العلم - بقلم عمر عباسي
حسنا فعل مكتب مجلس النواب عندما بادر إلى إعمال مقتضيات النظام الداخلي ذات الصلة يطلب رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بخصوص مشروع قانون رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب المنصوص عليها في المادة 366 من نظامه الداخلي، وهو بذلك يوسع من مجال المشاورات والنقاش العمومي في المؤسسات حول مشروع قانون تنظيمي طال انتظاره ويكتسي أهمية بالغة جدا بالنسبة للسلم الاجتماعي ودعم وتأهيل النسيج المقاولاتي.
بداية يتعين الإقرار بأن الوصول إلى لحظة ومناقشة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بحق الإضراب داخل لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب لم يكن يسيرا علما أن إحالته على مجلس النواب تمت سنة 2016، بل إنه أحد ثمار الحوار الاجتماعي الذي عرف على عهد الحكومة الحالية تحولا نوعيا، ما كان له أن يكون لولا تلاقي الارادات الصادقة سواء من لدن السيد رئيس الحكومة، الذي حرص منذ تعيينه على التعامل مع النقابات باعتبارها شريكا وليست خصما، أو من طرف المركزيات النقابية التي غلبت المصلحة العليا لبلادنا، وأولوية الدفاع عن حقوق الشغيلة المغربية على غيرها من الأمور.
وبالعودة إلى رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، يمكن إبداء الملاحظات التالية، وهي لا تغني عن العودة إلى نص الرأي، الذي تبقى قراءته وإعادة قراءته ضرورية لفهم جوانب أساسية في أحد أبرز النصوص القانونية الذي صاحبها ويصاحبها جدل كبير:
أولا : لم يخف المجلس أن دراسته لمشروع القانون التنظيمي تنطلق من المرجعية الدستورية في شموليتها، وكذا المرجعية المعيارية الدولية، وكذا من خصوصية الطبيعة التنازعية لممارسة الحق في الاضراب.
ثانيا : يؤكد المجلس أنه وأمام بلورة الحكومة لصيغة جديدة للمشروع غير تلك التي سبقت إحالتها على البرلمان فإن رأيه لم يتقيد والحالة هذه بالدراسة النصية لمواد بالمشروع المعروض على أنظار البرلمان.
ثالثا : استحضر رأي المجلس محددات الممارسة التشريعية المغربية بخصوص القوانين التنظيمية، وأشار إلى عدم اعتماد ديباجة فيها، بالنظر إلى كونها امتدادا لأحكام الدستور، ومع ذلك فإن المجلس يعتبر بأنه كان الأجدر التنصيص على مادة تمهيدية في الأحكام العامة، توضح روح القانون وأهدافه، وكذا الأهداف والمقاصد المرجوة منه.
رابعا : لاحظ المجلس غلبة "الطابع الزجري" على المشروع الذي يروم في نهاية المطاف تنظيم الحق في الاضراب وإحاطته بالضمانات القانونية الضرورية لممارسته، حيث خصص له المشروع 12 مادة من أصل 49 مادة، ودعا المجلس إلى العدول عن هذا المنحى الزجري الذي يمس بالحقوق والحريات.
خامسا : انتصر المجلس للمفهوم الحقوقي الواسع للحق في الإضراب ورفض حصره في منظومة العمل المأجور، واعتبر أن المفهوم الضيق الذي تبناه المشروع من شأنه أن يقيد هذا الحق المضمون بموجب الدستور والاتفاقيات الدولية، واعتبر المجلس أنه لا يمكن فصل الحق في الاضراب، عن حريات الاجتماع والتجمهر السلمي وتأسيس الجمعيات والانتماء النقابي والسياسي.
سادسا : أعتقد أن دفاع المجلس عن توسيع قائمة الجهات التي لها الحق في الدعوة إلى الإضراب لا يخدم الانتصار لتقوية المؤسسات الحزبية والنقابية، والتي ما فتئت تتعرض للهجوم والاستهداف، ذلك أن هذا المشروع وغيره من النصوص القانونية ذات الصلة بالعمل النقابي يتعين أن تشكل فرصة لتقوية العمل النقابي الجاد والمسؤول؛ وذلك بحصر حق الدعوة للإضراب في النقابة الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني في القطاع العام والخاص، وعطفا على ذلك فإن الدعوة إلى مراجعة كل الإشكاليات المتعلقة بالتمثيلية، لئن كانت معقولة ومقبولة، إلا أن مكانها ليس القانون التنظيمي للإضراب، وإنما النصوص القانونية الأخرى المطروحة على طاولة الحوار الاجتماعي.
سابعا: استمرارا للنفس الحقوقي الذي قرأ به المجلس مشروع القانون التنظيمي للحق في الاضراب، فقد اعتبر أن بعض المفاهيم الذي اعتمد عليها المشروع لاسيما مفهوم "المرافق العمومية" و "الحد الأدنى للخدمة"، سوف تحرم العديد من الأجراء والفئات المهنية من ممارسة حقهم المضمون في الإضراب، لذلك فإن أحد أهم مضامين هذا الرأي هو كونه دافع عن وجوب التحديد المفاهيمي الدقيق، كي لا تستغل المفاهيم الواسعة لعرقلة ممارسة الشغيلة لأحد الحقوق التي ضمنها لهم الدستور، وعلى نفس المنوال، اعتبر المجلس أن تنصيص المشروع على أن ممارسة حق الاضراب، لا يمكن أن تتم إلا بعد مرور 30 يوما من تاريخ إبلاغ المشغل بالمطالب من الجهة الداعمة إلى الاضراب مقتضى سوف يحد من ممارسة هذا الحق.
ثامنا: وعلى غرار العديد من المكونات النقابية والحقوقية فقد انتقد المجلس الطابع الزجري للمشروع، واعتبر أن تخصيص باب كامل ( يتضمن 12 مادة ) للجزاءات والعقوبات السالبة للحرية والغرامات، مع الإحالة على العقوبات الجنائية الأشد، لا ينسجم مع فلسفة وضمانات ممارسة هذا الحق، لذلك أوصى المجلس في رأيه بتجنب إدراج عقوبات سالبة للحرية مع ضرورة مراجعة كل مقتضيات القوانين والنصوص ذات الصلة، بل إن المجلس وفي طرح جريء يحسب له، أوصى بعدم الخوض في تفاصيل المسائل التأديبية، المدنية والجنائية، التي يحتكم بشأنها إلى التشريعات الجاري بها العمل، لتقرير الوضوح القانوني وتجنب ازدواجية العقوبات.
وإجمالا، يمكن القول إن رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشأن مشروع قانون رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب، يشكل وثيقة حقوقية مرجعية تنتصر للحق في ممارسة الحق في الإضراب والدستور والمرجعية المعيارية الدولية ذات الصلة، ومما لاشك فيه أنه سيشكل وثيقة مرجعية في الترافع عن قانون تنظيمي لممارسة الحق في الإضراب، وليس لزجر ممارسته أو الدعوة إليه.
حسنا فعل مكتب مجلس النواب عندما بادر إلى إعمال مقتضيات النظام الداخلي ذات الصلة يطلب رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بخصوص مشروع قانون رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب المنصوص عليها في المادة 366 من نظامه الداخلي، وهو بذلك يوسع من مجال المشاورات والنقاش العمومي في المؤسسات حول مشروع قانون تنظيمي طال انتظاره ويكتسي أهمية بالغة جدا بالنسبة للسلم الاجتماعي ودعم وتأهيل النسيج المقاولاتي.
بداية يتعين الإقرار بأن الوصول إلى لحظة ومناقشة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بحق الإضراب داخل لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب لم يكن يسيرا علما أن إحالته على مجلس النواب تمت سنة 2016، بل إنه أحد ثمار الحوار الاجتماعي الذي عرف على عهد الحكومة الحالية تحولا نوعيا، ما كان له أن يكون لولا تلاقي الارادات الصادقة سواء من لدن السيد رئيس الحكومة، الذي حرص منذ تعيينه على التعامل مع النقابات باعتبارها شريكا وليست خصما، أو من طرف المركزيات النقابية التي غلبت المصلحة العليا لبلادنا، وأولوية الدفاع عن حقوق الشغيلة المغربية على غيرها من الأمور.
وبالعودة إلى رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، يمكن إبداء الملاحظات التالية، وهي لا تغني عن العودة إلى نص الرأي، الذي تبقى قراءته وإعادة قراءته ضرورية لفهم جوانب أساسية في أحد أبرز النصوص القانونية الذي صاحبها ويصاحبها جدل كبير:
أولا : لم يخف المجلس أن دراسته لمشروع القانون التنظيمي تنطلق من المرجعية الدستورية في شموليتها، وكذا المرجعية المعيارية الدولية، وكذا من خصوصية الطبيعة التنازعية لممارسة الحق في الاضراب.
ثانيا : يؤكد المجلس أنه وأمام بلورة الحكومة لصيغة جديدة للمشروع غير تلك التي سبقت إحالتها على البرلمان فإن رأيه لم يتقيد والحالة هذه بالدراسة النصية لمواد بالمشروع المعروض على أنظار البرلمان.
ثالثا : استحضر رأي المجلس محددات الممارسة التشريعية المغربية بخصوص القوانين التنظيمية، وأشار إلى عدم اعتماد ديباجة فيها، بالنظر إلى كونها امتدادا لأحكام الدستور، ومع ذلك فإن المجلس يعتبر بأنه كان الأجدر التنصيص على مادة تمهيدية في الأحكام العامة، توضح روح القانون وأهدافه، وكذا الأهداف والمقاصد المرجوة منه.
رابعا : لاحظ المجلس غلبة "الطابع الزجري" على المشروع الذي يروم في نهاية المطاف تنظيم الحق في الاضراب وإحاطته بالضمانات القانونية الضرورية لممارسته، حيث خصص له المشروع 12 مادة من أصل 49 مادة، ودعا المجلس إلى العدول عن هذا المنحى الزجري الذي يمس بالحقوق والحريات.
خامسا : انتصر المجلس للمفهوم الحقوقي الواسع للحق في الإضراب ورفض حصره في منظومة العمل المأجور، واعتبر أن المفهوم الضيق الذي تبناه المشروع من شأنه أن يقيد هذا الحق المضمون بموجب الدستور والاتفاقيات الدولية، واعتبر المجلس أنه لا يمكن فصل الحق في الاضراب، عن حريات الاجتماع والتجمهر السلمي وتأسيس الجمعيات والانتماء النقابي والسياسي.
سادسا : أعتقد أن دفاع المجلس عن توسيع قائمة الجهات التي لها الحق في الدعوة إلى الإضراب لا يخدم الانتصار لتقوية المؤسسات الحزبية والنقابية، والتي ما فتئت تتعرض للهجوم والاستهداف، ذلك أن هذا المشروع وغيره من النصوص القانونية ذات الصلة بالعمل النقابي يتعين أن تشكل فرصة لتقوية العمل النقابي الجاد والمسؤول؛ وذلك بحصر حق الدعوة للإضراب في النقابة الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني في القطاع العام والخاص، وعطفا على ذلك فإن الدعوة إلى مراجعة كل الإشكاليات المتعلقة بالتمثيلية، لئن كانت معقولة ومقبولة، إلا أن مكانها ليس القانون التنظيمي للإضراب، وإنما النصوص القانونية الأخرى المطروحة على طاولة الحوار الاجتماعي.
سابعا: استمرارا للنفس الحقوقي الذي قرأ به المجلس مشروع القانون التنظيمي للحق في الاضراب، فقد اعتبر أن بعض المفاهيم الذي اعتمد عليها المشروع لاسيما مفهوم "المرافق العمومية" و "الحد الأدنى للخدمة"، سوف تحرم العديد من الأجراء والفئات المهنية من ممارسة حقهم المضمون في الإضراب، لذلك فإن أحد أهم مضامين هذا الرأي هو كونه دافع عن وجوب التحديد المفاهيمي الدقيق، كي لا تستغل المفاهيم الواسعة لعرقلة ممارسة الشغيلة لأحد الحقوق التي ضمنها لهم الدستور، وعلى نفس المنوال، اعتبر المجلس أن تنصيص المشروع على أن ممارسة حق الاضراب، لا يمكن أن تتم إلا بعد مرور 30 يوما من تاريخ إبلاغ المشغل بالمطالب من الجهة الداعمة إلى الاضراب مقتضى سوف يحد من ممارسة هذا الحق.
ثامنا: وعلى غرار العديد من المكونات النقابية والحقوقية فقد انتقد المجلس الطابع الزجري للمشروع، واعتبر أن تخصيص باب كامل ( يتضمن 12 مادة ) للجزاءات والعقوبات السالبة للحرية والغرامات، مع الإحالة على العقوبات الجنائية الأشد، لا ينسجم مع فلسفة وضمانات ممارسة هذا الحق، لذلك أوصى المجلس في رأيه بتجنب إدراج عقوبات سالبة للحرية مع ضرورة مراجعة كل مقتضيات القوانين والنصوص ذات الصلة، بل إن المجلس وفي طرح جريء يحسب له، أوصى بعدم الخوض في تفاصيل المسائل التأديبية، المدنية والجنائية، التي يحتكم بشأنها إلى التشريعات الجاري بها العمل، لتقرير الوضوح القانوني وتجنب ازدواجية العقوبات.
وإجمالا، يمكن القول إن رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشأن مشروع قانون رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الاضراب، يشكل وثيقة حقوقية مرجعية تنتصر للحق في ممارسة الحق في الإضراب والدستور والمرجعية المعيارية الدولية ذات الصلة، ومما لاشك فيه أنه سيشكل وثيقة مرجعية في الترافع عن قانون تنظيمي لممارسة الحق في الإضراب، وليس لزجر ممارسته أو الدعوة إليه.