العلم - بقلم عبد الله البقالي
الصورة النمطية التي فرضتها وسائل الإعلام الغربية طيلة حوالي ثلاث سنوات من عمر الحرب الروسية الغربية، التي تدور رحاها في عمق تراب القارة العجوز، كانت توحي أن الحكومات الغربية، التي انساقت عن طواعية أو بدونها وراء الولايات المتحدة الأمريكية في المواجهة العسكرية فوق التراب الأوكراني، تمكنت من تحقيق إجماع شعبي عارم حول الأهمية البالغة التي يكتسبها الدعم الغربي لأوكرانيا في التصدي للغزو الروسي لأوكرانيا الذي سيتحول إلى اكتساح لدول أوروبية كثيرة، خصوصا المتاخمة لروسيا، ومن ثمة يحكم النظام الروسي طوقه على كثير من الدول الأوروبية. ومكنتها هذه التعبئة التي تحققت بفضل ما أداه الإعلام الغربي من خدمات كبيرة في هذا الصدد، من تطويع الجزء الأكبر من الرأي العام الغربي الذي اقتنع بأن النظام الروسي يشكل أكبر وأخطر تهديد على مستقبل القارة الأوروبية، وعلى السلم والاستقرار في العالم واكتساب شرعية شعبية وسياسية تجسدت في رزمة العقوبات الصادرة ضد موسكو.
التطورات المتواترة و المتراكمة في ساحة المشهد السياسي العالمي سرعت في إدخال تعديلات مهمة على هذه الصورة النمطية. فمن جهة كشفت حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية، على أنه ليست هناك حروب عادلة بالمطلق، وأن الجرائم المقترفة من جراء الحرب ليست متباينة ومختلفة، ما بين جرائم عادلة وأخرى ظالمة، وأن القتل والتقتيل لا يمكن أن تختلف شرعيته من نقطة إلى أخرى في نفس العالم الذي يعيش فيه الجميع. وفي ضوء ذلك، تنامى وعي جديد في العديد من الأوساط الغربية التي كانت ضحية تنميط إعلامي محكم ومحبوك، روج كثيرا لحق الكيان الصهيوني في الدفاع عن النفس وأن ما يقترفه من جرائم يدخل في شرعية ممارسة هذا الحق. وأن التقتيل المقترف في فلسطين مختلف عما يقترف في أوكرانيا، فالأول مشروع والثاني يعتبر انتهاكا للقانون الدولي ويعتبر جرائم ضد الإنسانية. ومع توالي سقوط الشهداء بدأت هذه الأطروحة في التآكل والتهاوي، ولم يعد جزء مهم من الرأي العام الغربي يصدق كل ما تقذفه به وسائل الإعلام الغربية، وهذا ما كشفته شبكات التواصل الاجتماعي وحشود المسيرات التي غطت جميع العواصم الغربية التي عارضت الحرب ونددت بالتقتيل وبالدمار. وفرضت التطورات في غزة نفسها على الرأي العام الدولي وبالتالي توارى الاهتمام الإعلامي بالحرب في أوكرانيا إلى الخلف. وهذا ما قد يفسر غضب الرئيس الأوكراني مما سماه بتبرم الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يفسر أيضا توقف بعض الدول الغربية عن تقديم مزيد من الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا، كما هو الشأن بالنسبة لألمانيا التي كانت تعتبر أكبر الداعمين لأوكرانيا والتي أعلنت عن توقيف كامل لهذا الدعم.
هذا على المستوى الاستراتيجي العام فيما يتعلق بالتعديلات التي فرضت نفسها على المشهد السياسي في العالم، لكن ثمة تفاصيل أخرى صغيرة يسكن فيها الشيطان، تؤكد أن منسوب ثقة الشعوب الغربية في شرعية الحرب الأوكرانية بدأ في التآكل، وأن هذه الشعوب كانت لا تكترث كثيرا بقضية الدعم المالي والعسكري الغربي لأوكرانيا مادام مصدره مقتصرا على الأموال العمومية، لكن حينما تطايرت شرارات هذا الدعم إلى جيوب المواطنين في هذه الدول لم يعد الدعم مستساغا ولا مقبولا. هذا ما تأكد في تنامي منسوب الغضب، بوتيرة حادة في بعض الأحيان في كثير من الأقطار الأوروبية من هولندا وألمانيا ورومانيا وبولونيا وإسبانيا والبرتغال وفي غيرها ضد المنافسة الحادة للمنتوجات الفلاحية القادمة من أوكرانيا بإجراءات تفضيلية تترجم الدعم الغربي لها، حيث تنامت الاحتجاجات من طرف الفلاحين والمزارعين الأوروبيين، ومن لدن منظماتهم المهنية التي أدرجت قضية التدابير التفضيلية للمنتوجات الفلاحية الأوكرانية مع قرارات أخرى اتخذها الاتحاد الأوروبي، من قبيل المخطط الأوروبي الأخضر الذي يسعى إلى القضاء على طرق ووسائل إنتاج فلاحية تقليدية والانتقال إلى الفلاحة الطبيعية البيولوجية. ويهمنا فيما يحدث في هذا السياق، أن الخروج عن الخط الذي رسم بدقة متناهية في تأطير الحرب في أوكرانيا بشرعية أوروبية شعبية لم يعد بالاستقامة التي كان عليها في السابق، ووصل مرحلة منعرجات وانحرافات يعكسها تبرم أوساط أوروبية شعبية من دعم حرب بدأت تتضح لهم أهدافها الحقيقية وخلفياتها الفعلية، وبدأوا في الإدراك بأنها قد تكون لا تعنيهم، وأنهم مجرد حطب يابس لتوفير شروط تصاعد ألهبتها.
فهل انتقل الوعي الأوروبي الشعبي إلى مرحلة تمرد عما رسم له مسبقا ؟ طبعا لا يمكن الجزم من الآن بجواب واضح وحاسم في هذا الصدد، لكن مع كل ذلك لا بد من الإقرار بأننا بصدد مرحلة مخاض سيكون لها ما بعدها. فالشعور بعدم الاطمئنان وبسيادة حالة اللايقين فيما يجري ويتم التسويق له إعلاميا لم يعد قادرا على إقناع الناس بما يقع ويجري.
الصورة النمطية التي فرضتها وسائل الإعلام الغربية طيلة حوالي ثلاث سنوات من عمر الحرب الروسية الغربية، التي تدور رحاها في عمق تراب القارة العجوز، كانت توحي أن الحكومات الغربية، التي انساقت عن طواعية أو بدونها وراء الولايات المتحدة الأمريكية في المواجهة العسكرية فوق التراب الأوكراني، تمكنت من تحقيق إجماع شعبي عارم حول الأهمية البالغة التي يكتسبها الدعم الغربي لأوكرانيا في التصدي للغزو الروسي لأوكرانيا الذي سيتحول إلى اكتساح لدول أوروبية كثيرة، خصوصا المتاخمة لروسيا، ومن ثمة يحكم النظام الروسي طوقه على كثير من الدول الأوروبية. ومكنتها هذه التعبئة التي تحققت بفضل ما أداه الإعلام الغربي من خدمات كبيرة في هذا الصدد، من تطويع الجزء الأكبر من الرأي العام الغربي الذي اقتنع بأن النظام الروسي يشكل أكبر وأخطر تهديد على مستقبل القارة الأوروبية، وعلى السلم والاستقرار في العالم واكتساب شرعية شعبية وسياسية تجسدت في رزمة العقوبات الصادرة ضد موسكو.
التطورات المتواترة و المتراكمة في ساحة المشهد السياسي العالمي سرعت في إدخال تعديلات مهمة على هذه الصورة النمطية. فمن جهة كشفت حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية، على أنه ليست هناك حروب عادلة بالمطلق، وأن الجرائم المقترفة من جراء الحرب ليست متباينة ومختلفة، ما بين جرائم عادلة وأخرى ظالمة، وأن القتل والتقتيل لا يمكن أن تختلف شرعيته من نقطة إلى أخرى في نفس العالم الذي يعيش فيه الجميع. وفي ضوء ذلك، تنامى وعي جديد في العديد من الأوساط الغربية التي كانت ضحية تنميط إعلامي محكم ومحبوك، روج كثيرا لحق الكيان الصهيوني في الدفاع عن النفس وأن ما يقترفه من جرائم يدخل في شرعية ممارسة هذا الحق. وأن التقتيل المقترف في فلسطين مختلف عما يقترف في أوكرانيا، فالأول مشروع والثاني يعتبر انتهاكا للقانون الدولي ويعتبر جرائم ضد الإنسانية. ومع توالي سقوط الشهداء بدأت هذه الأطروحة في التآكل والتهاوي، ولم يعد جزء مهم من الرأي العام الغربي يصدق كل ما تقذفه به وسائل الإعلام الغربية، وهذا ما كشفته شبكات التواصل الاجتماعي وحشود المسيرات التي غطت جميع العواصم الغربية التي عارضت الحرب ونددت بالتقتيل وبالدمار. وفرضت التطورات في غزة نفسها على الرأي العام الدولي وبالتالي توارى الاهتمام الإعلامي بالحرب في أوكرانيا إلى الخلف. وهذا ما قد يفسر غضب الرئيس الأوكراني مما سماه بتبرم الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يفسر أيضا توقف بعض الدول الغربية عن تقديم مزيد من الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا، كما هو الشأن بالنسبة لألمانيا التي كانت تعتبر أكبر الداعمين لأوكرانيا والتي أعلنت عن توقيف كامل لهذا الدعم.
هذا على المستوى الاستراتيجي العام فيما يتعلق بالتعديلات التي فرضت نفسها على المشهد السياسي في العالم، لكن ثمة تفاصيل أخرى صغيرة يسكن فيها الشيطان، تؤكد أن منسوب ثقة الشعوب الغربية في شرعية الحرب الأوكرانية بدأ في التآكل، وأن هذه الشعوب كانت لا تكترث كثيرا بقضية الدعم المالي والعسكري الغربي لأوكرانيا مادام مصدره مقتصرا على الأموال العمومية، لكن حينما تطايرت شرارات هذا الدعم إلى جيوب المواطنين في هذه الدول لم يعد الدعم مستساغا ولا مقبولا. هذا ما تأكد في تنامي منسوب الغضب، بوتيرة حادة في بعض الأحيان في كثير من الأقطار الأوروبية من هولندا وألمانيا ورومانيا وبولونيا وإسبانيا والبرتغال وفي غيرها ضد المنافسة الحادة للمنتوجات الفلاحية القادمة من أوكرانيا بإجراءات تفضيلية تترجم الدعم الغربي لها، حيث تنامت الاحتجاجات من طرف الفلاحين والمزارعين الأوروبيين، ومن لدن منظماتهم المهنية التي أدرجت قضية التدابير التفضيلية للمنتوجات الفلاحية الأوكرانية مع قرارات أخرى اتخذها الاتحاد الأوروبي، من قبيل المخطط الأوروبي الأخضر الذي يسعى إلى القضاء على طرق ووسائل إنتاج فلاحية تقليدية والانتقال إلى الفلاحة الطبيعية البيولوجية. ويهمنا فيما يحدث في هذا السياق، أن الخروج عن الخط الذي رسم بدقة متناهية في تأطير الحرب في أوكرانيا بشرعية أوروبية شعبية لم يعد بالاستقامة التي كان عليها في السابق، ووصل مرحلة منعرجات وانحرافات يعكسها تبرم أوساط أوروبية شعبية من دعم حرب بدأت تتضح لهم أهدافها الحقيقية وخلفياتها الفعلية، وبدأوا في الإدراك بأنها قد تكون لا تعنيهم، وأنهم مجرد حطب يابس لتوفير شروط تصاعد ألهبتها.
فهل انتقل الوعي الأوروبي الشعبي إلى مرحلة تمرد عما رسم له مسبقا ؟ طبعا لا يمكن الجزم من الآن بجواب واضح وحاسم في هذا الصدد، لكن مع كل ذلك لا بد من الإقرار بأننا بصدد مرحلة مخاض سيكون لها ما بعدها. فالشعور بعدم الاطمئنان وبسيادة حالة اللايقين فيما يجري ويتم التسويق له إعلاميا لم يعد قادرا على إقناع الناس بما يقع ويجري.