المغرب عكس جارته الشرقية لا يتدخل في علاقات الجزائر مع الدول الأخرى
*العلم : رشيد زمهوط*
بلغة دبلوماسية راقية ورصينة أصاب وزير الخارجية والتعاون عين الحقيقة وعرى مواطن الداء والخلل في تفسير خلفيات ودواعي التهافت العدائي للجارة الشرقية تجاه المغرب بعد زيارة الرئيس ماكرون الناجحة للرباط وتجديده دعم فرنسا لمغربية الصحراء ولمبادرة الحكم الذاتي كأساس واقعي وعملي وحيد لحل سياسي للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية.
السيد ناصر بوريطة أكد السبت الماضي في حوار خص به مجلة لوبوان الفرنسية أن المغرب لا يتدخل في العلاقات التي تربط الدول الأخرى بالجزائر وهو يركز بشكل حصري على علاقاته الثنائية مع شركائه تاركا لكل دولة الحرية في تطوير الروابط التي ترغب فيها مع الجزائر.
وزير الخارجية وصف هذا الموقف بكونه عقيدة واضحة وثابتة لجلالة الملك مضيفا أنه إذا كانت الجارة الشرقية تعتبر تعزيز علاقات الرباط مع بعض البلدان بمثابة تهديد لها، فهذا متروك لتفسيرها الذاتي الخاص، إذ بالنسبة للمملكة لا يمكنها أن ترهن علاقاتها مع دولة بتلك التي تقيمها مع دولة أخرى بل إن أولوية المغرب هي تعزيز علاقاته بما يتفق مع مصالحه الخاصة.
الواقع أن الموقف الثابت والأصيل أصالة السياسة الخارجية للمملكة الذي عبر عنه السيد بوريطة، يعد في حد ذاته رسالة بليغة وهادئة لنظام الجارة الشرقية الذي اختار من تلقاء نفسه وبإرادته الحرة والمستقلة قبل قرابة الأربعين شهرا قطع جميع صلاته الدبلوماسية مع الرباط و تحولت وسائل الاعلام و منابر المنتديات واللقاءات الدولية إلى لغة الحوار الوحيدة بين بلدين جارين لا تفصلهما الا حدود برية مغلقة بدورها منذ ثلاثة عقود.
الواقع أن نظام قصر المرادية لم يستفق بعد من صدمة تخلي قصر الايليزيه عنه وانخراطه بقرار سيادي يتحدى كل السموم والمؤامرات في مبادرة تاريخية فتحت صفحة جديدة وناضجة مع المملكة المغربية قوامها الاحترام المتبادل والنظرة الاستشرافية للمستقبل.
ساعات قبل هبوط طائرة الرئيس ماكرون بمطار الرباط، توجه الرئيس الجزائري في جولة للقاهرة ومسقط ضمن خطوة لتوهيم الرأي العام الجزائري والمحيط الإقليمي بأن إلغاء الزيارة المبرمجة سلفا من تبون بمجرد إعادة انتخابه لفرنسا عقابا على اصطفاف ساكن الايليزيه مع الطرح المغربي الصيف الماضي، لا تقلل من هيبة وسمعة وكبرياء النظام الجزائري القادر على نسج تحالفات جديدة على أنقاض الحلم الفرنسي الموؤود .
الذي وقع أن الرئيس تبون عاد من مصر وسلطنة عمان بخفي حنين ولم يتحصل من قائدي البلدين العربيين الملتزمين بمواثيق ومواقف الأسرة العربية الموحدة عن أي وعد أو التزام بالوقوف في مواجهة المصالح المغربية العليا.. ليجد قصر المرادية أمامه في مواجهة تبعات وعواقب انتكاسة دبلوماسية جديدة تتمثل في عجز مندوب الجزائر في مجلس الأمن عن تغيير قناعات أعضاء مجلس الأمن - باستثناء الموزمبيق الدائرة منذ عقود في فلك ورثة الهواري بومدين – تجاه مبادرة الحكم الذاتي، ورفض الجهاز التنفيذي الأممي الانصياع للإملاءات الجزائرية بتعديل مسودة نص القرار الأممي الذي صاغته الولايات المتحدة الأمريكية المعترفة بدورها سلفا بسيادة المغرب على صحرائه.
لم تتوقف عنجهية وتخبط أدوات النظام الجزائري عند هذا الحد المهول من المنعرجات والقرارت العشوائية التي تزيد من تشويه سمعة بلادهم وتسويد صورتها الدولية، بل إن حكام قصر المرادية مازالوا ممعنين في سبيل الضلالة وسلوكات التضليل من خلال الركوب على الاحتفالات الرسمية بعيد ثورة الفاتح نونبر الجزائرية، وتسويق برنامج وحمولة هذا اليوم الاحتفالي كنصر وهمي على المغرب وحليفته فرنسا والادعاء بالكثير من مساحيق الخداع والكذب بأن جلوس قيادات ثلاث دول مغاربية الى جانب زعيم جمهورية الخيام بتندوف بالمنصة الشرفية للاستعراض العسكري الاستفزازي بقلب العاصمة الجزائرية هو دلالة في تقدير العقول الصغيرة للنظام على عزلة المغرب في محيطه المباشر وتأكيد على قدرة الجزائر القوة الضاربة على قلب موازين القوى في ساعات.
أمام هذا التخبط الجنوني والإصرار على خوض المعارك الدونكيشوطية الفاشلة -بخليط من سلوك الهذيان والغباء المركب وحتى العجز عن إدراك جوهر الحقائق و الوعي بدرجات التغيير التي طرأت على أنماط التفكير وتمثلها في تدبير العلاقات الجوارية والتحالفات الإقليمية والجهوية وشروط تعهدها وضمان استدامتها - لا يمكن إلا استحضار خلاصة دالة وبليغة وردت على لسان ممثل المغرب الدائم بالأمم المتحدة السفير عمر هلال الذي يفيد أن نزوات الجزائر المتكررة سلوك معتاد للهروب من انتكاساتها الدبلوماسية وموقف دفاعي وظيفي لحكام الجزائر بعد الإخفاقات الدبلوماسية المتتالية التي تعرضت لها الجزائر في السنوات الأخيرة.