أعلن معهد سيروم الهندي عن تأخر الإمدادات الإضافية من اللقاح إثر تفشي الوباء في الهند، وبعد أن أصر الإتحاد الأوروبي على الحفاظ على كمية الجرعات المصنعة ببلدانه، ما تعليقك على "حرب اللقاحات" هذه؟ وهل يمكن اعتبار هذا الصراع فشلا أخلاقيا
العلم الإلكترونية - إنجاز خديجة بوفوس
من الطبيعي أن المغرب من البلدان ذات الدخل المتوسط وليست له الإمكانيات لإنتاج اللقاح ضد فيروس كورونا. يتركز هذا الإنتاج في يد الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية والصين وبريطانيا، فالتجارب السريرية التي مرت منها هذه اللقاحات كانت في أكبر المختبرات للصناعة الدوائية وقد استثمرت هذه المختبرات عددا مهما من الأموال: ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، استثمرت أزيد من 15 مليار دولار لهذه الأبحاث في مجال اللقاح كلقاح فايزر ولقاح مودرنا، ونفس الشيء بالنسبة للمختبرات التي تتوفر على كفاءة وتقنية عالية.
من الطبيعي أن المغرب من البلدان ذات الدخل المتوسط وليست له الإمكانيات لإنتاج اللقاح ضد فيروس كورونا. يتركز هذا الإنتاج في يد الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية والصين وبريطانيا، فالتجارب السريرية التي مرت منها هذه اللقاحات كانت في أكبر المختبرات للصناعة الدوائية وقد استثمرت هذه المختبرات عددا مهما من الأموال: ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، استثمرت أزيد من 15 مليار دولار لهذه الأبحاث في مجال اللقاح كلقاح فايزر ولقاح مودرنا، ونفس الشيء بالنسبة للمختبرات التي تتوفر على كفاءة وتقنية عالية.
استطاعت المختبرات التي كانت وراء هذه الأبحاث السريرية أن تصل لهذه اللقاحات ثم سجلت الملكية الفكرية لها باعتماد معايير المنظمة العالمية للتجارة كما هو معمول به بالنسبة للأدوية وكل المنتوجات التي هي نتيجة للبحث والاختراع. فهذه الحرب إذن مرتبطة بالمختبرات التي عملت على الأبحاث السريرية لذلك فهناك فرق بين المختبر الذي توصل إلى اللقاح والشركات التي المختصة في صناعة الأدوية واللقاحات وهي المسؤولة عن صناعة اللقاحات في الدول التي لها تجربة في هذا مجال صناعة اللقاحات بكميات كبرى كالهند والصين وبعض الشركات المتواجدة في الولايات المتحدة الأمريكية أو في أوروبا. وعندما ننتقل من الجانب البيولوجي والعلمي إلى عام الإنتاج الصناعي والترويج وإلى المنافسة على الصعيد الدولي فيما يخص تلك المنتوجات، فكل عملية تسويق على الصعيد العالمي تخضع لمنطق العرض والطلب. الآن هناك طلب كبير من جميع الدول، لأن الجائحة أصبحت عالمية وأصابت كل الدول بدون استثناء، وكل الدول تطالب بتلقيح ساكنتها إلى أن تصل كهدف إلى تلك المناعة الجماعية ما بين 60 إلى 80 بالمائة كما هو الشأن بالنسبة للمغرب الذي كان من أول البلدان التي طلبت كميات كبيرة من اللقاحين المرخصين من طرف وزارة الصحة ومديرية الأدوية والصيدلة التابعة لوزارة الصحة، فقد رخصت فقط للقاحين في البداية وهما سينوفارم الصيني الذي خضع لتجارب سريرية في المغرب واسترازينيكا المنتوج البريطاني بتعاون مع السويد. وهكذا توصل المغرب إلى 8,5 مليون من اللقاحات 6 ملايين منها من أسترازينيكا و2,5 من سينوفارم. وبدأت الحملة الوطنية للتلقيح بوتيرة مهمة ونتائج مشجعة ومشاركة مهمة من الساكنة وطبقا لاستراتيجية محكمة وتنظيم محكم من طرف وزارة الصحة بتعاون مع وزارة الداخلية وكل العاملين في القطاع الصحي. ودليلا على ذلك فإن معظم الدول قد هنأت المغرب على النتائج التي توصل إليها في هذه الحملة.
تأثرنا بهذه الحرب التي أعتبرها ليست صراعا نعتبره فشلا أخلاقيا بل هو نتيجة معطيات داخلية تهم التسويق والمنافسة على منتوج يسمى "لقاح" كما هو الشأن بالنسبة للأدوية، لأن هذا المنتوج مهم اجتماعيا وله دور فيما يخص صحة المواطنين وهو كذلك دور فيما يخص الجانب الصناعي والتسويقي، فهو إذن يخضع للعرض والطلب، فهناك إذن معادلات يجب أخذها بعين الاعتبار، وهو مجال ليس للأخلاق، لأن كل ما هو تجارة فهي تخضع للعرض والطلب وطبيعي أن تهيمن الدول التي تتحكم في إنتاج الأدوية على الصعيد العالمي والمختبرات المتعددة الجنسيات على السوق الصيدلي الدولي بنسبة تفوق 80% وهي التي، الآن، استطاعت أن تصل إلى إنتاج اللقاح وتسويقه في العالم. فلا بد من أخذ عنصر المنافسة كذلك بعين الاعتبار وقد شهدناها ما بين دول الاتحاد الأوروبي والمختبر البريطاني في إطار ما يسمى بالجيوسياسي، لأن هناك مصالح دول أصرت على صناعة الأدوية واللقاحات وهناك كذلك تنافس شديد على من له ملكية هذا اللقاح واستطاع أن يقدمه للبشرية بعد بحوث واستثمارات تقدر بالملايير.
ذكرت في حديثك أننا قد تأثرنا بهذه "الحرب" فهل من المرتقب أن تؤثر هذه "الأزمة" على سير الحملة الوطنية للتلقيح بالمغرب بتباطؤ أو توقف
فيما يخص تأثر المغرب فهو طبيعي لأنه بلد مستهلك للقاح وغير منتج له كما هو الحال بالنسبة لدول الجنوب أو الدول النامية وهذا شيء طبيعي لأن المغرب لم يعطِ أهمية للبحث العلمي والبيولوجي والصيدلاني كما هو الشأن بالنسبة للدول التي لها اقتصاد قوي والتي استطاعت أن تصل إلى هذا المستوى من البحث عن الأدوية وبالتالي الوصول للقاحات. فمن الطبيعي إذن أن يكون هناك تباطؤ وأتمنى أن لا يكون هناك توقف لهذه الحملة الوطنية للتلقيح. قد يكون هناك تباطؤ نظرا لكون المخزون من الجرعات الذي نتوفر عليه محدودا ويجب تدبيره بشكل عقلاني لفائدة الفئات المستهدفة بهذه الحملة الوطنية.
هل يمكن اعتبار الضغط على الدول المصنعة للقاح من طرف الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل الحل الديبلوماسي الأمثل لإزالة قيود الملكية الفكرية عن اللقاحات وفتح مصانع أدوية لإنتاج اللقاحات بكميات كافية في هذه الدول
يعتبر ضغط الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل على الدول المصنعة للقاح أمرا خاضعا لميزان القوى على الصعيد الدولي. فما هي قوة الدول الفقيرة؟! هي دول تستهلك فقط لعدم قدرتها على الإنتاج: لا إنتاج الأدوية ولا إنتاج اللقاحات، لأنها لم تستثمر في مجال البحث العلمي كما هو الشأن في الدول المتقدمة. وبخصوص إزالة قيود الملكية الفكرية فليس من السهل أن تتنازل هذه الشركات المتعددة الجنسيات التي لها قوة في الإنتاج وفي الابتكار والبحث عن تلك القيود. المنظمة العالمية للصحة بدورها في مفاوضات مع هذه المختبرات وتسعى إلى الحصول على كميات مهمة من الجرعات لتقديمها للدول الفقيرة عبر مبادرة كوفاكس، ولكن المنظمة العالمية للصحة ليست بشركة، فهي فقط منظمة لها اختصاصات محددة وليست لها لا القدرة المالية ولا القدرة للتأثير على الدول المصنعة للقاح، تسعى فقط إلى جمع الأموال من عدة دول وتوجه النداءات إلى كل من يستطيع تقديم العون للدول الفقيرة ومتوسطة الدخل ومنها المغرب كذلك. انخرطت أكثر من 130 دولة في مبادرة كوفاكس في انتظار أن ستتسلم الآلاف من الجرعات كما هو الشأن بالنسبة لبعض الدول الافريقية التي توصلت بها ويمكن أن يتوجه المغرب كذلك إلى هذه المنظمة لطلب اللقاح منها.
مُجاراةً لهذه الأوضاع، طلب المغرب مليون جرعة من لقاح سبوتنيك 5 الروسي. وتقول تقارير إعلامية أنه يرتقب أن تصل على دفعتين في الأيام المقبلة. من جانب آخر، أعلنت السلطات الروسية أنها مستعدة لتقديم جرعات لخمسين مليون أوروبي اعتبارا من يونيو القادم. مما يعني أن هذه الجرعات ليست متوفرة بعد، وقد لا يستفيد المغرب من الجرعات التي طلبها في أجل قريب. لماذا لقاح سبوتنيك في وليس غيره من اللقاحات
فالمغرب أمام هذه الوضعية حاول أن ينوع الطلبات من اللقاحات التي هي موجودة على الصعيد العالمي، فهناك لقاح فايزر الأمريكي وهناك لقاح مودرنا الأمريكي وهذه اللقاحات تتطلب لوجستيك معين لأنها تخضع إلى أن تكون في حرارة ما بين 60 إلى 80 درجة تحت الصفر وليس هذا الأمر باللوجستيك السهل، خاصة بالنسبة للدول الفقيرة أو المتوسطة الدخل، لأنها تتطلب ثلاجات في حجم كبير لا فيما يخص التنقل أو التخزين أو التوزيع في البلدان، وهذه إكراهات مطروحة على الكثير من الدول. والمغرب إذن لم يدخل في مفاوضات جادة للحصول على اللقاحات الأمريكية، يبقى أنه الآن هو مركز على اللقاحين أسترازينيكا وسينوفارم لأنهما لا يتطلبان خاصية البرودة هذه، بل هذين اللقاحين بالإضافة إلى لقاح سبوتنيك في الروسي لا يحتاجون إلا درجة حرارة من 2 إلى 8 درجات أي سهولة التخزين والنقل والتوزيع في ثلاجات في متناول الجميع.
هل يمكن اعتبار طلب المغرب مليون جرعة فقط من لقاح سبوتنيك 5 الروسي تخوفا من هذا اللقاح الذي أثار انتقادات العديد من الأخصائيين لكونه "غابت عنه الشفافية" و"أحرق العديد من المراحل" أثناء تصنيعه وتجريبه
المغرب الآن في مرحلة التزود بلقاح سبوتنيك في الروسي لأن له فعالية مهمة كباقي اللقاحات ولو أن الدول الغربية مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، لأسباب سياسية وإديولوجية، لم تعترف بفعالية هذه اللقاحات الروسية في إطار الوضعية الدولية التي تتسم بحرب باردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من جهة والصين الشعبية وروسيا من جهة أخرى ولهذا فإن سبوتنيك لم يكن محبوبا سواء لدى الأمريكان ولا لدى الأوروبيين للدفاع عن مصالحهم ولقاحاتهم ومختبراتهم الغربية، ولكن المغرب هو حر في اختياراته السيادية وهو حر في توجيه طلباته إلى كل الدول بما فيها روسيا. وهكذا فالمغرب الآن هو وجه طلبه لمليون جرعة من سبوتنيك وهو لا يتطلب لا لوجستيك خاص وله فعالية وممكن أن نتوصل بهذه الجرعات من روسيا في إطار العلاقات المتميزة بين المغرب وروسيا اقتصاديا وسياسيا.
هل اللقاح سبوتنيك ليست له فعالية ولم يعط المعطيات بشفافية أو لم يحترم معايير الأبحاث السريرية؟! لا أظن لأن هذا بلد متقدم في البحث والتكنولوجيا واسم سبوتنيك يعبر على تفوق هذا البلد في الأبحاث والعلم وهذا اللقاح هو فعال ومعترف به من طرف المنظمة العالمية للصحة ويمكن أن الاتحاد الأوروبي إذا ما استمرت هذه الحرب أن يتجه إلى طلب اللقاح الرسم رغم المشاكل السياسية والجيوسياسية القائمة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا حاليا في مواضيع أخرى.
اقترح الطيب حمضي، طبيب باحث في السياسات والنظم الصحية، التباعد بين جرعتي أسترازينيكا بثلاثة أشهر بدلا من أربعة أسابيع الموصى بها وذلك من أجل تطعيم أكبر عدد من المواطنين. هل ستكون للقاح حينئذن نفس الفعالية
تعتبر هذه الدراسات غير دقيقة ولا يجب الاعتماد عليها ولا يجب نشر هذه الأفكار والمقترحات لأنها غير مدققة علميا ولم تخضع إلى دراسات بيولوجية، فهذا الأمر البيولوجي والمتعلق باللقاح يرجع إلى الصيادلة وليس إلى الأطباء، مع كامل احترامي لهم، فهذا مجال خاص بالبحث الصيدلاني والصيادلة المختصين بصناعة اللقاحات والتجارب السريرية، ودراساتهم هي التي يمكن أن تعطينا أجوبة شافية.
اعتمد المغرب لقاحي استرازينيكا الهندي وسينوفارم الصيني حيث استورد 6 ملايين جرعة من أسترازينيكا و 2,5 مليون جرعة من سينوفارم وقدم طلبا للحصول على مليون جرعة من سبوتنيك 5. وباعتبار تفاوت فعالية هذه اللقاحات، ألن تكون هناك آثار جانبية أو مخاوف ناتجة عن استعمال تركيبات لقاح مختلفة
فيما يخص الآثار الجانبية فأظن أنها معروفة بالنسبة لكل اللقاحات. الدراسات المشهود لها، تقول أنه من الأفضل استعمال جرعتين من نفس اللقاح، حتى لا يصاب متلقي اللقاح بآثار جانبية إن استعملنا لقاحين مختلفين، فهذا سيخلق إشكالا كبيرا، إلا أنه، حتى الآن، ليست هناك دراسات تؤكد على أنه هناك آثار جانبية أو العكس في هذه المسألة ولكن تجنبا لأي آثار جانبية من الأفضل استعمال جرعتين من نفس اللقاح.
ما هي بعض الحلول التي تقترحها بتدبير المخزون المتوفر من اللقاح في انتظار تجاوز هذه المشاكل
يتم تأطير تدبير المخزون الحالي من طرف صيادلة مختصين في الأدوية وتدبير الأدوية واللقاحات في الصيدلية المركزية التابعة لوزارة الصحة وهذه الأطر الصيدلانية هي التي تسهر على تخزين وتوزيع هذه اللقاحات في الجهات الموجودة في البلاد والأقاليم التابعة لها ونقط التلقيح، وهم على علم بهذه الوضعية على الصعيد الدولي وسيدبرون هذا اللقاح بحكمة وعقلانية في انتظار أن يتوصل المغرب بلقاحات أخرى سواء سينوفارم أو أسترازينيكا أو سبوتنيك في وسط هذا المخاض وهذه الوضعية الصعبة التي تعيشها حتى الدول الغنية. ولكن لا بد من الأخذ بالاعتبار لما يجري على الصعيد العالمي لا سيما وأن هناك متوقع أن تكون هناك موجات أخرى للفيروس، فأوروبا تعيش موجة ثالثة لسلالات جديدة خطيرة من الفيروس وهناك ضغط على المنظومة الصحية لتلك البلدان التي لها منظومة صحية متطورة بالمقارنة مع الدول الفقيرة أو المتوسطة الدخل كالمغرب، فلا بد أن نأخذ الحيطة الحذر وأن نسعى ما أمكن إلى الوصول إلى المناعة الجماعية ل 70 إلى 80% ويمكن آخر شهر شتنبر أو أكتوبر أن يتوصل المغرب بهذه الكميات المطلوبة لأن المغرب طلب 66 مليون جرعة توصلنا لحد الآن ب 8 ملايين جرعة وهو عدد غير كاف. نتمنى أن يحافظ المغرب على تقدمه في تدبير الجائحة وتنظيم الحملة الوطنية للتلقيح، ولم لا، إن كانت هناك ظروف مساعدة، أن تكون هناك اتفاقية شراكة بين المغرب والصين الشعبية أو الهند أو أي مختبر على الصعيد الدولي، لنقل هذه التكنولوجيا إلى المغرب لتكون له القدرة على إنتاج اللقاح في المغرب لتلبية حاجيات السوق المغربية ولتلبية حاجيات السوق الإفريقية كذلك لعلاقاته التعاونية مع البلدان الافريقية.
الدرس الذي يمكن استخلاصه من حرب اللقاحات هذه على المغرب وعلى جميع الدول النامية هو أن هذه الدول يجب أن تتوجه نحو الاستثمار في البحث العلمي وتكوين المختصين في المجال الدوائي والصيدلي لإنتاج الأدوية واللقاحات لأن هذا المجال يتطلب كفاءات وإمكانات مالية مهمة وتكنولوجيا كما يتطلب كذلك إرادة سياسية للنهوض بالمجال الصيدلي والصحي والبحث العلمي. وهذه القاعدة تسري على كل المنتوجات، لنكون عند مستوى تطلعات الشعب المغربي وضمان حقه في الصحة وفي التغطية الصحية والحماية الاجتماعية.