2021 أكتوبر 11 - تم تعديله في [التاريخ]

وضعية المسنين تسائل المجتمع وصناع القرار

هناك العديد من المسنين الذين يعانون من مشاكل مختلفة تتوزع بين ظروف صحية واجتماعية ونفسية وأسرية، تحتم على الجهات المسؤولة سن سياسات تضمن لهم حق الرعاية.


باحثة في علم الاجتماع وقضايا المسنين
العلم الإلكترونية - د. كوثر المراكشي

تؤكد جل التقارير ومن ضمنها التقرير الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول موضوع الأشخاص المسنين بالمغرب كما صادقت عليه الجمعية العامة للمجلس بالإجماع خلال دورتها الثالثة والخمسين ليوم الخميس 27 غشت 2015 على أن حماية الأشخاص المسنين تحتاج إلى اهتمام خاص من طرف القطاعات المعنية، من أجل تمكينهم من ممارسة حقوقهم، كما هي منصوص عليها في الدستور وحسب طبيعة أوضاعهم وظروفهم الاجتماعية.

من هذا المنطلق، نتساءل ماذا أعدت الدولة لهؤلاء؟ أي موقع لهم داخل السياسات والإستراتيجيات الحكومية؟ ماهي نوعية الخدمات والمساعدات التي تقدمها الدولة لهم؟ أسئلة وأخرى حاولت الإجابة عنها من خلال تصريحات مسؤولين بقطاعات وزارية ومنظمات غير حكومية، خاصة الذين لا يتوفرون على أي تغطية اجتماعية وصحية.

أكد جل المسؤولين بمختلف القطاعات الوزارية التي تشتغل على هذه الفئة على أنه لا مجال للحديث عن استراتيجيات حكومية خاصة بالمسنين، وذلك راجع إما لغيابها أو لكونها مجرد برامج لا تعدو أن تصل إلى البعد الإستراتيجي، وبالتالي تبقى صعبة التنفيذ.

وخلال المقابلة التي أجريناها مع المسؤولة بمصلحة المسنين بوزارة التنمية الإجتماعية والأسرة والتضامن أن كشفت هذه الأخيرة وضع مشروع للإستراتيجية الوطنية لفائدة الأشخاص المسنين 2008-2012، بشراكة مع مجموعة من المؤسسات والفاعلين والقطاعات الوزارية، وعندما عرضت مضامينها على المجلس الحكومي قوبلت بالرفض وعدم المصادقة عليها، لأن القطاعات المعنية، لم تلتزم بتطبيق ما جاءت به الإستراتيجية، بدعوى أن الأمر يتطلب تمويلا ماديا يصعب توفيره في الظرفية الراهنة، فمثلا وزارة الصحة رفضت تفعيل مضامين هذه الإستراتيجية وخاصة في الشق المتعلق بمصاريف العلاج والتطبيب، على اعتبار أن فئة المسنين ليست من أولويات قطاع الصحة، مشيرة إلى أن الفئة التي تستحق العلاج والتطبيب والعناية من طرف وزارة الصحة  هي المواليد الجدد والامهات الواضعات.

أما ممثل التعاون الوطني (الإدارة المركزية – الرباط) فاكد أن الإهتمامات الحكومية تنصب أساسا على الشباب، بينما هناك تجاهل مطلق لفئة اسمها المسنين، والاستراتيجية الخاصة بهم لا تزال حبيسة رفوف الوزارة المعنية، ولم تتم المصادقة عليها، نظرا لتعدد الفاعلين المؤسساتيين، وبالتالي لا توجد لديه ميزانية خاصة بالأشخاص المسنين، وأن ما يقدمه هذا القطاع يدخل في إطار دعم للمؤسسات الخيرية، تشمل جميع الشرائح الاجتماعية.

بينما يعتبر ممثل وزارة الصحة أنه بالنسبة للوزارة، ليس من أولوياتها الإهتمام بالمسنين، وبالنسبة لمصلحة طب الشيخوخة فهي مصلحة حديثة العهد تأسست في مارس 2005، إلا أنه بالرغم من ذلك، فإنه يعترف بأن الوزارة لا زالت لا تتوفر على مستشفيات خاصة بالمسنين داخل مجموع التراب الوطني، لكن هذه الأخيرة بصدد الإشتغال والتنسيق مع وزارة التعليم العالي حتى يصبح طب الشيخوخة مجالا يدرس كباقي التخصصات بكلية الطب.

أما بالنسبة للمساعدات التي تقدمها الدولة لهذه الفئة، فقد أجمع جل المسؤولين على أن الدولة بدورها عاجزة عن تقديم الخدمات والمساعدات لهذه الفئة، تأخد بعين الإعتبار خصوصياتهم وحالاتهم المرضية سواء من الناحية الصحية أو النفسية أو الإجتماعية، على اعتبار أنهم يشكلون عبئا ثقيلا على الدولة، ويكلفها مصاريف وميزانية ضخمة.

ونشير في الأخير إلى أن بعض الجمعيات، في غياب المراقبة والمتابعة القانونية، لا تقوم بدورها الحقيقي -بناء على تقارير مرفوعة من طرف جهات معينة إلى الإدارة المركزية-، ويرجع السبب في كون هؤلاء الأعضاء لهم أهداف انتخابية صرفة، وأغلبهم غير مؤهل للقيام بالدور المنوط بهم، مستغلين الأمية والوضعية الإجتماعية والنفسية للمسنين، ويعطي مثالا على ذلك بدار العجزة بتيط مليل والتي يعتبرها مزبلة بشرية، هذه الدار التي تفوق ميزانيتها مليار و100 مليون، لا تتوفر إلا على 11 مساعدة اجتماعية ومرافق وتجهيزات هزيلة، ويرجع السبب في ذلك، إلى انعدام الضمير المهني من جهة، وإلى غياب الأطر الكفؤة والمؤهلة من جهة ثانية.

أما بخصوص المساعدات التي تقدمها وزارة التنمية الإجتماعية والأسرة والتضامن باعتبارها القطاع الوصي على هذه الفئة بالدرجة الأولى، تقول مسؤولة بالقطاع، إن كل ما قدمته الوزارة لصالح المسنين والمسنات منذ إحداث مصلحة للمسنين يتجلى أولا في: تنظيم مناظرة وطنية حول الأشخاص المسنين تحت شعار: التضامن بين الأجيال رهان مجتمع الغد، هذه المناظرة التي جمعت كل الفاعلين الأساسيين في القطاعات والمؤسسات الحكومية المعنية، وصناديق الإحتياطالإجتماعي وممثلي منظمات الأشخاص المسنين وجمعيات المجتمع المدني المهتمة ونخبة من الباحثين في المجال، وذلك بهدف وضع خطة عمل وطنية كفيلة بإدماج فعلي للأشخاص المسنين في برامج التنمية الوطنية.

كما تضيف أنه من بين المساعدات غير المباشرة التي سيقدمها القطاع لهذه الفئة إذا ما تمت المصادقة على الإستراتيجية الوطنية، دعم الجمعيات العاملة في المجال، وإحداث صندوق خاص قصد دعم الأسر التي تتوفر على مسنين، كما أن الوزارة بصدد الاشتغال على جيل جديد من المؤسسات ستطلق عليه إسم النوادي النهارية للمسنين، أي أن الأسر المعيلة للمسنين والتي تشتغل سيصبح بإمكانها أن تجد مكانا لمسنيها داخل هذه النوادي النهارية، هذا بالإضافة إلى إعداد دليل موحد لمراكز العجزة المتواجدة بالمغرب.

نفس الأمر نجده عند ممثل وزارة الصحة، الذي اعتبر أن الأسرة هي الخلية الأولى التي يجب أن تقدم مساعدات للمسن، فأفضل فضاء وأفضل مساعدة لهؤلاء تتجلى في دفء الأسرة والعائلة، فالدولة مهما قدمت من مساعدات تبقى عاجزة عن تعويض دور الأسرة، وأضاف أن فئة المسنين حظيت باحترام واهتمام كبير منذ القدم، وما على الأسرة إلا أن تحافظ على هذا المبدأ.

وبذلك يمكن القول أن السياسات العمومية المرتبطة بشؤون الأشخاص المسنين، تعاني من إرادة سياسية حقيقية، حيث ينعدم التراكم والإنسجاموالإستمرارية في القرارات التي تتخذ. فلا يمكن أن نحل مشكلة الأشخاص المسنين بمجتمعنا بإطلاق الشعارات والإستراتيجيات غير المفعلة والحملات كالحملة الأخيرة تحت شعار”الناس لكبار كنز فكل دار” بمناسبة اليوم العالمي للمسن.

إن الوضع يقتضي تحسين ظروف عيش المسنين، وعلى الدولة ومؤسساتها ألا تبقى مكتوفة الأيدي أمام ملف المسنين، فالتضامن حل ترقيعي لأن الأسرة أيضا بكل مكوناتها تتطلب تدخلا ومساعدة من طرف الدولة، من خلال الدعم المادي للتغلب على المصاريف المتزايدة لهذه الفئة بسبب المرض، هذا بالإضافة إلى خلق النوادي والفضاءات المجهزة بالوسائل التي من شأنها مساعدة المسن على التغلب على المشاكل التي تعترضه بسبب العزلة والوحدانية، دون إغفال أهمية التغطية الصحية.
 



في نفس الركن