحركة الوطنية ودمقرطتها، علاقتها بالجهوي، توحيد المعايير على الأصعدة الثلاثة: وطنيا، جهويا ومحليا مع جعل التنظيمات النقابية ملاحظة لا غير ومتابعة لملفات الخروقات، كما كان عليه الأمر قبل سنوات خلت. هذه العناوين الثلاث ستعجل بخلق تفاعل تربوي جديد بين السلطات التربوية جهويا وإقليميا والشركاء والشغيلة التعليمية، وتحديث شامل للرؤى والسلوكات، وتفكيك الأدوار التقليدية لمديري الأكاديميات والمديرين الإقليميين والشركاء وإحلال ادوار تدبيرية تشاركية، وليس التفكير بمنطق إخماد نيران الاحتجاجات والبيانات النقابية بإرضاء هذا و"الطبطبة" على ظهر الآخر، ولا تهم النتيجة حتى وإن أدى المتعلم الضريبة.