العلم الإلكترونية - بقلم بدر بن علاش
بتنا نُصبح ونُمسي على قصاصات أخبار مختلقة و أنباء عارية تماما من الصحة لا يصدقها إلا جاهل ولا تنطلي إلا على أبله، في انسجام تام مع أوهام مدبجيها، وفي تَساوق غريب مع عقيدة ثابتة في خطها التحريري الخبيث الذي دأبت على اقترافه منذ سنوات طويلة خلت ضد المغرب ومصالحه، إلا أن جرعات كراهيتها وهجومها غير المبرر تضاعف أكثر تزامنا مع الإقدام على إخلاء الحدود الجنوبية بالكركرات من قطاع الطرق الذين أرسلتهم عصابة البوليساريو، بهدف عرقلة الطريق التجارية الرابطة بين المغرب وعمقه الإفريقي، وما تلا ذلك من إجماع و تفهم دولي كبير لهذا التدخل السليم الذي نفذته القوات المسلحة الملكية بتعليمات مباشرة من قائدها الأعلى، جلالة الملك محمد السادس.
وقد ازداد حنق وسائل الإعلام الجزائرية، وخاصة المرئية منها، التي يتحكم في أنفاسها وتحركات صحفييها النظام العسكري، بعد قرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية، و ما تلاه من إعلان استئناف العلاقات بين المغرب و إسرائيل، ولذلك، وهنا ينبغي التذكير بأنه ليس غريبا بالمرة تلك المحاولات البائسة التي لا تكف عنها الوسائل الدعائية الجزائرية العتيقة عن القيام بها لإقناع المواطن الجزائري البسيط بأن ملف الصحراء المغربية، يخص فقط "المخزن" كما تقول بالحرف، ولا يعني الكثير بالنسبة للمغاربة، وهذا فيه افتراء كبير، ولا حاجة لنا لنؤكد لهم أولا أن مصطلح "المخزن" المتجاوز لا يوجد إلا في عقولهم الصغيرة، ومخيلاتهم المريضة، ويكرس عُقدة حكام الجزائر تجاه ملكية مُواطنة، ارتضاها المغاربة وترسخت في وجدانهم وأرواحهم منذ ما يزيد عن 12 قرنا ، لتشكل مصدر قوتهم ووحدتهم، و خطا أحمر لا يقبلون المزايدة عليه من طرف أي كان.
إن الآلة الدعائية الجزائرية تَتوهم وتُوهم مشاهديها بتزييف حقائق الجغرافيا والتاريخ، مُتناسية أن قضية الصحراء المغربية، هي قضية كل المغاربة، الذين لا يرون فيها قضية حدود فقط، بل قضية وجود، لا كحال باقي أطياف الشارع الجزائري الذي يتساءل الكثير منهم عن سبب حشرهم في ملف لا يعنيهم مقارنة مع أولويات داخلية أخرى، وكلهم قناعة بأن هذا النزاع المفتعل وجدت فيه جنرالات الجيش الجزائري المنفذ للاستيلاء على أموال ضخمة، كان بالإمكان استغلالها في بناء دعائم دولة، أصبحت اليوم نتيجة مقاربات سياسية و اقتصادية، على حافة الإفلاس التام على كافة الأصعدة والمستويات.
وإن من تصفه القنوات الجارة الشرقية ب"الاحتلال المغربي للصحراء" هو في الواقع بلد يمارس سيادته القانونية على كامل ترابه منذ أمد بعيد، ويواصل بكل ثبات سياسية الإنماء والتشييد في أقاليمه الجنوبية التي تنعم بالاستقرار و التنمية، منذ استرجاعها من المستعمر الاسباني الذي تركها مجرد كثبان رملية تفتقد لكل ظروف العيش، وفي مقدمتها العيون التي أصبحت اليوم تضاهي أكبر المدن العالمية، بل وأجمل بكثير من العاصمة الجزائر التي باتت بناياتها متداعية للسقوط في أي لحظة فوق رؤوس سكانها، وهي البنايات التي تركها المستعمر الفرنسي في شوارعها بالطبع.
أما "الجمهورية المزعومة" فلا وجود لها على أرض الواقع إلا في مخيلة من صنعها واستضافها فوق أراضيه، وحاصر سكانها منذ سنوات، و لا يتردد في المتاجرة بمعاناتهم، ويمنعهم من اتخاذ القرار الأنسب لها وهو العودة إلى أحضان الوطن الأم بدل الاعتقال القسري وتجرع كل صنوف المعاناة والقهر والذل في مخيمات العار بتندوف بالأراضي الجزائرية.
ومن تقول عنهم "المضطهدين والمقموعين" في الأقاليم الجنوبية المغربية، فإن الغشاوة الموجودة فوق أعين نظامها العسكري العجوز، تمنعهم من استيعاب أن المغاربة الصحراويين لا فرق بينهم وبين باقي المواطنين في شتى أرجاء المملكة في الحقوق، ويتمتعون بكل شروط المواطنة، والحرية المكفولة دستوريا و قانونيا، ويمارسون أنشطتهم بلا قيود و لا شروط، و إنما المضطهدون هم الآلاف من الشباب الجزائريين الذين يواصلون الخروج للشارع، ويصدحون بصوت واحد "لا للسلطة العسكرية، دولة مدنية لا عسكرية"، تنديدا بهيمنة القيادة العسكرية على السلطة المدنية منذ استقلال البلاد عام 1962، وعوض الاستماع لنبضهم ومطالبهم العادلة، يتم الزج بالكثير منهم في السجون، وتمت محاولة استغبائهم بإحداث تغيير في كرسي الرئاسة، وفي الحقيقة هو استبدال رئيس مريض بدمية أراجوز معلقة في قصر المرادية لا حيلة لها ولا قوة، يلعب بها ريح العسكر كما شاء، وتردد نفس الأسطوانات المشروخة التي طالما رددتها سابقا دمى أخرى طواها النسيان.
وما تصفه الآلة الدعائية الجزائرية، التلميذة غير النجيبة ل "غوبلز"، رمز الدعاية النازية، ب"القصف اليومي و الحازم لقوات الردع التابعة للجبهة انطلاقا من الأرضي الجزائرية "وما يخلفه من "خسائر" وهمية، يبدو مجرد أضغاث أحلام طالما راودت حكام الجزائر، وهم يعلمون علم اليقين أنها لن تتحقق يوما، وذلك بفضل تكاثف الجبهة الداخلية الوطنية وراء جلالة الملك دفاعا عن الوحدة الترابية للمملكة الشريفة، وبفضل توفر بلادنا على قوات مسلحة باستطاعتها محو من يتعدى على حدوده في ثوان معدودة. وكم كانت فضيحة التلفزيون الرسمي الجزائري مدوية، حينما بث في إحدى نشراته لما ادعى كذبا أنه نقل حصري لقصف الحدود المغربية باستخدام آليات عسكرية مهترئة ورشاشات لا تصلح حتى لقصف الباعوض، وصفه صحفي يبدو أنه مازال مبتدئا في فبركة اللقطات المصورة ب "النصر العظيم".
أما الحزام الأمني المغربي الذي لا يترددون في الادعاء بوصفه ب"جدار العار" فالأمر لا يحتاج للتذكير، بأن تشييد هذا الحزام في عهد الملك الراحل الحسن الثاني كان لإحكام المراقبة وضبط الحدود الجنوبية الشرقية، التي كانت تعبرها سرا، وتحت جنح الظلام عصابات من البوليساريو لاقتراف جرائمهم بالتراب المغربي، وهو ما أصبح مستحيلا اليوم بفضل المراقبة اليومية لقواتنا المسلحة المرابطة على طول 2720 كيلومتر بتجهيزات وعتاد جد متطور، جدار مكن المغرب من تأمين حدوده، ووضع حد للعب الصغار ومن يحركهم، و شل مغامراتهم غير محسوبة العواقب.
وما يتردد على لسان بعض ضيوف هذه القنوات، من محللين و خبراء يعيشون تحت مظلة العسكر ونعيمه المادي، في أن المغرب تنكر للجزائر بمجرد استقلالها، وبادر للهجوم عليها في ما سمي بحرب "الرمال" إنما يكذبون على أنفسهم، متناسين عن قصد رفض حكامهم المطالب الشرعية للمغرب آنذاك في الترسيم العادل للحدود بين البلدين، بعد استيلائهم عنوة على الصحراء الشرقية للمغرب، مع العلم أن هذا الأخير، كان بإمكانه حسم هذا الملف مباشرة مع الفرنسيين الذين حاولوا استمالته، وإقناعه بالعدول عن دعم المقاومة الجزائرية، وهو ما رفضه الراحل محمد الخامس بشكل قاطع، بل سمح لثوار جيش التحرير الجزائرية باللجوء إلى الأقاليم الشرقية من المملكة، وتوفير الحماية و الدعم اللوجستيكي و المادي و المعنوي، معتبرا بحسن نية أن ترسيم الحدود يجب أن يؤجل إلى حين استقلال الجزائر بشكل أخوي وسلمي، وهو ما لم يتحقق نتيجة عقلية متحجرة و طامعة لحكام هذه الأخيرة، أبت إلا أن تتنكر لكل ما بذله المغرب قيادة و شعبا من أجلها.
وإذا كان محللو هذه القنوات لا يترددون في القول، إن القرار الذي صدر عن الإدارة الأمريكية الحالية حول اعترافها الصريحة بسيادة المغرب الكاملة على صحرائه مآله الزوال مع تقلد الرئيس الجديد "جو بايدن" لكرسي رئاسة البيت الأبيض، إنما هو دليل آخر على جهل هؤلاء وقصر نظرهم بما يدور في دواليب هذه الدولة العظمى و مصالحها الجيوسياسية، ومروجين لأكذوبة أن المغرب قايض الملف بالقضية الفلسطينية عندما أعلن استئناف علاقته مع إسرائيل، وهذا لعمري قمة الجهل، خصوصا أن المغرب أعلن من خلال أعلى سلطة في البلاد عدم تخليه بأي حال من الأحوال عن القضية الفلسطينية العادلة.
ولنذهب بعيدا هنا، ألا يحق لنا التساؤل حول ما تصفه الجزائر ب "فضيحة التطبيع" عن ماذا فعل حكامها ليطبعوا علاقة بلدهم بالمغرب، خصوصا أمام استمرار رفضهم غير المبرر واللامفهوم لإعادة فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ 1994، والجميع يعرف أن من أفشل بناء المغرب العربي الذي كان بالإمكان أن يعود بالنفع العميم على الشعوب المغاربية، هو تنطع النظام الجزائري ومؤامراته التي لا تنتهي، وإلا ما السر وراء رفض حكامه للجلوس مع المغرب في إطار حوار صريح، يستحضر التحديات الحالية و المستقبلية، وهو التصور الذي سبق و أن اقترحه الملك محمد السادس سنة 2018 عبر آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور بهدف تجاوز الجمود في العلاقات بينهما.
إن ما تُطبل له الأجهزة الإعلامية الجزائرية المسخرة من قبل العسكر و المسؤولين الجزائريين المتشبثين بعقلية الحرب الباردة في الستينيات من القرن الماضي التي أبانت على فشلها الذريع، يؤكد بشكل لا لبس فيه، أن استمرار تحكمها في القرار لن يحكم لا مصلحة الشعب الجزائري الذي يجد نفسه اليوم بين أنياب العسكر الهائج كالكلاب المسعورة، وبين حكام قصر "المرادية" الذين يتم اختيارهم بعناية فائقة لخدمة مصالح ضيقة، في حين يبقى صوت الشباب مغيبا بشكل متعمد عن القرار الجزائري داخليا وخارجيا، فيما الحصار يبقى مضروبا على المنفتحين من المفكرين و السياسيين المطالبين بتجاوز عقلية الكراهية تجاه المغرب و الالتفاف على ما يجمع البلدين عوض ما يفرقهما.
المغرب مستمر في حصد انتصاراته الديبلوماسية على مختلف الواجهات، وفي بناء صرح الدولة القوية، و كل أمله في أن يعيد صناع القرار بالجارة الشرقية تقييم الوضع القائم بقتامته، ويتخلوا عن عقيدة بالية لا تنتج سوى الحقد و الكراهية.