العلم الإلكترونية - بقلم عبد الله البقالي
تصر بعض الأوساط الفرنسية على تعمد تسييس قضية المساعدات ، التي اقترحتها فرنسا لمساعدة المغرب لمواجهة آثار الزلزال المدمر ، الذي تعرضت له المملكة قبل أيام ، و لم يكن مفاجئا بالمرة تسخير كتيبة من الإعلام الفرنسي في الخلاف العميق بين الرباط و باريس في هذه القضية الساخنة ، و لم يكن مفاجئا أيضا أن تتعمد بعض من وسائل الإعلام هذه ممارسة الضغط و الابتزاز ضد المغرب من خلال استهداف المؤسسات الدستورية ، من ملكية و حكومة ، في محاولة لإجبار الرباط على الاستسلام و الرضوخ للأمر الواقع .
فما أن حدث الزلزال المدمر في عمق جبال الأطلس المغربية ، حتى سارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إعلان استعداد فرنسا لتقديم الدعم اللازم للمغرب في هذه المحنة ، و لم يكن وحيدا في هذه المبادرة ، بل بادرت أكثر من ستين دولة و منظمات إنسانية بإعلان استعدادها لإسناد المغرب في هذه الظروف الدقيقة و الصعبة ، بتقديم مساعدات مالية و لوجيستيكية و تقنية ، و كانت روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية و ألمانيا و اليابان و هولندا و غيرها كثير من الدول التي عرضت خدماتها على المغرب .
و بدت الحكومة المغربية متريثة في التفاعل مع هذا الحجم الهائل من الطلبات ، حيث صرحت بأنها بصدد إنجاز تقييم شامل للحاجيات و للمتطلبات ، و في ضوء ذلك ستختار العروض المناسبة ، و اكتفت في البداية بالموافقة على طلبات قطر و الإمارات العربية المتحدة و إسبانيا و بريطانيا ، و أرجأت الرد عن الباقي إلى حين الوقوف على المتطلبات و الاحتياجات .
فرنسا وحدها من بين الستين عرضًا ، الذي توصلت بها الحكومة المغربية شعرت بالإهانة من جواب الرباط ، و منذ الوهلة الأولى تسابقت الأوساط الإعلامية الفرنسية إلى تبرير الموقف المغربي بالخلافات السياسية العميقة بين الرباط و باريس ، التي وصلت مستوى أزمة صامتة عمرت لفترة طويلة لحد الآن ،و جزمت بأن الرباط رفضت المساعدات الفرنسية بخلفيات سياسية .و حدث أن أقدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على سابقة في تاريخ العلاقات الدولية بأن وجه خطابا مباشرا من باريس إلى الشعب المغربي ، و كأنه كان يشعر لحظتها أن جغرافية رئاسته تمتد إلى التراب المغربي .
و يبدو أن القضية في عمقها تتجاوز التبسيط الساذج الذي اعتمدته الأوساط الفرنسية في تعاملها مع هذه القضية ، و التي تستند إلى قناعة تصنف المساعدات الدولية في لحظات الكوارث ، منة و منحة من القوى العظمى لشعوب و أمم تتوسل و تستجدي هذه المساعدات .و بالتالي فإن هذا الفهم يفرغ قضية المساعدات الدولية من محتواها الإنساني ، التضامني و يحولها إلى لحظة من لحظات الزمن السيء الذي يطبع العلاقات الدولية الراهنة ، و إلى ممارسة ملغومة من الممارسات الاستعمارية المتجاوزة و البائدة .
و لم يكن المغرب وحيدا في إعمال هذه المقاربة ، و ليس الأول و لن يكون الأخير . و نتذكر في هذا السياق أن الحكومة الأرمينية رفضت عقب الزلزال الذي ضرب البلاد سنة 1988 مساعدات المنظمات غير الحكومية ، في حين وافقت على المساعدات الدولية . عكس الحكومة الهندية التي قبلت إثر الزلزال الذي هز البلاد سنة 1993 بمساعدات المنظمات غير الحكومية في حين لم تر داعيا و لا حاجة لقبول مساعدات الدول .
و نتذكر أيضا أنه عقب الزلزال الذي ضرب منطقة بومرداس بالجزائر سنة 2003 طلبت السلطات الجزائرية من جميع فرق المساعدة الأجنبية مغادرة التراب الجزائري بعد أقل من ثلاثة أيام بعد حدوث الزلزال .و بذلك فإن المغرب لم يخترع العجلة في هذا المجال بل اعتمد مقاربة موجودة و معمول بها ، تضع قضية المساعدات الدولية في لحظة الكوارث الطبيعية في سياقها الطبيعي و الحقيقي ، الذي يخلصها من المقاربة التقليدية المسيئة لقيم الإنسانية .
و الحقيقة أن هذا التباين في الرؤى في قضية إنسانية محضة تكشف تباينا آخر حول مفهوم السيادة الوطنية التي تتجلى أيضا في القرارات السيادية التي تتخذها حكومات الدول . و هو التباين الذي ينحو بهذا الخلاف نحو الخطورة البالغة . ذلك أنه من حق الحكومات في العالم ، بما في ذلك حكومات الدول التي تصنف بالنامية و المتخلفة ، تقدير الأوضاع المترتبة عن الكارثة أو الأخرى المتعلقة بها و اتخاذ القرارات السيادية التي تراها مناسبة و لائقة ، و لا حق لأي دولة أو قوة أخرى مصادرة هذا الحق ، أو اتخاذ القرار بالنيابة عن حكومات الدول المعنية ، بما في ذلك لحظات الأزمات و الكوارث ، حيث تنظم القواعد المعمول بها في هذه الحالات ، و التي لا تخرج عن خيارين اثنين لا ثالث لهما. أولهما أن تطلب حكومة الدولة المتضررة من الكارثة الإنسانية المساعدة الدولية بصفة مفتوحة ، بسبب أنها ليست قادرة لوحدها على مواجهة و تحمل تبعات و آثار الكارثة ، و تطلب مساندة فعلية من المجتمع الدولي . و ثانيهما و في حالة إحجام الدولة المعنية عن طلب المساعدة الدولية ، تتقدم حكومات الدول و المنظمات الدولية المختصة بطلب تقديم المساعدة عن طريق البعثات الديبلوماسية للدولة المعنية .و في هذه الحالة تنتقي الدولة المعنية العروض المناسبة لها ، و تتجاوب مع تلك الملائمة لاحتياجاتها . و هكذا فإنه لا معنى لممارسة الضغط و الابتزاز ضد دولة ما ، لأنها مارست حقها السيادي المطلق في اتخاذ ما تراه مناسبا من قرارات في حالات الأزمات و الكوارث ، اللهم إذا كانت لذلك أهداف أخرى بعيدة عن البعد الإنساني للمساعدات الدولية .
من حق المغرب ، و غيره من الدول التي قد تتعرض لكوارث مستقبلا ، أن ترى نفسها مؤهلة لمواجهة آثار كارثة إنسانية ، و أنها تتوفر على ما يكفي من الإمكانيات و المؤهلات لمواجهة آثار و تداعيات الكارثة الإنسانية ، و أنها قادرة على تكريس استقلالها الذاتي في هذا الصدد ، و هو الاستقلال الذي يحفظ كرامة الشعب في مواجهة أشكال الاستجداء والتوسل و التجارة بالمأساة ، و يحميه من كثير من الممارسات الخطيرة ، التي لا تتردد بعض الأوساط التجارية في الإقدام عليها ، منتهزة ظروف و أجواء الفاجعة لتحقيق أهداف تجارية رخيصة من قبيل الدعاية، لمنتوجاتها التجارية أو حتى تجريب بعض الأدوية الجديدة أو الفاسدة في أجساد المنكوبين جراء الكارثة . و هذا ما يطرح قضية مسؤولية الدولة ، ليس فقط في مساعدة و نجدة المواطنين ضحايا الكارثة ، بل مسؤوليتها في حماية المجتمع برمته من الممارسات المشبوهة سواء كانت أفعالا أو أهدافا سياسية مسيئة .
هذا الفهم العميق لقضية المساعدات الدولية هو الذي تتعمد الأوساط الفرنسية الرسمية و الإعلامية تغييبه أو التعتيم عليه ، و عرض القضية على أنها خلاف سياسي محض بين الرباط و باريس . و هذه ليست الحقيقة ، لأن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير .
تصر بعض الأوساط الفرنسية على تعمد تسييس قضية المساعدات ، التي اقترحتها فرنسا لمساعدة المغرب لمواجهة آثار الزلزال المدمر ، الذي تعرضت له المملكة قبل أيام ، و لم يكن مفاجئا بالمرة تسخير كتيبة من الإعلام الفرنسي في الخلاف العميق بين الرباط و باريس في هذه القضية الساخنة ، و لم يكن مفاجئا أيضا أن تتعمد بعض من وسائل الإعلام هذه ممارسة الضغط و الابتزاز ضد المغرب من خلال استهداف المؤسسات الدستورية ، من ملكية و حكومة ، في محاولة لإجبار الرباط على الاستسلام و الرضوخ للأمر الواقع .
فما أن حدث الزلزال المدمر في عمق جبال الأطلس المغربية ، حتى سارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إعلان استعداد فرنسا لتقديم الدعم اللازم للمغرب في هذه المحنة ، و لم يكن وحيدا في هذه المبادرة ، بل بادرت أكثر من ستين دولة و منظمات إنسانية بإعلان استعدادها لإسناد المغرب في هذه الظروف الدقيقة و الصعبة ، بتقديم مساعدات مالية و لوجيستيكية و تقنية ، و كانت روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية و ألمانيا و اليابان و هولندا و غيرها كثير من الدول التي عرضت خدماتها على المغرب .
و بدت الحكومة المغربية متريثة في التفاعل مع هذا الحجم الهائل من الطلبات ، حيث صرحت بأنها بصدد إنجاز تقييم شامل للحاجيات و للمتطلبات ، و في ضوء ذلك ستختار العروض المناسبة ، و اكتفت في البداية بالموافقة على طلبات قطر و الإمارات العربية المتحدة و إسبانيا و بريطانيا ، و أرجأت الرد عن الباقي إلى حين الوقوف على المتطلبات و الاحتياجات .
فرنسا وحدها من بين الستين عرضًا ، الذي توصلت بها الحكومة المغربية شعرت بالإهانة من جواب الرباط ، و منذ الوهلة الأولى تسابقت الأوساط الإعلامية الفرنسية إلى تبرير الموقف المغربي بالخلافات السياسية العميقة بين الرباط و باريس ، التي وصلت مستوى أزمة صامتة عمرت لفترة طويلة لحد الآن ،و جزمت بأن الرباط رفضت المساعدات الفرنسية بخلفيات سياسية .و حدث أن أقدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على سابقة في تاريخ العلاقات الدولية بأن وجه خطابا مباشرا من باريس إلى الشعب المغربي ، و كأنه كان يشعر لحظتها أن جغرافية رئاسته تمتد إلى التراب المغربي .
و يبدو أن القضية في عمقها تتجاوز التبسيط الساذج الذي اعتمدته الأوساط الفرنسية في تعاملها مع هذه القضية ، و التي تستند إلى قناعة تصنف المساعدات الدولية في لحظات الكوارث ، منة و منحة من القوى العظمى لشعوب و أمم تتوسل و تستجدي هذه المساعدات .و بالتالي فإن هذا الفهم يفرغ قضية المساعدات الدولية من محتواها الإنساني ، التضامني و يحولها إلى لحظة من لحظات الزمن السيء الذي يطبع العلاقات الدولية الراهنة ، و إلى ممارسة ملغومة من الممارسات الاستعمارية المتجاوزة و البائدة .
و لم يكن المغرب وحيدا في إعمال هذه المقاربة ، و ليس الأول و لن يكون الأخير . و نتذكر في هذا السياق أن الحكومة الأرمينية رفضت عقب الزلزال الذي ضرب البلاد سنة 1988 مساعدات المنظمات غير الحكومية ، في حين وافقت على المساعدات الدولية . عكس الحكومة الهندية التي قبلت إثر الزلزال الذي هز البلاد سنة 1993 بمساعدات المنظمات غير الحكومية في حين لم تر داعيا و لا حاجة لقبول مساعدات الدول .
و نتذكر أيضا أنه عقب الزلزال الذي ضرب منطقة بومرداس بالجزائر سنة 2003 طلبت السلطات الجزائرية من جميع فرق المساعدة الأجنبية مغادرة التراب الجزائري بعد أقل من ثلاثة أيام بعد حدوث الزلزال .و بذلك فإن المغرب لم يخترع العجلة في هذا المجال بل اعتمد مقاربة موجودة و معمول بها ، تضع قضية المساعدات الدولية في لحظة الكوارث الطبيعية في سياقها الطبيعي و الحقيقي ، الذي يخلصها من المقاربة التقليدية المسيئة لقيم الإنسانية .
و الحقيقة أن هذا التباين في الرؤى في قضية إنسانية محضة تكشف تباينا آخر حول مفهوم السيادة الوطنية التي تتجلى أيضا في القرارات السيادية التي تتخذها حكومات الدول . و هو التباين الذي ينحو بهذا الخلاف نحو الخطورة البالغة . ذلك أنه من حق الحكومات في العالم ، بما في ذلك حكومات الدول التي تصنف بالنامية و المتخلفة ، تقدير الأوضاع المترتبة عن الكارثة أو الأخرى المتعلقة بها و اتخاذ القرارات السيادية التي تراها مناسبة و لائقة ، و لا حق لأي دولة أو قوة أخرى مصادرة هذا الحق ، أو اتخاذ القرار بالنيابة عن حكومات الدول المعنية ، بما في ذلك لحظات الأزمات و الكوارث ، حيث تنظم القواعد المعمول بها في هذه الحالات ، و التي لا تخرج عن خيارين اثنين لا ثالث لهما. أولهما أن تطلب حكومة الدولة المتضررة من الكارثة الإنسانية المساعدة الدولية بصفة مفتوحة ، بسبب أنها ليست قادرة لوحدها على مواجهة و تحمل تبعات و آثار الكارثة ، و تطلب مساندة فعلية من المجتمع الدولي . و ثانيهما و في حالة إحجام الدولة المعنية عن طلب المساعدة الدولية ، تتقدم حكومات الدول و المنظمات الدولية المختصة بطلب تقديم المساعدة عن طريق البعثات الديبلوماسية للدولة المعنية .و في هذه الحالة تنتقي الدولة المعنية العروض المناسبة لها ، و تتجاوب مع تلك الملائمة لاحتياجاتها . و هكذا فإنه لا معنى لممارسة الضغط و الابتزاز ضد دولة ما ، لأنها مارست حقها السيادي المطلق في اتخاذ ما تراه مناسبا من قرارات في حالات الأزمات و الكوارث ، اللهم إذا كانت لذلك أهداف أخرى بعيدة عن البعد الإنساني للمساعدات الدولية .
من حق المغرب ، و غيره من الدول التي قد تتعرض لكوارث مستقبلا ، أن ترى نفسها مؤهلة لمواجهة آثار كارثة إنسانية ، و أنها تتوفر على ما يكفي من الإمكانيات و المؤهلات لمواجهة آثار و تداعيات الكارثة الإنسانية ، و أنها قادرة على تكريس استقلالها الذاتي في هذا الصدد ، و هو الاستقلال الذي يحفظ كرامة الشعب في مواجهة أشكال الاستجداء والتوسل و التجارة بالمأساة ، و يحميه من كثير من الممارسات الخطيرة ، التي لا تتردد بعض الأوساط التجارية في الإقدام عليها ، منتهزة ظروف و أجواء الفاجعة لتحقيق أهداف تجارية رخيصة من قبيل الدعاية، لمنتوجاتها التجارية أو حتى تجريب بعض الأدوية الجديدة أو الفاسدة في أجساد المنكوبين جراء الكارثة . و هذا ما يطرح قضية مسؤولية الدولة ، ليس فقط في مساعدة و نجدة المواطنين ضحايا الكارثة ، بل مسؤوليتها في حماية المجتمع برمته من الممارسات المشبوهة سواء كانت أفعالا أو أهدافا سياسية مسيئة .
هذا الفهم العميق لقضية المساعدات الدولية هو الذي تتعمد الأوساط الفرنسية الرسمية و الإعلامية تغييبه أو التعتيم عليه ، و عرض القضية على أنها خلاف سياسي محض بين الرباط و باريس . و هذه ليست الحقيقة ، لأن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير .