بلادنا انتقلت إلى عَتَبَةٍ أعلى في التفعيل الأمثل للحماية الاجتماعية بفضل المبادرة الملكية للدعم المباشر
ترأس الدكتور نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال عشية الخميس 11 يناير 2024 تجمعا خطابيا كبيرا بالمركز العام للحزب بالرباط، بمناسبة تخليد الذكرى 80 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، تحت شعار تحرر الإنسان من أجل ترسيخ التعادلية الاجتماعية ".
وتميز هذا التجمع الخطاب بحضور عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، ومفتشي حزب الاستقلال، والبرلمانيين، ومسؤولي وممثلي وأعضاء تنظيمات الحزب ومؤسساته الموازية وروابطه المهنية، ومناضلي الحزب ورواده.
ويشكل على الدوام الاحتفاء السنوي بهذه الذكرى الغالية حدثا وطنيا وتاريخيا مشرقا في مسيرة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال والوحدة، والقطع مع زمن الحِجر والحماية، وإنهاء عهد الظلم والاستبداد والاستعمار الغاشم.
وقبل انطلاق فعليات هذا اللقاء، اطلع "بركة" على مجموعة من الصور التي تم عرضها في بهو المركز العام للحزب، والتي تؤرخ لفترات زاهية من الكفاح والنضال الوطني ضد الحماية الفرنسية.
أوضح الدكتور نزار بركة أنه بتاريخ يوم 11 يناير 1944 بادر حزب الاستقلال مَسْنُودا بثُلَّةٍ من الوطنيين الأحرار من الرعيل الأول للحركة الوطنية، وباتفاقٍ وتنسيقٍ محكمٍ مع بطل التحرير جلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، إلى تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال إلى الإقامة العامة لسلطات الاحتلال الفرنسي، وسُلِّمت نسخٌ منها إلى ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بالرباط، وإلى ممثل الاتحاد السوفياتي آنذاك، في خطوةٍ جريئة،ٍ جسدت قوة تلاحم العرش والشعب وأوقدت شُعلة الحماس الوطني، وغَذَّت روح التضحية والكفاح دفاعا عن حرية الوطن واستقلاله وعن وحدة الأمة ومقدساتها وعزتها وكرامتها.
وسجل الأمين العام لحزب الاستقلال أن إحياء هذه الذكرى العزيزة في الوقت الذي يتابع حزب الاستقلال بقلق كبير التطورات الميدانية الخطيرة التي تعرفها الأراضي الفلسطينية بسبب العدوان الإسرائيلي السافر على المدنيين العُزَّل، وما خَلَّفَهُ من دمار شامل وكارثة إنسانية تعيش على وقعها ساكنة قطاع غزة وحرمان الفلسطينيين من مقومات الحياة وحثهم على التهجير الجماعي، في خرق سافر لقوانين الشرعية الدولية وللقيم الإنسانية، يعبر عن شجبه وإدانته للمجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني الأعزل.
وفي هذا السياق دعا إلى ضرورة الوقف الفوري لهذه الحرب الإبادة التي طالت كافة المدنيين العزل شيوخاً وأطفالاً ونساءً، استناداً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومثمنا قيام محكمة العدل الدولية بالنظر في الانتهاكات الجسيمة والإبادة الجماعية التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية. ومعبرا عن الدعم الكامل للشعب الفلسطيني والمساندة الدائمة للقضية الفلسطينية وعدالة النضال الشعب الفلسطيني من أجل تمكينه من حقُّه في إقامة دولته المستقلة والمستدامة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف.
الوثيقة ظلت متجددة ومُلهمة لأجيال الحاضر والمستقبل
وأبرز "بركة" أنه بمضي ثمانونَ سنةً على تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال، وستةٌ وثلاثونَ سنة على إقرارها عيدا وطنيا من طرف المغفور له الملك الحسن الثاني رحمه الله، فانها ظلت طيلة هذه المدة، حيةً في الذاكرة والوجدان، متجددة ومُلهمة لأجيال الحاضر والمستقبل بأبعادها وقِيَمِهَا الوطنية النبيلة والسياسية، ومعانيها ودلالاتها التحررية المفعمة بروح التضحية وسُمُوِّ الشعور بالانتماء الوطني، تُؤَطرها عزيمةُ وبُعْدُ نَظَرِ الوطنيين الأحرار الموقعين عليها. فجسدت بذلك أعلى دَرجاتِ الوعي الوطني، وقِمَّةَ التلاحم بين العرش والشعب، دفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية والدعائم الحضارية المميزة لهوية الأمة ووحدتها وتماسكها، وتأسيسا لغدٍ أفضل لمسار مغرب ما بعد الاستقلال يَنعم بالحرية والتطور الديمقراطي في كَنَفِ ملكية دستورية، ومنظومةٍ من القيم المجتمعية المبنية على العدالة الاجتماعية والإنصاف وتكافؤ الفرص، والتضامن، والعيش الكريم لكافة المواطنات والمواطنين.
وقال الأمين العام إن وثيقة المطالبة بالاستقلال شكلت إبان تقديمها في 11 يناير 1944 منعطفا حاسما في تاريخ المغرب، بل تحولا استراتيجيا، انتقل بمقتضاه الوطنيون والمجاهدون وفي مقدمتهم الزعيم علال الفاسي رحمه الله، وبدعمٍ قويٍّ من ملك البلاد وسائر الشعب المغربي، من المطالبة بالإصلاحات في ظل الحماية، إلى المطالبة بالحرية والاستقلال في ظل دولة عصرية مستقلة وموحدة، وفي ظل ملكية دستورية وديمقراطية جامعة، راعيةٍ للحقوق والحريات الفردية والجماعية، ضامنةٍ وحافظة لثوابت الأمة ومقدساتها ووحدتها الوطنية.
وهكذا، يضيف المتحدث، انبثق عن هذه الرؤية الاستشرافية إيمانٌ راسخٌ بضرورة المزاوجة بين العمل الوطني التحرري وبين التفكير والإعداد لتصور مشروع مجتمعي متكامل يَنعَمُ فيه الشعب المغربي بحكم ديمقراطي، تُضمن فيه الحقوق والحريات وتُصان فيه كرامة المواطنين. كما أدرك الشعب المقاصد النبيلة للمشروع، فاستجاب له وانخرط فيه وآمن بالقدرة على إنجازه. وساهمت الصحوة الأدبية والثقافية، التي أسست لها المدارس الحرة آنذاك في إِذْكَاءِ الوجدان الوطني، وتملك المشروع من قبل مختلف فئات الشعب المغربي. بل إن المشروع المجتمعي الذي بشرت به وثيقة المطالبة بالاستقلال، كان مُلْهِماً إلى حدٍّ بعيدٍ، لزعيم التحرير علال الفاسي رحمه الله في إبداع وثيقة التعادلية الاقتصادية والاجتماعية في 11 يناير 1963، التي شكلت في مضامينها، امتدادا لوثيقة المطالبة بالاستقلال، بما تَضَمَّنَتْهُ من نَفَسٍ إصلاحي وديمقراطي، يروم تحرير المواطن من الظلم والجهل والفقر والتخلف، ويستهدف صون كرامته وحماية حقوقه ويستجيب لتطلعاته في التنمية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وهو ما أكد عليه الزعيم علال الفاسي بقوله: "لقد استكملت حركتنا عناصرها الضرورية يوم قدمت وثيقة التعادلية الاقتصادية، وبذلك أصبح جهادنا موجها إلى تحقيق الديمقراطية بِشَكْلَيْهَا النيابي والاقتصادي، إلى جانب العمل لاستكمال الاستقلال ووحدة التراب المغربي".
وأوضح "بركة" أنه بَدَا جَلِيًّا أن توطيد دعائم الديمقراطية، شَكَّلَ أحد الثوابت الأساسية في منظور وثيقة الاستقلال، وذلك من مُنْطلقِ إيمان رجالات الحركة الوطنية، بأن الكفاح من أجل الحرية والاستقلال، لن يكون له معنى بدون إرساء نظام ديمقراطي يضمن لكافة المواطنين حُقوقَهُم وحُرِّيَّاتِهِم في إطار دولة الحق والقانون والمؤسسات.
نعتز بالثورة الدستورية والديمقراطية التي يخوضها العرش والشعب
وبهذه المناسبة سجل باعتزاز، ما تحقق في هذا الإطار من تطور ديمقراطي ببلادنا بفضل نضالات وتضحيات القوى الديمقراطية والوطنية عامة وحزب الاستقلال على وجه الخصوص، كما نعتز بالثورة الدستورية والديمقراطية، الهادئة والواعدة التي يخوضها العرش والشعب بكل شرائحه وفئاته العُمْرِيَة بقيادة جلالة الملك محمد السادس، والحافلة بالإصلاحات الدستورية والسياسية والقانونية والانتخابية، التي أَمَدَّتْ بلادنا بنَفَسٍ ديمقراطي جديد من شأنه إعادةُ الاعتبار للشأن السياسي، وتأهيلُ الحقل السياسي، واستعادةُ الثقة في العملية الانتخابية والمؤسسات التمثيلية والفاعلين السياسيين، وترسيخُ المسار الديمقراطي ببلادنا.
وفي هذا الإطار، يقول "بركة": يعتز حزب الاستقلال بالتتويج الحقوقي الأممي الذي حظيت به بلادنا يوم الأربعاء بجنيف من خلال انتخابها لأول مرة رئيسا لمجلس حقوق الإنسان الدولي اعترافا من المجتمع الدولي بنجاعة الإصلاحات السياسية والدستورية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية التي يقودها جلالة الملك محمد السادس أيده الله، وهو تتويجٌ يعكس الإرادة المتبصرة لجلالته لتعزيز حقوق الإنسان باعتبارها خيارا استراتيجيا لا رجعة فيه، وتثمين للأدوار الريادية لبلادنا في مجال حقوق الإنسان والثقة والمصداقية التي تحظى بها على المستوى الإقليمي والدولي.
واستطرد قائلا إن الروح المتجددة لوثيقة الاستقلال بما تَضَمَّنَتْهُ من مشروع مجتمعي تعادلي واعد واستشرافي، قد تردَّدَ صَدَاهَا، في مغرب ما بعد الاستقلال، وأنه بعد مُضِيِّ 80 سنة على تقديم الوثيقة، يَحقُّ الافتخار بكون العديد من الأهداف المسطرة في الوثيقة قد تحققت أو في طريقها للتحقق في المسار المُتدرج والمُتواتر للبناء والإصلاح الذي تنهجه بلادنا.
وشدد الدكتور نزار بركة على أن صَوْنُ الوحدة الترابية كان في صدارة الركائز الأساسية لوثيقة المطالبة بالاستقلال، اذ اسْتَبْسَلَ رواد الحركة الوطنية في الدفاع عنه والتضحية في سبيله، وتواصلت مسيرة التحرير واستكمال الوحدة الترابية عبر مراحل، سُرعان ما ارتفعت وتيرتها واشتد زَخَمُهَا بفضل رؤية ملكية حكيمة ومتبصرة جعلت مسارها موسوما بتحول استراتيجي في المقاربة والنتائج، وبدينامية إيجابية عَكَسَهَا توالي الانتصارات والمكاسب والإنجازات الوحدوية التي حققتها الدبلوماسية المغربية بأبعادها المختلفة، مدعومةً بنجاعةِ الاستراتيجية التنموية التي اعتمدتها بلادنا بأقاليمنا الجنوبية برعايةٍ ملكيةٍ ساميةٍ، تحققت معها أغلبُ المشاريع والالتزامات في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وفي مجال البنيات التحتية واللوجيستيكية، وتأمين الخدمات الأساسية للساكنة المحلية، وهو ما شكَّل قوةَ دعمٍ وإسنادٍ لقضية وحدتنا الترابية، اتَّسَعَتْ معه قناعة المجتمع الدولي بمشروعية وعدالة قضيتنا الوطنية ووَجَاهَةِ المقترح المغربي للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، الموصوف أمميا بالجدية والمصداقية والواقعية.
وهو ما عَكَسَتْهُ، يضيف المتحدث، قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2018 إلى الآن، والتي حَمَلَتْ في طياتها دعوات صريحة لجميع الأطراف، بما فيها الجزائر، للتجاوب مع المساعي الأممية في نهج الحوار السياسي بروحٍ من الواقعية والتوافق، لضمان الوصول إلى الحل السياسي الواقعي والعملي والمستدام والمتوافق عليه، والذي يره الحزب ينطبق فقط على المقترح المغربي للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
قضية الوحدة الترابية في مقدمة أولويات حزب الاستقلال
وأكد أن حزب الاستقلال تظل قضية الوحدة الترابية للمملكة في مقدمة أولوياته وانشغالاته، لما لها من قُدْسيةٍ وحضورٍ راسخٍ في فكر ووعي ووجدان كافة الاستقلاليات والاستقلاليين، لَيُجدِّدُ انخراطه في صدارة التعبئة الوطنية والتَّجنُّدِ الدائمِ وراء جلالة الملك للذَّوْدِ بلا هوادةٍ عن المصالح الحيوية والاستراتيجية لبلادنا والترافع بكل قوة عن القضية الوطنية من مختلف المواقع الرسمية والحزبية، والتصدي لكل ما يحاك ضد وحدتنا الترابية من مناورات ومؤامرات.
مضيفا في هذا السياق أن روح وفلسفة وثيقة الاستقلال ظَلَّت تَعْبُرُ الزمن وتَطْبَعُ وجدان المغاربة جيلا بعد جيل في بعدها الإنسي والوطني والهوياتي، وهي مقومات عَمِلَتْ على توطيد الوحدة الوطنية وترسيخ دعائم الدولة الدامجة لجميع مكونات وعناصر الأمة المغربية. حيث مَكَّنَ التشبع بالقيم النبيلة التي دعت إليها وثيقة الاستقلال من استلهام مقومات حماية الوطن وتَجْذيرِ الحس الوطني وتعزيز الوحدة الوطنية، من خلال تحصين الإنسية المغربية بمختلف مكوناتها المتنوعة والمتجانسة والمتكاملة، العربية-الإسلامية، والأمازيغية (وفي هذا الإطار يشيد حزبنا بدسترة اللغة الأمازيغية كمكون رئيسي للهوية المغربية والجدية التي يتسم بها تفعيل الطابع الرسمي لها كما يثمن قرار ترسيم رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا ويوم عطلة مؤدى عنها)، والصحراوية- الحسانية؛ وتقوية روابط الانتماء للوطن وترسيخ روح المواطنة، في إطار غنى التنوع الثقافي والتعدد اللغوي؛ بالإضافة الى تعزيز منسوب الإخلاص للمشروع الوطني الجماعي وللإجماع الوطني في لحظات التحديات والأزمات واتخاذ القرارات المصيرية والصعبة لبلادنا بقيادة جلالة الملك حفظه الله، بما يقتضيه الموقف من جِدِّية وتعاضد وتضامن وتماسك والتفاف وطني حول ثوابت البلاد ومقدساتها وخياراتها الكبرى، على غرار ما أبان عنه المغاربة من روح وطنية وتضامنية عالية إِبَّانَ جائحة كورونا، وإِبَّانَ زلزال منطقة الحوز، وخلال الانتصارات الرياضية في نهائيات كأس العالم لكرة القدم بقطر، وفي الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة في كل المنتديات الإقليمية والدولية.
البعد الاجتماعي غدا أولوية ملكية
مسجلا أن هذه البرامج والإصلاحات الكبرى تُعزِّزُ النموذج الاجتماعي والتنموي لبلادنا، بورش تعميم الحماية الاجتماعية الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس أيده الله كَدَعامة أساسية لتكريس خيار الدولة الاجتماعية بأبعادها المختلفة، وهو الورش الذي سيمكن عموم المغاربة من التأمين الإجباري على المرض، والاستفادة من التعويضات العائلية وتوسيع قاعدة الانخراط في أنظمة التقاعد، والتعويض عن فقدان الشغل.
وتعزيزا لهذا التوجه الإصلاحي،أوضح الأمين العام لحزب الاستقلال أن بلادنا انتقلت إلى عَتَبَةٍ أعلى في التفعيل الأمثل للحماية الاجتماعية بفضل المبادرة الملكية المتعلقة بإطلاق برنامج للدعم الاجتماعي المباشر، الذي يشكل جيلا جديدا من التعاقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين، بأُفُقِ تحقيق التوازن بين العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية وتحولا جديدا في المنظومة الاجتماعية لبلادنا، بهدف الحد من الفقر والهشاشة والانتقال من منطق الإقصاء الاجتماعي إلى الإنصاف والإدماج المجتمعي لفئات واسعة من الأسر المعوزة وإخراجها من الهشاشة والفقر.
وأكد المتحدث أن حزب الاستقلال، يعتز بكونه مكونا أساسيا في الحكومة بالمساهمة الفاعلة في تنزيل هذه الإصلاحات الاجتماعية مُستَنِيرين بالتوجيهات الملكية السامية، ومُطوَّقِينَ بالتزاماتنا في البرنامج الحكومي الموسوم بالمسؤولية السياسية والهوية الاجتماعية.
مبرزا أن الحكومة حرصت على تسريع وتيرة تنزيل هذا التحول الاجتماعي المنشود، وفق رؤية مندمجة تَرُومُ تحقيق مستوى عالٍ من الالتقائية والنجاعة والانخراط الجماعي الواسع، من أجل إنجاح هذا الورش في أحسن الظروف.مضيفا أنه وبعد النجاح في تنزيله الفعلي في مرحلته الأولى المتعلقة بتعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض مع نهاية سنة 2022، والشروع في تأهيل المنظومة الصحية الوطنية، تم الانتقال اليوم لمرحلته الثانية المتعلقة بتعميم الدعم الاجتماعي المباشر، وذلك من خلال تمكن ملايين الأسر (60% من الأسر) غير المشمولة حاليا بأنظمة الضمان الاجتماعي، والمستوفية لشروط الاستهداف، بعد تسجيلها في السجل الاجتماعي الموحد، من دعم شهري مباشر لكل أسرة لا يقل عن 500 درهم. وهو ما يمثل، إجمالا، ميزانية سنوية تقارب 40 مليار درهم بحلول سنة 2026، تُخَصَّصُ لشقي التغطية الصحية والدعم الاجتماعي المباشر من ورش تعميم الحماية الاجتماعية.
الحد من الفقر والهشاشة والتوريث الجيلي للفقر
كما عملت على إطلاق برنامج الدعم المباشر للسكن، الذي سيمكن فئات واسعة من المواطنات والمواطنين من إقتناء سكنهم الرئيسي، وذلك من خلال تسهيل ولوج الطبقات الاجتماعية ذات الدخل المنخفض والطبقة المتوسطة إلى السكن، وتجديد المقاربة المتعلقة بالمساعدة على تملك السكن، ودعم القدرة الشرائية للأسر عبر منح دعم مالي مباشر تُوفره الدولة يتمثل في 100 ألف درهم كدعم لإقتناء مسكن يتراوح ثمنه ما بين 300 ألف درهم و700 ألف درهم، و70 ألف درهم يتم تقديمها كدعم من أجل اقتناء مسكن يقل ثمنه أو يعادل 300 ألف درهم.
