كان الأخوات والإخوة في اللجنة التنفيذية محقين عندما استنكروا بشدة ما تردد على لسان بعض المندسين في صفوف جمهور ومشجعي المغرب التطواني من شعارات أو أفعال تمس بالعلم والنشيد الوطنيين، تحت مطية التضامن مع الفقيدة “حياة” التي نأسف على موتها المأساوي كما نأسف على كل المواطنات والمواطنين ضحايا الهجرة السرية الذين قضوا في عرض البحر، وكثير منهم لا نعرف لهم اسما ولا صورة، وغالبا ما تفضل أسرهم أن تعيش رزيتها وحدادها بعيدا عن أضواء الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. ولقد ذكرت اللجنة التنفيذية، لمن هم في حاجة إلى التذكير، بالتضحيات الجسام التي قدمها نساء ورجالات الحركة الوطنية وكذا كفاح الشعب المغربي من أجل فكرة الوطن، ومن أجل بناء المغرب الحر والمستقل الذي نعيش برحابه اليوم، دون أن يعني ذلك الرضى على واقع الحال أو الاستسلام لنواقصه واختلالاته التي لن نكف كحزب الاستقلال على فضحها والتنبيه إليها واقتراح ما نراه ناجعا لمعالجتها وتجاوزها، حتى ينعم الجميع بفرص العيش الكريم والارتقاء المشروع، هنا داخل حدود هذا الوطن الذي يسكننا ونسكنه، والذي لن يتطور إلا بمحبة وقدرات وسواعد بناته وأبنائه.
لذلك فالحكومة مسؤولة، من خلال السياسات العمومية التي تتولى وضعها وتنفيذها، ومن خلال البرامج والمشاريع التنموية التي تتوجه بها إلى المواطن في المرفق العام والخدمات اليومية، (هي مسؤولة) على صون رأسمال هذا الرابط الوجودي والوجداني والاجتماعي تجاه الوطن، والتعجيل بتصحيح الأوضاع التي تؤزم اليوم علاقة المواطن، ولا سيما الشباب، بوطنهم، بسبب فرصة شغل لم تتوفر، أو تكوين لا يضمن لقمة العيش، أو حيف وفوارق اجتماعية ما فتئت دائرتها تتسع لتشمل، بالإضافة إلى المعوزين، فئات أخرى من الغاضبين و الحانقين والمقصيين من منافع الثروة الوطنية، بمن فيهم نخب الطبقة الوسطى.
وكما قال جلالة الملك حفظه الله في خطابه الأخير في ذكرى ثورة الملك والشعب وهو يؤكد مرة أخرى على إلحاحية إرساء استراتيجية جديدة ومتكاملة لإدماج الشباب: “لا يمكن أن نطلب من شاب القيام بدوره وبواجبه دون تمكينه من الفرص والمؤهلات اللازمة لذلك. علينا أن نقدم له أشياء ملموسة في التعليم والشغل والصحة وغير ذلك”. في غياب هذه السياسة المندمجة لفائدة الشباب، التي طال انتظارها، تكون الحكومة قد يسرت المهمة أمام مافيات الهجرة السرية والتهريب والمخدرات والاتجار في البشر الذين يخوضون في الآونة الأخيرة حربا إعلامية شعواء تبث الإشاعة والتضليل والتحريض على السيادة الوطنية ورموزها بما فيها الانتماء إلى الوطن. ومهما يكن، يبقى الوطن فوق كل اعتبار ذاتي أو فئوي، ولا ينبغي الزج به في صراعات المصالح والمواقع، وينبغي التصدي لكل محاولات المساس به والجرأة الرعناء على الشعور الوطني والثوابت الجامعة للأمة المغربية. وبهذه المناسبة، ينبغي الإشادة بالارتباط القوي بالوطن والجنسية المغربية والوجدان الوطني المشترك كما يعبر عنه مغاربة العالم، من مختلف الأجيال، وكيف ينخرطون من هناك، وهم يحملون جنسيات أخرى، في الدفاع عن المغرب والقضية الوطنية، ولا يترددون في رفع العلم الوطني والقميص الوطني في المحافل الدولية. لا نشك في أن هذه الروح الوطنية العالية سرعان ما تتدفق بتلقائية في حس ووعي كل مغربية ومغربي، سواء داخل أرض الوطن أو خارجه، كلما طرأت لحظات صعبة تقتضي منا التضامن والتآزر وتغليب الصالح العام. وهو ما نحتاجه وينبغي تثمينه في الوقت الحالي أمام التحديات المركبة والمتزايدة التي لا يمكن لبلادنا أن تواجهها إلا بجبهة داخلية متماسكة لحمتها الوطنية.
العلم