العلم - بقلم عبد الله البقالي
الأكيد أن الأزمات المستعصية التي يواجهها العالم، سواء اجتماعية أو اقتصادية أو حروب وفتن مشتعلة في بعض مناطق العالم، ليست أحداثا معزولة ومحدودة في امتداداتها الجغرافية، بل إنها تطورات عميقة تلقي بظلالها على مستقبل البشرية جمعاء. وتسود شكوك كبيرة وجدية حول دواعي وخلفيات هذه الأزمات، وما إذا كانت مفتعلة لتحقيق أهداف اقتصادية وسياسية واستراتيجية، ولخدمة مصالح مالية واقتصادية خصوصا من طرف شركات عالمية عملاقة صارت متحكمة في مراكز القرارات السياسية في العالم.
لسنا هنا بصدد التدقيق في الأسباب الحقيقية وراء أزمات اجتماعية كبرى هزت أركان العالم، خاصة الأزمة الصحية الخطيرة التي ترتبت عن انتشار وباء كورونا، وكيف اختفى هذا الفيروس فجأة بعدما أزهق أرواح الملايين من البشر وقطع الأرزاق على ملايين أخرى، في ما تمكنت شركات تجارية وصناعية كبرى مقابل ذلك من مراكمة أرباح مالية طائلة من ورائه، خصوصا شركات إنتاج اللقاحات المضادة للفيروس، والتي تأكد أنها لا تمنع الإصابة به ولا تقضي عليه، وشركات التكنولوجيات الحديثة، خصوصا العاملة في قطاع الاتصالات، ولا في حروب اشتعلت فجأة بين قوى عظمى في العالم كانت سببا مباشرا في ارتفاعات مهولة في أسعار العديد من المواد الاستهلاكية الأساسية، وفي مؤشرات ومعدلات اقتصادية كثيرة من قبيل التضخم وأسعار الفائدة والبطالة في العالم، وهذه حقائق نترك للزمن الكشف عنها. ولكن سواء كانت هذه الأزمات طبيعية وتلقائية بصفتها تمثل لحظات تصادم للمصالح الكبرى أو انفلاتا في التطور العلمي الحاصل في العالم، أو أنها عناوين كبيرة وعريضة لتدبير المصالح الكبرى في نظام عالمي مختل، فإن تداعياتها تمتد إلى المستقبل القريب والمتوسط وبعيد المدى.
اليوم، يبدو واضحا أن هذه الأزمات عرجت بالعالم نحو بداية تراجع وتلاشي العولمة وتدفع تدريجيا نحو عودة مفهوم الدولة الوطنية. فقد تعرضت العولمة إلى انتكاسة كبيرة إبان أزمة كورونا، حيث سارعت مختلف دول العالم إلى اتخاذ تدابير الإغلاق والعزل وتوقيف مسالك التسويق، وحضرت السيادة الوطنية المتعلقة بالغذاء والدواء وكفاءة الموارد البشرية. وهكذا اكتسبت القوى الشعبية المناهضة للعولمة، التي كانت قبل الأزمة موضوع سخرية من طرف منظري وقادة العولمة، نفوذا وشرعية متزايدة. وبدا ذلك واضحا من خلال الانحياز أكثر نحو النزعة الحمائية في الاقتصاد والتجارة، وأيضا نحو الحفاظ على الرصيد الوطني من الموارد البشرية المؤهلة في مختلف التخصصات العلمية والتقنية، وهو انحياز تدعمه استراتيجيات الحيطة واليقظة التي تعتمدها كثير من الدول، بهدف تحقيق معدلات مرتفعة في الاكتفاء الذاتي بالنسبة للغذاء والطاقة وصناعة الأدوية واللقاحات وامتلاك التكنولوجيا. ويتعزز هذا التوجه نحو العودة إلى الدولة الوطنية في التعقيدات الكبيرة التي يواجهها التقارب التجاري بين الدول، وتراجع منسوب التعاون الثنائي والدولي، ويستدل كثير من الخبراء على ذلك بحالة الفوضى والغموض التي رافقت سياسات التصدي لوباء كورونا، وبالفشل في التعاون الدولي في إنتاج لقاحات موحدة وفعالة لمواجهة الخطر، مما قضى بشكل نهائي على الآمال في إنقاذ الأرواح وتجنب الخسائر الفادحة.
موازاة مع كل ذلك، تسببت الأزمات العالمية في احتدام المنافسة بين قوى عظمى تتضارب مصالحها، بين قوى تسعى إلى تثبيت القطبية الأحادية وتكريسها وفرضها في نظام عالمي متحكم فيه، وبين أخرى مناهضة لها، ساعية إلى قطبية متعددة تنهي مع عهود السيطرة والهيمنة. ويتجسد هذا الاحتدام في الحرب التي تدور رحاها في عمق القارة العجوز بين روسيا والغرب، وفي التنافس المتزايد بين الولايات المتحدة الأمريكية وقوى اقتصادية جديدة كما هو عليه الحال بالنسبة إلى الصين والهند وتكتلات اقتصادية جديدة تبحث لها عن موقع في بنية النظام الاقتصادي العالمي السائد.
لذلك قد تكون الأزمات المتعاقبة والسائدة التي يواجهها العالم مفتعلة، كما قد تكون غير ذلك، لكنها تساهم بقوة في تآكل النظام العالمي السائد وتشرع أبواب المستقبل أمام تحولات يتفاوت عمقها وقوتها من فترة إلى أخرى، ونحو آفاق لا يمكن لأحد تحديد معالمها وامتداداتها ومضامينها.
الأكيد أن الأزمات المستعصية التي يواجهها العالم، سواء اجتماعية أو اقتصادية أو حروب وفتن مشتعلة في بعض مناطق العالم، ليست أحداثا معزولة ومحدودة في امتداداتها الجغرافية، بل إنها تطورات عميقة تلقي بظلالها على مستقبل البشرية جمعاء. وتسود شكوك كبيرة وجدية حول دواعي وخلفيات هذه الأزمات، وما إذا كانت مفتعلة لتحقيق أهداف اقتصادية وسياسية واستراتيجية، ولخدمة مصالح مالية واقتصادية خصوصا من طرف شركات عالمية عملاقة صارت متحكمة في مراكز القرارات السياسية في العالم.
لسنا هنا بصدد التدقيق في الأسباب الحقيقية وراء أزمات اجتماعية كبرى هزت أركان العالم، خاصة الأزمة الصحية الخطيرة التي ترتبت عن انتشار وباء كورونا، وكيف اختفى هذا الفيروس فجأة بعدما أزهق أرواح الملايين من البشر وقطع الأرزاق على ملايين أخرى، في ما تمكنت شركات تجارية وصناعية كبرى مقابل ذلك من مراكمة أرباح مالية طائلة من ورائه، خصوصا شركات إنتاج اللقاحات المضادة للفيروس، والتي تأكد أنها لا تمنع الإصابة به ولا تقضي عليه، وشركات التكنولوجيات الحديثة، خصوصا العاملة في قطاع الاتصالات، ولا في حروب اشتعلت فجأة بين قوى عظمى في العالم كانت سببا مباشرا في ارتفاعات مهولة في أسعار العديد من المواد الاستهلاكية الأساسية، وفي مؤشرات ومعدلات اقتصادية كثيرة من قبيل التضخم وأسعار الفائدة والبطالة في العالم، وهذه حقائق نترك للزمن الكشف عنها. ولكن سواء كانت هذه الأزمات طبيعية وتلقائية بصفتها تمثل لحظات تصادم للمصالح الكبرى أو انفلاتا في التطور العلمي الحاصل في العالم، أو أنها عناوين كبيرة وعريضة لتدبير المصالح الكبرى في نظام عالمي مختل، فإن تداعياتها تمتد إلى المستقبل القريب والمتوسط وبعيد المدى.
اليوم، يبدو واضحا أن هذه الأزمات عرجت بالعالم نحو بداية تراجع وتلاشي العولمة وتدفع تدريجيا نحو عودة مفهوم الدولة الوطنية. فقد تعرضت العولمة إلى انتكاسة كبيرة إبان أزمة كورونا، حيث سارعت مختلف دول العالم إلى اتخاذ تدابير الإغلاق والعزل وتوقيف مسالك التسويق، وحضرت السيادة الوطنية المتعلقة بالغذاء والدواء وكفاءة الموارد البشرية. وهكذا اكتسبت القوى الشعبية المناهضة للعولمة، التي كانت قبل الأزمة موضوع سخرية من طرف منظري وقادة العولمة، نفوذا وشرعية متزايدة. وبدا ذلك واضحا من خلال الانحياز أكثر نحو النزعة الحمائية في الاقتصاد والتجارة، وأيضا نحو الحفاظ على الرصيد الوطني من الموارد البشرية المؤهلة في مختلف التخصصات العلمية والتقنية، وهو انحياز تدعمه استراتيجيات الحيطة واليقظة التي تعتمدها كثير من الدول، بهدف تحقيق معدلات مرتفعة في الاكتفاء الذاتي بالنسبة للغذاء والطاقة وصناعة الأدوية واللقاحات وامتلاك التكنولوجيا. ويتعزز هذا التوجه نحو العودة إلى الدولة الوطنية في التعقيدات الكبيرة التي يواجهها التقارب التجاري بين الدول، وتراجع منسوب التعاون الثنائي والدولي، ويستدل كثير من الخبراء على ذلك بحالة الفوضى والغموض التي رافقت سياسات التصدي لوباء كورونا، وبالفشل في التعاون الدولي في إنتاج لقاحات موحدة وفعالة لمواجهة الخطر، مما قضى بشكل نهائي على الآمال في إنقاذ الأرواح وتجنب الخسائر الفادحة.
موازاة مع كل ذلك، تسببت الأزمات العالمية في احتدام المنافسة بين قوى عظمى تتضارب مصالحها، بين قوى تسعى إلى تثبيت القطبية الأحادية وتكريسها وفرضها في نظام عالمي متحكم فيه، وبين أخرى مناهضة لها، ساعية إلى قطبية متعددة تنهي مع عهود السيطرة والهيمنة. ويتجسد هذا الاحتدام في الحرب التي تدور رحاها في عمق القارة العجوز بين روسيا والغرب، وفي التنافس المتزايد بين الولايات المتحدة الأمريكية وقوى اقتصادية جديدة كما هو عليه الحال بالنسبة إلى الصين والهند وتكتلات اقتصادية جديدة تبحث لها عن موقع في بنية النظام الاقتصادي العالمي السائد.
لذلك قد تكون الأزمات المتعاقبة والسائدة التي يواجهها العالم مفتعلة، كما قد تكون غير ذلك، لكنها تساهم بقوة في تآكل النظام العالمي السائد وتشرع أبواب المستقبل أمام تحولات يتفاوت عمقها وقوتها من فترة إلى أخرى، ونحو آفاق لا يمكن لأحد تحديد معالمها وامتداداتها ومضامينها.