العلم الإلكترونية - وديع لحرش
بغض النظر عن طبيعة القضية التي كانت موضوع تصويت في البرلمان الأوروبي يوم الخميس الماضي ، فإن الأكيد أن حادث التصويت لم يكن معزولا عن سياق عام تمر به العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي ، و التي تمثل فيها الأزمة الصامتة التي تعرفها العلاقات المغربية الفرنسية حلقة رئيسية .
بغض النظر عن طبيعة القضية التي كانت موضوع تصويت في البرلمان الأوروبي يوم الخميس الماضي ، فإن الأكيد أن حادث التصويت لم يكن معزولا عن سياق عام تمر به العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي ، و التي تمثل فيها الأزمة الصامتة التي تعرفها العلاقات المغربية الفرنسية حلقة رئيسية .
القضية التي حظيت فجأة باهتمام البرلمان الأوروبي ليست جديدة و لا مستجدة ، بل مر عليها أكثر من سنتين كاملتين .و كان مفهوما أن يبادر البرلمان الأوروبي بهذا التصويت بعد أيام قليلة من صدور الأحكام في القضايا الصحافية التي استند إليها هذا البرلمان بصفة مباغتة .لكن انتظاره طيلة هذه المدة يؤشر على خلفيات سنحاول الكشف عنها .
ثم إن عدد النواب الأوروبيين المصوتين لفائدة القرار يحمل أكثر من دلالة، والذي فاق 358 نائبا أوروبيا، وتصويت بهذا الحجم نادر الحصول في هذه المؤسسة ، بما يؤشر على وجود عملية تعبئة وحشد كبير مارسته جهة ما لتحقيق الإجماع على هذا القرار ، أو على الأقل ما يقترب من هذا الإجماع. وهنا نشير إلى أن الغالبية الساحقة من النواب الأوروبيين الذين يمثلون فرنسا صوتوا بنسبة كبيرة جدا لفائدة القرار، ولم يقتصر الأمر على النواب المنتمين لأحزاب اليسار والخضر الذي اعتاد المغرب وقوفهم ضد مصالحه لخلفيات سياسية وإيديولوجية ، بل صوت نواب فرنسيون من أحزاب فرنسية أخرى ، بما فيها حزب الرئيس الفرنسي .و هذا مؤشر يكشف عن الدور الفرنسي المركزي فيما أقدم عليه البرلمان الأوروبي .
مهم أن نشير إلى أن الجهة التي حركت هذا التصويت اختارت توقيتا دقيقا و مناسبا ، و هي الجهة التي استبقت هذا التصويت بإقحام المغرب في قضية رشوة داخل البرلمان الأوروبي، و هي القضية التي كشفت بالملموس أن هذه المؤسسة الأوروبية قابلة للاختراق، وأنها ليست منزهة عن قضايا فساد اعتدناها في برلمانات التجارب السياسية المتخلفة . و بذلك خططوا بدقة كبيرة لتوفير شروط مناسبة لهذا التصويت ، من خلال تخويف وترهيب عدد كبير من النواب الأوروبيين الذين تخوفوا من عدم التصويت على قرار إدانة المغرب ، تجنبا لربط أسمائهم بالمغرب في هذه الظروف الدقيقة .و لعل هذا ما يفسر انتظار البرلمان الأوروبي لفترة امتدت لأكثر من سنتين لإعادة الحياة لملف دخل مرحلة النسيان .
ومهم أن نشير أيضا إلى أن هذا التصويت العقابي حصل بعد مرور أيام قليلة من زيارة ، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي في الشؤون الخارجية و السياسة الأمنية ، نائب رئيس المفوضية الأوروبية السيد جوزيب بوريل للمغرب ، و من الصعب عزل هذا التصويت و تزامنه مع هذه الزيارة عما أفضت إليه اللقاءات التي أجراها المسؤول الأوروبي السامي مع المسؤولين المغاربة، وعما قد يكون سمعه من هؤلاء المسؤولين، ولذلك ليس صدفة أيضا أن يبادر النواب الأوروبيون إلى عقد جلسات والتصويت بعد مرور أيام قليلة عن هذه الزيارة .
ثمة وجه آخر لهذه المواجهة المحتدمة بين المغرب ودول أوروبية تتحكم و تقود الاتحاد الأوروبي، وتتعلق بالبنية التقليدية للعلاقات بين الطرفين .فدول معينة في الاتحاد الأوروبي تتمسك بالإبقاء على البنية التقليدية لهذه العلاقات، والتي تفرض تبعية عمياء لكل من ينتمي إلى الجنوب في مواجهة الشمال ، بيد أن المغرب اقتنع بضرورة تجاوز علاقات ترتكز على ثقافة استعمارية متخلفة ويتشبث بعلاقات الندية والاحترام وخدمة المصالح المشتركة .وهذا ما فرض على الرباط البحث عن شركاء أكثر جدية في أرض الله الواسعة .في هذا الصدد ليس صدفة أيضا أن يستبق التصويت العقابي الزيارة المرتقبة لوزير الدفاع الامريكي لويد أوستن للمغرب خلال الأسابيع القليلة المقبلة، والتي ستركز المباحثات التي سيجريها المسؤول الأمريكي خلالها مع نظرائه المغاربة على تنفيذ اتفاقية التعاون العسكري المغربي الأمريكي 2021 / 2030، والتي تفتح آفاقا واسعة للاستثمار الأمريكي في الصناعات الدفاعية والصيانة ، بما سيمكن من تطوير الصناعة الحربية في المغرب، ولكنه يضمن أيضا إمدادات سريعة للقواعد الأمريكية المتواجدة في أوروبا و في الشرق الأوسط. كما أنه من الأهمية بمكان التذكير هنا أن دولا غربية، وتحديدا فرنسا ،لم تر بعين الرضا للموقف الإسباني الجديد المساند للحقوق المغربية المشروعة فيما يتعلق بوحدته الترابية، لذلك فإنه لم يكن من قبيل الصدفة أيضا أن يستبق التصويت العقابي الزيارة المرتقبة لرئيس الحكومة الإسبانية إلى المغرب على رأس وفد وزاري هام بما يشبه الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي ماكرون الى الجزائر. وربما هذا ما أقنع العديد من النواب الأوروبيين الممثلين لأسبانيا رفض التصويت لفائدة القرار أو التغيب لحظة التصويت .
هذه خلفيات ما حدث ويحدث في المخاض العسير الذي تعيشه علاقات المغرب مع الاتحاد الاوروبي، والتي تحرك فيها فرنسا جميع أدواتها وأسلحتها لإخضاع الرباط لحساباتها ولرغباتها و لمصالحها .