وقد جدد جلالة الملك محمد السادس نصره الله بهذه المناسبة العزيزة، التأكيد بوضوح وحزم على السيادة الكاملة للمغرب على أقاليمه الجنوبية، التي حسمتها المسيرة الشعبية, مشددا على استمرار رسالة المسيرة المتجددة التي تتطلب الالتزام المتواصل بسلوك التعبئة واليقظة الدائم لتأكيد وصيانة المكتسبات.
خطاب الذكرى عرج على قوة موقف المغرب بخصوص قضيته العادلة المتعلقة بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، الذي استطاع «إقبار القرارات التي تعاكس مصالحه الجيواستراتيجية، مشددا على أن موقع القوة هذا مكن المملكة من مد يدها لجميع الأطراف، من أجل إيجاد حل سلمي لهذا النزاع المفتعل، في ظل السيادة المغربية ومحذرا بما يكفي من الثقة والايمان بثوابت الأمة، بأن المغرب سيتصدى وبكل حزم لجميع المناورات والاستفزازات، التي تحاول عبثا النيل من وحدته الترابية والتشويش على الهدوء والاستقرار اللذين تنعم بهما أقاليمه الجنوبية المسترجعة.
جلالة الملك من موقع رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة جدد التذكير بنفس الحزم والمسؤولية على أنه لا حل للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية خارج إطار الحكم الذاتي، الذي لازال يحصد الإشادة والتنويه من المجتمع الدولي والقوى الفاعلة بالمنتظم الدولي، وهو ما أكده القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن فضلا عن تعابير الدعم والإشادة التي تحظى بها المبادرة المغربية البناءة من المجتمع الدولي والقوى الفاعلة بالمنتظم الدولي، والتي يوازيها حجم الثقة التي يضعها المغرب في الأمم المتحدة والبعثة الأممية «المينورسو» في حماية اتفاق وقف إطلاق النار، والمحافظة على الالتزام به، والتزام المغرب الصادق بالتعاون البناء مع الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس.
بقدر ما عدد خطاب المسيرة المكاسب الثمينة والإيجابية التي راكمتها قضية الوحدة الترابية للمملكة، مجسدة في رفض الأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي الانسياق وراء نزوع الأطراف الحاملة للواء الانفصال وانتقال عدد الدول التي لا تعترف بالكيان الوهمي الى 163 دولة، أي ما يمثل 85 في المائة من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، فإن هذه الفتوحات الدبلوماسية تقوي إرادة المغرب وترسخ ثباته على مواقفه الصلبة والمبدئية وتقوي مناعته في مواجهة مختلف الاستفزازات العقيمة، والمناورات اليائسة، التي تقوم بها الأطراف المناوئة للحق المغربي المشروع بعد تهاوي أطروحاتها المتجاوزة وتبدد مناوراتها العقيمة.
جلالة الملك، برؤية استشرافية مشرقة ومتماهية مع الأدوار الاشعاعية والاقتصادية المنتظرة من الأقاليم الجنوبية للمملكة فصل في المقومات، التي تؤهلها للتحول الى قطب اقتصادي محلي وإقليمي وجسر تواصل وبوابة منفتحة على العمق الافريقي.
وضمن هذه الرؤية الملكية البناءة تبرز راهنية و أهمية مواصلة وإنجاح مسار النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، الذي أطلقه جلالة الملك و خصص له غلافا أوليا بمبلغ يفوق 77 مليار درهم. حيث يشدد جلالة الملك في ذكرى استرجاع الصحراء المغربية على ضرورة تثمينه وتعضيده بأوراش تنموية ومنتجة ذات أبعاد بحرية، من خلال تثمين وتأهيل ميناء الداخلة بوابة إفريقيا، عبر البحر، والاهتمام بمسألة الربط البحري إحدى نقاط الضعف في العلاقات بين المغرب وإفريقيا التي يتعين أن يتجاوزها ميناء جوهرة الصحراء، في إطار تثمين أدوارالواجهة الأطلسية لجنوب المملكة، لتكون واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي.
جلالة الملك دعا إلى مواصلة التعبئة من أجل جعل الأقاليم الجنوبية قاطرة للتنمية على الصعيدين الإقليمي والقاري، سيما وأن المشاريع التنموية الكبرى التي أطلقها جلالته بهذه الربوع الغالية من المملكة، مهدت فعليا لوضع أسس الجهوية المتقدمة بالصحراء، كخيار سيادي مغربي يربط التدبير المحلي للشأن العام بمطلب خلق الثروة وفرص الشغل، مع تذليل كافة العقبات من أجل تفعيل مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتربوية بالأقاليم الجنوبية للمملكة، وتطوير اقتصاد بحري حقيقي، مع توفير الاستثمار في المجالات البحرية سواء بتحلية ماء البحر، أو بالطاقات المتجددة، عبر استغلال مولدات الطاقة الريحية، وطاقة التيارات البحرية مع مواصلة النهوض بقطاع الصيد البحري، لدوره في النهوض باقتصاد المنطقة، وإعطاء دفعة جديدة، للمخطط الأزرق، تجعل منه دعامة استراتيجية، لتنشيط القطاع السياحي بها، وتحويلها إلى وجهة حقيقية للسياحة الشاطئية.
هذه العناية المولوية الموصولة بهذا الربع الغالي من الوطن تعد بمثابة تجسيد للالتزام الراسخ، بجعل الأقاليم الجنوبية للمملكة تمتلك كل الشروط و المواصفات التي تجعل منها قطبا اقتصاديا محليا وإقليميا.
إن المسيرة الخضراء التي تمثل نموذجا فريدا وعبقريا من حيث التعبئة الجماعية، يعكس قدرة المغرب على مواجهة التحديات, فإن ذكراها ال45 تعتبر بمثابة إعلان صريح للمغاربة قاطبة على لسان عاهلهم المفدى عن نهاية المقاربات غير الواقعية لنزاع الصحراء، وعن الانخراط الواعي للمغرب في تعزيز مكانة الأقاليم الجنوبية كمحرك للتنمية، وهي في نفس الوقت أحسن جواب مفحم لأطروحات دعاة الانفصال.