Quantcast
2022 مارس 10 - تم تعديله في [التاريخ]

التعليم الأولي.. جواز عبور لتعليم مدرسي آمن

الدكتورة حنان المراكشي: سيكولوجية اللعب قاعدة أساسية للاشتغال قصد التخفيف من تجارب مؤلمة وتصريف الطاقة الزائدة واستثمار الذكاءات المتعددة


العلم الإلكترونية - دة. حنان المراكشي

التعليم الأولي هو التعليم الذي يتلقاه الطفل قبل التحاقه بالمدرسة الابتدائية حين يكون عمره متراوحا بين أربع وست سنوات، وهو حلقة وصل بين الأسرة من جهة والمدرسة الابتدائية من جهة أخرى. وقد جعلته منظمة اليونسف رديفا للتعليم الأساسي، لأنه "يكفل للطفل التمرس على طريق التفكير السليم ويؤمن له حدا أدنى من المعارف والمهارات والخبرات التي تسمح له بالتهيؤ للحياة وممارسة دوره كمواطن منتج" (المنهل التربوي 1/352).

وجاء في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وبالضبط في المادة 63 منه أن التعليم الأولي يهدف إلى تيسير التفتح البدني والعقلي والوجداني للطفل وتحقيق استقلاليته وتنشئته الاجتماعية.

إنه القاعدة الأساس لكل إصلاح تربوي مبني على الجودة وتكافؤ الفرص والمساواة والإنصاف وتيسير النجاح في المسار الدراسي والتكويني عامة، فهو استثمار تربوي واجتماعي واقتصادي في أجيال المستقبل، يؤسس لمسار النمو الذهني والمعرفي، باعتباره اللبنة الأولى التي يتفاعل معها الطفل، إذ ينتقل خلاله من التمركز حول الذات إلى إدراك الذات من خلال التعامل مع الآخر.

وعليه يمكن إجمال وظائف التعليم الأولي فيما يلي :
  • تنمية مختلف مكونات شخصية الطفل وتحقيق استقلاليته.
  • تنمية المهارات الحسحركية والتعبيرية.
  • الارتقاء بذكائه وإعداده للتعليم المدرسي.
  • يمنحه الثقة بالنفس وعدم التخوف من المرحلة اللاحقة ويسهل اندماجه.
  • ترسيخ القيم الثقافية والمعرفية والدينية والأخلاقية في نفسية الطفل ووجدانه.
  • اكتساب الطفل الآليات الأولى للقراءة والكتابة والتواصل.
  • تهييئه للتعليم الابتدائي عبر التمرن على الأنشطة العملية والفنية كالرسم والتشكيل والتلوين والإنشاد ولعب الأدوار...
ونظرا لأهمية هذا الورش التربوي في ضمان سيرورة تربوية منسجمة،والتي نص عليها الميثاق الوطني في مادته 60، وأكد عليها البرنامج الاستعجالي، فقد أولته الوزارة الوصية عناية خاصة عبر اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير في أفق تعميمه والارتقاء به عن طريق الاهتمام بتأهيل وإعداد المربين والمربيات للمهمة المنوطة بهم، وهو أمر ضروري لإنجاح هذا الرهان الاستراتيجي،الذي يتطلب موارد بشرية بمواصفات خاصة ودقيقة، مزودة بعدة بيداغوجية وديداكتيكية تتناسب مع خصوصيات طفل هذه المرحلة سيكولوجيا وانفعاليا ونفسيا وذهنيا واجتماعيا وحسحركيا. إذ لابد من مراعاتها أثناء مزاولة العمل التربوي داخل مؤسسات التربية الأولية مع توظيف مختلف البيداغوجيات الفعالة، وفي مقدمتها بيداغوجيا الكفايات التي اتخذها المغرب مدخلا أساسيا في مختلف مراحل التعليم المدرسي، وكذلك البيداغوجيا الفارقية ونظرية الذكاءات المتعددة، علاوة على العديد من البيداغوجيات النشيطة وأهمها بيداغوجيا اللعب التي تعتبر قاعدة أساسية للتعلم خلال هذه المرحلة، على اعتبار أن طفل المرحلة الأولية كثير الحركة والنشاط وسريع الملل، لهذا يجب تنويع طرق وأساليب التعليم بالاعتماد على اللعب والأناشيد والقصص المناسبة...والبعد عن أسلوب التلقين في تزويد الطفل بالمعلومات واللجوء إلى المناقشة بشكل جماعي وبشكل فردي حول مفهوم معين.

الدكتورة حنان المراكشي باحثة في علوم التربية
الدكتورة حنان المراكشي باحثة في علوم التربية
في هذا السياق وجب التنبيه إلى أن اللعب هو حياة الطفل ومن خلاله ينمو، لذلك يجب الاستفادة من ميل الطفل الطبيعي نحو اللعب في التعرف على العالم من حوله وتحقيق أهداف التربية. ولهذا السبب نجد أن برامج التعليم الأولي في الدول المتقدمة تنبني بشكل كلي على هذه البيداغوجيا وتعتمد الألعاب التربوية طريقة مثلى وناجعة.

إن اللعب في الطفولة وسيط تربوي هام يعمل على تكوين شخصية الطفل في هذه المرحلة الحاسمة من النمو. إذ يبدأ الطفل بإشباع حاجاته عن طريق اللعب، حيث تتفتح أمامه أبعاد العلاقات الاجتماعية القائمة بين الناس، ويدرك أن الإسهام في أي نشاط يتطلب من الفرد معرفة حقوقه وواجباته، كما أنه عن طريق اللعب الجماعي يتعلم الضبط الذاتي والتنظيم والتنسيق لسلوكه مع الأدوار المتبادلة داخل الجماعة.

إنه مدخل أساس لنمو الطفل عقليا ومعرفيا، وليس اجتماعيا وعاطفيا فقط، ففي اللعب يبدأ بمعرفة الأشياء وتصنيفها ويتعلم مفاهيمها، ويعمم فيما بينها على أساس لغوي، وهنا يؤدي نشاط اللعب دورا كبيرا في النمو اللغوي وفي تكوين مهارات التواصل لديه، فأنشطة اللعب تشبع في الطفل حاجته الأصلية إلى الممارسات الفعالة ويكون العمل أثناءه جذابا بقدر ما يبعث من مشاعر السرور لديه. وهو ما عبر عنه Rousseau بقوله "اللعب أسلوب الطبيعة في التربية ووسيلتها لإعداد الكائن الحي للعمل الجدي في المستقبل". مما يؤكد أن اللعب يرتبط ارتباطا وثيقا بالتربية. وهو ما أثبتته العديد من النظريات التي اهتمت بتفسير اللعب أهمها:
  • نظرية الطاقة الزائدة: ظهرت هذه النظرية في أواخر القرن الماضي، وضع أساسها الشاعر الألماني شيلر، ثم الفيلسوف هربرت سبنسر وخلاصتها أن اللعب مهمته التخلص من الطاقة الزائدة. فالأطفال عادة يحاطون بعناية أوليائهم ورعايتهم، ويهتمون بكل احتياجاتهم الضرورية من غذاء ونظافة وصحة... دون أن يقوم الأطفال بعمل ما، فتتولد لديهم طاقة زائدة يصرفونها في اللعب.
  • نظرية الإعداد للحياة المستقبلية: يرى واضع هذه النظرية كارل غروسKarl Groos أن اللعب للكائن الحي هو عبارة عن وظيفة بيولوجية هامة : فهو يمرن الأعضاء، وبذلك يستطيع الطفل أن يسيطر سيطرة تامة عليها. فاللعب إعداد للكائن الحي كي يعمل في المستقبل الأعمال الجادة المفيدة. فالطفلة مثلا في عامها الثالث تستعد بشكل لا شعوري لتقوم بدور الأم حين تأخذ دميتها، تهدهدها كي تنام. إذن فمصدر اللعب هو الغرائز أي الآليات البيولوجية. وقد أكدت الدراسات أن الإنسان يحتاج أكثر من أي كائن آخر إلى اللعب لأن تركيبه الجسمي أكثر تعقيدا وأعماله في المستقبل أكثر أهمية واتساعا، لذلك كانت فترة طفولته أطول ليزداد لعبه وتتمرن أعضائه.
  •  نظرية التحليل النفسي: هي نظرية مدرسة التحليل النفسي الفرويدية، ترى أن اللعب يساعد الطفل على التخفيف مما يعانيه من القلق الذي يحاول كل إنسان التخلص منه بأية طريقة. واللعب إحدى هذه الطرق. كما أن الطفل قد يطوع الواقع أو يصححه عن طريق اللعب وبواسطته يخفف من التجارب المؤلمة. (مثلا : رسوم الأطفال الحرة هي نوع من اللعب لأنها تؤدي نفس الوظيفة، فقد يرسم الطفل الذي يشعر بالوحدة أفراد العائلة كلهم داخل المنزل إلا طفلا يضعه في الخارج). كما أن الطفل يتغلب على مخاوفه عن طريق اللعب (الطفل الذي يخاف من طبيب الأسنان يكثر من الألعاب التي يمثل فيها دور طبيب الأسنان....). فتكرار الموقف الذي يسبب الخوف من شأنه أن يجعل الفرد يألفه.
  •  نظرية جان بياجيه في اللعب : وترتبط ارتباطا وثيقا بتفسيره لنمو الذكاء. إذ يؤكد أن النمو العقلي يسير في تسلسل محدد من الممكن تسريعه أو تأخيره، وأن الأطفال يكتسبون المعرفة من خلال التجارب الحسية واللعب بالأشياء. وقسم بياجيه اللعب إلى مراحل أربعة هي :
    •  اللعب الوظيفي الذي يمارسه الطفل في المرحلة الحسحركية، ويحدث عادة استجابة للأنشطة العضلية وللحاجة للتحرك والنشاط.
    • اللعب الرمزي: يعتمد على اللعب الإيهامي، فالطفل في هذا اللعب يتخيل نفسه شخصا آخر أو كائنا آخر.
    • اللعب وفقا للقواعد تتم فيه ممارسة الألعاب التي لها قواعد وقوانين مضبوطة.
    • اللعب البنائي : يتميز اللعب في هذه المرحلة بالابتكارية ونمو المهارات.

وعموما فكل أنواع اللعب في الطفولة المبكرة تعتبر إعدادا جيدا للمدرسة، وتساعد على نمو المهارات العقلية في حل المشكلات. ويبقى دور المربي(ة) في هذه المرحلة مهما جدا في العمل على توفير بيئة آمنة للعب و الحرص على مشاركة الأطفال اهتماماتهم لإبداع أفكار جديدة تخدم عملية اكتساب المهارات المستهدفة، ولن يتأتى ذلك إلا بتزويد العاملين في هذه المرحلة الأساسية من التعليم بالكفايات المهنية اللازمة والتي يحب أن تشمل كل المعارف الوظيفية المرتبطة بخصوصيات التعليم الأولي لتخطيط وتدبير وتقويم مختلف الوضعيات التعليمية المرتبطة به.

وفي هذا الصدد ندعو المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين إلى إحداث مسلك خاص لتأهيل أطر هيأة التدريس في التعليم الأولي، وتخصيص مجزوءات للتكوين دقيقة وموحدة لفائدة هذه الفئة، بهدفالنهوض بهذا القطاع نظريا وعمليا، وتخليصه من الشوائب التي تعلق به رغم المجهودات المبذولة من طرف الدولة، ولعل أبرز هذه المعيقات ما يرتبط بضعف البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية، وتعدد المناهج الدراسية سواء على مستوى اختيار المضامين والأنشطة أو على مستوى الطرق والوسائل الديداكتيكية وكذا تباين مواصفات المربين والمربيات وضعف تأهيلهم المهني، زد على ذلك كثرة المتدخلين الذين يشتغلون بكيفية معزولة وكذلك عدم انتظام مصادر التمويل...كلها إكراهات تحول دون تعميم التعليم المبكر وتطويره وتحسين جودته خصوصا في المناطق الهشة وفي العالم القروي.


              

















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار