العلم الإلكترونية - بقلم عبد الله البقالي
تقرير آخر يضاف إلى ركام هائل من التقارير المتعددة المصادر، ينشر على العموم قبل أيام قليلة من اليوم يثير المخاوف والأخطار الكبيرة والكثيرة التي يتسبب فيها تغير المناخ .
هذه المرة جاء الدور على الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي هيئة تأسست سنة 1988، وقيل آنذاك إن الغرض من وجودها يتمثل في (تقديم تقديرات شاملة لحالة الفهم العلمي والفني والاجتماعي والاقتصادي لتغير المناخ، وأسبابه وتأثيراته المحتملة، واستراتيجيات التصدي لهذا التغير) لإصدار تقرير جديد يلحق بتقارير دورية سابقة أصدرتها، أطلقت من خلاله ما سمته بـ(التحذير الأخير بشأن أزمة المناخ ، مع وصول الاحتباس الحراري إلى مرحلة تحتاج للتحرك العاجل واتخاذ الإجراءات الجذرية، لتجنب الأضرار الجسيمة قبل فوات الأوان) واستدل معدو التقرير على حجم التهديدات المحدقة بالحياة البشرية بالخسائر الفادحة، والأضرار التي يشهدها العالم حاليا جراء تغير المناخ. واستفاض التقرير في استعراض الأخطار المترتبة عن تغير المناخ بالإشارة إلى أن ما يقرب من نصف سكان العالم يعيشون في مناطق معرضة بشدة لتغير المناخ. وأن ما سماه بـ(الطقس المتطرف) تسبب في زيادة الوفيات بسبب موجات الحر الشديدة في جميع المناطق وخسارة ملايين الأرواح والمنازل جراء حالات الجفاف والفيضانات، فضلا عن الأضرار الواقعة على النظم البيئية. كما أن الظروف المناخية المترتبة عن هذا التطرف تؤدي بوتيرة متزايدة إلى نزوح الأشخاص في مناطق أفريقيا وآسيا والأمريكيتين.. وتنبأت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بأن تتفاقم الآثار السلبية المترتبة على ذلك، خصوصا فيما يتعلق بانعدام الأمن الغذائي والمائي، مما ينذر بانتشار الأوبئة والأمراض.
واقترحت الهيئة في تقريرها، الذي يعتبر السادس من نوعه الصادر عنها، وصفة معتادة على كل حال، لإيجاد الحلول التي تقدرها مناسبة للحد من التهديدات المترتبة عن التغير المناخي، من قبيل توحيد العمل المناخي الفاعل والعادل الذي لن يقلل فقط من الخسائر، في تقدير خبرائها الذين أعدوا التقرير، بل أيضا سيوفر فوائد واسعة النطاق للطبيعة والإنسان، ومن قبيل أيضا، ما اعتبروه حاجة ملحة إلى اتخاذ إجراءات أكثر طموحا. ومن قبيل اعتماد خيارات متعددة ومجدية وفاعلة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتكيف مع آثار المناخ الذي يتسبب فيه الإنسان، وتعزيز التقنيات النظيفة المقاومة للتغير المناخي، قبل أن تزداد الأمور صعوبة مع تزايد مستويات الاحتباس الحراري. كما دعوا في وصفتهم هذه إلى زيادة معدلات التمويل والاستثمارات الخضراء وإزالة العوائق، التي تعيق تحقيق التنمية المستدامة.
هذا التقرير الشامل والمستفيض الذي أصدرته جهة مختصة، والذي أعده خبراء متخصصون، وهو التقرير السادس من نوعه الذي تصدره نفس الجهة، يمكن القول بأنه لم يحقق أية إضافة فيما يتعلق بالتصدي إلى الآثار السلبية الخطيرة المترتبة عن التغير المناخي. لأن الإشكالية المرتبطة بهذه القضية لم تعد تقتصر، ولا حتى تتمثل، في الرصد وفي الكشف عن تفاصيل هذه الأخطار، واستعراضها في تقارير يصرف عليها من الأموال، ربما أكثر ما يصرف على القضية نفسها. ولم تعد مرتبطة فقط بفهم وإدراك حجم وخطورة التهديدات المحدقة بالمجتمع البشري جراء استفحال أسباب تغير المناخ في اتجاه التردي. فالفهم حاصل، والإدراك محقق، والخطورة أضحت واضحة، ولا أحد من بني البشر يجادل أو يشك في مضامين الرصد والمعاينة. بل الإشكال الحقيقي الذي تتغاضى عنه مثل هذه التقارير، يكمن ويتمثل في إقناع الاقتصادات الكبرى المهيمنة في العالم بحتمية تحمل مسؤولياتها في التصدي للتهديدات المترتبة عن تغير المناخ، لأنها المسؤولة المباشرة، وبصفة رئيسية عن العوامل التي تسببت، ولا تزال تتسبب، في تدهور المناخ.
فالصناعات المدنية والعسكرية التي تبوئ هذه الاقتصادات مراتب القوة في العالم، والأنشطة البشرية المكثفة المضرة بالبيئة في دول هذه الاقتصادات، هي عوامل، إضافة إلى أخرى التي تتسبب بصفة مباشرة في ارتفاع درجات الاحتباس الحراري، وتحدث اختلالات في بنية المناخ الطبيعية، مما يقود إلى حدوث تقلبات مناخية غير مفهومة، تتجلى في الفيضانات والجفاف والحرائق وغيرها كثير .
لذلك لم يعد مستساغا ولا مقبولا أن تطلع علينا جهة ما، وإن تعلق الأمر بالمنظمات الدولية المتخصصة، ولا حتى بالعلماء و الخبراء، بتقارير ترصد واقع الحال و تقترح حلولا نظرية مكررة لا تمثل الوصفة العلاجية الصحيحة للمرض المزمن الذي ينخر جسد الكرة الأرضية. لأن الحلول التي يجب أن يقع التركيز عليها تتمثل أساسا في إجبار هذه الاقتصادات الكبرى على استعمال الطاقات النظيفة والبديلة في صناعاتها المتطورة ، و تقليص الأنشطة المضرة بالبيئة، وأساسا موافقتها الطوعية على تمويل البرامج الفعالة لضمان تقلص معدلات الاحتباس الحراري. وبذلك تتحقق العدالة المناخية، بحيث تتحمل الجهة المتسببة فيما يحدث مسؤولية الحد من خطر هذا الذي يحدث. ودون انخراط فعلي في هذه المقاربة، ومع استمرار تملص القوى الكبرى من مسؤوليتها، و إصرارها على مواصلة سياساتها الصناعية والاقتصادية بالشكل الذي هي عليه حاليا، فإن ذلك يعني أن هذه القوى التي تصدر منظماتها وخبراؤها وعلماؤها تقارير تحذر من التهديدات المرتبطة بتغير المناخ، هي نفسها التي تقود العالم نحو الأسوأ في هذا الشأن، بما تقترفه من ممارسات مضرة بالمناخ و بالبيئة وبالمحيط البشري والحيواني والطبيعي بصفة عامة .
لذلك لا مجال لتصديق وصفات علاجية مغشوشة ومغلوطة، قد يكون الهدف من إصدارها التعتيم عن الأسباب والعوامل الحقيقية ومحاولات متكررة لإلهاء الناس عن الحقيقة.
تقرير آخر يضاف إلى ركام هائل من التقارير المتعددة المصادر، ينشر على العموم قبل أيام قليلة من اليوم يثير المخاوف والأخطار الكبيرة والكثيرة التي يتسبب فيها تغير المناخ .
هذه المرة جاء الدور على الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي هيئة تأسست سنة 1988، وقيل آنذاك إن الغرض من وجودها يتمثل في (تقديم تقديرات شاملة لحالة الفهم العلمي والفني والاجتماعي والاقتصادي لتغير المناخ، وأسبابه وتأثيراته المحتملة، واستراتيجيات التصدي لهذا التغير) لإصدار تقرير جديد يلحق بتقارير دورية سابقة أصدرتها، أطلقت من خلاله ما سمته بـ(التحذير الأخير بشأن أزمة المناخ ، مع وصول الاحتباس الحراري إلى مرحلة تحتاج للتحرك العاجل واتخاذ الإجراءات الجذرية، لتجنب الأضرار الجسيمة قبل فوات الأوان) واستدل معدو التقرير على حجم التهديدات المحدقة بالحياة البشرية بالخسائر الفادحة، والأضرار التي يشهدها العالم حاليا جراء تغير المناخ. واستفاض التقرير في استعراض الأخطار المترتبة عن تغير المناخ بالإشارة إلى أن ما يقرب من نصف سكان العالم يعيشون في مناطق معرضة بشدة لتغير المناخ. وأن ما سماه بـ(الطقس المتطرف) تسبب في زيادة الوفيات بسبب موجات الحر الشديدة في جميع المناطق وخسارة ملايين الأرواح والمنازل جراء حالات الجفاف والفيضانات، فضلا عن الأضرار الواقعة على النظم البيئية. كما أن الظروف المناخية المترتبة عن هذا التطرف تؤدي بوتيرة متزايدة إلى نزوح الأشخاص في مناطق أفريقيا وآسيا والأمريكيتين.. وتنبأت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بأن تتفاقم الآثار السلبية المترتبة على ذلك، خصوصا فيما يتعلق بانعدام الأمن الغذائي والمائي، مما ينذر بانتشار الأوبئة والأمراض.
واقترحت الهيئة في تقريرها، الذي يعتبر السادس من نوعه الصادر عنها، وصفة معتادة على كل حال، لإيجاد الحلول التي تقدرها مناسبة للحد من التهديدات المترتبة عن التغير المناخي، من قبيل توحيد العمل المناخي الفاعل والعادل الذي لن يقلل فقط من الخسائر، في تقدير خبرائها الذين أعدوا التقرير، بل أيضا سيوفر فوائد واسعة النطاق للطبيعة والإنسان، ومن قبيل أيضا، ما اعتبروه حاجة ملحة إلى اتخاذ إجراءات أكثر طموحا. ومن قبيل اعتماد خيارات متعددة ومجدية وفاعلة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتكيف مع آثار المناخ الذي يتسبب فيه الإنسان، وتعزيز التقنيات النظيفة المقاومة للتغير المناخي، قبل أن تزداد الأمور صعوبة مع تزايد مستويات الاحتباس الحراري. كما دعوا في وصفتهم هذه إلى زيادة معدلات التمويل والاستثمارات الخضراء وإزالة العوائق، التي تعيق تحقيق التنمية المستدامة.
هذا التقرير الشامل والمستفيض الذي أصدرته جهة مختصة، والذي أعده خبراء متخصصون، وهو التقرير السادس من نوعه الذي تصدره نفس الجهة، يمكن القول بأنه لم يحقق أية إضافة فيما يتعلق بالتصدي إلى الآثار السلبية الخطيرة المترتبة عن التغير المناخي. لأن الإشكالية المرتبطة بهذه القضية لم تعد تقتصر، ولا حتى تتمثل، في الرصد وفي الكشف عن تفاصيل هذه الأخطار، واستعراضها في تقارير يصرف عليها من الأموال، ربما أكثر ما يصرف على القضية نفسها. ولم تعد مرتبطة فقط بفهم وإدراك حجم وخطورة التهديدات المحدقة بالمجتمع البشري جراء استفحال أسباب تغير المناخ في اتجاه التردي. فالفهم حاصل، والإدراك محقق، والخطورة أضحت واضحة، ولا أحد من بني البشر يجادل أو يشك في مضامين الرصد والمعاينة. بل الإشكال الحقيقي الذي تتغاضى عنه مثل هذه التقارير، يكمن ويتمثل في إقناع الاقتصادات الكبرى المهيمنة في العالم بحتمية تحمل مسؤولياتها في التصدي للتهديدات المترتبة عن تغير المناخ، لأنها المسؤولة المباشرة، وبصفة رئيسية عن العوامل التي تسببت، ولا تزال تتسبب، في تدهور المناخ.
فالصناعات المدنية والعسكرية التي تبوئ هذه الاقتصادات مراتب القوة في العالم، والأنشطة البشرية المكثفة المضرة بالبيئة في دول هذه الاقتصادات، هي عوامل، إضافة إلى أخرى التي تتسبب بصفة مباشرة في ارتفاع درجات الاحتباس الحراري، وتحدث اختلالات في بنية المناخ الطبيعية، مما يقود إلى حدوث تقلبات مناخية غير مفهومة، تتجلى في الفيضانات والجفاف والحرائق وغيرها كثير .
لذلك لم يعد مستساغا ولا مقبولا أن تطلع علينا جهة ما، وإن تعلق الأمر بالمنظمات الدولية المتخصصة، ولا حتى بالعلماء و الخبراء، بتقارير ترصد واقع الحال و تقترح حلولا نظرية مكررة لا تمثل الوصفة العلاجية الصحيحة للمرض المزمن الذي ينخر جسد الكرة الأرضية. لأن الحلول التي يجب أن يقع التركيز عليها تتمثل أساسا في إجبار هذه الاقتصادات الكبرى على استعمال الطاقات النظيفة والبديلة في صناعاتها المتطورة ، و تقليص الأنشطة المضرة بالبيئة، وأساسا موافقتها الطوعية على تمويل البرامج الفعالة لضمان تقلص معدلات الاحتباس الحراري. وبذلك تتحقق العدالة المناخية، بحيث تتحمل الجهة المتسببة فيما يحدث مسؤولية الحد من خطر هذا الذي يحدث. ودون انخراط فعلي في هذه المقاربة، ومع استمرار تملص القوى الكبرى من مسؤوليتها، و إصرارها على مواصلة سياساتها الصناعية والاقتصادية بالشكل الذي هي عليه حاليا، فإن ذلك يعني أن هذه القوى التي تصدر منظماتها وخبراؤها وعلماؤها تقارير تحذر من التهديدات المرتبطة بتغير المناخ، هي نفسها التي تقود العالم نحو الأسوأ في هذا الشأن، بما تقترفه من ممارسات مضرة بالمناخ و بالبيئة وبالمحيط البشري والحيواني والطبيعي بصفة عامة .
لذلك لا مجال لتصديق وصفات علاجية مغشوشة ومغلوطة، قد يكون الهدف من إصدارها التعتيم عن الأسباب والعوامل الحقيقية ومحاولات متكررة لإلهاء الناس عن الحقيقة.