Quantcast
2024 أبريل 15 - تم تعديله في [التاريخ]

العلوم قد تكون في خدمة ما هو غير معلن


العلوم قد تكون في خدمة ما هو غير معلن
العلم - بقلم عبد الله البقالي

اختارت بعض الأوساط العلمية العودة بالحديث عن جائحة كورونا، التي أحدثت رجة عنيفة في الأوضاع العالمية قبل ثلاث سنوات من اليوم، من زاوية تداعيات جديدة لم تتفطن إليها هذه الأوساط قبل اليوم. في هذا الصدد نشرت مجلة (THE LANCET) دراسة علمية حديثة ألقت من خلالها بركام هائل من الأسئلة المقلقة والتي تضاف إلى الركام السابق من الأسئلة التي بقيت معلقة حول حقيقة ما عرفه وعاشه العالم إبان كورونا. ويتعلق الأمر بأحد أهم المجلات الطبية في العالم ومن أقدمها (صدر العدد الأول منها سنة 1823)، خصوصا بعدما أكدت أن متوسط العمر المتوقع الذي عرف تزايدا منذ عقود مضت في مختلف أنحاء العالم، انخفض بشكل مفاجئ خلال عامي 2020 و2021 في خضم أزمة كوفيد 19. وكشفت الدراسة في هذا الشأن أن متوسط العمر المتوقع انخفض خلال هاتين السنتين في 84 بالمائة من مجموع 200 دولة في العالم أخضعها الباحثون إلى الدراسة، بما يعني أن متوسط العمر المتوقع عرف انخفاضا في أرجاء العالم كافة تقريبا. وكشفت البيانات التي تمت دراستها انخفاض متوسط العمر المتوقع إلى أكثر من عام ونصف للشخص الواحد وتحديدا بنسبة 1,6 عام خلال سنتي 2020 و2021، وتشير الدراسة إلى أن ذلك الانخفاض رافقته زيادة في الوفيات وصل مجموعها إلى 15,9 مليون حالة وفاة متجاوزة بذلك ما صرحت به منظمة الصحة العالمية التي أفادت أن الوفيات في السنة السابقة لكوفيد لم تتجاوز 15 مليون حالة. وأكد الباحث المشرف العام على هذه الدراسة السيد أوشن شوماخر أنه "كان لكوفيد تأثير بالغ على البالغين في مختلف أنحاء العالم لم يسجل منذ نصف قرن، حتى خلال الحروب و الكوارث الطبيعية". 

هكذا إذن تعيد الدراسة الحديثة الحياة لكوفيد 19 بعدما بدأ فعلا في لفظ أنفاسه الأخيرة، مخلفا وراءه ما خلفه من خسائر في الأرواح وفي الممتلكات وفي الحياة بصفة عامة. وبالنظر إلى خطورة المعطيات والبيانات التي تكشف عنها هذه الدراسة فإن قراءتها من مختلف الزوايا لا تبقى مهمة فحسب، بل ضرورية.

هكذا فإن الدراسة لم تستفض بما يكفي في أسباب انخفاض متوسط العمر المتوقع، وما إذا كان فيروس كوفيد 19 هو وحده المسؤول فعلا عن انخفاض معدل العمر لدى الإنسان، وفي حالة ما إذا كانت التهمة مؤكدة ضد الفيروس، فإن هذه الحقيقة العلمية ستمثل حال ثبوتها نكسة حقيقية للعلوم الطبية بشتى تفرعاتها، مما سيعني أن اللقاحات التي فرضت على البشر في مختلف أنحاء العالم، لم تفشل في المنع من الإصابة بالفيروس، ولا القضاء عليه بعد الإصابة به، بل فشلت أساسا في حماية الشخص الملقح من تداعيات ما بعد الوباء. أو ما إذا كانت اللقاحات نفسها هي المسؤولة عن تقليص عمر الإنسان، ليتأكد في ضوء ذلك أن اللقاحات لم تكن في حقيقتها غير سوق تجارية راكمت فيها وعبرها الشركات العملاقة أرباحا مالية طائلة، وبعدما فرغت هذه الشركات من قضاء مآربها من الناس تركتهم يلاقون مصيرهم المحتوم. أو ما إذا كانت الوفيات ناتجة عن آثار القيود المدمرة التي فرضتها السلطات العمومية بدعوى محاصرة العدوى وحماية المواطنين من الإصابة بالوباء، حيث فرضت شروط حصار حقيقي على الإنسان لم يكن بمقدوره الخروج خلال الجائحة للبحث عن لقمة العيش، وأعلنت ظروف عزل عطلت سلاسل الإنتاج والتسويق بما أفضى إلى ارتفاع مهول في أسعار جميع المواد الاستهلاكية والخدماتية ما بعد كورونا، ورغم نهاية ذروة الجائحة رفضت هذه الأسعار العودة إلى سابق عهدها، مما قطع الأرزاق على ملايين الأشخاص، وفي أحسن الحالات قلص من كميات الأغذية وجودتها بالنسبة لملايين آخرين. وبذلك فإن الانخفاض الحقيقي الذي تسببت فيه جائحة كورونا تمثل أساسا في تدني جودة العيش خصوصا بالنسبة لذوي الدخل المحدود من البشر. ومن الطبيعي في ضوء كل ذلك أن ينخفض متوسط العمر المتوقع، وأن ترتفع معدلات الوفيات بين الناس. 

وقد يكون كوفيد 19 بريئا من التهمة التي تجتهد دراسة علمية إلصاقها به قسرا، وقد تكون الحروب والفتن التي انتظرت إلى أن تخفت الجائحة لتشتعل، سببا من أسباب انخفاض متوسط العمر المتوقع، والأكيد أن الفيروس الذي انتشر بيننا وساكننا لسنتين كاملتين لم يخلف قتلى وشهداء ودمارا شاملا كما خلفته مجازر غزة في شهور قليلة.
لذلك، لا يكفي أن يكون المصدر علميا للتوقيع له على بياض، فالعلوم تكون في كثير من الأحيان في خدمة ما هو غير معلن. 

              



في نفس الركن
< >

الاثنين 18 نونبر 2024 - 12:06 تزامن بدلالات وخلفيات ورسائل
















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار