Quantcast
2025 مارس 4 - تم تعديله في [التاريخ]

فضل الصيام على التقوى

الحلقة الثانية من برنامج "نور الصيام" مع فضيلة الدكتور عبد الرحيم ايت بوحديد


فضل الصيام على التقوى
العلم الإلكترونية - هشام الدرايدي| كريم كلشي
 
نور الصيام – سلسلة حلقات من الوعظ والإرشاد في الدين والشريعة، تواكبكم من الإثنين إلى الخميس عبر موقع العلم طيلة شهر رمضان المبارك. يقدمها نخبة من الأئمة والأساتذة المختصين في العلوم الشرعية والحديث، من جامعة القرويين دار الحديث الحسنية بالرباط، ليضيئوا لكم معاني الصيام وحكَمه في ضوء الكتاب والسنة.

في هذه الحلقة الثانية والمباركة، يسلط فضيلة الدكتور عبد الرحيم ايت بو حديد الضوء على الصيام ودوره في تزكية مراقبة العبد لله وتقوية تقواه، إذ لا يقتصر على الإمساك عن الطعام والشراب، بل يشمل ترك المحرمات وفعل الطاعات. كما أنه يُضعف تأثير الشيطان، مما يساعد المسلم على التزام الاستقامة... والتقوى درجات، تبدأ باجتناب المحرمات وأداء الفرائض، ثم الاجتهاد في المستحبات وتجنب الشبهات.
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.  
 
أما بعد، فنرحب بكم، معاشر الإخوة المشاهدين والأخوات المشاهدات، ونسأل الله جل وعلا أن يجعل الشهر الفضيل شهر خير وبركة، وجدٍّ واجتهاد في الطاعة، وإقبال على الله تبارك وتعالى، ومنافسة في الخيرات.  
 
نواصل الحديث بإذن الله تبارك وتعالى في هذه الحلقة الوجيزة عن الحكمة العظيمة من الصيام وفضلها في تزكية وتقوية تقوى العبد، فإن الصيام يقوي عند العبد مراقبة الله سبحانه وتعالى، فهذا العبد الذي يمسك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات إنما يمسك عنها خوفًا من الله تبارك وتعالى وابتغاء الثواب والأجر منه. فإن عبادة الصيام عبادة غير ظاهرة ولا مرئية، بينما العبادات الأخرى كلها عبادات ظاهرة ومرئية؛ فأنت حينما تصلي ترى نفسك راكعًا وساجدًا وقائمًا وقارئًا، وحينما تحج ترى نفسك طائفًا وواقفًا بعرفات ومتنقلًا إلى مزدلفة. أما الصيام، فهو مجرد إمساك وترك، ولذلك فإن الباعث على الصيام هو الإخلاص لله تبارك وتعالى، وهو أيضًا مراقبة الله جل وعلا.
 
فتقوية مراقبة الله تعين العبد على التقوى، لأن التقوى هي اجتناب ما حرم الله تبارك وتعالى، والمتقِي هو الذي يستحضر أن الله يراقبه، ويسمع أقواله، ويرى أفعاله، ويعلم أحواله. فهذه المراقبة تزيد من تقوى الله تبارك وتعالى في نفس العبد. ومن وسائل تقوية الصيام للتقوى أنه يضيق مجاري الشيطان في نفس العبد، فإن الشيطان، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، يجري في ابن آدم مجرى الدم. وأنت حينما تصوم، تضيق هذه المجاري، فتصير وسوسة الشيطان ضعيفة، ولا تؤثر فيك كثيرًا. بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا جاء رمضان، فإن الشياطين تُسَلسَل وتُغل وتُربَط، فيكون هذا دافعًا للعبد على الطاعة واجتناب المعصية.
 
ومما يعين العبد أيضًا، أنه إذا أمسك عن الحلال، الذي هو الطعام والشراب وإتيان الزوجات، خوفًا من الله تبارك وتعالى وابتغاء مرضاته، فإنه بالأولى أن يُقلع عن المحرمات في كل وقت وفي كل مكان. ولذلك، بين النبي عليه الصلاة والسلام أن الصيام الحقيقي هو الصيام عن المحرمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه." لا قيمة للإمساك عن الطعام والشراب ما لم يقترن بالإمساك عن المحرمات من الغيبة والنميمة وأذى الخلق وما إلى ذلك. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر."

هناك صائم يتعب نفسه في الإمساك عن الطعام والشراب، ومع ذلك يقع في المحرمات، وينتهك ما نهى الله عنه، ويترك ما أمر به. فالتقوى هي أن تترك ما حرم الله خوفًا منه، وأن تلتزم أوامره رجاءً لما عنده من الثواب.
 
وسئل أبو هريرة رضي الله عنه عن التقوى، فقال للسائل: "هل مررت بطريق فيه شوك؟" قال: "نعم." قال: "فما صنعت؟" قال: "شمرت واجتهدت حتى لا يصيبني أذى الشوك." قال: "فذلك التقوى." أي أن التقوى هي اتقاء محارم الله تبارك وتعالى، بترك المحرمات، والقيام بالواجبات.
 
وإذا وصل العبد إلى هذه الرتبة، فيمكنه أن يرتقي إلى رتبة أعلى، وهي الاجتهاد في فعل المندوبات والمستحبات والنوافل، وترك المكروهات، واجتناب الشبهات، وهي الأمور المشكوك فيها، والتي لا يُعرف هل هي من الحلال أو الحرام.
 
ولا يكون العبد متقيًا تقوى كاملة حتى يترك ما لا بأس به حذرًا مما به بأس. فقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، فقال: "الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه. ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله."

              

















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار