Quantcast
2025 فبراير 7 - تم تعديله في [التاريخ]

متى يُسْقِطُ الإطار المسْمار !

افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 6 فبراير 2025


متى يُسْقِطُ الإطار المسْمار !
العلم - محمد بشكار

أعترف أن سِعَةِ خاطري ضاقت ذَرْعاً بالصيغة المُتعالية لبعض المناصب، كيف لا  وهي تتخذ من الأشكال الهندسية أسماءها، فتسمع أحدهم يُحَدِّثك عن أحَدِهم بالقول إنّه إطارٌ كبير في الدولة، فهو إذاً بين الأشكال الهندسية ليس مثلثا أو نصف دائرة ولا حتى شبه منحرف، فهو الإطار المعلَّق في سِلكه العالي من أسلاك الدولة، إما مستطيلا وغالب الظن تجده مربَّعاً برجليه ويديه إذا كان في الحكومة، يُوقِّع و يَنهى ويأمر، وإذا كان إطارا في إحدى الإدارات، فهو المُحيط بأضلاعه الأربعة بما خفي على الموظفين مرؤوسيه من بواطن الأمور، سواء حضر للعمل أم لم يحضر سيَّانْ، فهو بالسلطة المُخوَّلة له إطارٌ، وله الحقُّ في الإستفادة من امتيازاته في أن يكون موظفا شبحا لا يزورنا إلا في المنام، لا تَسْتهِنْ بالإطار، فقد يكون حتى وهو غائب وبعيدٌ مستطيلا بأياديه واصلاً، يستطيعُ تدبير الحلول لِما أشْكَل في شأننا العام
!

لا تعتقدوا أنتم الذين تسْتبخِسون الإطار أننا وجَدناهُ مرمياً في الشارع، فقد كلَّف تكوينُه الدولةَ حوالي  50 مليون سنتيم، فكيف السبيل لتحويل هذا المبلغ إلى ربح يعود بخِبْرات أطُره بالنفع على البلد، بَدَل أن ينقلب بآلاف الدكاترة المعطلين هدرا للمال العام و خسارة، وإزاء بعض الأرقام التي في اضطراد إلى الشارع سنويا، يبدو أن الإطارات المُخصَّصة للعجلات تجد سريعا وظيفتها في السيارات التي تقتنيها يوميا، لذلك فهي أوفر حظا من الإطارات أو الأطر الكفؤة المتراكمة سنويا بشواهدها العليا، فمتى تجد الدولة للإطار وظيفة في عجلة التنمية  !

حيثما دخلتَ يوجد إطار في جدار، فالشعب الذي يمكن أن تنبثق من جوف بركانه الخامد حممُ التمرد والعصيان، بحاجة لإطار سياسي يجعله في إسطبل الفكر الأحادي قطيعا، والمتعبِّد أحوج لإطار ديني يختاره من الديانات الثلاث ما لم تسْتلبهُ إحدى العصبيَّات وقال كفرعون «أنا ربكم الأعلى » العِياذ بالله، والمُتعلِّم يعوزه الإطار البيداغوجي الملائم الذي يواكب في وسائله ومحتواه تطور عصرنا، وإلا سيُفاجأ أنه في كل تطلعاته التي درسها بقي مُتخلفا في الجاهلية، والكاتب في بلدنا فطن كما هو شأن الأدباء في كل بلد  متحضِّرٍ، أنه لا يستطيع مجاراة حي بن يقظان و يعيش حياة الوحيش في الغابة، فقرر منذ زمن بعيد أن يكسر العزلة بالإنضمام لمؤسسات ثقافية من صنيع أفكاره وليس براثنه، فأنشأ بدل الإطار عددَ ما يكفيه مدى العمر، فتارة هو في جمعية وأخرى في منظمة وقد يقلب المعطف وينقلبُ لاتحاد، وما زال في تلبية نزواته مترحِّلا حتى يجد في الشِّعر بيتا، أعترف أنّ ثمة من الأدباء المتيَّمين بالمثالي من لا يُعجبه العجبُ، يزدري  كل الإطارات الثقافية التي تحيطه بعجلاتها من كل جانبٍ، فقط لأنَّ إحداها لم تدْهَسْهُ بحادثة خير ولم يطَلهُ من منافعها العميمة فتاتٌ، و لكن أوقِن أيضا أننا في الأعم، نُمنى بخيبةٍ كبرى في طريقة أداء بعض إطاراتنا التي وضعنا في أعضائها الثقة لتدبير همومنا الثقافية، في بُعدها الوطني على الأقل، أما العالمي فيحتاج لطائرة لا يركبها إلا الرئيس، فإذا بِنَا نذهبُ نحن وهمومنا للجحيم، وتضيق جغرافيا شؤوننا من بُعدها الوطني، لتصير همّاً اُسرِيّاً ضيِّقاً لا يتجاوز في مصلحته أعضاء مكتب الإطار، أو لستُم أنتم أيها الأذكياء مَنْ انتخب الإطار سيفاً مسلّطاً، فلِمَ اليوم البكاء!

يُعجبني من كلِّ ما ذكرتُ من يعتني بصورته فيبحث لها عن إطار مصنوعٍ من خشب أو عاج، لا يحتاج كي يضمن لنفسه السُّمو والسؤدد وهو يُعلِّقه عاليا في الحائط إلا مسماراً، وما أكثر المسامير لو ألقى بنظرة أسفل المائدة !

ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 6 فبراير 2025


              

















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار