2022 أغسطس/أوت 24 - تم تعديله في [التاريخ]

‬‬رياح‭ ‬صقيعية‭ ‬بين‭ ‬الـمغرب‭ ‬وفرنسا

تقليص الحكومة الفرنسية تأشيرات دخول البلدان المغاربية إلى أراضيها يخلف صدى قويا ورد فعل غير مسبوق


العلم الإلكترونية - بقلم الطاهر بن جلون

يبدو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬الرئيس‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬ولا‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬جيرالد‭ ‬دارمانين‭ ‬واعيان‭ ‬بمدى‭ ‬تدهور‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬فرنسا‭ ‬والمغرب‭.‬

فبمعاقبتها‭ ‬للبلدان‭ ‬المغاربية‭ ‬الثلاثة‭ ‬بتقليص‭ ‬تأشيرات‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬إلى‭ ‬النصف‭‬، فإن‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬خلف‭ ‬صدى‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬عنف‭  ‬قوي‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬رصدته‭ ‬ونقلته‭ ‬الصحافة‭ ‬المغربية‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬فرنسا‭ ‬نتيجة‭ ‬ما‭ ‬اعتبرته‭ ‬أن‭ ‬المصالح‭ ‬القنصلية‭ ‬لهذه‭ ‬البلدان‭ ‬ترفض‭ ‬استعادة‭ ‬مواطنيها‭ ‬الموجودين‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬،‭  ‬وحسب‭ ‬ما‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬السيد‭ ‬شكيب‭ ‬بنموسى‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سفيرا‭ ‬للمغرب‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭  ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬للمغرب‭ ‬أن‭ ‬رفض‭ ‬استعادة‭  ‬مواطنيه‭  ‬الموجودين‭ ‬بطريقة‭ ‬سرية،‭ ‬ولكن‭ ‬الشرطة‭ ‬الفرنسية‭ ‬كانت‭ ‬ترسل‭ ‬له‭ ‬أشخاصا‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للمغرب‭ ‬التكفل‭ ‬بهم‭ ‬،‭ ‬والسيد‭ ‬بنموسى‭ ‬رجل‭ ‬كلمة‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬أي‭ ‬شيء‭. ‬وهنا‭ ‬يكمن‭ ‬سوء‭ ‬التفاهم‭ ‬،‭ ‬ربما‭ ‬أن‭ ‬سلطات‭ ‬الرباط‭ ‬كان‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تشرح‭ ‬المسألة‭ ‬رسميا‭.‬

لكن‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬المشاكل‭ ‬الإدارية‭ ‬،‭ ‬فإن‭ ‬التيار‭ ‬لا‭ ‬يمر‭ ‬بين‭ ‬قائدي‭ ‬البلدين‭ ‬،‭ ‬فالمغرب‭ ‬متعود‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬مميزة‭ ‬،‭  ‬وماكرون‭ ‬ليست‭ ‬له‭ ‬حساسية‭ ‬مغاربية،‭ ‬فهو‭ ‬مهووس‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬بالجزائر،‭ ‬إنه‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬سيتوفق‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬العلاقات‭ ‬الفرنسية‭ ‬الجزائرية‭ ‬،‭ ‬نتمنى‭ ‬له‭ ‬حظا‭ ‬سعيدا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ .‬

وهكذا‭ ‬فهو‭ ‬يتهيأ‭ ‬للقيام‭ ‬بزيارة‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬القريب‭ ‬العاجل‭ . ‬فإنه‭ ‬يضحي‭ ‬بالتفاهم‭ ‬الجيد‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬ان‭ ‬يحصل‭ ‬من‭ ‬العسكريين‭ ‬الجزائريين‭ ‬على‭ ‬مواقف‭  ‬أحسن‭ ‬تجاه‭ ‬بلده‭.‬

إن‭ ‬السيد‭ ‬ماكرون‭ ‬مخطيء‭ ‬،‭ ‬فالجزائر‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تتشبث‭ ‬برصيد‭ ‬الذاكرة‭ ‬لن‭ ‬تمنحه‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭  ‬ستستمر‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مقولة‭ ‬الذنب‭ ‬حتى‭ ‬النهاية‭ ‬،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بهذا‭ ‬السفر،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يفهم‭  ‬شيئا‭  ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقدم‭ ‬أي‭ ‬تنازل‭.‬

إن‭ ‬المغرب‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تتحسن‭ ‬علاقاته‭ ‬مع‭ ‬الجزائر‭ ‬،‭ ‬فالملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬ذكر‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬بذلك‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬العرش‭ ‬يوم‭ ‬30من‭ ‬شهر‭ ‬يوليوز‭ ‬المنصرم‭ ‬،‭  ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬يزعجه‭  ‬في‭ ‬شيء‭ ‬أن‭ ‬يتوجه‭ ‬ماكرون‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬حسابات‭ ‬مسكينة‭ ‬صغيرة‭.‬

إن‭ ‬المغرب‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مركزا‭ ‬على‭ ‬فرنسا‭ ‬،‭ ‬هذا‭ ‬واقع‭ ‬يمكن‭ ‬ملاحظته‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مجالات‭ ‬،‭ ‬فهو‭ ‬بدأ‭ ‬ينوع‭ ‬صداقاته‭ ‬وعلاقاته‭ ‬السياسية‭ ‬الاستراتيجية‭ . ‬وبتوقيعه‭ ‬لاتفاقيات‭ ‬أبراهام‭ ‬،‭ ‬وباستطاعته‭ ‬تغيير‭ ‬موقف‭  ‬جاره‭ ‬الإسباني‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء،‭ ‬فإنه‭ ‬يبتعد‭ ‬عن‭ ‬فرنسا‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مساندتها‭  ‬محسوبة‭ ‬جدا‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬إغضاب‭ ‬الجزائر‭ ‬التي‭ ‬تتشبث‭ ‬بهذا‭ ‬النزاع‭ ‬المسلح‭ ‬المفتعل‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭.‬

إن‭ ‬منع‭  ‬الأطباء‭ ‬ورجال‭ ‬الأعمال‭ ‬والموسيقيين‭ ‬والشخصيات‭ ‬السياسية‭ ‬من‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬بحرمانهم‭ ‬من‭ ‬التأشيرة‭ ‬ينتج‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬سيء‭  ‬يتحول‭ ‬بسرعة‭ ‬إلى‭ ‬نبذ‭ ‬فرنسا‭.‬

أن‭ ‬ترفض‭ ‬التأشيرة‭ ‬لأبوين‭ ‬يريدان‭  ‬ابنهما‭ ‬القاصر‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬باريس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬كبيرة‭ ‬أمر‭ ‬سخيف.

وهؤلاء‭ ‬الآباء‭ ‬ليسوا‭ ‬أيا‭ ‬كان‭ :‬الأب‭ ‬مثلا‭ ‬له‭ ‬منصب‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬بنك‭ ‬كبير،‭ ‬والأم‭ ‬رئيسة‭ ‬مصلحة‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬،‭ ‬هؤلاء‭ ‬الآباء‭ ‬لا‭ ‬يأتون‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يتحولوا‭ ‬إلى‭ ‬مهاجرين‭ ‬سريين،‭ ‬لا،‭ ‬هم‭ ‬فقط‭ ‬يريدون‭ ‬مساعدة‭ ‬ابنهم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬عمره‭ ‬‭  ‬17سنة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬باريس‭.‬

إن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬تظهر‭ ‬وتتكاثر‭ ‬،وهناك‭ ‬مغاربة‭ ‬يطالبون‭ ‬المغرب‭ ‬بالمعاملة‭ ‬بالمثل‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمسافرين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬،بالرد‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬العقوبة‭ ‬بقرار‭ ‬غير‭ ‬عادل‭ ‬،وهذا‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬أظن‭ ‬أنه‭ ‬يحل‭ ‬المشكل‭ ‬،ليس‭ ‬بسبب‭ ‬السياحة‭ ‬،ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬لأنه‭ ‬يضر‭ ‬بصورة‭ ‬تقاليد‭.‬

الانفتاح‭  ‬وحسن‭ ‬الضيافة‭  ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬دائما‭ ‬مبنية‭  ‬مع‭ ‬فرنسا،‭ ‬فالمغرب‭ ‬ليس‭ ‬له‭  ‬رصيد‭ ‬ذاكرة‭ ‬مع‭ ‬فرنسا،‭ ‬فهو‭ ‬كان‭ ‬فقط‭ ‬محميا،‭ ‬وكفاح‭ ‬الاستقلال‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مأساويا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬للشعب‭ ‬الجزائري‭.‬

فليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬سبب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تتحول‭ ‬العلاقات‭  ‬الحالية‭ ‬المتوترة‭ ‬إلى‭ ‬علاقات‭ ‬تقليدية‭ ‬بدون‭ ‬عقاب‭ ‬وبدون‭ ‬تذكير‭ ‬بأمر‭ ‬،‭ ‬ففرنسا‭ ‬تعرف‭ ‬المساعدة‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭  ‬المصالح‭  ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬فلا‭ ‬داعي‭ ‬لإيقاف‭ ‬هذا‭ ‬التعاون‭ ‬المهم‭ ‬بسبب‭ ‬تأشيرات‭ ‬قليلة‭ ‬لمغاربة‭ ‬يريدون‭ ‬دخول‭ ‬فرنسا‭.‬

عن‭ ‬مجلة‭ : ‬‮«‬‭ ‬لوبوان‮»‬‭ ‬ترجمة‭ : ‬لحسن‭ ‬الياسميني




في نفس الركن