الافـتتاحية
وهو خلاف جوهري متوارث منذ عقود، مر بمراحل متعاقبة قام المغرب خلالها بجهود مستميتة لاسترجاع المدينتين الشماليتين، سواء في عهد السلطان مولاي اسماعيل، أو في عهد حفيده السلطان سيدي محمد بن عبد الله، أو في السلطانين مولاي عبد الرحمن بن هشام وإبنه سيدي محمد بن عبد الرحمن، في القرون الثلاثة، السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر، فلم تثمر تلك الجهود لأسباب جيوسياسية يطول شرحها، ولكنها مفصلة في المراجع التاريخية المغربية والإسبانية والإنجليزية والبرتغالية والفرنسية وفي غيرها.
ومن الحقائق التاريخية المعتمدة أن المملكة المغربية لم تعترف في أي وقت وتحت أي ظرف بسيادة إسبانيا على المدينتين سبتة ومليلية وعلى الجزر المتوسطية الخاضعة للاستعمار الإسباني، حيث تعدها جزءاً لا يتجزأ من التراب الوطني المغربي، لا يمكن بأي حال من الأحوال التفريط فيها، وستظل تطالب بها وتسعى لاسترجاعها طال الزمن أم قصر، لأن الأرض المغربية من المقدسات وحمايتها من أوجب الواجبات والعمل على تحريرها وعودتها إلى الوطن الأم مسؤولية وطنية لا يجوز التهاون في الاضطلاع بها والتأخير في إنجازها والتردد في الوفاء بها.
وطبقاً للقانون الدولي، واستناداً إلى القانون الطبيعي، فإن التقادم لا يُسقط الحق في استرجاع المغرب لأراضيه، ولا يقبل أي تفسير يخرج به عن جادة العدل والحق، ويحرفه عن منطق الأشياء، للوصول إلى إثبات الحق لغير أهله وتحويل مسار الصيرورة التاريخية لفائدة المغتصب والمحتل والمخالف لجميع القوانين والمبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية.
لقد بادر المغرب قبل فترة قصيرة، بتوجيه مذكرة إلى الاتحاد الأوروبي يؤكد فيها رفضه اعتبار سبتة ومليلية حدوداً جنوبيةً للاتحاد الأوروبي. ونتج عن هذا الموقف المغربي الواضح، أن تحركت إسبانيا محتجةً على رفض المغرب المدينتين المغربيتين حدوداً جنوبيةً للاتحاد الأوروبي. وأرسلت مذكرة بهذا الخصوص إلى السفارة المغربية بمدريد، وأوفدت مبعوثاً إلى الرباط يحمل احتجاج بلاده على الموقف المغربي.
والواقع أن مدريد بإصرارها على فرض منطقها المعوج وتمسكها بالسيادة على الأراضي المغربية التي تحتلها ، إنما تسير عكس التاريخ، وتغالط نفسها ، وتسبح ضد التيار، لأن عصر الاستعمار قد ولى وانقضى، والعالم اليوم يعيش صحوة تاريخية من تجلياتها إنهاء عهد الاستعمار وتصفية آثاره ومحو مخلفاته والقطع معه. والمغرب يأمل أن تكون جارته الشمالية متجاوبةً مع المتغيرات التي يعرفها العالم اليوم، ويطمع في أن تأخذ الحكومة الإسبانية هذه القضيةَ مأخذ الجد، فتبادر إلى تصفية تركة الماضي، وتبني مع المغرب المستقبل المشترك.
والخلاصة أن سبتة ومليلية مدينتان مغربيتان ومعهما الجزر المتوسطية، رضي من رضي وكره من كره، وعلى الجارة الشمالية أن تتحرر من العقد التاريخية العتيقة، وأن تعيش الحاضر الذي يفرض على الدولتين الصديقتين ترسيخ التعاون والشراكة وتقوية دواعي التفاهم والتقارب والحفاظ على شعلة الثقة المتبادلة متوهجةً لا يخبو منها أوار.
العلم