وعلى منوال الجهود المبذولة لتحقيق العدالة الاجتماعية والحد من الفقر والهشاشة والتوريث الجيلي للفقر، لم تدخر الحكومة جهدا، يورد "بركة" في العمل على تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، من خلال إصلاح التعليم وضمان جودته وإنصاف أساتذته وأطره والدفاع عن المدرسة العمومية وجعلها نموذجا للريادة والارتقاء وتعزيز القدرات والرقمنة، وإصلاح منظومة الصحة، من خلال إعادة هيكلة وتأهيل شامل للقطاع الصحي لتسهيل الولوج للخدمات الصحية بمختلف جهات المملكة، واعتماد مقاربة ترابية في تنزيل الإصلاح الصحي، ضمانا للعدالة المجالية الصحية، واعتماد حكامة استشفائية وتخطيط ترابي للعرض الصحي،و اعتماد توزيع مُتَكَافِئ ومُنْصِف للخدمات الصحية عبر التراب الوطني، من خلال خرائط صحية جديدة، إرساءً للتوازن على الصعيد الجهوي، وللعدالة ومبدإِ تكافؤ الفرص، وإطلاق برنامج الوحدات الصحية المتنقلة المجهزة بتقنيات الاتصال عن بعد، الذي يهدف إلى تحسين ولوج ساكنة العالم القروي إلى الخدمات الصحية،وتثمين الموارد البشرية الطبية وتحفيزها على المستوى المجالي للقطع مع تمركزها في المدن الكبرى والساحلية، مَسْنُوداً بمجهود خاص في التكوين وتعزيز القدرات والكفاءات، وتأمين المخزون الاستراتيجي الوطني من الأدوية والمنتجات الصحية، ضمانا للولوج العادل إلى الأدوية الأساسية بجودة وأسعار مناسبة بمختلف جهات المملكة.
لا بد من أن تستعيد المدرسة العمومية دورها
زيادة على ضمان الولوج إلى الماء، من خلال إحداث تحول حاسم في تنزيل السياسة المائية، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية التي تتمحور حول إعادة استعمال المياه العَادمة وتحلية مياه البحر لدعم ضمان تزويد المدن الساحلية بالماء الصالح للشرب وسقي المساحات الخضراء،و الاقتصاد في الماء والحد من تبذِيره من خلال تدبير عقلاني لمياه الشرب بالرفع من مردودية قنوات توزيع الماء الصالح للشرب وقنوات جَرِّ وتوزيع مياه السقي لاستعمال أمثل للمياه في كل مجالات استغلالها واستعمالها،و الحفاظ على الموارد المائية الجوفية كمورد استراتيجي للأجيال المقبلة من خلال العُقَد المائية.
وخلص الأمين العام إلى أن البلاد أنجزت طفرة تنموية بفضل سياسة الأوراش الكبرى والبنيات التحتية المهيكلة ذات المواصفات الدولية، تحققت معها منجزات كبرى على مستوى التجهيزات التحتية واللوجيستيكية والمنشآت التقنية والعمرانية ذات الإشعاع القاري والإقليمي. ودرجت بلادنا على عتبة جيل جديد من المشاريع الإستراتيجية التي ستعرف طريقها إلى الإنجاز في السنوات القليلة القادمة بوتيرة أقوى وأسرع؛ في الطرق والتنقل، والربط البحري، والملاعب الرياضية ذات المواصفات الدولية، ومحطات تحلية مياه البحر على امتداد السواحل المغربية، وغيرها من المشاريع التي تحولت معها بلادنا اليوم إلى ورش كبير ومفتوح على المستقبل في مختلف القطاعات وجهات المملكة.
وبموازاة كل ذلك، يقول "بركة" انه ترصيدا للمنجزات المهمة التي تستهدف الإنسان والمجال، فإننا مدعوون للانتقال إلى السرعة القصوى في تحرير الطاقات، وبناء القدرات، وإدماج وتثمين الإمكان البشري بما يجعله فاعلا ورافعة قوية للزخم التنموي الذي تشهده بلادنا.ومن أجل تحرير الطاقات، ولا سيما في صفوف الشباب والنساء، لا بد من أن تستعيد المدرسة العمومية دورها كحامل للمشروع الوطني في تلقين ونشر المعرفة، وتطوير الكفاءات، وتنمية قيم التقدم والعمل والصالح العام، وتوطيد روابط الانتماء.
تحرير الإنسان والنهوض بالإنسية المغربية
موردا أنه لابد من توفير أسباب ومقومات انبثاق نخب جديدة، وتوسيع قاعدة الفاعلين على المستوى الوطني والترابي، وذلك من خلال حفز روح المبادرة، ومواصلة رفع عوائق الولوج إلى الاقتصاد، سواء كانت مالية أو مسطرية أو ريعية، وتشجيع الشباب على المقاولة عبر وضع ميكانيزمات تسهل التوزيع المنصف للفرص، وتنويع الأنشطة الاقتصادية الناشئة، وتعزيز الشفافية والمنافسة الشريفة، وتحسين مناخ الأعمال، خاصة في وجه المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا.
وسجل الأمين العام أن إرساء حركية اجتماعية مستدامة لا سيما في المجالات الترابية ترتكز على التعليم والتكوين، ونماذج أخلاقية للنجاح الفردي، وخدمة الصالح العام، والمواطنة الضريبية، مما يمكن من تنويع وتجديد وتشبيب الفاعلين بكيفية مستمرة.وأن تخليق المصعد الاجتماعي فيما يتعلق بتحرير المبادرة وتفجير الطاقات، يستدعي التعاطي المسؤول مع الموارد الطبيعية والنادرة، على غرار الماء والطاقة، حفاظا على التوازن البيئي وتحصينا لحقوق الأجيال القادمة.
ومشددا على أن إنشاء خزان للكفاءات الوطنية vivier de compétences الذي يمكن للقطاعين العام والخاص الولوج إليه لمواكبة حاجيات الإدارة والاقتصاد ورهانات الإصلاح والتطور، وخاصة من ذوي المؤهلات العالية والخبرات المعتبرة في الحكامة الجيدة، والقطاعات الحيوية، ومهن المستقبل كالتكنولوجيات الرقمية، والتكنولوجيا البيولوجية، والذكاء الاصطناعي، والطاقات المتجددة، والاقتصاد الأخضر والأزرق، والتنقل المستدام، وغيرها، مع استقطاب مغاربة العالم للمساهمة في تنمية بلادهم. ويمكن أن ينفتح هذا الخزان، كذلك على الكفاءات المؤهلة لتحمل المسؤوليات القيادية والتدبيرية والانتدابية على مستوى المجالات الترابية، وإيجاد الحلول الملائمة لقضايا وهموم المواطنات والمواطنين.
وختم الدكتور نزار بركة تدخله بالتأكيد على أنه أمام ورش مفتوح للتحولات والإصلاحات الهيكلية التي تنسجم مع انتقالات المجتمع وتطوراته، وترتقي ببلادنا إلى مَصَافِ الدول الصاعدة، وتستجيب لمتطلبات المرحلة وتطلعات وانتظارات المواطنات والمواطنين، يتطلب منا، إِذْكَاءَ قُدُرَاتِنَا الجماعية كاستقلاليات واستقلاليين على الإبداع والاقتراح وبلورة الحلول والبدائل في مواكبة هذه التحولات وإنجاحها، باستحضار القيم الاستقلالية الأصيلة، والفكر التعادلي المتجدد والتشبُّع بالحس الوطني الراسخ. وقال "سوف نظل في حزب الاستقلال، وفاء لوَديعَةِ الحركة الوطنية، ووثيقة ذكرى المطالبة بالاستقلال، وتكريسا للتعادلية الاقتصادية والاجتماعية التي تنتظمُ المشروع المجتمعي الاستقلالي الذي أسس له الزعيم علال الفاسي رحمه الله، منخرطين في مسار تحرير الإنسان، والنهوض بالإنسية المغربية، وتوفير شروط الارتقاء الاجتماعي، والنجاح الفردي والجماعي، لكافة المغاربة في المدن والقرى، اليوم وغدا".