Quantcast
2025 مارس 28 - تم تعديله في [التاريخ]

رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية

ملتقى علمي لاكتشاف الذات من القصص القرآني


رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية
العلم - علاء مولى الدويلة

حظي الموسم الثاني من الملتقى العلمي "رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية" باهتمام واسع ونجاح ملحوظ، حيث اختتمت فعالياته يوم الثلاثاء 25 مارس 2025، بتنظيم منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) ، بالشراكة مع مجموعة عقيلات السفراء العرب ورؤساء المنظمات الدولية المعتمدين لدى المملكة المغربية، وقد ترك الملتقى صدى عميقاً بين المشاركين والجمهور، لما حمله من أطروحات ثرية وتأملات روحية مستلهمة من القصص القرآني.
 
قدمت لقاءات الملتقى التي انعقدت كل ثلاثاء خلال شهر رمضان دعوة عميقة لاستكشاف أعماق النفس البشرية، ففي شهر رمضان، ينسحب الإنسان من صخب الحياة اليومية، ليغمره السكون والتأمل في رحلة روحية تعيده إلى ذاته، كون الصيام لا يعني الامتناع عن الطعام والشراب فحسب، بل هو مدخل لفتح أبواب الروح، وتطهير النفس من ضغوط الحياة، ليجد الإنسان مساحةً لتأمل مشاعره، واختبار صبره، وتحمُّل التحديات، فهو دعوة حقيقية لإعادة تقييم الحياة، وإعادة ترتيب الأولويات، وتحديد المسار بين السعي الروحي والتطور الشخصي.

رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية
الدكتورة خديجة أبوزيد.. سفرٌ معرفي نحو آفاق الروح وأعماق الذات

كان نجاح الملتقى في موسميه مرتبطا بمتعة السرد الفريد والملهم الذي قدمته الدكتورة خديجة أبو زيد، أستاذة التعليم العالي والبحث العلمي بمجامعة محمد الخامس، وهي الضيف الدائم الذي أضاف للقاءات عمقا وفكراً وروحانية.
 
لقد كان لحضور الدكتورة خديجة تأثير بالغ في إثراء اللقاءات، حيث استطاعت أن تمزج بين المعرفة الأكاديمية العلمية المؤصلة والروحانية بأسلوب عميق وساحر، إذ كانت محاضراتها أكثر من مجرد نقل للمعلومات، بل كانت بمثابة رحلة روحية غنية بالأبعاد الإيمانية، تلامس العقل والقلب في آن واحد، فأسلوبها المتميز جعل محاضراتها مشهداً من التأمل والتفاعل الفكري، مما ترك أثراً عميقاً في نفوس الحاضرين.

الدكتورة يسرى الجزائري.. مهندسة النقاشات العميقة والمحفزة للتفكير
 
كانت عضو مجموعة عقيلات السفراء العرب ورؤساء المنظمات الدولية المعتمدين لدى المغرب، الدكتورة يسرى الجزائري، قوة محورية في كل جلسة، حيث كانت كلماتها المضيئة التي تلقيها قبل كل لقاء بمثابة بوصلة توجه الحضور نحو عمق الموضوعات المطروحة. بفضل توجيهها الملهم، استطاعت أن تبرز الدروس العميقة من المحاضرات وتوجه النقاش نحو القيم الأساسية التي يجب أن تُعاش. بأسلوبها المتوازن ومرونتها في إدارة الحوار، نجحت في تركيز النقاش حول جوهر الموضوعات، وأثارت أسئلة ملهمة حفزت التفكير النقدي لدى الحاضرين، مما ساهم في تعزيز التفاعل البناء وتشجيعهم على استكشاف آفاق جديدة من المعرفة. كما أن طبيعة الأسئلة التي طرحتها - سواء في اللقاءات أو في استطلاعات الرأي التي قدمها فريق العمل - أسهمت في خلق بيئة تفاعلية تُشرك الجميع في العملية الفكرية بشكل أعمق.

رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية
وهنا نستعرض لمحات موجزة عن كل لقاء، لإشاعة الفائدة وتجديد المعرفة، ولإثارة التأمل والتفكر في دروس الحياة التي تحملها القصص العميقة.
 
مريم عليها السلام: صبر يصنع المعجزات
 
افتُتح الملتقى بمحاضرة أولى للدكتورة خديجة أبوزيد، التي تناولت قصة السيدة مريم عليها السلام، هذه القصة لم تكن مجرد سرد تاريخي بل كانت دعوة للتأمل في صبرها وإيمانها بالله رغم صعوبة الظروف، علمتنا أن النية الطيبة والتوكل على الله يفتحان أبواب الأمل في أشد الأوقات، وفي لحظات الضعف، لتبقى الثقة بالله سلاحاً قوياً، قادر على تغيير مجرى الأحداث.
 
التربية اليعقوبية: نصائح جوهرية في فن الأبوة
 
وفي اللقاء الثاني، انتقلت لنا الدكتورة خديجة أبو زيد إلى عالم التربية من خلال قصة سيدنا يعقوب عليه السلام، لتهدي للحاضرين درساً عميقاً حول دور الأب في توجيه أبنائه، الذي لا يبنغي أن ينحصر في الرعاية فقط، بل ليكون فاعلا ومؤثرا من خلال النصائح الهادئة التي ترتكز على الحب والاهتمام، فكانت دعوة لتبني منهج تربوي يقوم على الفهم والرغبة في الخير، عبر قصة النبي يعقوب، تعلمنا أن التربية يجب أن تكون مزيجاً من الحزم والرحمة، وأن الأبناء يحتاجون إلى دعم معنوي عميق أكثر من توفير الأمور المادية.
 
يوسف عليه السلام: من ظلمة البئر إلى أنوار القيادة
 
وتناولت الدكتورة خديجة في اللقاء الثالث، قصة سيدنا يوسف عليه السلام، وركزت على كيفية خروجه من البئر المظلم إلى قمة التمكين والسؤدد والسلطان، فكانت القصة حافلة بالدروس في الصبر والمبادرة، وتعلمنا من خلالها أن كل المحنة قد تكون سبباً للنمو والتطور، فيوسف لم يستسلم لما مر به من ظلم، بل استغل كل فرصة لبناء مستقبله، سواء في السجن أو في قمة المسؤولية، هذه القصة تلهمنا أن العمل الجاد والإيمان بالله يجلبان التمكين في نهاية المطاف.
 
نوح عليه السلام: السعي الدؤوب بين الواقع والتسليم
 
وفي الختام كان مفهوم السعي محور اللقاء الرابع موضوع الختام، حيث تم استعراض قصة النبي نوح عليه السلام، الذي عاش رحلة طويلة بين السعي لحماية قومه والتسليم لحكمة الله، فاشتملت المحاضرة على دروس ثمينة في الصبر والإيمان، وكيف أن السعي لا يتناقض مع التسليم بل يكمله، كما علمتنا القصة أن الإنسان لا بد أن يكون واقعياً في عمله، وأن يتحلى بالصدق في سعيه، وفي الوقت نفسه يترك النتيجة لله تعالى ويرضى ما قمسه له وقدره.
شكلّت اللقاءات في مجموعها نوافذ جديدة لفهم أعمق للحياة وما تحمله من دروس وحكم، وهنا نسجل نقاط عابرة لمجمل ما جاء في جلسات الملتقى:
 
التفاعل البنّاء مع الحضور: حوار يفتح الأفق
 
أضفى التفاعل البناء مع الحضور قيمة كبيرة على الملتقى، الأسئلة والمداخلات التي طرحت خلال اللقاءات أظهرت رغبة كبيرة لدى المشاركين للاستفادة والتعمق في الموضوعات المطروحة، مما خلق بيئة حوارية مثمرة، كانت هذه الحوارات فرصة لتبادل الخبرات الفكرية والمعرفية، مما أضاف أبعاداً جديدة لقصص القرآن الكريم المطروحة.
 
الحضور الدبلوماسي الوازن: تعزيز التواصل الدولي
 
تميز الملتقى بحضور دبلوماسي متميز من السفراء ورؤساء المنظمات الدولية، وهو ما أضفى طابعاً من الرسمية والاحترام على اللقاءات، فكان لهذا الحضور الرفيع دور مهم في تعزيز فرص التواصل الدولي وتبادل الخبرات من خلال المداخلات التي يدلي بها السفراء والخبراء والباحثين والحضور بشكل عام، كما ساهم في خلق جو من التفاعل الثقافي والفكري بين المشاركين.
 
الشراكة المتميزة بين الإيسيسكو ومجموعة عقيلات السفراء

جسدت الشراكة بين الإيسيسكو ومجموعة عقيلات السفراء العرب ورؤساء المنظمات الدولية المعتمدين في المغرب، نموذجاً حياً للتكامل بين المؤسسات الدولية والعمل المشترك، مما يعكس التزاماً حقيقياً بتعزيز العلاقات الإنسانية والثقافية، وأكد على أهمية التعاون في تعزيز القيم المشتركة بين الشعوب.
 
الوصايا العشر: ملخص الرحلة الرمضانية
 
من خلال سلسلة اللقاءات التي استعرضنا فيها قصص القرآن الكريم، قدمت الدكتورة يسرى الجزائري للحاضرين خلاصة الحكمة من تلك اللقاءات الثرية، حيث تمحورت الخلاصات حول ضرورة تعزيز القيم الإنسانية، والصبر والثبات في مواجهة التحديات، والتوكل على الله في كل الأوقات، كما أكدت على أهمية رفع مستوى الوعي والنضج والحكمة في التربية الأسرية، التي يجب أن توازن بين الرحمة والحزم.
 
كما ظهرت أهمية المبادرة والسعي لتحقيق التمكين في الحياة، وتعلمنا من قصة النبي نوح عليه السلام كيفية الموازنة بين الأخذ بالأسباب والتسليم لحكمة الله، إن الصبر على الابتلاء يجب أن يرتبط بحسن الظن بالله، ويتطلب العمل الجاد لتأسيس مستقبل أفضل، تماماً كما فعل نبي الله يوسف عليه السلام في سعيه الدائم نحو التمكين.
 
وفي الختام؛ كانت العبرة أن النجاة ليست هدفاً بحد ذاتها، بل تكمن في العمل بعد النجاة لبناء مستقبل واعد، تربية النشء على حب القرآن الكريم وتعلم الأخلاق من خلال المعرفة الحقيقية يشكلان أساس بناء أمة قوية، تعيش بالعلم والإيمان وتزكية النفس والارتقاء بها.

إلى الملتقى
 
مع اختتام هذه الرحلة الرمضانية الشيقة، أجد أن أثرها يتجاوز حدود الجلسات والنقاشات، ليمتد إلى الوجدان والفكر، فكان لي شرف المساهمة في الإعداد والتقديم، لأرى كيف تترجم ملامح من القصص الخالد للقران الكريم، إلى نبض حي يلهم العقول ويهذب النفوس، فالملتقى لم يكن مجرد لقاءات علمية عابرة، بل كان محطة تغيير وبناء ووعي، نأمل أن يمتد أثره لما بعد شهر رمضان المبارك، وليتحول إلى منهج شامل لمواجهة الحياة.

رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية

              

















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار